الى الرفيق الأعلى اذا كان الموت شبحاً مرعباً لكل انسان . وإذا كانت مفارقة الحياة أقسى وأشد ما يزعج الأنسان فإن الأمر كان مختلفاً لدى السيدة زينب . . فالموت بالنسبة لها كان يعني لقاء الله والأقتراب أكثر من رحمته . والموت عند السيدة زينب قنطرة ومعبر الى جنة الله العريضة الواسعة ونعيمه السرمدي الخالد . وكانت ترى في الموت وسيلة نقل سريعة توصلها الى رحاب أحبتها السابقين حيث تلقى جدها النبي وأمها الزهراء وأباها المرتضى وأخويها العزيزين . لقد طال فراقها لجدها المصطفى وأمها البتول ، فامتلأت نفسها شوقاً الى لقائهما لكن ستار الحياة يفصل بينها وبينهما ، فمتى يماط هذا الستار ليكتحل ناظرها برويتهما ؟ . والموت بعد ذلك أصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة للسيدة زينب للإعلان عن احتجاجها ورفضها وسخطها على واقع الألم والضيم والعناء . لكن الأمر بيد الله فهو وحده يقرر الآجال وبيده الموت والحياة . . وحينما قدر الله ( تعالى ) لها الرحيل عن دار الدنيا ، استقبلت قضاءه بصدر رحب ، فذلك ينسجم مع ما يجري في أعماق نفسها من مشاعر وخلجات . واسلمت الروح لله . . ورجعت نفسها المطمئنة الى الحق راضية مرضية لتدخل جنة الله بسعادة وهناء ولتلاقي صفوة عباده الأعزاء محمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين . إنه لا يمكننا تصوير مدى سعادة السيدة زينب بعروج روحها الى الملكوت الأعلى . هل نشبه تلك اللحظات بوصول المسابق الى نهاية شوط السباق ناجحاً منتصراً ؟ فهو وإن كان حين الوصول في غاية التعب والمشقة لما بذله من جهد ، لكنه فور وصوله سينقلب الى حالة أخرى هي ذروة السعادة ومنتهى الراحة . نعم . . لقد أكملت السيدة زينب امتحانها بنجاج ، وقطعت شوط الحياة الصعب باخلاص ويقين ، وطوت ستة عقود من سنيّ الدنيا في جهاد رسالي متواصل . واختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها ، والأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت سنة ( 62 هـ ) الموافق ( 683 م ) (1) بينما ذهب آخرون الى أن وفاتها سنة 65 هـ . ويتفق المؤرخون على أن وفاتها كانت في الخامس عشر من شهر رجب (2) . وهكذا انتقلت العقيلة زينب الى الرفيق الأعلى . . وبقي ذكرها خالداً ينير للبشرية طريق الكرامة والمجد . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 122, ( السيدة زينب ) بنت الشاطئ ص 155 . (2) المصدران السابقان , ( مع بطلة كربلاء ) مغنية ص 90 . المصدر : كتاب / زينب العظيمة / حسن الصفار