بتـــــاريخ : 7/26/2010 5:41:30 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1437 0


    قراءة في نهضتي مصر واليابان في القرن التاسع عشر

    الناقل : SunSet | العمر :37 | الكاتب الأصلى : د / غازي التوبة | المصدر : www.altareekh.com

    كلمات مفتاحية  :

    النهضة اليابانية قامت على أسس العدالة والمساواة واحترامحقوق الإنسان المنبثقة من رؤية فكرية .. غابت عن تجربة النهضة المصرية في عهد محمدعلي.
    اعتبر بعض الدارسين أن نهضة بدأت في مصر في عهد محمدعلي باشا (1805 ­1848) ودللوا على تلك النهضة بالتحديثات التي قام بها في المجالاتالعسكرية والتعليمية والاقتصادية، ففي المجال العسكري شكل محمد علي باشا جيشاً منأبناء الفلاحين، وبشكل خاص من سكان بلاد النوبة، وقدم الفرنسيون الدعم المباشر منسلاح ومدربين، ونمت أعداد الجيش في العقد الثالث من القرن التاسع عشر، وبنى محمدعلي باشا مدرسة لقيادة الأركان، ومدرسة للموسيقى العسكرية، ومدارس للمجندين، ومدرسةللفروسية، ومدرسة للهندسة العسكرية وغيرها، وخاض الجيش عدة معارك منها: التصديللحملة البريطانية على مصر 1807، وإيقاع مجزرة القلعة في المماليك 1811، وإرسالحملة عسكرية ضد الحركة الوهابية في الجزيرة العربية 1811، وتوجيه حملات عسكرية إلىالسودان والنوبة وكريت 1821، وتوجيه حملة عسكرية على بلاد الشام (1831 ­1840)واحتلال الجيش المصري للأناضول وتوقيع صلح كوتاهية 1833، وإنزال هزيمة بالجيشالعثماني 1839، وتوقيع معاهدة لندن والانسحاب المصري من بلاد الشام 1840 .
     وفي المجال الاقتصادي ألغى محمد علي باشا نظامالالتزام والضرائب منذ 1809، وأنجز المسح الزراعي الشامل لكل الأراضي المصرية 1813،كما أجرى المسح السكاني 1814، وبين هذا المسح أن عدد سكان مصر لم يكن يزيد على 3.5مليون، وحفر ترعة المحمودية 1819، وأدخل زراعة القطن الطويل التيلة إلى مصر 1820،وقامت سياسة الاقتصاد على ركيزتين، تأسيس صناعة حديثة مع تطوير بعض الحرف القديمةلإنتاج سلع قادرة على منافسة السلع الأجنبية، واحتكار الدولة للتجارة... إلخ
    وفي مجال التعليم أرسل محمد علي باشا أول بعثة علميةإلى أوروبا عام 1818 وضمت أربعين طالباً، وكذلك اهتم محمد علي باشا ببناء المدارسالمصرية في مصر، والتي بلغ عددها قرابة خمسين مدرسة تضم ما يزيد على 5500 طالب العام 1838، وأسس مطبعة بولاق الشهيرة عام 1821، ولعبت دوراً أساسياً في نشر الكتببالعربية والتركية والفارسية بالإضافة إلى الكتب المترجمة عن الفرنسية والانجليزية ... إلخ
     التجربةاليابانية:
    وفي اليابان انطلقت في منتصف القرن التاسع عشر نهضةموازية حاولت اللحاق بالغرب، وقد جاءت هذه النهضة بعد إنذار وجهته القوات الأميركيةبقيادة بيري في 14 يوليو 1853 إلى فتح الموانئ اليابانية أمام الملاحة الدولية، وتملاحقاً توقيع اتفاقيات مذلة ومجحفة بحق اليابانيين أجبرتهم فيها الولايات المتحدةالأميركية في 31 مارس 1854 على فتح موانئهم لأساطيل الدول الغربية، وجاء رد الفعلالشعبي بإزالة الأسرة الحاكمة آنذاك وهي أسرة توكوغاوا لصالح صعود الحكمالإمبراطوري، ثم طرح الشعب الياباني شعار «المجد للإمبراطور وليطرد البرابرة»، ثماعتلى الحكم إمبراطور صغير السن تسمى باسم الإمبراطور «مايجي» أي «الإمبراطورالمصلح» 1868 ­1912، وطرح المجتمع الياباني آنذاك شعارين يعبران عن المرحلة القادمةخير تعبير، الأول: «جيش قوي ليابان غنية»، والثاني: «تقنية غربية وروح يابانية» وقدجمع الإمبراطور مايجي في حاشيته نخبة متميزة من كبار قادة الرأي في اليابان، بلغت (400) شخصية من ذوي الاتجاهات المتنوعة والمبادئ المتنورة، وقد بدأ حكمه بإعلانمبادئ الإصلاح الخمسة في 14 مارس 1868، وتناولت التأكيد على أولوية المصلحة العامة،وعلى المساواة بين اليابانيين، وعلى ضرورة توحد السلطتين العسكرية والمدنية، وعلىالبعث لاكتساب الثقافة والتعليم العصريين في أي مكان في العالم واستخدامهما في بناءركائز الإمبراطورية اليابانية.
     آلياتالإصلاح:
    ومن الجدير بالذكر أن الإمبراطور مايجي اتخذ قراراتعدة لتحقيق تلك المبادئ ، أبرزها إلغاء بعض الأنظمة القديمة التي كانت تعيق تحقيقالوحدة والمساواة بين أبناء الشعب الياباني، منها: نظام الساموراي، ونظام الانقسامالعائلي، ونظام الطبقات المنبوذة، وقد أقر في المقابل عددا من القوانين والقراراتالتي تدفع اليابان باتجاه التحديث والمحافظة على خصوصية اليابان وتقاليده العنيدة،كذلك اتخذ الإمبراطور خطوات عملية في إنشاء الجيش وتدريبه، وفي الإصلاح الزراعي،وفي إصلاح التعليم، وإرسال البعثات التعليمية إلى كل دول أوروبا وأميركا وجلبالخبراء لمختلف الوزارات ... إلخ
     مآلات النهضتين:
    تلك كانت البدايات لما يسميه الدارسون النهضتين: المصرية واليابانية، فماذا كانت النهايات؟ واضح أن النهاية كانت سعيدة في نهضة وهيالنهضة اليابانية، وكانت حزينة وفاشلة في نهضة وهي النهضة المصرية، إذ أصبحتاليابان دولة صناعية متقدمة طوال القرن العشرين، ولعبت طرفا أساسياً في الحربينالعالميتين الأولى والثانية، ومع إنها تدمرت في الحرب العالمية الثانية بشكل كامل،وبخاصة عندما جربت أميركا السلاح الذري للمرة الأولى في مواجهة اليابان، وأسقطتقنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، ومع ذلك وبعد انتهاء الحرب العالميةالثانية استطاعت اليابان أن تعود إلى لملمة جراحاتها وبناء نفسها، فاستطاعت فينهاية القرن العشرين أن تصبح من أكثر الدول تقدماً في الابتكارات التكنولوجية،والأمور العلمية، وأن تصبح ذات اقتصاد قوي راسخ وذات مجتمع حيوي فعال ... إلخ
    كيف جرت الأمور على الطرف الآخر وهي النهضة المصرية؟كيف كانت النهاية؟ لقد كانت النهاية حزينة كما قلنا، فقد استطاع محمد علي باشا أنيبني دولة ذات جيش قوي واقتصاد قوي وإدارة حديثة ومنظمة ... إلخ
     ولعب محمد علي باشا دوراً سياسيا بارزاً في المنطقة، سواء مع الخلافة العثمانية أم ضدها، لكن مصر انتهت إلى أن ارتهن اقتصادها للدولالغربية وشركاتها في النصف الثاني للقرن التاسع عشر، مما ترك المجال لأوسع التدخلاتفي الشؤون المصرية، وغياب الاستقلال الاقتصادي، ثم غياب الاستقلال السياسي، وأدىذلك إلى استعمار مصر في عام 1882م من قبل الإنجليز، وقد استمر هذا الاستعمار يديرشؤون مصر السياسية والاقتصادية، ويوجه شؤونها التعليمية والإدارية بشكل مباشر وغيرمباشر إلى حين توقيع اتفاقية الجلاء في عام 1954، وهي تعاني الآن ضعفا في الاقتصاد،واضطراباً في السياسة بالمقارنة مع اليابان..
    وهنا يأتي التساؤل: لماذا حدثت نهضة فياليابان وتعثرت في مصر؟ لماذا كانت النتيجتان مختلفتين؟ وهناك سؤال آخر: كيف تقومالنهضة وتتولد؟ .
    تقوم النهضة وتتولد بعمليتين مترافقتين هما: إجراءات عملية ورؤيةفكرية، بمقدار ما تكون الرؤية الفكرية معمقة في توصيف الحاضر وتشريح الماضيواستشراف المستقبل بمقدار ما تكون النهضة ناجحة وذات أثر مستمر، وهذا ما حدث فيأوروبا التي ترافقت نهضتها مع عصر الأنوار الذي قوم الأزمة القائمة بين أقوال رجالالكنيسة وأقوال رجال العلم، كما اتضح له الخطأ في توجهات الرهبنة القائمة آنذاكوالتي تنبذ الدنيا نهائياً، والخطأ في موقف الكنيسة من المرأة واحتقارها، كما تبينله خطأ العلاقة بين الحاكم والمحكوم والتي تقوم على الاستبداد ... إلخ ..
    كل ذلك دفعأوروبا إلى نهضة تقوم على العقلانية واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية... إلخ،وكذلك قامت نهضة في اليابان لأنه كانت هناك رؤية للواقع القائم: تقبل بعضه وترفضالآخر، وقد ذكرنا جانباً من هذه الرؤية التي طرحها الإمبراطور «مايجي» في مبادئالإصلاح، وفي الموقف من الطبقات والسلطات والتكنولوجيا الغربية وعوامل الوحدة فيالشعب الياباني ... الخ، وقد غابت النهضة عن تجربة محمد علي باشا بسبب غياب الرؤيةالفكرية عنده، فلم يكن له أي موقف فكري من الواقع، مع أنه كان مليئاً بالإيجابياتوالسلبيات التي تحتاج إلى المعالجة على مستويين: الأخذ بالإيجابيات ومعالجةالسلبيات، وقد أدى انعدام الرؤية الفكرية عنده إلى انزلاق تجربته إلى التغريب عندحفيده الخديوي إسماعيل الذي اعتبر مصر قطعة من أوروبا، وأخذ بكل مظاهر التغريب،وأدى هذا التوجه إلى إضعاف مصر وخسارة الاستقلال السياسي عندما احتلها الإنجليزيعام 1882 .
    والسؤال الآن: بماذا نفسر­إذن ­ كل هذه الإصلاحاتالتي قام بها محمد علي في مصر في المجالات العسكرية والعلمية والتربوية والزراعيةوالصناعية؟ إن التعليل بسيط وسهل، فقد كان محمد علي باشا قائداً ذا تطلعات شخصيةيريد أن يبني له ولأسرته من بعده دولة خاصة، وقد كان له سابقون في مصر وجوارها منمثل: علي بك الكبير، والجزار في عكا ... إلخ، لذلك بنى مصر عسكرياً واقتصادياًوزراعيا وصناعيا من أجل أن يحقق طموحاته الفردية، وقد استفاد من ميزان القوىالعالمي آنذاك من أجل الوصول إلى تحقيق ذلك، فعاونته فرنسا فترة من الزمن، وساعدتهعلى بناء جيشه ومصانعه الحربية، واستفادت من ذلك، لكنها توقفت عند حد معين لأنميزان القوى الدولية لم يعد يسمح لها بذلك، فاضطرت إلى التخلي عنه في مرحلة تالية.
    المصدر : مجلة الوعي الإسلامي ـ العدد : 513

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()