كيف نقضى بسُنة الرسول عليه الصلاة والسلام على الانهيار الأخلاقى وتفسخ المجتمعات؟
قبل ميلاد الهُدى، كانت البشرية تعيش في الدركات السفلى من العيش النكد، نهارها كالليل العاتم من كثرة الظلم والهرج والمرج، وليلها ماجن بالخمور والنساء والفواحش ما ظهر منها وما بطن، هذا الوضع المتردي في الجانب الأخلاقي والسياسي والإنساني كان من بواعث ظهور المنقذ من هذه الضلالات، كي يغير وجه التاريخ، ويقيم أساس الأخلاق الحميدة، ويرجع الأمور إلى نصابها، ويستل المجتمع من هذه البركة الآسنة المتعفنة، ويقوده إلى بر الأمان، ويتجه بكامل قواه إلى تصحيح التصور المشوش للإله، كي تنعم البشرية بمعرفة الله.
وُلِدَ الهُدى في 12 ربيع الأول وللربيع مدلولات ومعطيات كثيرة لعل من أميزها أنه فصل الحياة بالنسبة للكون أجمع، وفصل الجمال، والحركة، والنشاط؛ والنبي ص فكان هذا الربيع بالنسبة للبشرية، وميلاده في 12 ربيع الأول كان فيه إشارة ضمنية برجوع الإنسانية إلى حالتها الأصلية إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ... (التوبة:36).
بدأت الدنيا تتنفس الصعداء فرحاً جزلاً، فتبسم الكون (الشمس والقمر والنجوم والدواب والاشجار و...) وأرسلوا تبسمهم ضمناً إلى أهل الأرض يخبرونهم بأنه آن الأوان أن تذوقوا طعم الحياة وحلاوتها ولد الهدى فالكائنات ضياءوفم الزمان تبسم وثناء
واجبنا .. ودورنا
مادام الأمر هكذا فإن علينا أن نستشعر ثُلَّة من الأمور منها
1 أن نستن بسننه العلية الكريمة، ونحييها في أنفسنا، ونجسدها في حياتنا اليومية، سواء كانت السنن الفردية، أو الجماعية من حيث التعامل، لأن إحياء سنته ص دليل على محبته، والاشتياق للقائه، قال عز من قائل: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة (الأحزاب:21).
2 أن نعيش في ظلال القرآن، وننهل من نبعه الصافي، ونضحي بالغالي والنفيس في سبيل توطيد دعائم شرع الله على وجه البسيطة، فنعيش بالقرآن وللقرآن ومع القرآن.
3 الاستمرار في الجهاد، ورفع رايته، بكل أشكاله وألوانه، وألا نخاف في الله لومة لائم، فلا يوجد أكبر من الحق والعدل، وأن ننصح لإخواننا \"الدين النصيحة\".
4 أن نتمنى العيش مع الخالدة ذكراهم في قلوب ووجدان الناس، الذين عاشوا لفكرة يؤمنون بها، فخدموا الناس، وأن نتمنى أن نعيش في جوف طير خضر يطوف بالعرش كل يوم مرات ومرات.
5 أن نبيع أنفسنا لله. قال تعالى إن الله اشترى\" من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ... (التوبة:111) ونعض على هذا العقد بالنواجذ، ولا نفرط فيه بأي حال من الأحوال، عندئذ يكون بيعنا رابحاً غير خاسر، كما قال الشهيد علي عبد الفتاح
ثم ماذا بعد هذايا أخي
غير جوف الخضر في بيض المنابرإن بيعا مثل هذا ربحه
لهو نعم البيع بيعا غير خاسر
6 ألا نساوم على ثوابتنا وعقيدتنا أحداً مهما كانت منزلته ودرجته، وإن عُذبنا وقطعنا إرباً إرباً، ومُثِلَّ بنا، ففي سبيل الله يهون كل شيء، وكل الأمور بعد رسول الله جلل.
7 أن نبذل قصارى جهدنا وطاقتنا في سبيل إرجاع الحياة الإسلامية للدنيا وللبشرية، كي تنعم بمعاني الحياة الطيبة، لذا فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هذا الأمر كما قال أبو حامد الغزالي: \"إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو الأمر الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طُوي بساطه، وأُهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتَّسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد، ولم يشعروا بالهلاك إلا يوم التناد\" (إحياء علوم الدين 7-1186).
8 أن نشمر عن ساعد الجد فإن من جد وجد، وليس من سهر كمن رقد، فلا نكون ممن تضمنا الكتائب، وقلوب كل منا عن المشاركة غائب، وأن نرفع من همتنا وعزيمتنا، ونضع قول ابن الجوزي نصب أعيننا في عملنا الدعوي إذ يقول \"ابتليت الهمم العالية بعشق الفضائل، شجر المكاره يثمر المكارم، متى لاحت الفريسة قذفت الغابة السبع، إذا استقام للجواد شوط لم يحوج صاحبه إلى السوط، من ضرب يوم الوغى وجه الهوى بسهم، ضرب مع الشجعان يوم القسمة بسهم، من اشتغل بالعمارة استغل الخراج، إذا طلع نجم الهمة في ظلام يوم البطالة ثم ردفه قمر العزيمة \"أشرقت الأرض بنور ربه، يا طالباً للبدعة أخطأت الطريق، علة الراحة التعب، إن لم تكن أسداً في العزم، ولا غزالاً في السبق فلا تتثعلب، يا هذا الجد جناح النجاة، من كد كد العبيد تنعَم تنعُّم الأحرار، من امتطى راحلة الشوق لم يشق عليه بعد السفر\". قال الشاعر
على قدر أهل العزم تأتي العزائموتأتي على قدر الكرام المكارم
ابن الجوزي (المدهش ص 228)