بتـــــاريخ : 8/1/2010 12:42:21 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1394 0


    أسفار الإنسان الستة-ثلاثة ظهور وثلاثة بطون

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د. اوات محمد أمين | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :

    د. اوات محمد أمين


    السفر مشقة وراحة في آن واحد، والإنسان في سفر دائم ولا يرتاح إلا في آخر محطات سفره، سئل الأمام أحمد متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال عندما يضع أول قدميه في الجنة، وسفر الإنسان بدآ بدون علمه وارادته ووسيلة تنقله من مرحلة الى مرحلة أخرى مختلفة، فقد كان البشر أجمعين ذرة في عالم الغيب عندما أنطقهم الله بالكيفية التي لا يعرفها إلا خالق البشر، وأشهدهم على أنفسهم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (لأعراف:172) )، وقد شهدت الخلائق على وحدانية الله، وهذه هي الفطرة السلمية التي يلد الإنسان عليها (كل مولود يولد على الفطرة....).
    السفر مشقة لما فيه من تغيير الحال والمكان، وراحة لما فيه من ايصال الإنسان الى هدفه وغايته، والأسفار الإنسانية هي ستة (ثلاثة ظهور) و(ثلاثة بطون) وآلة الإنتقال مختلفة من مرحلة الى غيرها، ولكن الموحد هو أن الإنسان لا ارادة ولا خيار له في هذه السفريات بل الله يعينها.


    السفر الأول: من عالم الذرة الى ظهر الرجل (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ) (الطارق:7))، ويبقى بحجمه وشكله وكيفيته التي يعرفها الله، ماشاء الله أن يبقى، وعندما يؤذن بالسفر يستكمل اجراءاته وينتقل الى المرحلة التي بعدها بوسيلة غير التي سبقت، وجدير بالذكر فإنه وحيد في سفره، وفي بعض الأحيان يرافقه توأمه في هذا السفر، فيقاسمان الأشياء بينهما مناصفة، وفي بعض الأحيان يزداد رفقة السفر، ولكن السفر يستمر الى أن يستقر في موطنه الجديد ويستريح فيه لمدة زمنية محدودة ومعلومة، ويتغيير حاله وشكله وهيئته في موطنه الجديد لأن الواقع يتطلب منه هذا، ثم يزداد النعم.


    السفر الثاني: من ظهر الرجل الى بطن الأم، في هذه المرحلة ينعم الإنسان أكثر فأكثر الى ان ينفخ فيه السر الإلهي (الروح) و(وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (الاسراء:85))، وفي هذه المرحلة ينعم بهيئة مادية \"القالب المادي\" الذي يعرف به الإنسان، وينظم بواسطته علاقاته الإجتماعية الى أن يؤذن له بالرحيل لكي يمارس صلاحياته الخاصة به في مرحلة مهمة وحساسة وهي مرحلة الدنيا.
    جدير بالذكر فإن الإنسان في هذه المرحلة يتغذى على طعام أمه فاقامته وطعامه وأمنه محفوظ عند مملكة أمه، ويبقى في هذا الموطن شهوراً أو سنينا، ثم يؤمر بالسفر فيأتي الى الدنيا باكياً وعارياً وضعيفاً، وسرعان ما يتغيير هذه الصفات عندما يعيش في مرحلة الدنيا.


    السفر الثالث: من بطن الأم الى ظهر الأرض، فبعد انتهاء الإقامة في هذا الموطن الذي أحبه وتكيف معه، يؤمر بالإنتقال الى وطن اوسع وأكبر وأجمل (الدنيا)، ويبدأ باستخدام أعضائه المادية، ويمارس كامل صلاحياته واهليته، علماً أن المرحلة السابقة أخذت منه جملة من الصلاحيات وكان ناقص الأهلية، أما في هذه المرحلة فهو يتمتع بالأهلية الكاملة، ويعقد علاقاته بكامل خياره مع خالقه ومع الناس على ضوء فلسفته في الحياة.
    مرحلة الدنيا مرحلة حساسة وضرورية، لأنها تقع في وسط المراحل، وهي تحدد كيفية تمتع هذا الإنسان في المراحل الأخرى، وهذه المرحلة يتميز باجتماع العناصر الأربعة الأساسية في الإنسان وهي (الروح، الجسد، العقل، النفس)، وهي قاعة الإختبار لتمييز الخبيث من الطيب، والصالح من الطالح، والقبيح من الحسن، وتسمى بالدنيا وهي إما من الدنو أو الدناءة، فيعيش الإنسان فيها ما شاء الله وما قدره له، وعندما يؤذن بالرحيل فلا راد لأمره ويرتحل على أية هيئة كان وأخذه للمرحلة الأخرى تكون بوسيلة تسمى بالتابوت، وينادي هذا التابوت يومياً بلسان حاله المسلمين قائلة: (أنظر اليَّ بعقلك، أنا المعَّد لنقلك، كم سار مثلي بمثلك) بهذه الآلة ينتقل جسده المادي الذي تمتع به في الدنيا يرجع الى ماديات الدنيا الى (التراب).
    وهناك وجه تشابه واختلاف بين لحظة وصول الشخص الى الدنيا والرحيل منها وقد نظمه الشاعر بقوله:
    ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا
    فاعمل لنفسك في يوم اذا بكوا أن تدخل قبرك ضاحكاً مسرورا


    السفر الرابع: من ظهر الأرض الى بطن الأرض، تحدثنا مجملاً عن حياة الإنسان في الدنيا، حيث أنها ما كانت تقارن ببطن أمه لما فيها من النعم والسعة، وكذلك القبر أو بطن الأرض المسمى بالبرزخ فهو للمؤمن كبير وواسع أكبر وأكثر من الدنيا، وهو فيه ينجي بعض ثمرات عمله كمقبلات ليوم يعرض فيه على ربه للحساب، أما الذي لم يستثمر عمره في الخير فهو أيضاً يعذب في هذه المرحلة ويطالب بالعودة الى المرحلة السابقة الدنيا لكي يصحح ما أخطأ فيه، ولكن هيهات هيهات (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99-100))، ولكن المؤمن اذا تمنى الرجوع فيتمنى لكي يزيد من عمله الصالح ومن تفانيه في الله.
    وأن الإنسان في آخر لحظات حياته في الدنيا يشعر بما ينتظره في بطن الأرض لذك اما يقول للذين يحملونه فوق أكتافهم (قدموني قدموني) أو (أخروني أخروني)، ولكن لا يسمع أحد لكلامه فهو في الأخير إما (مستريح) أو (مستراح منه)، خلاصة هذه المرحلة هي ما عبر عنه الصادق المصدوق (القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار)، فيبقى مع جميع من يلحق به في هذه المرحلة ما شاء الله، واذا اذان له بالسفر يكون هذه المرة سفراً جماعياً الى ظهر المحشر.


    السفر الخامس: من بطن الأرض الى ظهر المحشر، ويبقى الخلائق تحت التراب ما شاء الله، وعندما يأمر الله اسرافيل باحياء العظام الرميمة والأرواح ينفخ في الصور كعلامة لإحياء كل المخلوقات والحضور في ساحة المحشر للوقوف أمام محمكة العدل الإلهية الكبرى، حيث الحساب والكتاب، والجزاء والعقاب، كل حسب ما يحمله، وما أكثر المشاهد في هذا اليوم المجموع له الناس من انتظار الحساب وتطاير الصحف والوقوف أمام الله والميزان والسراط ومشاهدة النار و...
    ومنظر كل البشر في هذه الساحة واحدة وهم حفاة عراة غرلاً، ويبقون هناك ما شاء الله الى أن ينتهي القضاء والمحكمة مع كل البشر فيحقق العدل، وقبل أن يدخل كل فريق (اليمين) و(اليسار) يؤتى بالنار وله سبعون ألف زمام ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها كما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تغير لونه، وعندما ينتهي كل الأمور ينتقل البشر الى آخر مراحل حياته، وهناك يضع رحاله إما جنة وإما نار.


    السفر السادس: من ظهر المحشر الى بطن المحشر (الجنة) أو (النار)، عندما ينتهي محاسبة المحشر يؤذن الله لأهل الدارين الدخول فيها، فهم يساقون كوسيلة من وسائل التقل الى المرحلة الأخيرة، فالكفار يسحيون على وجههم وسيمعون كل ما يكرهون، وقال الله سبحانه في مشهد نقل الكفار(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (الزمر:71)) أما أصحاب اليمن وأهل الجنة فهم أيضاً يتوجهون نحو الجنة دار الخلد والرضا، فيقول الله عن نقل أهل الجنة (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) (الزمر:73)).

     

    في هذه المرحلة والفريقان قد دخلا الى دارهما، يلتفت الله أنظارهم الى أمر ضروري وهو (الموت)، فيؤتى به على شكل كبش ويذبح بين الفريقين، فيقال لأهل الجنة يا أهل الجنة خلود في النعيم لا موت بعد، ويا أهل النار خلود في الشقاء والعذاب لا موت فيه.
    مشاهد النار كثيرة، وهي دار من لم يعرف ربه في الدنيا، ولم يكن من الذين أحسنوا لأنفسهم، وأيضاً مشاهد الجنة كثيرة ومن أكبر نعيمها أن أهل الجنة يرون ربهم بأعينهم فهذا ألذ ما في الجنة، وبهذا ينتهي سفر الإنسان، وهم فريقان ولكل فريق درجات، فأهل الجنة في مأة درجة، وأهل النار في درجات.

    خاص لقدوة /13/1/2007

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()