الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
يا فتاة!.. يا من شرفك الله بالإسلام.. وأنعم عليك بالإيمان.. ويسر لك القرآن.. وأسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطـــنة.
يا ذات الطهر والعفاف.. يا ذات الستر والصيانة، ما لي أراك اليوم في حيرة من أمرك؟. تتجاذبك رياح الشهوات.. وتعصف بك أمواج الفتن.. وتحيط بك أعاصير الباطل إحاطة السوار بالمعصم.. حتى أصبحت لعبة تتداولك أيد الماكرين.. وتشكلك رؤى المفسدين من لصوص الأعراض وشذاذ الآفاق..
بالأمس كنت جوهرة مصونة.. ودرة مكنونة.. لا تعرفين المكر والخداع.. ولا تتعرضين لحيل أعداء الله في الإفساد والإيقاع.. كان حديثك عن آية من كتاب الله.. أو سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. أو كلام بريء بعيد كل البعد عن النوايا السيئة والمقاصد الدنيئة..
واليوم.. تغير حديثك.. فأصبح عن القنوات الفضائية تارة.. والأفلام والمسلسلات تارة.. والموضة والأزياء تارة ... وأخيراً أصبحتِ من عاشقات شبكة الإنترنت.. فقد وجدتِ فيه ضالتك المنشودة.. وكنزك المفقود..
فهذه فتاة تقضي الساعات الطوال في البحث عن موقع الرقص والغناء ومتابعة أحدث أشرطة الفيديو كليب..
وهذه فتاة تجوب مواقع الحب والغرام.. فتراسل هذا، وتدردش مع ذاك..
وهذه فتاة تتجول في مواقع السفر والسياحة.
وبعض الفتيات ـ هداهن الله ـ لا هم لهن سوى البحث عن بؤر الفساد، ومواقع الفحش والرذيلة.. أجساد عارية. وصور فاضحة.. ممارسات شاذة.. إثارة للغرائز.. إشاعة للفاحشة.. ذبح للحياء والعفة.. تدمير للأخلاق والمبادئ والسلوك..
نعم إن هناك من تستخدم الإنترنت في الدعوة إلى الإسلام وبيان محاسنه، وإبطال شبهات المغرضين ودحض مقولات الحاقدين، وهناك من تستخدم الإنترنت في شئونها الخاصة كالاستفادة منه في الأبحاث العلمية والتعرف على أحدث التقارير والدراسات والإحصاءات.
وهناك من تستخدمه في شئونها المنزلية كتعليم الطبخ والحياكة والزخرفة وغير ذلك من الأمور المباحة، فهؤلاء نسأل الله أن يوفقهن وأن يجنبهن نزغات الشيطان ومزالق النفس والهوى.
لكن هذا الحديث ليس لهؤلاء، إنما هو للطوائف الأولى التي جعلت الإنترنت وسيلة إلى المعصية والإثارة بكل أنواعها..
فماذا ننتظر من فتاة لا هم لها إلا رؤية المشاهد الخليعة والشاذة بكل أنواعها؟!
ماذا سيكون سلوك هذه الفتاة في مدرستها، أو في جامعتها، أو في حيها ومدينتها، أو حتى في منزلها بين أفراد أسرتها؟
كيف ستتخلص تلك الفتاة من آثار تلك المشاهد المخزية والصور المختزنة في ذاكرتها؟
كيف ستصرف هذه الشهوة المدمرة التي تكاد تفتك بها كل لحظة؟
كيف تعبد ربها وتحافظ على فرائض دينها؟
كيف تكون فتاة عفيفة وقد ذبحت عفتها عبر مواقع وشبكات الإنترنت؟
كيف ستكون فتاة طبيعية وقد تعودت على رؤية الشذوذ في أبشع صوره؟
يا فتاة!.. إن مغريات الحياة كثيرة.. وفتنها عظيمة، ولكن.. كم هي الحياة؟.. قولي لي بربك: كم تؤملين البقاء في هذه الدنيا؟ ستون عاماً؟ سبعون.. ثمانون.. تسعون.. مائة.. ثم ماذا؟.. { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] .
والإنسان يا فتاة يموت على ما عاش عليه.. فإذا أمضى حياته في الطاعة والعبادة والعفة والاستقامة مات على ذلك.. وإذا قضى ساعات عمره في اللهو واللعب والبطالة والتلصص على مواقع الفسق والفجور والعري والمجون مات على معصية الله عز وجل والبعد عنه..
فلا تجعلي قلبك ـ أختاه ـ مقراً للفتن والشهوات؛ لأن القلب يحيا ويمرض ويموت، ويصح ويسقم كالبدن تمـــامــــاً.. وحياة القلب بعبادة الله وذكره وشكره وتلاوة كتابه.. وموت القلب بالغفلة وكثرة المعاصي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه" [رواه مسلم].
لــذة وهــمية
واعلمي يا فتاة أن هذه اللذة التي تجدها عاشقة الإنترنت في مشاهدة المناظر القبيحة والأفعال المخزية لذة وهمية؛ لأنها ستعقب الحسرة والندم، والأمور بعواقبها كما قال الشاعر:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعارُ
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا مرحباً بسرور من بعه النار
ثم إن هذه المشاهد تضعف من سيطرة الفتاة على مشاعرها وغرائزها، فيحسِّن لها الشيطان بعد ذلك ممارسة الرذيلة فتسقط مع الساقطات، وتلوث عرضها، وتفضح نفسها، وتكون عاراً على أهلها وعشيرتها..
وهـب أن هذه الفتاة نجت من عقاب الدنيا، فكيف ستنجو من عقاب الآخرة، وكيف ستجيب على أسئلة من لا تخفى عليه خافية؟
يا فتاة ! أين حفظ الرأس وما وعى؟ أين حفظ الجوارح؟ أين ذكر الموت والبلى؟
يا فتاة ! ماذا ستفعلين بين يدي جبار السموات والأرض.. {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ} [الطارق:10،9].
يا فتاة! ألا تعلمين أن أهل النار من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون، وأن أهل الجنة من كل ألف واحد فقط؟ فأين مكانك من هؤلاء؟
يا فتاة! إن الدنيا ساعة، فاجعليها طاعة.. قال أحد السلف: صم الدنيا، واجعل فطرك في الجنة..
فالجنة يا فتاة عظيمة، فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أهل الجنة الجنة، ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تـنعموا فلا تبأسوا أبداً " [رواه مسلم].. حياة دائمة، وصحة دائمة، وشباب دائم، ونعيم دائم.. هذا هو الفوز الأبدي واللذة الحقيقية التي لا تعقبها حسرة ولا ندم..
فمن باع ذلك بصورة عارية أو منظر خليع؛ فهو المغبون حقاً، وهو الخاسر الضائع الذي لا أخسر منه ولا أضيع..
وأخيراً.. أنصحك يا فتاة ! بالزواج المبكر، فهو من أكبر أسباب العفة والاستقامة، فلا تترددي في الزواج ممن ترضين دينه وخلقه.. ليعين أحدكم الآخر على طاعة الله، ويعف كل منكما زوجه عن محارمه.. وفقني الله وإياك إلى ما فيه رضاه.. وجنبني وإياك سخطه وعقابه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.