شبكة النبأ: تؤكد الدراسات والبحوث المختصة بدراسة المعوقات التي تحد من طاقات الانسان على اهمية العمل في إشباع الذات والرضا عن النفس، فهو عامل مهم لتحقيق الشرط الانساني الذي يسهم بوصول الانسان الى حالة التوافق النفسي مع ذاته ومحيطه في آن واحد.
بمعنى ان الانسان لا يمارس نشاطه العملي من اجل كسب قوته او من اجل جمع ثروة طائلة فحسب، إنما هناك عنصرا اهم من عامل الربح والثراء الذي قد يتحقق بالعمل، وهو الشرط الانساني، أي رضا الانسان عن نفسه وعن دوره في الحياة، وبغياب هذا الشرط، سيشعر الانسان بضآلته وغياب دوره الانساني ومن ثم تفاقم الشعور بعدم الاهمية والتهميش والاقصاء وهي عوامل نفسية تفاقم بدورها شعور الانسان بأنه فائض عن الحاجة، بمعنى ان هذا الحياة ليست بحاجة لوجوده بسبب غياب دوره الانتاجي العملي كليا، مما يدفعه الى بدائل تنحصر بين الانتحار، وإيجاد الدور المضاد الذي قد يندرج في خانة الارهاب.
فالبطالة كما هو معروف عنها ستفرز الكراهية، وبالتالي ليس امام الانسان لاسيما الشاب سوى تفريغ كراهيته في حالتين او اكثر ومنها الانتحار والارهاب، من هنا تحديدا تتأتى خطورة البطالة، فهي لاتعني ضنك العيش فقط ولا تعني الحاجة المادية فقط، بل تتشكل خطورتها القصوى في الشعور السلبي (القاتل احيانا) لدى الانسان العاطل عن العمل، حيث يفقد ثقته بنفسه وقدراته ودوره في الحياة، ويتصاعد عنده اليأس والشعور باللاجدوى وهو مايقود الانسان العاطل للتفكير بمغادرة الحياة التي لاتتيح له تحقيق شرط البقاء والتواصل مع محيطه متمثلا بالعمل والانتاج، أو تقوده الى قتل الآخرين من اجل حصوله على قوته وشعوره بالرضا عن نفسه لأنه اصبح انسانا منتجا وله دور في الحياة حتى لو كان سلبيا، وهنا تكمن خطورة إغفال الشباب واهمالهم وعدم توفير الرعاية المطلوبة لهم من لدن الجهات الحكومية المعنية.
فقد أعلنت بعض وسائل الاعلام ومنها وكالة (اصوات العراق) إقدام أحد الشباب العراقيين على الانتحار بسبب معاناته من فقدان فرصة العمل، وهنا نتساءل هل دقّ ناقوس خطر البطالة بصورة جدية، وهل ستعي الجهات ذات العلاقة وخاصة الحكومية منها، ما معنى ان يفقد الشاب العراقي فرصته في الحصول على عمل يحقق من خلاله شرط وجوده الانساني اولا ثم سد حاجاته المادية في الاكل والملبس وبناء حياة اسرية لائقة وما شابه؟؟. وهل فكرت هذه الجهات بأن الارهاب سيكون بديلا لدور الشاب العاطل عن العمل؟؟.
إننا لانتحدث عن قصص انتحار خيالية، بل وقائع مأخوذة من صلب حياتنا وواقعنا العراقي المؤسف في هذا المجال، فقد قال مدير مركز شرطة الهلال إن شابا قام بشنق نفسه في ناحية الهلال شمال المثنى، فيما عزا أحد أفراد عائلة المتوفي السبب في اقدام الشاب على الإنتحار هو عدم حصوله على فرصة للعمل.
إذن نحن لانتحدث عن امور خيالية، وحين يصل الأمر الى هذا المستوى من الخطورة، حيث يقدم شاب عراقي على شنق نفسه بسبب عدم حصوله على فرصة عمل، فإن واقع الحال هذا يتطلب دراسة وتدقيقا ومتابعة جدية، كما اننا نعتقد بوجوب عدم التغاضي عما حدث، ولعلنا لانغالي اذا طالبنا بفتح تحقيق في هذه القضية ودراسة المسببات التي اودت بحياة هذا الشاب، بمعنى ان هناك من يقف وراء حالة الانتحار هذه وهي بمثابة جريمة لايجوز ان تمر من دون حساب، فثمة جهات تتصدر المسؤولية سواء في الوزارة المعنية بتشغيل الشباب او في الحكومة المركزية او المسؤولين في المحافظة نفسها، لذلك ينبغي ان يُفتح ملف تحقيقي في هذه القضية وان تُحدد اساب اقدام الشاب على شنق نفسه، والجهات بل والاشخاص الذي أسهموا بصورة او اخرى بدفعه للانتحار.
كما اننا يجب ان لانكتفي بترديد مصطلحات دولة الرفاه والعدالة والقانون والمساواة والديمقراطية وغيرها في وقت يموت الشباب بسبب تفشي البطالة، ويجب أن لايتبجح المسؤولون بأن ميزانية الدولة لهذا العام قد بلغت كذا وكذا مليار دولار في وقت يقتل شبابنا انفسهم لعدم ادائهم دورهم الانتاجي العملي وهو شرط نفسي لتوازنهم واستقرارهم.
فقد أوضح النقيب عظيم سلمان قائلا:” وجدنا جثة شاب من أهالي الناحية -المذكورة- متدلية من حبل علق في سقف الغرفة وقد فارق الحياة، بعد تبليغ من ذويه أنه أقدم على الانتحار شنقا”. وأضاف النقيب: ان التحقيقات “جارية لمعرفة ملابسات الحادث”. مستدركا لكن التحقيقات الأولية “تشير انه أقدم على الانتحار”.
فيما قال خال الشاب المنتحر: بأن ابن أختي الذي يعيش في ناحية الهلال 25 (كم إلى الشمال من محافظة المثنى) يعاني وعائلته أزمة معيشية صعبه”. مشيرا إلى أنه كان طالبا في إحدى المدارس الثانوية.
إذن تشير الدلائل المذكورة بأن الشاب المنتحر من عائلة تعاني الفقر والظروف المعيشية الصعبة، ما يدل على عدم جدية المسؤولين في معالجة ظاهرة البطالة من جانب وعدم رعاية الشباب بصورة جدية ايضا، واذا عرفنا بأن الشاب المنتحر كان يواصل دراسته الثانوية قبل الانتحار، فإن أسفنا عليه سيتضاعف ومطالبتنا بمتابعة هذه الحالة من لدن المسؤولين ستظل قائمة ايضا، إذ لابد من محاسبة المقصرين فعلا، ثم النظر الى اسباب ومعالجة ما حدث بصورة جذرية لكي لا تتحول هذه الحادثة الى ظاهرة قد يقود السكوت عنها الى ظواهر أخرى تأتي على الأخضر واليابس كما يُقال، وبدلا من الاقدام على الانتحار كما حدث مع هذا الشاب، يكون اللجوء الى الارهاب أكثر رحمة من غيره.
لقد دقّ ناقوس خطر مثلث الانتحار/ الارهاب/ البطالة، فعلى من يتصدر دفة القيادة ومعيته من ذوي العلاقة وعقلاء القوم أن يفهموا ماذا يعني ذلك، وأن يتعاضدوا فيما بينهم بصدق وإخلاص ويضعوا الحلول العملية لذلك بأقصى سرعة !!؟.