الخلط العقلي
Mental confusion
حالة مرضية تكون الأفكار فيها مشوشة، مضطربة.
الخلط العقلي، الذي وصفه للمرة الأولى، عام 1851، دولازيوف، ثم فيليب شاسلان (1857 – 1923) وإيمانويل ريجي (أوتوديف، هوت غارون، 1855 – بوردو، 1918) مرض من أمراض الطب النفسي متواتر، حاد أو دون الحاد، يتميز على نحو أساسي باضطراب الشعور ويتميز عرضاً بهذيان الحلم.
والبداية تدريجية على وجه العموم: يُظهر الفرد اضطرابات في المزاج أو السلوك، فهو مصاب بالحصر، ينام نوماً سيئاً، ويرى في نومه كوابيس.
وفي طور حالة الخلط العقلي، يدهشك المريض بمظهره ذي الهندام المهمل، وهيئته البليدة. وتكون في بعض الأحيان حركاته بطيئة، مترددة، متعثرة؛ ويكون في أحيان أخرى، على العكس، فريسة هياج مستمر، مشوش، غير متماسك. ويتكلم على نحو متقطع وهو يهمس، وتبدو أفكاره دون رابط بينها. والشعور مكسوّ بغشاوة.
وليس المريض صاحياً كل الصحو دون أن يكون غير واعٍ كما في أزمة الصرع. إنه كما لو أن الضباب يحيط به. وينعكس صدى اضطراب الشعور على الانتباه بسرعة، وعلى ترابط الأفكار، والحكم والاستدلال، والوجدانية والذاكرة. والفرد فاقد التوجه المكاني والزماني؛ إنه يجهل أين يوجد، ويرتكب أخطاء في التاريخ ولا يتعرّف على الناس ولا على الأشياء التي تحيط به. وليست اضطرابات الذكريات ذات علاقة بذاكرة التثبيت فحسب، ولكنها ذات علاقة أيضاً بذاكرة الخطور؛ يرى الفرد نفسه (مرغماً) على أن يعوّض ثغراته بتخريف مرافق وضروب مزيفة من التعرّف.
وينضاف إلى هذه المظاهر من الخلط العقلي الصرف اضطراب متميز يسمى الحلمية أو هذيان الحلم. وتتميز الحلمية بهلوسات، بصرية على وجه الخصوص، ولكنها قد تكون أيضاً سمعية، شمية، ذوقية، لمسية أو ذات علاقة بالحساسية الداخلية (إدراك الجسم)، التي ترتبط فيما بينها على نحو غير منطقي وغير متماسك وتتيح المجال لضرب من الكابوس.
وهذا الكابوس يمكنه أن يكون من النموذج المرعب أو المهني؛ والمقصود غالباً، في الحالة الأولى، هلوسات مرتبطة بالحيوانات، أي رؤية حيوانات، مفترسة أو منفرة، في حين أن المريض يعتقد، في الحلم المهني، أنه ينكب على أعمال المهنة. ولنذكر مثال هذا المريض، صاحب نزل في الأصل، الذي كان يستقبل زيارة أطباء وهو يصرخ: (إيليز، نصف قنينة من الخمر لهؤلاء السادة!) ومن المهم أن نلفت الانتباه إلى أن الفرد يتبنى اعتقاداته الهاذية كلياً، وذلك أمر يحتمل أن يكون له عواقب خطيرة عليه (هروب، إلقاء نفسه من النافذة) أو على الغير (دفاع، عدوان).
والمريض المصاب بالخلط العقلي يظهر تشوهاً في حالته العامة مع إصابة بالتجفاف، وفقدان الشهية، واضطرابات في النوم والكلام، وارتعاشات، وفجوة في الذاكرة (غياب ذكرى ما حدث). وتدوم في بعض الأحيان أفكار حلمية بعدية، إذ يظل الفرد مقتنعاً بواقع تجاربه الهلوسية.
ويصبح الخلط العقلي في بعض الحالات مزمناً (ريجي ولوره)؛ ويتفاقم في حالات أخرى حتى الذهول الكامل (ذهول الخلط العقلي)، الذي ينبغي تمييزه من تناذرات الكاتاتونيا مع الاحتفاظ بالاتجاهات وكذلك بالسوداويات الذهولية. ويمكننا أيضاً أن نصادف شكلاً من الخلط العقلي الذي يرافقه الهياج والهذيان الحلمي، خلط يطرح مشكل التشخيص الفرقي مع الهبات الهاذية. وللخلط العقلي أسباب عديدة ممكنة، نذكر بينها الانتانات (الحمى التيفية، التهاب السحايا، البرداء) وضروباً عديدة من التسممات الخارجية المنشأ والداخلية المنشأ.
والأسباب السمية الخارجية الأكثر توافراً هي: الكحول والمخدرات (الأفيون، الأثير...)، بعض العقاقير( الكورتيزون) بعض الفطور( أمانيتا موسكاريا) من فصيلة الغاريقونيات.. اوكسيد الكاربون، الرصاص( التسمم بالرصاص)..والخلط العقلي يمكنه ان يتلو ايضا تسمما داخلي المنشأ ناجم على سبيل المثال عن قصور كلوي( تبول الدم) او كبدي( تشمع الكبد.. ومن الاسباب الاخرى للخلط العقلي، يمكننا ان نجد الصرع، والرضات الجمجمية، والاورام الدماغية، والذهانات النفاسية، والجروح الوعائية الدماغية، او حتى الصدمات الانفعالية القوية جدا...