(من بوادر المأساة ـ وقفة على أطلال فدك) وفدك ـ هذه أرض حجازيّة تقع على مقربة من مدينة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وهي أرض زراعية غنية بمائها ونخيلها» (1) . وكانت ملكية لليهود حتى السّنة السابعة للهجرة ، حيث أصبحت ـ بعد هذا التاريخ ـ داراً للإسلام ، وذلك بعد أن تجلّت مكائد اليهود ودسائسهم ونقضهم للعهود التي أبرمها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) معهم. وحين ظهر سوء طويّتهم واتصالاتهم المفضوحة مع المعسكر الوثني واشتراكهم في حرب المسلمين إلى جانب قوى الضّلال ، صمم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) على محاربتهم لأنّهم أصبحوا خطراً فعليّاً على الدّولة الإسلامية الفتيّة وركيزة من ركائز التآمر على سلامة الكيان الإسلامي. وحين علم اليهود بتصميم النبي وإعلانه محاربتهم ، استحوذ عليهم الذّعر ودبّ الفزع في نفوسهم قبل أن يسير إليهم الرسول بخيل أو رجال ، وقد طلبوا من رسول الله الصُّلح تاركين له قرية « فدك ». ولما كانت الأرض التي يفرُّ عنها أعداء الإسلام دون أن يوجف عليها بخيل ولا ركاب ينطبق عليها حكم ـ ملكيّة الدّولة» (2) ـ في الإصطلاح الإقتصادي ـ أو الأنفال في الإصطلاح الفقهي ـ فقد أصبحت أرض فدك ملكاً للرّسول ( صلى الله عليه وآله ) بصفته رئيس الدولة الإسلامية ، وحكم مثل هذه الأرض ليس موضوعاً اجتهادياً ، وإنما هو موضوع في إطار مذهبي رصين ، رسم القرآن الكريم حدوده وطابعه كما ورد ذلك في قوله تعالى : «وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتُم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ ولكنّ الله يُسلط رُسله على من يشاء والله على كلّ شيء قدير * ما افاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرّسول ولذي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل» (3) . ولكن « فدك » لم تبق مجرد ملكيّة للدّولة الإسلامية ، وإنما أعطت السماء فيها تعليماً خاصّاً جعل الرسول يهبها لبضعته الزهراء ( عليها السلام ) وذلك تطبيقاً لقوله تعالى : «وآتِ ذا القربى حقّه ...». ولأنّ الزهراء تمثل طليعة قربى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ولذا وهبها قرية فدك تأكيداً لمدلول التشريع الإلهي المبارك. وما أن ودّعت الأُمّة الإسلامية قائدها الحبيب محمداً إلا وأعلنت الحكومة الجديدة على لسان زعيمها ( أبي بكر ) نبأ تأميم فدك وإعادتها ملكيّة للحكومة ، بعد أن كانت لفاطمة في وقت قد صدر فيها حكم إلهي على لسان محمد الذي وهبها للزهراء. ولكن هذا القرار الذي اتخذته الحكومة الجديدة حمل الزهراء ( عليها السلام ) على عدم الإعتراف به ، فهبّت لنقضه أمام الأُمة الإسلامية وممثّلي الحكومة لفضح بداية التلاعب على حساب التشريع الإلهي المقدّس. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإحتجاج / الطبرسي. (2) اقتصادنا / الصدر. (3) سورة الحشر ، آية / 6 ـ 7. المصدر : كتاب / الزهراء / عبد الزهراء عثمان محمد