شبكة النبأ: لماذا يغضب الإنسان ومتى يحدث ذلك؟ سؤال قد نطرحه على انفسنا بعد أن تهدأ فورة الغضب ويعود الانسان الى رشده، نعم فحالة الغضب لا تنتمي الى الحكمة والعقل المتوازن بل هي على العكس من ذلك، حالة أقرب الى الجنون وفقدان السيطرة على الاعصاب وبالتالي فهي حالة من الانفلات او الهياج الذي غالبا ما يؤدي بالانسان الى حالة الندم، وفي تعريفه لهذه الحالة يرى احد الكتاب بأن الغضب هو ثورة الأعصاب، وهو حالة من الإنسياق الجارف مع الموقف الانفعالي الذي يسرق زمام النفس من (العقل) و (الإرادة) المتحكّمة ليُسلمه بيد (الغريزة)، والغريزة عوراء لا ترى إلاّ بعين واحدة .
فالعقل والإرادة والرويّة والصبر والتريّث والتماسك، كلّ هذه الأجهزة تتعطّل ـكوساطات حميدة ـ أثناء اشتعال الغضب واندلاع نيرانه، فلا يكون لها أيّ دور في إيقاف هذه الحالة الثورانية ـ من هياج الثورـ المكتسحة المدمّرة، أي انّها تترك ـ مجبرةً ـ الحبل على الغارب للغريزة التي استجاشت واستشاطت إثر وخزة، أو إثارة خارجية، أو احتقان داخلي، ولم يردّها إلى رشدها أيّة دعوة للانضباط والتماسك والسيطرة على جماحها .
لذلك فإن الانسان الغاضب غالبا ما يكون فاقدا للسيطرة على نفسه، ولعل الخطر يكم في حالة اعتياد الانسان لهذه الحالة، فهي قد تصبح نوعا من السلوك الملازم لحياة الانسان سواء في المحيط العائلي او العملي الخارجي وهنا ستكون خسائر مثل هذا الانسان المعتاد على الغضب جسيمة وكبير سواء على المستوى الشخصي او العائلي او حتى على المستوى الجمعي، فمثل هؤلاء الناس غالبا ما تؤثر هذه الحالة على وضعهم الصحي وتفاقم من معاناتهم في الحياة الخاصة والعامة ثم هناك العائلة التي تتضرر كثيرا من غضب الانسان لاسيما اذا كان المسؤول الاول على العائلة حيث يتحول الجو العائلي الى جو متشنج ومخيف على نحو دائم، ناهيك عن تحاشي المجتمع عن التعامل مع فرد كهذا يغضب من ابسط الحالات حتى يصبح الغضب علامته الدالة.
إنّ الغاضب وهو تحت سورة الغضب لا يرى بعينيه بل بعيني غضبه، والغضب ـبحسب طبيعته ـ أعمى لا يرى إلاّ التدمير، وهو كالجوعان الذي عضّه الجوع لا يتردد في أكل أي شيء، فهذه غريزة وتلك غريزة، ولكنّ الغضب حالة جنونية يغيب فيها العقل وتحلّ الغريزة مكانه، وهناك من يرى من المختصين بأن ثمة نوعين من الغضب، الأول ايجابي والآخر سلبي، ويُقال عن الغضب الايجابي هو من النوع الذي يندفع اليه الانسان تحت مبرر مقبول مثل المس بالقيم والمقدسات وما شابه حيث يكون هنالك عذر لمن يغضب في هذه الحالة ويدافع عن قيمه ومقدساته وغيرها، في حين ان النوع الثاني من الغضب وهو ما يُطلق عليه بالغضب السلبي، عادة ما يحدث تحت أتفه وأبسط المبررات حتى يُصبح حالة دائمة وملازمة لسلوك الانسان، وهو نوع من الغضب الهائج الذي غالبا ما يعود على صاحبه بالخسائر الجسيمة والندم الكبير، ولعل اخطر ما يميز الغضب السلبي انه دائم الحدوث ولا يستطيع الانسان (المريض به) أن يسيطر على نفسه ولا يعرف متى يغضب او متى يهدأ وكأنه (قنبلة موقوتة) قد تنفجر في أية لحظة.
وقد يسأل سائل هل هناك إمكانية لعلاج مثل هذا النوع من الغضب، ولعل لب الجواب يتمحور ويدور حول طريقة واحدة يمكن للانسان ان يتجنب فيها غضبه، حتى العلم النفسي الحديث أكد عليها وهي قضية الايمان، بمعنى ان على الانسان الذي يعاني من فورات الغضب السلبية المفاجئة ان يلجأ الى الايمان اولا وان يتبحر في هذا المجال وان يروّض نفسه باللجوء الى الله سبحانه وقرآنه الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وأدعية الأئمة الاطهار وأولياء الله الصالحين، فكلما تعمّ الانسان في بحر الايمان كلما كان اكثر سيطرة على نفسه واعصابه وقلبه ولسانه، وبالتالي سيتخلص شيئا فشيئا من هذا المرض الخطير الذي ينغّص حياته الفردية والعائلية ويدمر علاقاته في المحيط الخارجي العملي او غيره.
إذن على الانسان ان يمرن نفسه على الصبر والتقوى والهدوء والحكمة، وأن يؤمن بأن الحياة لن تسير في الاتجاه الصحيح بقوة الغضب، بل ستنحرف نحو الجادة الخطأ بتأثير الغضب السلبي ذاته، وأن يتعلم الانسان من خلال الايمان كيف يتحكم بغرائزه ويقود نفسه لا ان تقوده هي الى اهداف ومسالك خاطئة وكل ذلك في متناول اليد، لكن المطلوب هو العمل الجاد والسعي الحثيث للسيطرة على النفس وترويضها وتدريبها وتعويدها على السبل الصحيحة والصالحة في خوض معترك الحياة.