عبادتها كانت فاطمة عليها السلام أعبد نساء زمانها ، وقد ضربت المثل الأعلى بعبادتها وإيمانها وطاعتها وانقطاعها إلى الله سبحانه . عن الإمام الباقر عليه السلام ـ في حديث ـ قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنّ ابنتي فاطمة ملأ الله قلبها وجوارحها إيماناً ويقيناً إلى مشاشها ، ففرغت لطاعة الله . (1) وسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام : «كيف وجدت أهلك؟ » فقال عليه السلام : « نعم العون على طاعة الله» (2) . وعن الطبرسي ، قال : سُمّيت فاطمة عليها السلام بالبتول لانقطاعها إلى عبادة الله .(3) ومن مظاهر عبادتها عليها السلام طول قيامها في الصلاة وكثرة خشوعها ، فقد روي عن الحسن البصري أنه قال : ما كان في هذه الاُمّة أعبد من فاطمة ، كانت تقوم حتى تتورّم قدماها (4) . وقال الديلمي وابن فهد : روي أنّ فاطمة عليها السلام كانت تنهج في صلاتها من خيفة الله تعالى (5) . ومن المظاهر البارزة في عبادتها عليها السلام كثرة الصلوات والأدعية والأذكار التي خصّها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت تواظب على أدائها في محرابها رغم أنها كانت تباشر شؤون المنزل وتربية الأولاد بنفسها . فعن الإمام الصادق عليه السلام : أنّ أُمّه الزهراء عليها السلام كانت تصلي للاَمر المخوف العظيم ركعتين ، تقرأ في الاُولى الحمد و « قُل هو الله أحد » خمسين مرة ، وفي الثانية مثل ذلك ، فإذا سلّمت ، صلّت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ ترفع يديها بالدعاء : « اللهمَّ إنّي أتوجّه بهم إليك ، وأتوسّل إليك بحقّهم العظيم الذي لايعلم كنهه سواك ، وبحقّ من حقّه عندك عظيم ، وبأسمائك الحسنى ، وكلماتك التامات التي أمرتني أن أدعوك بها . . . » إلى آخر الدعاء (6) . وعنه عليه السلام : أنّها كانت إذا أصبحت يوم الجمعة تغتسل وتصفّ قدميها وتصلي أربع ركعات مثنىً مثنىً ، تقرأ في أول ركعة فاتحة الكتاب و « قل هو الله أحد » خمسين مرة ، وفي الثانية فاتحة الكتاب والعاديات خمسين مرة ، وفي الثالثة فاتحة الكتاب و « إذا زلزلت » خمسين مرة ، وفي الرابعة فاتحة الكتاب وإذا جاء نصر الله خمسين مرة ، فإذا فرغت منها قالت : « إلهي وسيدي ، من تهيّأ أو تعبّأ أو أعدّ أو استعدّ لوفادة مخلوق رجاء رفده وفوائده ونائله وفواضله وجوائزه . . . ، فإليك يا إلهي كانت تهيئتي وتعبيتي وإعدادي واستعدادي ، رجاء رفدك ومعروفك ، ونائلك وجوائزك ، فلا تخيبني من ذلك ، يا من لا يخيّب مسألة سائل ، ولا تنقصه عطية نائل . . . » إلى آخر الدعاء ، وذلك مما علّمها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (7). وعنه عليه السلام : أنّها كانت تصلّي صلاة الأوابين ، وهي أربع ركعات ، تقرأ في كلِّ ركعة خمسين مرة « قل هو الله أحد » (8) . وروي عنه عليه السلام أنّه قال : « كانت لاُمّي فاطمة عليها السلام ركعتان تصليهما . . . تقرأ في الاُولى الحمد مرة ، و « إنّا أنزلناه في ليلة القدر » مائة مرة ، وفي الثانية الحمد مرة ، ومائة مرة « قل هو الله أحد » ، فإذا سلّمت سبّحت تسبيح الزهراء عليها السلام ، ثمّ تقول : سبحان ذي العزّ الشامخ المنيف ، سبحان ذي الجلال الباذخ العظيم ، سبحان ذي الملك الفاخر القديم ، سبحان من لبس البهجة والجمال ، سبحان من تردّى بالنور والوقار ... » إلى آخر التسبيح (9) . أمّا الأدعية التي خصّها بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو تلك المروية عنها فهي كثيرة وذات أغراض مختلفة كالتعقيبات عقيب الصلوات والتسبيحات والأحراز ، ودعائها عند رؤية هلال شهر رمضان ، وعندما تأوي إلى النوم ، وأدعيتها في أيام الاسبوع ، وغيرها مما تضيق بذكرها أوراق هذا البحث ، لذا نكتفي بالاشارة إلى مظانّها (10) . وعلّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذكاراً تقولها عند النوم وفي دبر كل صلاة ، وهي معروفة بتسبيح فاطمة عليها السلام ، وكان السبب في تشريعها على ما أخرجه الشيخ الصدوق وغيره عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال لرجلٍ من بني سعد : « ألاأُحدّثك عنّي وعن فاطمة عليها السلام ، أنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها ، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فأصابها من ذلك ضرر شديد ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل ، فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فوجدت عنده حدّاثاً ، فاستحيت فانصرفت ، فعلم صلى الله عليه وآله وسلم أنها عليها السلام قد جاءت لحاجة فغدا علينا ... فقال : يا فاطمة ، ما كانت حاجتك أمسِ عند محمد؟ ... فقلت : أنا والله أُخبرك يا رسول الله ، إنّها استقت بالقربة حتى أثّرت في صدرها ، وجرّت بالرحى حتى مجلت يداها ، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها ، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها ، فقلت لها : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل . قال صلى الله عليه وآله وسلم : أفلا أُعلّمكما ماهو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فكبّرا أربعاً وثلاثين تكبيرة ، وسبّحا ثلاث وثلاثين تسبيحة ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين تحميدة ، فقالت فاطمة عليها السلام : رضيت عن الله وعن رسوله ، رضيت عن الله وعن رسوله » (11) . وجاء في رواية اُخرى عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : « فو الله ما تركتهنّ منذ علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم » فقال له ابن الكوّاء : ولا ليلة صفّين ؟ قال عليه السلام : « نعم ، ولا ليلة صفّين » (12) . وجاء في بعض الروايات أنّه صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بعمل تلك التسبيحات عند الرقاد وبعد كلّ صلاة (13) ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « فذلك خير لك من الذي أردت ، ومن الدنيا وما فيها » (14) . وفي خبر آخر : « فذلك مائة على اللسان ، وألف في الميزان» (15) . أما كيفية تسبيح فاطمة عليها السلام فإنّ المروي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام وعليه عمل الإمامية ، هو أربع وثلاثون تكبيرة ، ثمّ ثلاث وثلاثون تحميدة ، ثمّ ثلاث وثلاثون تسبيحة بعد الصلوات (16) . وقد استفاضت الأخبار في فضله والحثّ عليه ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « ماعُبد الله بشيءٍ من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة عليها السلام ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام » (17) . وقال الإمام الصادق عليه السلام : « تسبيح فاطمة عليها السلام في كل يومٍ دبر كلّ صلاة أحبّ إليَّ من صلاة ألف ركعة في كل يوم » (18) . وعن أبي هارون المكفوف ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، قال : « يا أبا هارون ، إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة عليها السلام كما نأمرهم بالصلاة ، فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي » (19) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) دلائل الإمامة / الطبري : 139 / 47 . والمناقب / ابن شهرآشوب 3 : 337 . والثاقب في المناقب / ابن حمزة الطوسي : 291 . وبحار الأنوار 43 : 29 عن الخرائج والجرائح للقطب الراوندي . (2) المناقب / ابن شهرآشوب 3 : 356 . (3) مجمع البيان / الطبرسي 10 : 568 . والمصباح / الكفعمي : 659 ـ منشورات اسماعيليان ـ قم . (4) المناقب / ابن شهر آشوب 3 : 341 . ومقتل الحسين عليه السلام / الخوارزمي 1 : 80 . وربيع الأبرار / الزمخشري 2 : 104 وزارة الأوقاف ـ الجمهورية العراقية . (5) ارشاد القلوب / الديلمي : 105 منشورات الرضي ـ قم . وأعلام الدين / الديلمي : 247 ـ مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم . وعدة الداعي / ابن فهد : 151 ـ دار المرتضى ـ بيروت . (6) مصباح المتهجد / الطوسي : 302 ـ مؤسسة فقه الشيعة ـ بيروت . (7) مصباح المتهجد / الطوسي : 318 . وجمال الأسبوع / ابن طاووس : 132 ـ الرضي ـ قم . (8) الفقيه / الصدوق 1 : 356 / 1560 . وتفسير العياشي 2 : 286 / 44 . (9) جمال الاُسبوع / ابن طاووس : 263 و 266 . ومصباح المتهجد / الطوسي : 301 . (10) المعجم الكبير / الطبراني 23 : 339 / 787 . ومستدرك الحاكم 3 : 157 . ومسند أحمد 6 : 298 . ومجمع الزوائد 10 : 108 و122 . وذخائر العقبى : 50 . وكنز العمال 15 : 501 / 41975 و 509 / 41986 و 513 / 42000 . ومسند فاطمة عليها السلام / السيوطي : 3 / 4 و 25 / 34 و 97 / 231 و 103 / 245 . وفضائل شهر رمضان / الشيخ الصدوق : 98 / 84 . ومصباح المتهجد / الطوسي : 220 . ودلائل الإمامة / الطبري : 172 / 12 و 108 / 35 . والدعوات / الراوندي : 91 . وفلاح السائل / ابن طاووس : 173 و 202 و 238 و 250 ـ دفتر تبليغات ـ قم . ومهج الدعوات / ابن طاووس : 5 و 7 و 139 و 141 و 142 ـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت . والمصباح / الكفعمي : 72 و 179 . والبلد الأمين / الكفعمي : 55 . وبحار الأنوار 86 : 66 / 4 و 165 ـ 172 / 44 ، 90 : 338 ـ 339 / 48 ، 94 : 225 / 1 . (11) الفقيه / الصدوق 1 : 211 / 947 . وعلل الشرائع 2 : 366 / 1 . ونحوه في صحيح البخاري 7 : 126 / 14 ـ كتاب الدعوات . وصحيح مسلم 4 : 2091 / 2727 ـ كتاب الذكر والدعاء . ومسند أحمد 6 : 298 . والمعجم الكبير / الطبراني 23 : 339 / 787 . وحلية الأولياء 1 : 69 . والسنن الكبرى / البيهقي 7 : 293 . وكنز العمال 15 : 496 ـ 509 بعدّة طرق . وذخائر العقبى : 49 ـ 50 . واسعاف الراغبين / الصبّان : 189 ـ دار الكتب العلمية . والثغور الباسمة / السيوطي : 22 ، وقال : هذا حديث صحيح مشهور ، أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من طرق كثيرة بألفاظ مطولة ومختصرة . (12) مستدرك الحاكم 3 : 152 . ومسند أحمد 1 : 106 . وتاريخ بغداد 3 : 23 / 945 و12 : 22 / 6386 . والطبقات الكبرى / ابن سعد 8 : 25 . وصفة الصفوة / ابن الجوزي 2 : 10 ـ 11 ، دار المعرفة ـ بيروت . وذخائر العقبى : 105 ـ 106 . وتذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 312 . ومجمع الزوائد 10 : 328 . وكنـز العمـال 15 : 504 / 41981 و 505 / 41982 . (13) تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي : 311 . ومسند فاطمة / السيوطي : 8 . ودعائم الإسلام / النعمان 1 : 168 . (14) كنز العمال 15 : 500 / 41974 و 507 / 41983 . ودعائم الإسلام / النعمان 1 : 169 . (15) كنز العمال 15 : 507 / 41984 . (16) راجع : الكافي / الكليني 2 : 536 / 6 و3 : 342 / 8 و 9 . والتهذيب / الطوسي 2 : 105 / 400 و106 / 401 . و3 : 67 / 218 . وجواهر الكلام 10 : 399 دار الكتب الإسلامية . (17) الكافي / الكليني 3 : 343 / 14 . والتهذيب / الطوسي 2 : 105 / 398 . (18) الكافي / الكليني 3 : 343 / 15 . والتهذيب / الطوسي 2 : 105 / 399 . (19) الكافي / الكليني 3 : 343 / 13 . والتهذيب / الطوسي 2 : 105 / 397 . المصدر : كتاب / سيدة النساء فاطمة الزهراء / علي موسى الكعبي