شبكة النبأ: في المستقبل غير البعيد، لنقل بعد حوالي 15 عاماً ربما، وهو الوقت الذي يتوقع أن تتضاعف فيه آثار تغير المناخ عشر مرات، سيأتي اليوم الذي سيضطر فيه المجتمع الإنساني لتوفير الماء والغذاء لملايين الأشخاص المتضررين من الجفاف في إفريقيا، والاستجابة لاحتياجات بضع الاف من المتأثرين بإعصار في آسيا، والتعامل مع كارثة "هايتي" مرة أخرى – كلها في الوقت ذاته.
وبموازاة ذلك أفاد تقييم لنظام المساعدات الإنسانية الطارئة يعتبر الأشمل حتى الآن أنه بالرغم من تحسن صناعة المساعدات الإنسانية الطارئة إلا أن عليها بذل المزيد من الجهد من أجل الوصول إلى المستوى المطلوب.
وفي هذه الغضون أفاد خبراء جمع التبرعات في ثلاثة من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم وهي منظمة أوكسفام البريطانية ومنظمة إنقاذ الطفولة - المملكة المتحدة ومنظمة وورلد فيجن- الولايات المتحدة أن نمو البرامج سيتباطأ في عام 2009 نتيجة للضغوط المالية.
وفي ظل هذا الاحتمال القاتم، تساءل راندولف كينت، مدير برنامج المستقبل الإنساني في جامعة كينغز كوليدج بلندن والمشارك في كتابة "الآفاق الإنسانية: دليل الممارسين للمستقبل"، قائلاً: "هل نتوقع أن يتمكن المجتمع الإنساني من التأقلم مع كل هذه المتطلبات؟". ويرد الدليل على هذا التساؤل مشيراً إلى أن التعامل مع كل هذه المتطلبات في نفس الوقت لن يكون ممكناً ما لم يُعِد المجتمع الإنسانية خلق نفسه من جديد. غير أن التغير قد بدأ بالفعل وأصبحت الآراء القديمة المتداولة حول كيفية التعامل مع الكوارث تواجه تحدياً كبيراً، حيث أشار الدليل إلى أن "الأنشطة الإنسانية لم تعد مقتصرة على الاستجابة المباشرة للطوارئ والتعافي في مرحلة ما بعد النزاع".
كما أن المجتمع الإنساني حاول على مدى فترة من الزمن معالجة "أسباب ونتائج الكوارث مما أدى إلى زيادة عدد التدخلات الإنسانية التي أصبحت تبدو أكثر فأكثر كأنها أنشطة تنموية تقليدية".
وقد توقع كينت والكاتب المشارك في الدليل، بيتر ووكر من مركز فينشتاين الدولي بجامعة تافتس بالولايات المتحدة، ظهور "نزعة إنسانية جديدة" ستتوسع فيها الأجندة الإنسانية لتشمل شؤون الحكم وسبل العيش والأمن والحماية الاجتماعية وغيرها من الأنشطة التنموية. وسيصبح معالجة الضعف وقابلية التعرض للضرر محور التركيز الأساسي.
كما يتوقع الدليل أن تصبح حكومات البلدان النامية، لاسيما في آسيا، أكثر انخراطاً في البرامج القومية للحماية الاجتماعية والسعي للحصول على الدعم المفتوح. وقال ووكر أن المنظمات الإنسانية المحلية ستتمكن في هذا السياق "من النمو في حين ستضطر المنظمات الدولية لتصبح أكثر استعداداً لاتباع قيادة فروعها المحلية".
من جهته، أفاد بول هارفي، وهو مستشار مساعدات إنسانية، أنه يتوقع عودة ظهور سيادة الدولة في التصدي للكوارث. وأشار إلى أنه على مدى السنوات تحول تدفق المساعدات الإنسانية لحكومات البلدان النامية إلى المنظمات الإنسانية. غير أن "الأموال بدأت مؤخراً تتدفق إلى الحكومات مباشرة مع ظهور دول مثل إندونيسيا والهند والصين قادرة على الاستجابة للكوارث الطبيعية".
كما اقترح الدليل أن يتم إنشاء منظمة إنسانية جديدة ثلاثية الأطراف، يتم تكريس أحد أطرافها لتقديم المساعدات غير المنحازة والنزيهة إلى جميع المناطق المتأثرة بالصراع، في حين يتكفل الطرف الآخر بتقديم المساعدات الإنمائية في مناطق من العالم حيث ينتشر الفقر مع وجود دولة مستقرة أما الطرف الثالث فيركز على الدول غير المستقرة والهشة المعرضة للكوارث والأزمات.
ماذا تحتاج المنظمات الإنسانية للتكيف؟ سؤال سألته شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) لووكر الذي أجاب عنه قائلاً: "هناك أمران... أهمهما أن تصبح أكثر وعياً بالسياق المحيط بها وأن تعتمد أكثر على الدلائل والوقائع بدل الروايات. لقد شهدنا فيما قبل انجرافاً نحو المبالغة في القلق من المساءلة المالية والاهتمام الشديد بتنفيذ العقود الحكومية والوفاء بالمعايير الداخلية. كل هذا يحتاج إلى أن يتوازن مع تعزيز أكبر للواقع المحلي مما يعني منح المزيد من السلطة للمؤسسات في الميدان".
يجب أن تصبح الأمم المتحدة مسؤولة بشكل أكبر عن وضع المقاييس والتنسيق والتسهيل والتحفيز على الابتكار وأن تدافع بشكل فعال ونشيط عن إمكانية الاستضعاف والقابلية للضرر في المستقبل والحلول المقترحة لذلك
وأضاف: "أما الأمر الثاني يتمثل في أنه في كثير من الأماكن، كما هو الحال مع نظام الأمان في إثيوبيا، سينبغي على المنظمات الإنسانية أن تختار بين أن تكون طرفاً مستقلاً في حالات الطوارئ أو شريكاً طويل الأمد للأنظمة الحكومية في تقديم الرعاية الاجتماعية. فالأمر لا يتعلق هنا بالخطأ والصواب، فكلا الخيارين مشروع، ولكن كل منهما يستدعي نوعاً مختلفاً جداً من المنظمات".
وأشار كينت إلى ستة أفكار مفيدة للمنظمات:
1. أن تصبح أكثر توقعاً لما قد يحدث حتى تحتاج لوقت أقل في التخطيط
2. أن تصبح أكثر تكيفاً ومرونة
3. أن تفكر في التعاون مع العلماء والأكاديميين من أجل تحسين القدرات التحليلية وتوسيع نطاق فهم تعقيدات المجتمعات المحلية والحصول على منظور جديد للسيناريوهات المحتملة في المستقبل
4. أن تنخرط في المزيد من التعاون مع قطاع الشركات والمؤسسة العسكرية. "فالجيش يمضي 90 بالمائة من الوقت في التحليلات الاستراتيجية".
5. أن تواكب الابتكارات مثل ابتكار بلامبي نت Plumpy'nut ، وهو الغذاء العلاجي الجاهز للاستخدام الذي أحدث ثورة في معالجة سوء التغذية الحاد لدى الأطفال.
6. أن تتميز بالمزيد من القيادة الاستراتيجية مع تبني رؤية واضحة. وأشار كينت إلى أن المجتمع الإنساني انتقل من المناهج "الأخلاقية المرتكزة على الدعوة" إلى المرتكزة على الإدارة. لقد حان الوقت للعودة إلى الدعوة وامتلاك رؤية محددة.
العمل الإنساني يحصل على درجة "-B"
وأفاد تقييم لنظام المساعدات الإنسانية الطارئة يعتبر الأشمل حتى الآن أنه بالرغم من تحسن صناعة المساعدات الإنسانية الطارئة إلا أن عليها بذل المزيد من الجهد من أجل الوصول إلى المستوى المطلوب.
وقد ركز المقيّمون من شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني ALNAP على تقييم مدى نجاح الجهات المانحة ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للهجرة والحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية في التنسيق فيما بينها والاستجابة للاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء العالم. وقد شمل التقييم مقابلات مع المئات من عمال الإغاثة وتحاليل للبيانات المالية ولتقييمات المنظمات.
فعلى خلاف التقييمات السابقة المشتركة بين الوكالات التي تناولت الاستجابة الإنسانية لحالات طوارئ فردية مثل التقييم المشترك للمساعدات الإنسانية الطارئة لرواندا والتقييم المشترك للتسونامي، أفادت شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني أن الوقت قد حان لتقييم نقاط القوة والضعف في المجال الإنساني ككل وتحليلها لتحديد التوجهات المستقبلية.
وفي هذا السياق، أوضح مدير الشبكة، جون ميتشل لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، أنه "ليس من الممكن [مثلاً] التأكد من أداء النظام الصحي على المستوى القومي في دولة ما من خلال مراجعة مجموعة من المستشفيات فقط...نحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لنظام المساعدات الإنسانية الذي أصبح أكبر وأكثر تشعباً على مدى السنوات العشرين الماضية. فقد أصبح القطاع [محكوماً بشكل أكبر بالأجندات السياسية] ويخضع للمزيد من التدقيق الإعلامي. ولكن من حيث المبدأ، هناك اتفاق على أن أسلوب تقديم المعونات يجب أن يكون أكثر تماسكاً".
وتمثلت المفاجأة الأولى بالنسبة للمقِّيمين في كون النظام يتحسن في الواقع، حسب ميتشل. فقد رسم التقييم المشترك للمساعدات الإنسانية الطارئة لرواندا صورة قبيحة للمساعدات غير الفعالة التي تفتقر للتنسيق، بينما قدم التقييم المشترك للتسونامي مثالاً على تغطية المنافسة بين وكالات على مبدأ التعاون.
وأظهر التحليل الأخير أن المساعدات الإنسانية أصبحت بشكل عام "أكثر كفاءة وأفضل تنسيقاً وتوقيتاً"، حسب ميتشل، حيث ساهم نظام المجموعات التنسيقية، بالرغم من كونه أبعد ما يكون عن الكمال، في تحسين الاستجابة الإنسانية. كما ساهم صندوق الأمم المتحدة المركزي للطوارئ في تسريع وتيرة التمويل للمرحلة الأولى بعد وقوع الكارثة، حسب شبكة التعلم النشط للمساءلة والأداء في مجال العمل الإنساني. وأضاف ميتشل أن "هناك المزيد من المال الذي يتم توزيعه بشكل أكثر عدلاً [بين كل القطاعات]".
كما أن الموظفين الإنسانيين أصبحوا في الغالب أكثر تدريباً واحترافاً بالرغم من أن هذا الجانب لا يزال بحاجة إلى تحسين كما أن وتيرة التغيير ما زالت سريعة جداً. وأفاد التقرير أيضاً أن المساءلة أمام المستفيدين آخذة في التحسن.
وأخيراً، لا زال القطاع يواصل الابتكار، من خلال اعتماد تكنولوجيا جديدة مثلاً وتغيير مناهج الاستجابة مثل اعتماد العلاجات المجتمعية لمعالجة سوء التغذية الحاد أو تغيير عقليات الحكومات كالاستعداد للكوارث عن طريق التأمين ضد الأحوال الجوية.
ولكن لا تزال هناك العديد من أوجه القصور التي لا بد من مخاطبتها، حيث يستمر إهمال عدد من القطاعات الإنسانية عاماً بعد عام، من بينها الحماية والتعافي المبكر والتأهب لحالات الطوارئ والحد من مخاطر الكوارث، حسب المشاركين في التقييم.
وبالرغم من أن بعض المنظمات تقوم باستطلاعات للحصول على آراء المستفيدين منها، إلا أنها لا تعمل بالضرورة بناءً عليها، حسب التقييم. كما ينصب التركيز عند تقييم برنامج ما على نقاط القوة والضعف في المساعدات المقدمة بدلاً من التركيز على مدى الاستجابة للاحتياجات، حيث أفاد ميتشل أنه "لم يتم بعد وضع طريقة واضحة لتحديد الاحتياجات غير الملباة".
منظمات الإغاثة وضرورة العمل في المناطق الحضرية
كم من الأشخاص يعيشون في الأحياء الفقيرة والعشوائية؟ كيف تحدد مواقع العيادات الصحية أو مصادر توفير المياه في هذه الأحياء؟ ستحتاج منظمات الإغاثة للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها في ظل تزايد استقرار المزيد من المستضعفين في بحر من الأكواخ بضواحي المدن عبر العالم خلال السنوات الخمس القادمة، وفقاً لتقرير حديث.
ويعتبر تقرير "الآفاق الإنسانية: دليل الممارسين للمستقبل"، الصادر عن برنامج المستقبل الإنساني بجامعة كينغز كوليدج بلندن ومركز فينشتاين الدولي بجامعة تافتس بالولايات المتحدة، واحداً من تقريرين جديدين يروجان لضرورة وضع برامج كفيلة بتقليص الاستضعاف والقابلية للتضرر في المستوطنات الحضرية. أما التقرير الثاني فيتمثل في تقرير التنمية لعام 2010 الصادر عن البنك الدولي.
وجاء في تقرير البنك الدولي أن "إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان تشير إلى أن نصف سكان العالم يعيشون في المدن. ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان المدن إلى 70 بالمائة بحدود عام 2050. وأضاف أنه "سيكون 95 بالمائة من سكان الحواضر، الذين يزدادون بمعدل 5 مليون ساكن جديد شهرياً، في الدول النامية حيث ستنمو المدن الصغيرة بسرعة قصوى".
وقد تركزت معظم الجهود الإنسانية في السابق على تنمية المناطق القروية دون إعطاء أهمية لاحتياجات سكان المدن. ويعيش حوالي 810 ملايين شخص في الأحياء الفقيرة بالمدن ويعانون فيها من شدة الازدحام وعدم أمان المباني وانجراف الأراضي والفيضانات وسوء الصرف الصحي وضعف التغذية والصحة.
وأفاد التقرير أن التحول إلى البرامج الحضرية "سيتسبب في تسارع التوجه القائم داخل النظام الإنساني الذي تقوم المنظمات الإنسانية بموجبه بتقليص المساعدات العينية وتقديم المزيد من المساعدات المالية" لبناء المرونة والقدرة على التكيف.
وباستثناء الاستعداد للزلازل في المناطق الحضرية، لم تركز المنظمات الإنسانية بعد على الاستجابة للطوارئ في المراكز الحضرية. ويقدم كاتبا التقرير نصائح للمنظمات الإنسانية حول هذا الموضوع وهي:
1. يجب أن تتحول البرامج من التركيز على المناطق القروية، إذ يجب أن تعمل المنظمات الإنسانية الآن على الوصول إلى القائمين على التخطيط الحضري لمساعدتهم على وضع البرامج الحضرية الفعالة.
2. بناء قاعدة معلومات لتحديد الفوارق بين البرامج الحضرية والقروية.
3. إعادة تحديد أكثر الجماعات عرضة للخطر وإعطائها الأولوية.
4. استخدام التكنولوجيا مثل المعاملات البنكية بواسطة الهواتف المحمولة وتقديم القروض الصغيرة لتوفير المساعدات في إطار حضري.
5. ضمان خلق روابط أفضل بين السلطات في المدن الكبرى والمدن الصغرى وتعزيز نظام تقديم المساعدات.
كما يقوم تقرير البنك الدولي بالنظر في تأثير تغير المناخ على سكان المناطق الحضرية، حيث أن "المناطق الساحلية المنخفضة الارتفاع والمعرضة للخطر بسبب ارتفاع مستويات البحر موطن لحوالي 600 مليون شخص في العالم، و15 مدينة من كبريات مدن العالم البالغ عددها 20 مدينة".
المنظمات تخفض أنشطتها في مواجهة الأزمة المالية
وتقوم بعض أكبر المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني والتنموي حالياً بتقليص عدد موظفيها أو مراجعة برامجها لعام 2009 مع انكماش مواردها بسبب الأزمة المالية العالمية.
وقد أفاد خبراء جمع التبرعات في ثلاثة من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم وهي منظمة أوكسفام البريطانية ومنظمة إنقاذ الطفولة - المملكة المتحدة ومنظمة وورلد فيجن- الولايات المتحدة أن نمو البرامج سيتباطأ في عام 2009 نتيجة للضغوط المالية.
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال جون شو مدير التمويل ونظم المعلومات في منظمة أوكسفام البريطانية أن "النمو الذي افترضناه عندما قمنا بوضع الخطط منذ عام مضى لم يتحقق".
وكانت أوكسفام قد وضعت تصورات لنمو مقداره 5 إلى 6 بالمائة خلال عام 2009-2010 ولكنها قامت الآن بمراجعة تلك النسبة وتعديلها إلى صفر بالمائة.
بدورها، قالت تانيا ستيلي، مديرة التبرعات في منظمة إنقاذ الطفولة في لندن، أن بعض أكبر التخفيضات في التمويل تأتي من الشركات المانحة في القطاع المالي، مضيفة أن "انخفاض التمويل المقدم من الشركات بدأ منذ ستة إلى تسعة أشهر".
وأردفت أن "قطاعات البنوك الاستثمارية والخدمات المالية كانوا كرماء جداً في الماضي، ولكننا نعرف أن العام المالي القادم 2009 سيكون صعباً عليهم. كما نتوقع أن يكون التمويل المقدم منهم في أقل الحدود ومن المحتمل أن يتضاءل مع دخول عام 2009".
من جهته، قال روبرت زاتشريتز، مدير الدعوة والعلاقات الحكومية في منظمة وورلد فيجن لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) من العاصمة الأمريكية واشنطن: "لن يكون نمو التمويل المقدم من الشركات كبيراً ولذلك لن نقوم بزيادة عدد برامجنا كما كنا نود أن نفعل".
ونتيجة لذلك لن تتمكن منظمات غير حكومية مثل إنقاذ الطفولة من القيام باستثمارات كبيرة في البرامج القائمة أو البرامج الجديدة كما كانت تأمل.
وتقوم منظمات الإغاثة بكل ما تستطيع لمنع تأثير الانخفاض في التمويل على المستفيدين، حيث قال جون شو من منظمة أوكسفام: "نحن نحاول خفض المصروفات في مجال الدعم وليس في تكاليف البرامج". وقد قدر شو نسبة الخفض بما يتراوح بين 10 و15 بالمائة من المصروفات المتغيرة بما في ذلك موظفي المقر الرئيسي والمكاتب الإقليمية لخلق عمليات فعالة من حيث التكلفة".
وعلى الرغم من أن الجميع اتفقوا على إمكانية الحصول على أموال جديدة في حال حدثت أزمة في الأشهر القادمة إلا أن تانيا ستيلي من منظمة إنقاذ الطفولة أبدت قلقاً من احتمالية أن تتأثر بعض الأزمات المزمنة والمهملة كما هو الحال في جنوب السودان.
كما تخشى منظمة وورلد فيجن من أن يتعرض المستفيدون من برامج القروض الصغيرة على وجه الخصوص كالفلاحين الفقراء الذين يتلقون قروضاً لشراء المعدات والبذور والأسمدة لضربة موجعة. وقد أشار زاتشريتز إلى أن "الكثير من ذلك يعتمد على الحصول على قروض من البنوك وهو ما سيكون تحدٍ حقيقي في المستقبل القريب"، مضيفاً أن "خسارة هذه القروض يعتبر مشكلة كبيرة لمزارعي العالم الفقراء".
ومنظمة وورلد فيجنأكبر منظمة دولية إنسانية غير ربحية في العالم حيث يبلغ تمويلها السنوي 2.4 مليار دولار. ويأتي 30 بالمائة من قيمة هذا التمويل المقدم لفرعها في الولايات المتحدة من الحكومة الأمريكية و30 بالمائة من المؤسسات و40 بالمائة من تبرعات الأفراد والشركات.
وتحاول المنظمات غير الحكومية ابتكار طرق جديدة للخروج من الضائقة المالية. فبعض المنظمات كأوكسفام تستهدف زيادة التمويل من المؤسسات المانحة والتي ينظر إليها كمصادر أكثر ثباتاً على المدى الطويل.
أما منظمة إنقاذ الطفولة فتحاول استخلاص المزيد من التمويل من الأفراد الأثرياء، حيث قالت تانيا ستيلي: "ستكون هناك سوقاً تنافسية ولكنني لا أستطيع أن أُصدق أننا لن نحقق نمواً في فترة الأربع إلى الست سنوات القادمة".
وعلى الرغم من انخفاض تمويل الشركات إلا أن عمليات تسريح العمالة تقدم فرصة للعمالة الزائدة في قطاع الشركات للتطوع في المنظمات غير الربحية بحيث يسخروا مهاراتهم في عمل خيري. وأضافت ستيلي أنه "على الرغم من تضاؤل أموال الشركات إلا أن ذلك لا يعني أن العلاقة مع تلك الشركات يجب أن تنتهي".
وتأمل ستيلي في أن الانخفاض في تكاليف الدعاية التليفزيونية- وهي أحد آثار أزمة الائتمان العالمية- سيمكن المنظمات الإنسانية كإنقاذ الطفولة الآن وبصورة أفضل من تحمل نفقات إدارة حملات تليفزيونية تسويقية مباشرة.
ولكن بصفة عامة فإن العديد من المنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني والتنموي قد خفضت من خططها لجمع التبرعات. وقال جون شو من أوكسفام أنه لو وضعت منظمات الإغاثة خططاً مستقبلية فإنه من غير المتوقع أن يحدث تراجعاً في أنشطتها. وأضاف قائلاً: "لقد راجعنا خططنا خلال الستة أشهر الماضية، وإذا كان علينا أن نقوم باتخاذ قرارات غير محسوبة فإنها لن تكون بنفس فاعلية قراراتنا لو خططنا للمستقبل".
ومع ذلك، هناك بعض الدلائل المشجعة في ظل حالة عدم اليقين السائدة، حيث قالت ستيلي: "تقوم المؤسسات المانحة الرئيسية مثل وزارة التنمية الدولية البريطانية أو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتبني تصورات طويلة الأجل. ونحن لا نرى أي مؤشرات عاجلة تدل على أنهم سينسحبون".
وطبقاً لما ذكره روبرت زاتشريتز من وورلد فيجن فإن تمويل الحكومة الأمريكية سيبقى على نفس المستوى الذي كان عليه في عام 2008، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب منها أن دورة التمويل تبدأ من أكتوبر/تشرين الأول 2008 إلى نهاية سبتمبر/أيلول 2009، وأنه عام الانتخابات، كما أن الكونجرس قد وافق على قرار يقضي بالحفاظ على ثبات التمويل الحكومي الأمريكي.
ولكن جون شو أفاد أنه من المبكر القول بأن تلك الاستراتيجية سوف تدوم "وفي نهاية الأمر فإن التمويل الحكومي سيتوقف على محاولة الحكومات تحقيق التوازن بين موازناتها وسياساتها، ولذلك فإنه من المبكر جداً التكهن بالنتائج ولكن التعهدات التي قُطِعَت حتى الآن تبشر بالخير".
تحديات القضاء على الفساد في مجال العمل الإنساني
وحث تقرير جديد الوكالات الإنسانية على تكثيف الجهود والتعاون لتقليص مختلف أنواع الفساد الذي من شأنه عرقلة سير عملية توصيل المساعدات الإنسانية وتشويه سمعة المؤسسات الإنسانية القائمة على هذه العملية.
وجاء في هذا التقرير، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية Transparency International ومركز فينستاين الدولي Feinstein International Center وجامعة تافتس Tufts Universityومجموعة السياسة الإنسانية بالمعهد البريطاني لتنمية ما وراء البحار the Humanitarian Policy Group at the UK’s Overseas Development Institute، تحت عنوان مكافحة الفساد في مجال المساعدات الإنسانية أن "المجتمع الدولي مطالب ببذل ما يلزم من جهود لمكافحة الفساد وتقليص المخاطر المرتبطة به".
كما أشار هذا التقرير الذي ارتكز على أبحاث شملت سبع منظمات غير حكومية دولية رئيسية إلى أن هناك "القليل فقط من الإدراك بمدى الفساد المتفشي في مجال المساعدات الإنسانية وبالعواقب الناجمة عنه، والقليل فقط أيضا من المعلومات المشتركة حول طرق مكافحة الفساد في حالات الطوارئ باستثناء بعض الممارسات القياسية النادرة بالإضافة إلى اعتبار الحديث في هذا الموضوع من المحظورات والشعور بالإحراج في مواجهة هذه الظاهرة بشكل علني".
ويوضح التقرير أن الممارسات الفاسدة، على خلاف الاعتقاد السائد، تمتد إلى ما وراء الاختلاسات المالية لتشمل العديد من مظاهر "سوء استغلال النفوذ والسلطة" مثل المحاباة والمحسوبية و "الاستغلال الجنسي والإكراه والترهيب الذي يتعرض له الموظفون الإنسانيون أو المستفيدون من المساعدات الإنسانية بهدف تحقيق مآرب سياسية أو اجتماعية أو تغيير نتائج تقييم معين أو تحويل عملية الاستهداف أو التسجيل لصالح مجموعة معينة أو تحويل المساعدات إلى مجموعات غير مستهدفة أصلا".
وأكد التقرير على أن العمل الإنساني يعاني من ضعف خاص أمام الفساد بسبب محيطه الخاص وطبيعته المجتمع الدولي مطالب ببذل ما يلزم من جهود لمكافحة الفساد وتقليص المخاطر المرتبطة به
الفريدة. حيث يتحتم عليه سرعة الأداء والإنفاق في الوقت الذي تكون فيه "البنيات التحتية العادية سواء منها اللوجستية أو الإدارية أو القانونية أو المالية قد تعرضت لأضرار كبيرة أو لدمار كلي".
وأشار التقرير إلى أنه "قد يكون هناك في بعض الأحيان تغيير سريع ومتواصل للموظفين المسؤولين عن الإشراف على سير العملية الإنسانية بحيث لا يبقى منهم سوى القليل فقط الذي يستمر على الأرض لمدة كافية لتكوين فكرة واضحة وفعالة عن بيئة العمل تمكنهم من تخفيف بعض المخاطر المرتبطة بالفساد".
وتخطط منظمة الشفافية الدولية، بناء على البحث الذي قام عليه التقرير، لإصدار كتيب خاص "بالممارسات السليمة" خلال عام 2009. كما أوصى التقرير نفسه الوكالات الإنسانية باتخاذ عدد من الإجراءات لمكافحة الفساد تتمثل في تشجيع الموظفين على مناقشة ظاهرة الفساد وتبليغهم عن حالات حدوثها، وإدراج موضوع الفساد في برامج التدريب واستراتيجيات الاستعداد للطوارئ وخفض الأخطار، وضمان تطبيق السياسات الخاصة بالفساد في المكاتب الميدانية وتكييفها مع بيئة الطوارئ، وتشجيع شفافية المعلومات ومراقبة البرامج والتعاون بين الوكالات.