(مخاطبة الأنصار) ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار ، فقالت : « يا معشر الفتية ، وأعضاد الملّة ، وحَضَنة الإسلام ، ما هذه الغَميزة » (1) في حقّي ، والسِّنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول : المرء يحفظ في ولده؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة » (2) ولكم طاقة بما أُحاول ، وقوة على ما أطلب وأُزاول . أتقولون مات محمد ، لعمري فخطب جليل ، استوسع وهيه » (3)، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت » (4)الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأُذيلت» (5) الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ، ولا بائقة » (6)عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، هتافاً وصراخاً ، وتلاوةً وألحاناً » (7)، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم «وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين» (8) . أيهاً بني قَيْلة» (9) ، أأهضم تراث أبي؟! وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنُّخبة التي انتُخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت . قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الاُمم ، وكافحتم البُهم ، فلا نبرح ولا تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حَلَب الأيام ، وخضعت نُعَرة (10)الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهَرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنّى جرتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الاعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان «ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين» (11) . ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ، وركنتم إلى الدَّعَة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم (12)الذي تسوّغتم «فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فانّ الله لغني حميد» (13). ألا وقد قلت ما قلت على معرفةٍ مني بالخذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النفس ونفثة الغيظ ، وخور القَنَا ، وبثّة الصدر ، وتَقدِمة الحُجّة . فدونكموها فاحتقبوها دَبِرة الظهر ، نَقِبة الخُفّ ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار (14) الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطّلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تفعلون «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (15) وأنا ابنة نذيرٍ لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون » . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ضعف العمل . (2) مثل يراد به ما أسرع ما كان هذا الأمر! (3) شقّه وخرقه . (4) أخفقت . (5) اُهينت ، ويروى : أُزيلت ، بالزاي . (6) اهية . (7) فتح الهمزة أي غناءً ، أو بكسرها بمعنى الإفهام . (8) سورة آل عمران : 3 / 144 . (9) الأنصار من الأوس والخزرج ، وقَيْلة بنت كاهل : أمّهم . (10) الكِبَر . (11) سورة التوبة : 9 / 12 . (12) تقيأتم . (13) سورة إبراهيم : 14 / 8 . (14) عيب وعار . (15) سورة الشعراء : 26 / 227 . المصدر : كتاب / سيدة النساء / مركز الرسالة