تصوير حسام فضل
رغم أن الجزائر سبقت جيرانها فى مطالبة فرنسا المستعمر القديم بالاعتذار والتعويض وتصفية الإرث الاستعماري، فإن الجماهيرية الليبية نجحت فى إجبار رئيس الحكومة الإيطالية سيلفيو برلسكونى، على تقديم الاعتذار والتعويض عن الجرائم التى ارتكبها الاستعمار الإيطالى ضد الشعب الليبى أوائل القرن الماضى.
أثارت تلك المقارنة التساؤلات عما إذا كانت ليبيا تملك أوراق ضغط لا تتوافر لدى الجزائر، فرغم مطالب ليبيا المستميتة، مازال التعاون مع إيطاليا قائماً، والعلاقات الدبلوماسية جيدة، ليبيا لم تسحب ودائعها المالية من إيطاليا، ولم تهدد الشركات العاملة على أراضيها بالطرد، ولم تدخل فى المناوشات الإعلامية معها.
كل ما فى الأمر، أن مطلب القذافى كان واضحا فى السر والعلن، وهو «الاعتذار والتعويض»، الأمر الذى جعل إيطاليا تتعامل بجدية مع هذا الخطاب باعتباره حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها وتقرر توقيع الوثيقة التاريخية للشعب الليبى والاعتذار عما فعلته إيطاليا الملكية والفاشية من احتلال وتدمير وقتل وتشريد.
كان المستعمر الإيطالى فى بداية الاحتلال (1911 - 1943) قد مارس ألوانا من حملات الإبادة ضد المدن والأحياء الليبية التى قاومته وقتل أهاليها، ومارس الاغتصاب ضد النساء وأعدم المواشى والأبقار والخيول والجمال ودمر آبار مياه الشرب والشجر والزرع وأحرق البيوت.
وتشير بعض الوثائق الليبية إلى سقوط 7000 ليبى خلال 3 أيام فى «المنشية» شرقى طرابلس الغرب، وسقوط 4000 ليبى فى مجزرة «شارع الشط» ونفى آلاف الليبيين إلى الجزر الإيطالية المعزولة ولايزال مصير 5000 مواطن مجهولا حتى اليوم.
وأجمع الرأى العام العربى على أن اعتذار إيطاليا عن الجرائم الهمجية التى اقترفتها فى ليبيا خلال فترة الاستعمار، يعد انتصارا معنوياً كبيراً للقائد معمر القذافى وللشعب الليبى، أمام التعويضات المادية التى لا تتعدى 5 مليارات دولار مبرمجة على 20 عاما.
وكرر القذافى أكثر من مرة أن لا شىء يعوض الشعب الليبى المظلوم الآمن فى دياره، المهم أن إيطاليا محت من على جبينها الصفحة المشينة التى رسمها حكامها منذ 1911 حتى الحرب العالمية الثانية بالنسبة لليبيا.
رغبة البلدين فى تسوية الحقبة الاستعمارية لم تخل من المصالح الاقتصادية، فرئيس الوزراء الإيطالى سيليفو برلسكونى طوى صفحة موسيلينى واعترف بجرائم بلاده فى ليبيا واعتذر عنها، لكنه فى المقابل ربط جسراً اقتصادياً صلباً مع ليبيا التى فتحت له باب الاستثمار فى مشاريع تقدر بعشرات المليارات، فضلا عن توفير النفط والغاز للمدن الإيطالية القريبة من الشواطئ الليبية، كما تم تدشين مشروع للغاز غرب الجماهيرية يصل عبر الأنابيب إلى المدن الإيطالية، بالإضافة إلى تبادل السلع ومشاريع تجارية أخرى.
وخلال توقيع المعاهدة التاريخية فى روما نقلت شاشات الفضائيات، كيف تقدم برلسكونى مقبلاً يد الحاج محمد عمر المختار ابن الشهيد عمر المختار الذى رافق القذافى فى زيارته التاريخية تلك، وهو الأمر الذى كان بمثابة تعويض معنوى كبير لأبناء الشهداء والشعب الليبى كله.
ويقول الحاج محمد «إن الشعب الإيطالى خاصة الشباب يحس بالخزى أمام ما فعلته إيطاليا بالشعب الليبى، لكن القذافى أعاد الكرامة إلى الشعب الليبى وجعل من ليبيا بلدا يتبوأ مكانة مهمة على الصعيد الدولى».
ومازال الحاج محمد يطالب حتى الآن ببعض متعلقات عمر المختار مثل نظارته وردائه الأبيض وحذائه، وهى أشياء تحتفظ بها إيطاليا فى أحد متاحفها، ويقول آملا «ربما يعيدونها مع المنهوبات الأثرية التى وعدوا بتسليمها قريبا إلى الليبيين».
وعن استجابة إيطاليا واعتذارها، يرى الفنان التشكيلى فتحى الدرينى أن مردها «إحساس العقلية الحديثة بالذنب، لأن الذهنية الإيطالية اليوم، غير ذهنية موسيلين، كما أن الحاجة الاقتصادية كانت السبب الأساسى وراء مرونة الطليان، وأضاف: «لكننى كمثقف وبعد إدارة ظهورنا لتلك الحقبة المؤلمة، أتمنى ألا تنحصر العلاقات الثنائية فى المجال الاقتصادى فقط، بل على الثقافة الليبية أن تستفيد من الموروث الثقافى الإيطالى العظيم وتنفتح عليه».