شبكة النبأ: ارتفعت مؤخرا أعداد المكتئبين في العالم وتزايدت معدلات الانتحار حتى اصبح الاكتئاب يعد من اخطر اربعة امراض شيوعاً, ويصيب نحو ١٢٠ مليون شخص في العالم، منهم ٣٠% شباب وأطفال.
وتكمن الخطورة في ان اسباب مرض الإكتئاب متعددة ولا ترتبط بالناحية النفسية فقط، بل بالتغيرات الفسيولوجية في المخ، وعدم توازن نوع المادة الكيميائية التي تحمل الإشارات في المخ والأعصاب، والتي تسمى الموصلات العصبية، وان احتمالات الإصابة بين السيدات تتزايد في السنوات الاخيرة، في حين يرتفع معدل انتحار الرجال المكتئبين اربعة اضعاف النساء.
ونشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية تقريراً علمياً يشير الى أن مرضى الكآبة يصابون بأمراض جسدية أكثر من غيرهم، اذ ترتفع بينهم معدلات الإصابة بأمراض القلب والجهاز الدوري والكلى وغيرها. والمعلوم أيضاً أن الكآبة، على رغم أنها مرض نفسي، يعاني المُصاب بها أعراضاً جسدية، مثل الوهن المتواصل والارهاق عند بذل القليل من الــجهد وضيق النفـــس وصعوبة البلع والتعرق.
وأحياناً، يتركز تفكير بعض المرضى على تلك الأعراض الجسدية، فيظنونها هي مرضهم، ويسعون الى الشفاء منها. وترى هؤلاء يتنقلون من طبيب الى آخر طلباً لعلاج أعراضهم الجسدية، من دون فائدة كبيرة. وبالاختصار فإن الكآبة كمرض نفسي «يُعبّر» عن نفسه بأعراض شتى، بما فيها الأعراض الجسدية، ومن ناحية ثانية إذاً، فإن الكآبة تجعل الجسد «يتقبل» أمراضاً جسدية ما يدفع بعض المرضى الى البحث عن علاج لتلك الأمراض، من دون التنبّه الى علاقتها مع الكآبة. وغالباً ما تشفى تلك الأمراض، فيترسخ اعتقاد المريض بأن ما عاناه هو مرض جسدي وقد شفي منه. وبعد فترة، يعود المريض ليصاب بمرض آخر، وبين الإصابتين تبقى حاله النفسية حبيسة المرض النفسي (الكآبة) إلى أن يعالجها.
خطر الاكـتئـاب
وفي إشارة واضحة لمضار الاكتئاب، أفاد باحثون من منظمة الصحة العالمية بأن أثر الاكتئاب على حياة المريض أخطر من أمراض الضغط والسكري والربو والخناق والتهاب المفاصل، خاصة اذا ارتبط بالاكتئاب مرض مزمن اخر.
وأشارت الدراسة إلى أن علاج الاكتئاب يؤدي إلى تحسن في الصحة العامة للمريض، حيث دعا الخبراء إلى زيادة الانفاق على خدمات الصحة النفسية.
وفي نفس السياق، كشفت نتائج دراسة بريطانية أن الأشخاص الذين يخافون بشكل شديد من الجرائم، معرضون اكثر من غيرهم لمرض الاكتئاب النفسي.
وأوضحت الدراسة -التي نشرت في مجلة اميريكان جورنال اوف بابليك هيلث- أن الخوف من الجرائم مرتبط بضعف النشاط الجسدي وتدهور نوعية الحياة.
وتناولت الدراسة -التي أشرفت عليها ماي ستافورد من جامعة لندن- 6500 شخص تتراوح أعمارهم بين الـ 50 والـ75. بحسب تقرير لـ الحياة.
وقالت ستافورد، إن الأشخاص الذين يخشون الجرائم معرضون أكثر من غيرهم للاكتئاب النفسي، الذي يؤثر بدوره علي نمط الحياة ونوعيتها.
وفي بحث أخر، أفادت دراسة طبية بأن نوبات الاكتئاب والاضطرابات والقلق قد تكون هى المسؤولة عن تراجع النشاط اليومي ونوعيته بين مرضى الأزمات الربوية حيث ينجم الاكتئاب في بعض الحالات وذلك نتيجة عدم معالجة الأزمات بصورة سليمة.
وأوضحت الدراسة أن الأشخاص الأكثر عرضة لحالات الاكتئاب والحزن الشديد بشكل مستمر، هم أكثر الناس
عرضة لتلف وموت خلايا المخ.
وأضاف الباحثون أن كل من الحزن الشديد والاكتئاب وتقلب المشاعر، والأحاسيس العاطفية القوية، يعرض خلايا جانبي المخ إلى التلف الذي يحدث بصورة بطيئة، ولكنه يؤدي في النهاية إلى نتيجة مأساوية، حيث يؤدي تلف الخلايا إلى انكماشها، وبالتالي فقدان الذاكرة، أو التعرض لإصابات دماغية أخرى.
اكتئاب المرأة ضعف معدل الرجل
أكد الدكتور محمد فليفل أستاذ الصحة النفسية والعلاج النفسي جامعة الأزهر أن الدراسات العلمية كشفت أن الاكتئاب لدي المرأة ضعف معدله عند الرجل.
ويضيف أن المرأة أكثر عرضة للاصابة بالاكتئاب سواء الجسيم أو اضطراب المزاج بسبب التكوين العاطفي لها وخبرات التعلق والفقد بالآخرين والتغيرات البيولوجية المتلاحقة والعمل المستمر بلا راحة، بالإضافة إلي اكتئاب ما قبل الدورة الشهرية والذي يصيب حوالي 30% من النساء و10% اكتئاب اثناء الحمل ومن 10 الي 20% اكتئاب مابعد الولادة ومن 10 الي 15% اكتئاب مابعد الدورة.
الاكتئاب يرتبط بطبيعة الوظيفة أحياناً
وربط تقرير حكومي امريكي بين الاكتئاب وطبيعة الوظيفة بعد أن لاحظ أن معظم الأفراد الأمريكيين الذين يعملون في خدمة المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة وفي حضانة الأطفال والمطاعم، يعانون من معدلات مرتفعة من الاكتئاب.
ووجد التقرير الذي نشر حديثا أن هناك سبعة في المائة من إجمالي العاملين في القطاعات المذكورة آنفا وبدوام ساعات كاملة، قد عانوا العام الفائت من الاكتئاب.
وكشف التقرير أن الإناث العاملات في هذه القطاعات معرضات للإصابة بالاكتئاب أكثر من الذكور، كما أن صغار السن ممن يعملون في هذه الوظائف معرضون للوقوع ضحية الاكتئاب أكثر من نظرائهم من كبار السن.
كما قال قرابة 11 في المائة ممن يعملون في مجال الإسعاف مثل الاهتمام بحضانة طفل ومساعدة المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة في تصريف أمورهم اليومية، إنهم أصيبوا باكتئاب استمر لأسبوعين أو أكثر، وفق أسوشيتد برس.
وبيّن التقرير أن الموظفين الأمريكيين الذين يعملون كنادلين وطباخين في المطاعم من كلا الجنسين، لديهم أعلى معدلات إصابة بالاكتئاب بين غيرهم من الموظفين الذين يعملون بدوام كامل، بلغت نسبتها 3,10 في المائة. فيما جاءت أدنى معدلات بالمرض بين الموظفين الذين يعملون في مجال الهندسة والتصميم المعماري والمسح.
يُذكر أن التقرير الحكومي الأمريكي رصد ظاهرة الاكتئاب في 21 مجالاً وظيفياً رئيسياً، واستند إلى معلومات مجمعة منذ عام 2004 حتى 2006.
وأوضح التقرير الذي أشرفت عليه إدارة خدمات الصحة العقلية والإدمان أن الاكتئاب يؤدي إلى خسائر تتراوح بين 30 مليار دولار و44 ملياراً في السنة بسبب تراجع إنتاج الفرد في العام.
يشار إلى ان بعض الدراسات اظهرت ان الاكتئاب يؤثر بشكل كبير في قدرة الشخص على العمل بشكل فعال. وقد يكون الاكتئاب شديدا جدا بحيث أن الشخص المصاب يجب عليه التوقف عن العمل كليا في وقت معين.
وعندما لا يكون الاكتئاب شديدا، فان معظم الناس يحاولون التظاهر بأنه ليست هناك مشكلة مع انهم على يقين أنهم لا يقومون بأعمالهم كالعادة.
ومن تأثيرات الاكتئاب في العمل ان الشخص الذي يعاني من الاكتئاب قد يبدأ بتصرفات غير معتادة في البيت وفي مكان العمل، وربما يلاحظ العمال أو الموظفون الآخرون أن هذا الشخص:
* يعمل ببطء.
* غالبا ما يفعل أخطاء.
* غير قادر على التركيز.
* أنه ينسى.
* يتأخر عن العمل والاجتماعات.
* لا يأتي للعمل.
* يتشاجر ويتجادل مع زملائه.
* غير قادر على توزيع المهام.
* العمل أو محاولة العمل تحتاج لمجهود زائد.
التدخل العائلي أفضل من الأدوية
وأشارت نتائج دراسة جديدة إلى ان التدخل العائلي كعلاج ربما يكون اكثر فعالية من الادوية المضادة للاكتئاب عندما يواجه مريض بالاكتئاب الحاد انتكاسة خلال العلاج طويل المدى. وقال البروفيسور جيوفاني فافا من جامعة بولوجنا بايطاليا وزملاء له ان نتائج الدراسة الجديدة تصور الدور المهم الذي تلعبه احداث الحياة والتوازن العائلي على المرضى الذين يعالجون من اكتئاب متكرر.
وقال فافا، اذا كان هناك شخص يتناول مضادات اكتئاب، وهناك الكثير من الضغوط حوله وخاصة في عائلته، فانهم يحتاجون إلى علاج عائلي وليس إلى علاج بمزيد من الادوية.
وادرج الباحثون 20 رجلاً بالغاً وامرأة عانوا من انتكاسة لمرض الاكتئاب بالرغم من التزامهم الجيد بتناول الادوية المضادة للاكتئاب.
واستمر نصف المشاركين في تناول جرعة علاجهم المضاد للاكتئاب فيما شاركوا هم وشركاؤهم في ست جلسات من ساعة واحدة اسبوعيا.
وخلال هذه الجلسات عمل المريض وشريكه مع طبيب لتحديد مشاكل العائلة واحداث الحياة المرتبطة بانتكاسة المريض وتطوير خطوات لحل المشكلة من اجل التعامل بايجابية مع هذه المواقف بشكل ايجابي.
وزاد العشرة الآخرون المشاركون في الدراسة من جرعات علاجهم وتلقوا دعما ونصيحة كما هو مطلوب في 6 جلسات استمرت 30 دقيقة اسبوعياً.
وأورد الباحثون في دورية الطب النفسي الاكلينيكي انه خلال فترة الدراسة التي استمرت عاما استجاب 7 من 10 مرضى في كل مجموعة للعلاج الخاص بهم.
لكن واحداً فقط من المستجيبين السبعة في مجموعة التدخل العائلي مقارنة بستة من كل سبعة مستجيبين في مجموعة الجرعات التي جرت زيادتها واجهوا انتكاسة خلال فترة الدراسة.
وغالباً ما تكون انتكاسة المرضى مرتبطة بحدث معين في الحياه مثل التقاعد أو التغيرات داخل العائلة كما يعلق الباحثون. وعلى ذلك فان تطبيق تدخل عائلي بالنسبة لمرضى الاكتئاب المتكرر يتعين تقييمه بدرجة اكبر في مجموعات دراسية اوسع.
ويقول اخصائيو الطب النفسي ان أهم ما يمكن عمله من قبل عائلة وأصدقاء المصابين بالاكتئاب هو ان يتعرفوا تعرفا صحيحا إلى التشخيص والعلاج وهذا يشمل تشجيع المريض على الاستمرار في العلاج حتى تختفي أو تخف الأعراض إلى درجة مقبولة. واذا لم يحدث ذلك تجب تجربة علاج آخر. ولنتذكر أن ذلك سوف يأخذ أسابيع طويلة وقد يحتاج المريض إلى شخص آخر ليأخذه إلى المستشفى أو إلى الطبيب وقد يحتاج ان يراقب علاجه وتحسنه وأن يساعد في انتظام تعاطي جرعة الدواء.
كما ان من أهم ما يحتاج اليه المصاب بالاكتئاب هو المساندة العاطفية ويشمل ذلك الصبر والتفهم والحنان والتشجيع.
وينصح الاخصائيون باصطحاب المصاب بالاكتئاب في نزهة في السيارة أو في أي مكان مريح للأعصاب والإصرار بلطف على ذلك ، فإذا رفض المريض يفضل اختيار النشاطات التي كان المريض يألفها ويسر منها مثل الذهاب إلى أماكن العبادة أو الرياضة أو ممارسة هواياته.
كما يحذر الاخصائيون من اتهام المريض بالاكتئاب بأنه كسول أو أنه لا يقبل ان يحسن من حاله بأن يخرج من حالة الاكتئاب من تلقاء نفسه، ويجب تذكر أن معظم حالات الاكتئاب يمكن ان تعالج لكنها قد تحتاج إلى وقت.
وكان علماء استراليون ذكروا في دراسة نشرت نتائجها في دورية علم الأوبئة والصحة العامة ان وجود الأصدقاء الأوفياء يخفف الاكتئاب وقد يساعد على الحياة لفترة أطول.
وقال هؤلاء العلماء إن التمتع برفقة الأصدقاء في سن متقدمة قد يكون له أثر أكثر إيجابية في العمر المتوقع من وجود أعضاء العائلة.
ودرس فريق الباحثين كيفية تأثير مجموعة من العوامل الاجتماعية والصحية وأنماط الحياة في معدلات البقاء على قيد الحياة لأكثر من 1500 شخص تجاوزت أعمارهم السبعين عاماً.
واستمد فريق البحث البيانات من “الدراسة الأسترالية التتبعية للشيخوخة” التي بدأت عام 1992 في أديليد بجنوب استراليا.
وكجزء من الدراسة، سئل من شملتهم الدراسة عن كم الاتصالات الشخصية والهاتفية التي أجروها مع شبكات اجتماعية مختلفة، تشمل الأطفال والأقارب والأصدقاء وأهل الثقة.
ثم تابع فريق البحث معدلات بقاء كل من المشاركين على قيد الحياة على مدى العقد التالي، وذلك بالسؤال عنهم بعد أربعة أعوام، ثم بعد كل ثلاث سنوات.
وخلص الباحثون إلى أن الاتصال الوثيق بالأطفال والأقارب كان له تأثير طفيف في معدلات البقاء على قيد الحياة على مدى عقد من الزمان.
لكن كبار السن الذين يتمتعون بأقوى شبكة من الأصدقاء والرفاق تزيد الاحتمالات الإحصائية لبقائهم على قيد الحياة لدى انتهاء الدراسة من ذوي شبكات الأصدقاء الأقل قوة.
وبعد مقارنة تأثير متغيرات علم السكان والصحة وأنماط الحياة فيمن شملتهم الدراسة وجد الباحثون أن احتمالات الوفاة على مدى العقد التالي قلت بنسبة 22% لدى من يتمتعون بصداقات وبعلاقات اجتماعية قوية ممن صداقاتهم أقل قوة.
التكاليف الباهظة المترتبة على الاكتئاب
إن الاكتئاب، طبقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، يُـعَد أسوأ رابع مشكلة صحية على مستوى العالم، حيث قاست الدراسة الخسارة بعدد السنوات المفقودة من الصحة الطيبة نتيجة للإصابة بمرض الاكتئاب. ومن المرجح طبقاً للدراسة، أن تحل هذه المشكلة في المرتبة الثانية من حيث السوء بعد مرض القلب بحلول عام 2020. ورغم ذلك فإننا لم نبذل الجهود الكافية لعلاج أو منع هذا المرض.
كما كشفت هذه الدراسة، التي قادها سابا موسافي ونشرت في الشهر الماضي في مجلة "الـمِبضَع" The Lancet، أن الاكتئاب يخلف أثراً أكبر على الصحة البدنية لهؤلاء الذين يعانون منه، مقارنة بالأمراض المزمنة الكبرى مثل الذبحة الصدرية، وداء البول السكري، والتهاب المفاصل، والربو. ولكن في العدد نفسه من المجلة، أكد غافين أندروز ونيكولاي تيتوف، الباحثان لدى جامعة نيو ساوث ويلز، أن الأستراليين المصابين بالاكتئاب أقل فرصة في الحصول على المستوى المقبول من الرعاية مقارنة بالمرضى المصابين بالتهاب المفاصل أو الربو. وينسجم هذا النمط مع التقارير الواردة من دول متقدمة أخرى.
إن علاج الاكتئاب كثيراً ما يكون فاعلاً، إن لم يكن دائماً، وبدون هذا العلاج لا يستطيع المصابون بالاكتئاب أن يعيشوا حياة سعيدة راضية. ولكن حتى إذا ما قسنا الأمور بمقاييس التكاليف والمنفعة، فمن المنطقي أن ننفق المزيد على علاج الاكتئاب.
فطبقاً لتقديرات إحدى الدراسات التي شملت 28 دولة أوروبية تبين أن مرض الاكتئاب كلف هذه الدول 118 مليار يورو في عام 2004 وحده، أو ما يقرب من 1 في المائة من مجموع الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول. وأثبتت الدراسة أن تكاليف علاج الاكتئاب تقدر بنحو 9 في المائة فقط من ذلك المبلغ الضخم. وكان تضاؤل الإنتاجية يشكل حصة أكبر من الخسارة. كان ريتشارد لايارد، من مركز الأداء الاقتصادي التابع لكلية لندن للعلوم الاقتصادية، قد أكد أن المرض العقلي يمثل المشكلة الاجتماعية الأضخم التي تواجهها بريطانيا، حيث يكلفها 1.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي. وطبقاً لتقديراته فبينما قد يتكلف علاج كل مريض نحو 750 جنيهاً إنجليزياً على مدار عامين، فمن المرجح أن يضيف النجاح في علاج كل مريض شهراً إضافياً إلى عمله، بقيمة 1880 جنيها. ويميل اللورد لايارد إلى استخدام الطب النفسي بدلاً من العلاج بالعقاقير.
في الولايات المتحدة نشر فريق بحثي، بقيادة فيليب وانج من المعهد الوطني للصحة العقلية في روكيللي في ولاية ماريلاند، نتائج مماثلة في الشهر الماضي في جريدة الجمعية الطبية الأمريكية. وكان فريق وانج قد أجرى تجربة موجهة على عينة عشوائية، فأظهرت التجربة أن غربلة مرضى الاكتئاب ـ بحثاً عن العاملين الذين قد يستفيدون من العلاج ـ ممارسة فاعلة من حيث تقليص التكاليف، نتيجة لتخفيض تكاليف التأمين الصحي التي يتحملها أصحاب العمل، وتقليص نسبة الغياب نتيجة للمرض، وزيادة قدرة المريض على الاحتفاظ بعمله ورفع إنتاجيته.
ومرض الاكتئاب يكلف الدول النامية أيضاً الكثير. ففي الصين، وطبقاً لمقال نشره أخيرا تيهوي هيو وزملاؤه في جريدة "طب النفس الاجتماعي والأوبئة النفسية"، فإن مرض الاكتئاب يكلف الصين نحو 51 مليار رينمينبي، أو ما يزيد على ستة مليارات دولار أمريكي سنوياً بأسعار عام 2002. ومنذ بضعة أعوام أكد فريق بحثي تحت قيادة فيكرام باتيل في "الجريدة الطبية البريطانية" أن مرض الاكتئاب شائع في زيمبابوي، حيث يطلق على ذلك المرض تعبير محلي يعني "التفكير أكثر مما ينبغي".
الحقيقة أن العديد من المتخصصين في الرعاية الطبية الأولية في مناطق عديدة من العالم يستخفون بخطورة مرض الاكتئاب. ويفتقر الكثير من هؤلاء الأطباء إلى التدريب الكافي للتعرف على المرض العقلي، فضلاً عن عدم اطلاع أغلبهم على آخر الخيارات المتاحة في علاج الأمراض العقلية. وقد يمتنع المرضى أيضاً عن السعي إلى الحصول على العلاج، وذلك لأن المرض العقلي ما زال يحمل وصمة العار التي تجعل الاعتراف به أصعب من الاعتراف بالإصابة بالأمراض البدنية.
١٢٠ مليون مكتئب في العالم
وحذر علماء الطب النفسي من ارتفاع أعداد المكتئبين في العالم، وتزايد معدلات الانتحار، حتي أصبح الاكتئاب يعد من أخطر أربعة أمراض شيوعاً ويصيب نحو ١٢٠ مليون شخص في العالم.
وأشارت الأبحاث إلي أن أسبابه متعددة ولا ترتبط بالناحية النفسية فقط، بل بالتغيرات الفسيولوجية في المخ، وعدم توازن نوع المادة الكيميائية التي تحمل الإشارات في المخ والأعصاب.
وقال الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسي، وأستاذ الأمراض النفسية بطب عين شمس، في مؤتمر عقد مؤخراً بالقاهرة، إن هناك علاقة بين الاكتئاب وزيادة حدوث أمراض النوبات القلبية والجلطة والتراجع العصبي وهشاشة العظام والسمنة وسرطان الثدي.
وحذر من خطورة انتشار الاكتئاب لأنه يؤدي للانتحار إذا فشل المريض في إيذاء غيره، ويصيب المرض جميع الأعمار، ويمثل ٤٠% من مجموع الأمراض النفسية، وتختلف أعراضه باختلاف العمر، فيصيب الأطفال باضطرابات في نطق الكلام وعدم القدرة علي إحكام التبول، ويظهر عند الشباب في شكل اضطرابات سلوكية كالكذب والسرقة دون داع.
وقد يعتبر الوالدان ذلك خللاً في التربية دون النظر إلي أنه تعبير عن مشاعر دفينة بالحزن والوحدة، وعند المسنين يأخذ الاكتئاب صوراً متعددة كالميل إلي الحزن والإحساس بالضيق والتشاؤم وفتور الإحساس، وقد يأخذ أعراضاً جسدية مثل فقدان الشهية ونقص الوزن والشعور بالإجهاد واضطراب النوم، ويؤدي الاكتئاب إلي العزلة الاجتماعية المتزايدة وبطء الحركة، وأخطر صوره التفكير في الموت.
اكثر من 20 مليوناً في مصر يعانون من الإكتئاب!
يُذكر ان أستاذ الطب النفسي الدكتور أحمد عكاشة كان قد فجر «قنبلة» علمية إذ أكّد أن نحو 20 مليون مصري مصابون بأعراض الكآبة، منهم أربعة ملايين يعيشون في القاهرة وحدها، وحينما كان عدد المصريين 70 مليوناً وليس 78 مليوناً!. بحسب تقرير لـ الحياة.
ويخطئ من يعتقد بأن أكثرية المصريين غير مدركة معنى الكآبة أو وجودها، استناداً الى الأمية المتفشية في البلاد. لكن واقع الحال يشير إلى عدم وجود علاقة بين الأمية والإلمام بمبادئ الاكتئاب. وليس أدل على ذلك من «أم ياسين» زوجة البواب البسيطة التي «لا تفك الخط» والتي أصابتها أوجاع في المعدة، وصداع فتّاك، وآلام في المفاصل. وحين سئلت عما أصابها قالت بحنكة المثقفين والمطلعين والفنانين: «إنه فكر... مخي شغال ليلاً ونهاراً والمصائب تتوالى علي الواحدة تلو الأخرى، بين زواج أبو ياسين بأخرى، واضطراري الى عدم إرسال ابنتي الكبرى إلى المدرسة حتى تعمل وتساعدني في المصروف، ووفاة والدتي التي كانت سندي في الحياة».
أستاذ الطب النفسي الدكتور خليل فاضل كتب على موقعه الطبي على الإنترنت إن شكل الكآبة تغير وتبدلت ملامحه على وجوه المصريين خلال الثلاثين سنة الماضية. ولم يعد ذلك الاضطراب الأنيق الذي يجرح المزاج ويصاب به المرفهون المثقفون الذين يملكون أدوات التعبير. وقبلاً، لم تكن كلمة الاكتئاب متداولة بين العامة أو في الريف والمناطق الشعبية، لكنها صارت أمراً عادياًً. ولم يعد استبدال وصف الكآبة باضطرابات أخرى منتشراً كما سبق. كما لم يعد هناك خجل منها، ولم تعد ضرباً من الجنون.
الاكتئاب العالمي ومواصفاته المصرية
ويوضح استاذ الطب النفسي في جامعة الأزهر الدكتور هاشم بحري أن أبرز مظاهر الاكتئاب وأكثره شيوعاً هو الإصابة بالخمول الذي يفقد الإنسان القدرة على أداء أي عمل.
وقائمة أعراض الكآبة طويلة، إذ يعاني الإنسان من فقدان الحماسة واللامبالاة، ويشعر بأنه لم يعد قادراً على مسايرة الحياة من حوله، كما يفتقد تماماً الإحساس بالسعادة والطمأنينة. ومع استمرار الحال، يتسرب إليه اليأس ويحبس نفسه في عالمه الذي يغوص في أعماقه تدريجاً. وقد تتطور الحال أكثر، فيشعر بأن موته أصبح وشيكاً، وقد يدفعه هذا الإحساس، ربما الى الانتحار.
وثبت أن الكثير من الأمراض العضوية هي نتيجة طبيعية وحتمية للإصابة بالاكتئاب، ولعل أبرزها اضطرابات أجهزة الجسم، لا سيما الجهاز الهضمي والدوري والغدد والأعصاب، إضافة إلى النوم المتقطع وفقدان الشهية والرغبة الجنسية.
ويصف أيضاً البحري أعراض الكآبة بأنها عالمية لا فرق بين الدول والمناطق الجغرافية، إلا أن الاكتئاب في مصر له مواصفات ومسببات ذات نكهة خاصة، تُضاف الى الأعراض الشائعة عالمياً. «المرأة عموماً والمصرية خصوصاً اكثر عرضة للضغوط النفسية، فواجباتها ومسؤولياتها اليومية من رعاية الأبناء وطهو الطعام وتنظيف البيت ورعاية الزوج اضافة إلى عملها خارج البيت اذا كانت عاملة، تجعلها تحت ضغط دائم لا يتوقف. وما يزيد من احتمالات تعرضها للإصابة بمرض الاكتئاب عدم قدرتها أو ضيق مساحة التعبير المتاحة لديها للتنفيس عن همومها تلك». ويستطرد بحري في شرح اسباب وقوع المرأة المصرية فريسة للكآبة أكثر من الرجل، فيقول: «لا يتاح لغالبية النساء المصريات إمكان التردد على المقاهي وتبادل أطراف الحديث مع الآخرين عكس الرجل الذي يمكنه في اي وقت أن يقوم بذلك. كما إن الرجل يلقي بالعبء الأكبر على زوجته دائماً ما يضاعف الشعور بالاكتئاب لديها».
وفي الوتيرة نفسها، ترى الدكتورة منى رضا استشارية الطب النفسي في «معهد دراسات الطفولة» في جامعة عين شمس أن «المرأة المصرية تعيش حياتها في حال انتظار دائم، فهي تشغل نفسها بالتفكير في زواجها وهل سترتبط بالشخص المناسب لها أو ستجد نفسها في قبضة رجل لا يرحم. وبعد الزواج، تعيش في حال انتظار وصول الأطفال ثم تنتظر أن يكبروا في ظل تنشئة ورعاية مناسبين توفر هي الجانب الأكبر منهما، ثم تنتظر ماهية مستقبل الأولاد، وهكذا». نرمين عبد العزيز (32 سنة) متزوجة ولديها ثلاثة أطفال، وعلى رغم أنها خريجة جامعية وتجيد اللغة الإنكليزية، اشترط زوجها عليها في بداية حياتهما معاً أن تتفرغ للبيت، فرضخت. لكنها فوجئت بأنه يعاملها معاملة فجّة وقاسية ويحمّلها قدراً هائلاً من الطلبات التي لا طاقة لها عليها. وتتحمل في صمت خوفاً على مستقبل الأولاد. وحتى في الأوقات النادرة التي تمرض فيها بالإنفلونزا أو نزلة معوية تجبرها على التزام الفراش، يتهمها بالتمارض و»الدلع» والتهرب من مهماتها كزوجة وأم. وكانت أن اصيبت بالكآبة الشديدة التي دفعتها الى محاولة الانتحار مرتين. وعلى رغم ذلك رفض زوجها تماماً فكرة ترددها الى طبيب نفسي خوفاً من «الفضيحة» واتهام أهله له بأنه تزوج بـ «مختلة».