العلاقات الدولية في الإسلام هي العلاقات والصلات الخارجية التي تقيمها الدولةالإسلامية مع غيرها من الدول والجماعات والأفراد لتحقيق أهداف معينة وفقا للشريعةالإسلامية .
فقد واجه الإسلام منذ نشأته أوضاعا سياسية وأحوالا اقتصادية بالغة التعقيد، ونجحفي أن يتعامل معها بأسلوب متميز يختلف عن أساليب الدول السابقة؛ فعقد المعاهدات،واستقبل المستأمنين، وأعان الضعفاء، وراسل الملوك، وبعث الوفود، وتحالف مع القبائل،وفاوض وأقام العلاقات الخارجية.. كل ذلك بتصور إسلامي مستمد من كتاب الله وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وحري بالمسلمين في كل عصر وزمان أن يلتزموا تلك الفاعليةالمنتجة المنضبطة بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
أهمية العلاقات الدولية في الإسلام :
الإسلام -الرسالة الخاتمة- دين أُنزل للبشرية جمعاء، تبدت عالميته في قدرته علىالتعايش مع كل الجماعات البشرية غير المحاربة؛ من نصارى ويهود.. ملوك وفقراء.. سودوبيض... إلخ، وفق ضوابط معلومة وقواعد محددة،من أهمها:
* الاعتراف أن الاختلاف بين بني البشر في الدين واقع بمشيئة الله تعالى؛ فقد منحالله البشر الحرية والاختيار في أن يفعل ويدع.. أن يؤمن أو يكفر.
* وحدة الأصل الإنساني والكرامة الآدمية، انطلاقا من قوله سبحانه وتعالى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13)، وقوله -عز وجل- {وَلَقَدْ كَرَّمْنَابَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَالطَّيِّبَاتِ} (الإسراء: 70).
التعارف: لقوله -سبحانه وتعالى- {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّاخَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَلِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)، وكماورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دبر كل صلاة: "... أناشهيد أن العباد كلهم إخوة..." (جزء من حديث رواه أبو داود)؛ فالتعارف أساس دعا إليهالقرآن، وضرورة أملَتْها ظروف المشاركة في الدار أو الوطن بالتعبير العصري، وإعمالالروح الأخوة الإنسانية بدلا من إهمالها.
التعايش: إذ إن حياة المتشاركين لا تقوم بغير تعايش سمح: بيعا وشراء.. قضاء واقتضاء.. ظعنا وإقامة.
وتاريخ المسلمين حافل بصور التعامل الراقي مع غيرالمسلمين ، وقد حدّد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله {لاَ يَنْهَاكُمُاللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّندِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّالْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8).
التعاون: كثير من القضايا العامة تشكل قاسما مشتركا بين المسلمين وغيرهم،ويمكن التعاون فيها، كما أن الأخطار التي تتهددهم معا ليست قليلة، ويمكن أن تشكلهذه القواسم المشتركة منطلقا للتعايش والتعاون،وأهم هذه القواسم المشتركة مايلي:
1 ـ الإعلاء من شأن القيم الإنسانية والأخلاق الأساسية؛ فالعدل والحرية والمساواةوالصدق والعفة كلها قيم حضارية تشترك فيها الأديان والحضارات، وترسيخها فيالمجتمعات هدف مشترك يمكن التعاون عليه.
2 ـ مناصرة المستضعفين في الأرض، وقضايا العدل والحرية ومحاربة الظلم، ومن ذلكاضطهاد السود والملونين في أمريكا، واضطهاد الأقليات الدينية وسائر الشعوب المقهورةفي فلسطين وكوسوفا والشيشان ونحوه؛ فالإسلام يناصر المظلومين من أي جنس ودين.
والرسول - صلى الله عليه وسلم- قال عن "حلف الفضول" الذي تم في الجاهلية: " لقد شهدتفي دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحبّ أنّ لي به حُمر النّعم، ولو أدعى به فيالإسلام لأجبت" (سيرة ابن هشام، والكلام عن هذا الحلف ذكر في البداية لابن كثيربإسناد صحيح، وفي دلائل البيهقي ورواه الحميدي، وابن سعد عن طريق الواقدي ).
أهداف العلاقات العامة في الإسلام :
إن صياغة أهداف العلاقات الدولية يجب أن تتم في ضوء المنهج الإسلامي للعلاقاتالخارجية الذي حددته الأحكام الشرعية؛ فلا ينبغي أن تضع الدول أهدافها للعلاقاتالخارجية في غيبة من الإسلام، ويمكن تفصيل أهداف العلاقات العامة في الإسلام علىالنحو التالي:
أولا : أهداف عامة مشتركة:
1 ـ حماية الدولة:وهو ما يعرف في واقعنا المعاصر بالأمن القومي، ويتطلبسيادة الدولة على أراضيها، وحفظها لحدودها الجغرافية، وبعدها عن تدخل الدول الأخرىعسكريا أو سياسيا.
2 ـ رعاية المصالح المتبادلة:إذ تسعى كل دولة إلى توفير موارد ذاتيةتغنيها عن الحاجة إلى عون خارجي، لكن هذا في واقع الحال صعب المنال؛ لذلك تلجأالدول إلى أن تكمل نقصها عبر علاقاتها الخارجية، وتبادل المنافع مع الدول الأخرى.
3 ـ الأمن المشترك: فالأمن هو أحد الضروريات التي يحتاجها كل نظام سياسييسعى إلى الاستقرار، وإذا كان الأمن الداخلي مسألة خاصة بكل دولة فهناك أمن خارجيمشترك بين دول العالم، تحكمه اتفاقيات تضمن عدم اعتداء دولة على أخرى، وقد تتحالفدول معينة وتتفق على التصدي لأي عدوان يهدد دولة في الحلف.
4 ـ السلام العالمي: إن الخلافات بين الدول تهدد أمن العالم؛ لذلك اقتضت المصلحةأن يقوم نظام عالمي لرعاية السلام العالمي، ومنع حدوث خلافات بين الدول، وتوفيرآلية لحل الخلافات بينها؛ حفظا للأمن والسلام العالميين، وفي واقعنا المعيش تقوممنظمة الأمم المتحدة وروافدها بهذا الدور.
ثانيا: أهداف خاصة:
1 ـ نشر الدعوة الإسلامية: فالدولة الإسلامية هي دولة دعوة، تحمل رسالةالإسلام وتبشر بها وتدعو إليها، وتحمل لواء خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم فيالدعوة والبلاغ.
2 ـ حماية الأقليات المسلمة: يطلق على المجموعات التي تعيش في دولة أخرىغير التي تقيم بها اسم "الأقليات"، والقانون الدولي يعرف الأقليات القومية، ولاينظر للأقليات الدينية مع إنه حفظ لها حقوقها المتعلقة بشعائرها الشخصية ، أماالإسلام فلا تقف العنصرية أو العرقية حاجزاً أمام الانتماء الأوسع له ، ومهمة الدولةالإسلامية تقتضي حفظ حقوق الأقليات المسلمة دون النظر إلى أصولها العرقية أوالعنصرية.
3ـ درء الأخطار عن الأمة الإسلامية: إن الأمة الإسلامية مطالبة بنشر هذا الدينوالذود عنه، وحماية معتنقيه والدفاع عن حرماتهم، وإزالة كل العوائق التي تمنعهم منأن يؤدوا فرائض دينهم؛ بل والتي تحول بين غير المسلمين وقبول الإسلام.
مميزات العلاقات الدولية في الإسلام :
1 1 ـ النظام الإسلامي للعلاقات الدولية يتميز بثبات المصادر (القرآن، والسنة،واجتهاد الفقهاء)، وعدم خضوعها للمتغيرات والأحداث، كما يتميز بالمرونة فيالاستجابة لمتغيرات الزمان والمكان والحال.
2 ـ للشريعة الإسلامية أو الدين مكان واضح في مفهوم العلاقات الدولية؛ فالشريعةبمثابة الباعث المحرك لأهداف العلاقات الدولية؛ لذلك لا يتصور فصل الدين عنالعلاقات الدولية كما يحدث في الديانات الأخرى.
3 ـ العلاقات الدولية في الإسلام ليست انفعالية بل مبدئية تنطلق من قيم العدلوالسلام والتسامح والحرية ومساعدة المظلوم والوفاء بالعهود ونحوه.
4 ـ العلاقات الدولية في الإسلام مفهومها متسع، ولا يقتصر على الدول؛ بل يشملالمؤسسات والأفراد؛ إذ يستطيع فرد أن يعطي الأمان لآخر (ويسعى بذمتهم أدناهم) .
5 ـ العلاقات الدولية في الإسلام شمولية تخاطب الناس جميعا؛ أفرادا وجماعات،انطلاقا من شمول الإسلام.
6 ـ وسائل العلاقات الدولية في الإسلام نبيلة سامية، ومبدأ (الغاية تبرر الوسيلة ) لا وجود له في التصور الإسلامي.
7ـ المصالح العامة للبشرية (كالسلام العالمي) من الأهداف الرئيسية للدولةالإسلامية، خلافاً لما عليه الحال في كثير من الدول الغربية التي تقدم مصالحهاالذاتية على المصالح العامة للبشرية.
8 ـ الإسلام لا يعرف الازدواجية في العلاقات الدولية كما يلاحظ في المؤسسات الدوليةالعالمية كالأمم المتحدة وروافدها.
9 ـ الإسلام سبق كل النظريات المعاصرة في وجوب مواجهة الطغيان بقوة تردعه، وهو مايطلق عليه اليوم "الردع"، أو "القوة الرادعة".
10 ـ العلاقات الدولية في الإسلام تنبع من الإسلام، ولا يحكمها أي مؤثر خارجي؛ الأمرالذي يوفر لأي دولة استقلالا كاملاً في اتخاذ مواقفها الخارجية والداخلية.
** الأمين العام للمركز العالمي للوسطية
المصدر : المركز العالمي للوسطية