مقدمة:
القرآن... كتاب أُنزِل من سبع سماوات على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم. هو النور الذي به تمتلئ القلوب إيمانا. أُمِر المؤمنون بالعكوف على تلاوته ومدارسته وحفظه، ونُهوا عن الغفلة عنه.
تلقى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مع الآيات نورانيَّتَها فانصبغ بالقرآن، وتجسد فيه القرآن... فكان خلقه القرآن.
قراءة القرآن تعود بالإنسان إلى أصله... إلى نقائه... يلتقي نور القرآن مع نور الفطرة، فيتضاعف النور.
أخرج الدارمي عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون فِتَنٌ قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، هو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله. فهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم ينته الجن إذ سمعته أن قالوا (إنا سمعنا قرآنا عجبا). هو الذي من قال به صدَق، ومن حكم به عدل، ومن عمِل به أجِر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراط مستقيم".
القرآن هو لأهل العدل والإحسان دستور سلوك، ومنهاج حياة. ولهذا وجب الإكثار من تلاوته وحفظه، والانجماع عليه لدراسته، وإجادة قراءته، والاستماع إلى تجويد المجيدين من قرائه.
كان لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليقين في أن هذا القرآن الذي أُنزل من سبع سماوات إنما أُنزل لأمر عظيم وشأن، وأي شأن، فما كان منهم إلا أن عكفوا عليه تالين متأملين، أحلوا حلاله وحرموا حرامه فكان لهم السراجَ المنير والزاجرَ والمانعَ فأحسنوا التعامل معه. قرؤوه فحفظوه، وتدبروا معانيه وعملوا بمقتضاه حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من عز وسؤدد.
واليوم أصبحنا نرى أعداء الدين يحاولون بشتى الوسائل منع المسلمين من الإقبال على كتاب ربهم، بل يسعون جاهدين إلى زعزعة ثقتهم به. من هنا ضرورة إحياء حب القرآن في نفوس المسلمين والتركيز على حسن التعامل مع كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأنه تنزيل من عزيز حميد.
أساسات التعامل مع القرآن الكريم
1- القرآن الكريم تلاوةً:
أ- التلاوة المستمرة:
والمقصود بها الورد اليومي الذي ينبغي للمؤمن أن يلتزم به مع كتاب الله تعالى، حيث عليه العكوف يوميا على القرآن بطريق الختمة كلما ختم ختمة بدأ أخرى ليبقى على صلة وثيقة بكلام ربه عز وجل. فقد أخرج الترمذي عن نصر بن علي وقال: حديث غريب، أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الحال المرتحل قيل: وما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره، كلما حل ارتحل".
والمطلوب فيها الاستقامة أي المداومة على القراءة إذ الكم ليس شرطا ضروريا. أخرج مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
كما يستحسن عدم الوقوف الطويل والتأمل العميق في معاني الآيات إلا في حالات الخشوع الذي تعقبه العبرات.
ب- التلاوة التأملية:
هي إعمال الفكر وتقليب النظر وكثرة التكرار بنية العلم بأسرار كتاب الله العزيز. وقد يؤدي هذا النوع من التلاوة إلى استنباط الأحكام وترسيخ الإشارات والمعاني وإدراك بعض المعاني اللطيفة، وهذا مما يختص به المحسنون وأرباب السلوك من الأولياء. قال ابن مسعود: " من أراد علم الأولين والآخرين فليُثوِّر القرآن، فإن فيه علم الأولين والآخرين". أخرجه الطبراني في الكبير. وتثوير القرآن معناه التنقير عليه والتفكير العميق في معانيه.
وهذه العملية قد تطول بحيث تستغرق الآية الواحدة وقفات عديدة. فقد نُقل أن النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة والتابعين كانوا يقومون بآية يرددونها حتى الصبح. من ذلك ما أخرجه أحمد عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بالآية "إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" حتى أصبح يرددها.
ومما تجدر الإشارة إليه أنه في حالة الاستماع إلى القرآن من قارئ آخر، يجب أن تراعى الشروط السابقة وألا ينشغل المستمع بالحديث واللغط واللهو لأن للاستماع أهمية قصوى. قال تعالى: "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" (الأعراف 204).
وقد اختلف في أمر القراءة أهي من المصحف أفضل أم عن ظهر قلب؛ فورد في ذلك ثلاثة أقوال:
- القول الأول: هي من المصحف أفضل لأن النظر فيه عبادة، وباجتماع القرآن والنظر فيه يزداد الأجر. ثم إن الصحابة كانوا يكرهون أن يخرج يوم لم ينظروا فيه إلى المصحف.
- القول الثاني: القراءة عن ظهر قلب أفضل لأن العادة تشهد أن النظر في المصحف يخل بعملية التدبر.
- القول الثالث: إن كان الحفظ يحصل به التدبر والتفكر وجمع القلب أكثر مما يحصل بالمصحف، فالقراءة حفظا أفضل. أما إن استويا، فمن المصحف أفضل.
ويستحب قراءة القرآن مع جماعة لما ورد في ذلك من الأحاديث. فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من رواية أبي هريرة وأبي سعيد أنه قال: "ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وعن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما يُجلِسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده لما هدانا للإسلام، ومن علينا به. فقال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة". رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
2- القرآن الكريم حفظاً:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الحفاظ وأولهم، وأصحابه الكرام تسابقوا إلى هذا الخير حتى حفظ منهم القرآن جم غفير. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين حفظه الله في المنهاج النبوي ص 158: "... ويعقد (أي: المؤمن) مع الله تعالى عَقدا أن يحفظ القرآن كله قبل موته، ويستعين على ذلك، ويبذل كل الجهد. فإنه إن مات دون غايته وقد بذل الجهد، يبعثه الله إن شاء الله على نيته يوم يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، يوم التغابن والحسرة إذ يقرأ المجاهدون فيرقون أمام أعين من فاتهم الحفظ". وذكر أيضا بالحسرة التي ستصيب من لم يحفظ شيئا فقال في الرسالة العلمية ص 12: "حسبه (أي: من لم يحفظ) يومئذ من الخيبة والخسران أن يحملق في القراء العالمين العاملين وهم إلى صُعُد وهو في مستقر انحطاطه". ويكفينا موعظة في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبه من ليس في جوفه شيء من القرآن بالبيت المظلم القذر الخالي من العمران المهدم الأركان. فقد روى الإمام أحمد والترمذي والدارمي بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب".
أ- الحفظ الكامل لكتاب الله:
هذا مبتغى كل مؤمن. وهو القِدح المُعَلّى ومنتهى الشرف. ولحافظ القرآن ثواب عظيم إذ يتبوأ أعلى درجات الجنة. والحافظ لبعض القرآن يكون رقيه على قدر حفظه. ومنتهى الثواب عند منتهى القراءة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق، ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها". رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه. وقال الترمذي: حديث صحيح.
وحتى يتحقق مشروع حفظ القرآن كله، لا بد من تحقيق ما يلي:
- أن يعقد المؤمن مع الله تعالى عَقدا أن يحفظ القرآن كله قبل موته.
- وجود شيخ محفظ يشد أزر الطالب ويدفعه نحو أمنيته ويُشعِره معاني الأبوة ويحول دون تثبيط همته. إضافة إلى أنه يعلمه النطق الصحيح ويُكسبه شرف التلقي من أفواه المشايخ.
- تقوى الله والورع والاستقامة. قال سبحانه وتعالى في سورة الطلاق (الآيتان 2 و3): "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب". وفي هذا الصدد نقل أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى اشتكى من سوء حفظه قائلا:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصــــــي
وأعلمني بان العلــــم نور *** ونور اللـــــــه لا يهدى لعاصي
وخير وسيلة للحفظ هي الطريقة الجزئية، بحيث يُحدَّد حجم مادة الحفظ. وهذه هي الطريقة التي درج عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون. فقد أخرج الإمام أحمد عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثني الذين كانوا يُقرِئوننا –عثمان وابن مسعود وأبي رضي الله عنهم– أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يعلموا ما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا. وعن أبي العالية قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذه من جبريل عليه السلام خمسا خمسا.
ب- الحفظ لبعض أجزاء القرآن أو بعض سوره وآياته. وفي هذا خير كثير إذ ما لا يدرك كله لا يترك كله.
المحافظة على المحفوظ: ينبغي الإكثار من مراجعة المحفوظ وتكراره درءا للنسيان. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقَّلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت". رواه البخاري.
ولقد عد بعض العلماء نسيان شيء من القرآن بعد حفظه ذنبا عظيما، بل صرح الإمام النووي أنه كبيرة من الكبائر. أخرج أبو داود والترمذي من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عُرِضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من سورة من القرآن أو آية أوتيها رجل ثم نسيها". غير أن نسيان القرآن أمر طبيعي، وكيف لا والرسول صلى الله عليه وسلم -وهو سيد الحفاظ– أخبره ربه قائلا: "سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله". ونسيان النبي صلى الله عليه وسلم وارد، لكنه قليل ولم يقع إلا بعد تبليغه الناس وحفظه في الصدور وتدوينه في الصحف. لكن هذه القلة لا تستمر، بل إما يتذكره صلى الله عليه وسلم بنفسه وإما أن يذكره به غيره. أخرج الشيخان من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في المسجد يقرأ بعض الآيات فقال: " يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا، آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا".
ومما يرسخ الحفظ أيضا كثرة القراءة في الصلاة. فطول القراءة فيها مستحب ومرغوب فيه. وهو أفضل من تطويل الركوع والسجود. فقد أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقم به نسيه".
ومن فاته حفظ القرآن في صغره، يمكنه استدراك ما فاته ونيل شرف الحفظ بالمساهمة في تحفيظ غيره (أبنائه، ذوي رحمه، عامة المسلمين ..) وذلك بتأسيس مدارس لحفظ كتاب الله لأن الدال على الخير كفاعله.
3- القرآن الكريم فهما:
الفهم من أهم أساسيات التعامل مع القرآن الكريم. لذا ينبغي إعطاء هذه العملية أهمية كبرى.
أ- فهم معاني مفردات القرآن وما لا بد منه في سياق الكلام: وهذا يتطلب معرفة بعض وجوه الإعراب والقراءات وترتيب الكلام. وهنا ينبغي الاستعانة بكتب التفسير.
ب- الفهم الدقيق والتأمل العميق لمعرفة مقاصد القرآن ومراميه، وهذا عمل ذوي الاختصاص، ومن ذلك:
- التعمق في فهم ظواهر الآيات لاكتشاف معاني الآيات الكونية، والوقوف على سبل حفظ الدين وصد أعدائه. وهذا أمر ميسر لأهل العلم ممن توفرت فيهم الشروط اللازمة للتفسير.
- التعمق في فهم بواطن الآيات للوقوف على أسرار القرآن حتى يتقرب العبد من ربه وترقى نفسه إلى حضرة القدس ومقام الأنس بالله عز وجل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المعاني لا تنقدح إلا في القلوب الصافية والنفوس الطيبة. أما من لا تزال الموانع تحجبه (كالإصرار على الذنب والاتصاف بالكبر ...)، فلا سبيل لديه لبلوغ هذه المرامي. ذلك أن الله عز وجل قد جعل الإنابة شرطا لبلوغ هذا الفهم وهذا التذكر. قال تعالى: "تبصرة وذكرى لكل عبد منيب" (ق 8)، وقال أيضا: " وما يتذكر إلا من ينيب". (غافر 13).
ج- التدبر مفتاح الفهم الصحيح: التدبر معناه التفكر والتفهم وبذل الجهد في ذلك للوقوف على مقاصد الآيات وإدراك مراميها. قال تعالى: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب". (ص 29). وقال أيضا: " أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها ". (محمد 24).
4- القرآن الكريم عملاً:
العمل هو غاية التعامل مع القرآن الكريم ولب لبابه. ولقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أهمية العمل بكتاب الله عز وجل حيث قال في حديث صحيح: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب. والذي لا يقرأ كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر. ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها" رواه أبو موسى الأشعري وهو عند البخاري في الجامع الصحيح، تحت رقم 7560. كما حذر من ترك العمل به حين تحدث عن خيار الناس وشرارهم حيث قال في حديث أخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري: "ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إن من خير الناس رجلا عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو على ظهر بعيره أو على قدميه حتى يأتيه الموت؛ وإن من شر الناس رجلا فاجراً يقرأ كتاب الله لا يرعوي إلى شيء منه". ولنا في السلف الصالح قدوة في العمل بالقرآن الكريم. فقد أخرج الإمام الطبري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن".
ويمكن تقسيم العمل بالقرآن الكريم إلى قسمين:
أ- عمل ذاتي: ويتمثل في:
- امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛
- التحلي بالآداب الفاضلة والأخلاق الحسنة وترويض النفس على الحِلم والتواضع والعفو.
لنتأمل الآية الكريمة: " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به". (النحل 126). فالعمل بهذه الآية يمكن أن يتم بفهمها على الوجه الذي وردت به، فيأخذ المعتدى عليه حقه على الوجه الشرعي دون زيادة أو نقصان. أما من تحلى بفضيلة الحلم فيمكنه الترقي بنفسه إلى مقام العفو فيعمل بما ورد في آخر الآية: "ولئن صبرتم لهو خير للصابرين".
ب- عمل متعد: أي إيصال الخير إلى الغير والدعوة والتذكير من أجل رد الناس إلى الله عز وجل. قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". (النحل 125). وقال أيضا: "وذكر، فإن الذكرى تنفع المؤمنين". (الذاريات 55). وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو: " بلغوا عني ولو آية".
وهذا النوع من العمل يترتب عن الأول، فمن لم يحسن الأول استحال عليه إحسان الثاني. قال تعالى: "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" (البقرة 44). وقال أيضا: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون". (الصف 2 - 3). وأخرج البخاري ومسلم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه".
ونختم بأمرين اثنين لا ينبغي نسيانهما:
1- تعلم اللغة العربية: فبها يُعلَم المراد من آيات الله وهي سبيل العمل والامتثال، لأن القرآن الكريم أنزل بلسان عربي.
2- دراسة السنة النبوية: دراسة واعية باعتبارها مصدرا لا بد منه لفهم القرآن، ومثال ذلك الآية الكريمة: "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون" (الأنعام 82). فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الظلم ههنا بالشرك وأيد تفسيره هذا بقول الله عز وجل: "إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان 13).
------------------------------
المصدر- موقع الجماعة