تعد لغة العيون من أبلغ اللغات, وقد تغني كثيرا عن ب اللسان, بل إن العيون لها كلام تنطق به هو أقوى من اللسان فهي تتجاوز حدود اللغات واللهجات بلغة صامتة لها مفعول السحر في كثير من الأحيان. نعم إن العيون تتكلم, وإن نظرة واحدة يختلف حالها وتعبيرها, فهذه نظرة إعجاب, وهذه نظرة سخرية, وهذه نظرة غضب, وغير ذلك مما يفهمه الناس بعضهم من بعض من حديث العيون دون حاجة إلى إفصاح اللسان.
وإنك لتعرف من الشخص أنه غارق في الخيال من خلال عينيه, وتعرف خوفه من عينيه, وتعرف حبه من عينيه, والحياء في العينين, والفرح والسرور في العينين, والخيانة في العينين قال تعالى: ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [غافر:19] وتتميز لغة العيون بأنها سريعة الوصول من المرسل إلى المستقبل, قوية الأثر, وهي مع ذلك قصيرة الوقت إذ قد لا تستغرق ثواني معدودة, ومع ذلك تنفذ إلى القلب فهي سهم لا يخطىء ورسالة أبلغ في التأثير, ولأجل ذلك فقد وضع الإسلام الضوابط للنظر إذ إن إطلاق المرء لبصره دون حدود أو ضوابط يؤدي به إلى القلق والحسرة والندامة.
ولقد أمر الله - عز وجل - الرجال والنساء بغض البصر قال تعالى: ( قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ) [النور:30] ( وقل للمؤمنات يغضضن من ابصارهن ويحفظن فروجهن ) [النور:31] , فكما يجب على الرجل إن يغض بصره عما حرم الله فكذلك المرأة أيضا عليها أن تحفظ نظرها وتغض بصرها عن الرجال الأجانب, وقد بي ن الإسلام حدود نظر الفجأة فالنظرة الأولى لك والأخرى عليك.
ومع انتشار النقاب في أوساط النساء حتى عمت به البلوى وأصبح من أكبر دواعي الفتن لأنه يتيح إطلاق النظر منها وإليها, ومما يدعو إلى العجب أنه إذا كان الرجال لا يسمحون لنسائهم بالحديث مع الرجال الأجانب فكيف يسمحون من خلال العيون?
وفي نظري أن ارتداء المرأة للنقاب له أسباب عديدة منها:
1 - ضعف الوازع الديني لدى المرأة, فقد وردت النصوص في الكتاب والسن ة في نهي المرأة عن إبداء زينتها للرجال الأجانب, وأي زينة أكبر من العيون? فقد تغنى بها الشعراء قديما وحديثا وفيها قال جرير:
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
وقد أفتى العلماء بتحريم النقاب على الهيئة التي تلبسها النساء في الوقت الحاضر لما فيه من الفتنة, ولأنه ذريعة إلى التوسع فيما لا يجوز وهو من أسباب تحديق النظر إليها وفتنتها ووسيلة إلى الفساد وهذا أمر مشاهد ولا ينكره إلا مكابر.
2 - ضعف الغيرة عند ولي المرأة زوجا كان أو أبا أو أخا, لأن الذب عن المرأة وصيانتها عن عيون الرجال الأجانب مهمة وليها, والنساء لحم على وضم إلا ما ذب عنه, وإن رجلا يفرح بنظر الناس إلى زينة امرأته قد ترحلت من قلبه الغيرة.
3 - التقليد واتباع الهوى, فبعض المنقبات لا يفعلن ذلك إلا تقليدا لزميلاتهن أو قريباتهن دون أن يدركن خطورة الأمر وضرره.
4 - الشعور بالنقص والبحث عن الجمال, فالمتنقبة ترى أنها تلفت الأنظار عندما ترتدي النقاب, وهو وسيلة إلى إخفاء العيوب ومخادعة الناس بأن لابسه له حظ من الجمال وقد لا يكون كذلك, ولذلك فإن بعض النساء اللاتي لم يكن يلبسن غطاء الوجه أصلا أصبحن يرتدين النقاب لأنه يظهر العينين فقط ويوهم الرائي بأن خلف النقاب جمالا أكثر وأكاد أجزم أن بعض المنقبات قد يصدق فيهن المثل القائل : " ذكرني فوك حماري أهلي " وقصة هذا المثل أن رجلا خرج يطلب حمارين ضلا له, فرأى امرأة متنقبة فأعجبته حتى نسي الحمارين فلم يزل يطلب إليها كشف وجهها حتى سفرت له عن وجهها فإذا هي فوهاء فحين رأى أسنانها ذكر الحمارين فقال: ذكرني فوك حماري أهلي!!
مجلة الدعوة