بتـــــاريخ : 8/1/2010 12:29:08 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2139 1


    دور المسجد في عصر العولمة

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : الدكتور نجيب بن خيرة | المصدر : www.qudwa1.com

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام دور المسجد عصر العولمة

    نحن على مقربة من ذكرى عزيزة علينا أثيرة إلى قلوبنا ، وهي ذكرى الهجرة النبوية ، وهي محطة للحركة والانطلاق و التغيير ، هكذا كانت زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ولعلّ أولى عبرها وثمارها هي بناء المسجد النبوي الذي اعتبر المؤسسة الأولى في بناء الدولة بعد بناء الإنسان ، والانطلاق لبناء حضارة عالمية سعيدة .

    هكذا كان ينظر إلى دور المسجد المؤسسة الأولى للبناء الثقافي و التربوي و الحضاري ، أما اليوم..فإن الارتهان و التخلف و التبعية التي تعيشها الأمة تجعل منها ساهية عن استغلال إمكانياتها المتاحة ، وهذا ما نلاحظه بالنسبة للمسجد ، ولدور المسجد ، ولأثر الخطاب المسجدي في عملية البناء و الإصلاح و التغيير .

    تأمل في خطبة الجمعة وانظر إلى أطنان الأوراق التي تكتب عليها أسبوعيا ، هل حققت جزءا ولو ضئيلا من مهمتها ؟ هل أدت دورها المنوط بها في بث الوعي والارتفاع بالجماهير إلى المستوى المرجو من الرشد و الفقه و العمل ؟ .

    قد يكون الخطاب المسجدي في مرحلة سابقة يتناسب مع المستوى الثقافي و الاجتماعىو الاقتصادي لجمهور المستمعين ، ولكن يبدو أن الزمن قد تغيّر ، وثورة المعلومات و الاتصالات ، وعولمة الأفكار و الأذواق ، والانفجار المعرفي من حولنا أحدث دويا هائلا في الأنفس و الآفاق ، فصارت الجماهير مشدوهة إلى مستويات مختلفة من الخطاب الفقهي و الدعوي و التربوي و السياسي و الفني .. وهذا بدوره يرتقي بالجمهور إلى مراتب عليا من الاقتناع و التأثر ، فبعدما كان المستمع ليس له من قناة تعرفه بالإسلام عقيدة وشريعة و أخلاقا إلا الخطاب الأسبوعي يوم الجمعة أصبح اليوم يتابع على مدار الساعة مختلف الخطابات الدينية ومن مختف المشارب و المدارس و التيارات ..

    وهذا لعمري يلقي بالتبعة الثقيلة على "خطباء عصر العولمة " أن يتابعوا التطور الحاصل عن كثب ، فسرعة الحياة الراهنة تقتضي من المرشد و الموجه أن يواكب أحداثها وقضاياها بما يتناسب مع تسارعها ، لا أن يتجاهلها في لحظتها الراهنة ثم يعمد إلى حوصلة نتائجها بعد أن تصبح جزءا من التاريخ فيولد كلامه ميتا معزولا عن الحياة والأحياء .

    يقول الأديب الكبير أحمد حسن الزيات :" تتبدل المفاهيم والآراء كما تتبدل الحُلى و الأزياء فإذا لم تتقص بالقراءة المتجددة أخبار هذا التطور من أقاصي الأرض عشت في عصرك غريب العقل أجنبي الشعور وحشي الثقافة " .

    إن التعامل مع المتغيرات بصورة متجددة يضفي على الخطاب المسجدي الفاعلية و الراهنية التي تعني مواكبة النوازل الطارئة ، و الأفكار الغازية ، و العادات المستوردة ..

    و المساجد في العالم الإسلامي هي خطوط الدفاع الأولى عن ثقافة الأمة و هويتها في مواجهة عولمة كاسحة تعمل على تغريب الذات ، وتهميش الشخصية ، وتنميط الثقافة العالمية بالشكل الذي يخدم مصالح القوى العالمية المسيطرة .

    هكذا كانت المساجد على مرِّ التاريخ موئلا للعلم ، ومعقلا للجهاد ، ومنطلقا للثورات ، وأي إذلال للمساجد أو محاولة لإلغاء رسالتها أو طمس لدورها أو مطاردة لروادها يعتبر مؤشرا بارزا على الخيانة لدين الأمة ، والتبعية الأدبية والعبودية الفكرية لأعدائها ، و الذين يمارسون ذلك إنما هم في حقيقة الأمر الخطوط المتقدمة للدفاع عن ثقافة المستعمر علموا ذلك أم جهلوا ؟ .

    و المقاومة الحقيقية إنما تربى في المساجد وتنطلق منها ، ولكن ذلك لا ينبغي أن يفتح الباب واسعا أمام الخطاب المتطرف .. الخطاب المؤدلج .. الذي يستغل المنبر وقدسيته لصناعة الفكر الحفري مستحضرا أسوأ مواطن الخلاف السياسي و الفكري عبر التاريخ ليثير جدلا عقيما مغلقا ، ويسترضي الجماهير العاشقة المتعصبة !! .

    وفي مقابل ذلك ينبغي أن لا يستغل المنبر للارتزاق في أسوء صوره وتصنع من على درجاته ثقافة المديح التي تخدر الجماهير المقهورة ، وتصبح خطبة الجمعة محطة للتزود من ثقافة الاختزال والابتذال والحاكم الفرد ..

    أضف إلى ذلك مستوى الخطاب الذي يجعل التفاعل معه معدوما أو محدودا لما يسمعه المتلقي من الخطإ الفاحش في اللغة ، والبَلَهِ البيِّن في الفكر ، والعِوج الظاهر في البلاغ ..

    لأن وراء ذلك كله إمام للناس وضعته الظروف الاجتماعية القاسية في طريق الدعوة إلى الله ، وليس له من المؤهلات و المواهب ما يجعله يقف أمام أهل بيته يشرح رأيا أو يبدي فكرة .

    و هذا النوع من الخطباء هو الذي جعل ـ أحدهم ـ يكتب مقالا بعنوان " منابر بلا خطباء " .

    صحيح أن التأثير اليوم في الناس لم يعد سهلا كما كان من قبل ، ولم يعد الناس غُفلا يصدقون كل ما يقال لهم ، والذي يفهم طريقة تفكير الناس ، ويعرف مفاتيح اهتماماتهم يستطيع الوصول إليهم أكثر من غيره .

    وأشعر بالأسى و الحزن عندما أرى أن دور المساجد يتراجع يوما بعد يوم في مواجهة غزو كاسح يأتي على الأخضر و اليابس و المساجد عندنا ليست إلا ورشات لا تنتهي للبناء و التوسعة و الترميم و التغيير في أشكال القباب و المآذن و المحاريب ، وفي خلال ذلك ترى الأموال الطائلة المتسربة غير منضبطة بحساب يعبث بها بعض من لا يخافون الله بدعوى عمارة بيوت الله .

    و ما يفيد أن يزخرف المسجد ويشاد بأفخر الرخام وأجمل البُسط و لايؤدي رسالته الخالدة في حراسة الدين وضبط حركة الناس على تشريعاته ؟..إنه لا يتم ذلك ما لم يرتفع الإمام إلى مستوى الرسالية نائيا بنفسه عن التأسن و الركود و العمل خارج المطلوب .

    إن التأزم الراهن للعالم و الحيرة التي تلفه و الوحشية التي تجتاحه كل ذلك جنود خفية " وما يعلم جنود ربك إلا هو " تدفع الناس دفعا إلى ارتياد المساجد و الرجوع إلى طريق الهداية و الخير ، والبحث عن مرافئ آمنة للخلق القويم و السلوك الراشد، و المسجد مرفأ آمن لاحتضان القلوب المفزوعة ، و العقول الشاردة ..

    إنه بإمكاننا أن نشكو كثيرا من التخلف في وسائل الاتصال و المعلوماتية .. ولكن خطبة واحدة في مسجد تتوفر فيها خصائص الخطبة الناجحة كفيلة لصناعة الإنسان المؤهل للوراثة الحضارية المنشودة .

    كلمات مفتاحية  :
    إسلام دور المسجد عصر العولمة

    تعليقات الزوار ()