معاملات إسلامية
الشهادة
كأن يقول الرجل أشهد أن هذا الرجل سرق أو قتل أو عليه دين لفلان إلي غير ذلك من الأمور.
والشهادة تكون إما نتيجة رؤية، فيري الشاهد الرجل يقتل أو يسرق فيشهد عليه، وإما سماع، فيسمع الشاهد الرجل وهو يقول: لقد قتلت فلانًا، أو سرقت فلانًا فيشهد عليه.
حرمة كتم الشهادة:
لا يحق للإنسان أن يكتم الشهادة، خاصة إذا كان كتمانه لها سيضِّيع حق إنسان، قال تعالي:{ولا تكتموا الشهادة}[البقرة: 283]. فإن كتمها الإنسان في هذه الحالة وأضاع حق مظلوم، فهو آثم ومذنب، قال سبحانه:{ومن يكتمها فإنه آثم قلبه}[البقرة: 283]. وقال (: "ألا أخبركم بخير الشهداء.. الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" [أحمد ومسلم وأبو داود]. فالشهادة هنا شهادة واجبة.
فإن خاف الإنسان علي نفسه أو عرضه أو ماله من جراء شهادته فكتمها، فلا إثم عليه، قال سبحانه وتعالي:{ولا يضار كاتب ولا شهيد}[البقرة: 282].
وإن تخلف الإنسان بشهادته لوجود شهود غيره فلا إثم عليه. ولكن يستحب أن يدلي بشهادته، وشهادته هنا شهادة مستحبة.
أخذ الأجر علي الشهادة:
لا يجوز للإنسان أخذ الأجرة علي شهادته إن كانت شهادته واجبة، بمعني أن يكون حق إنسان ما متوقف علي شهادته، إلا إذا تأذي من المشي، فله أجر ما يركبه.
وإن كانت شهادته مستحبة بمعني أن المتهم غير متوقف علي شهادته لوجود شهود كثيرين؛ جاز له أخذ الأجرة علي شهادته عند بعض الفقهاء.
وعلي الشاهد ألا يزيد في شهادته أو ينقص منها، وعليه أن يقص ما سمع أو ما رأي دون زيادة أو نقصان، وإلا عدت شهادته شهادة زور، وشهادة الزور من أكبر الكبائر، قال تعالي:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور}[الحج: 30].
وقال ( : "لن تزول قدما شاهد الزور حتى يوجب الله له النار"[ابن ماجة] ورأي بعض الفقهاء وجوب التشهير بشاهد الزور في الأسواق والأماكن العامة ليكون عبرة لغيره، وليتجنبه الناس في شهاداتهم.
شروط قبول الشهادة:
لكي تُقبَل الشهادة لابد من توافر بعض الشروط، هي:
1- أن يكون الشاهد مسلمًا: فلا تجوز شهادة الكافر علي المسلم، وأجاز بعض الفقهاء شهادة الكافر علي المسلم في حالة الوصية أثناء السفر فقط.
أما شهادة الكافر علي الكافر، وشهادة الذمي (اليهودي أو النصراني) علي الذمي. فقد أجازها بعض الفقهاء. وقال آخرون بعدم جواز شهادة أهل ملة علي ملة أخري، بمعني أنه تجوز شهادة اليهودي علي اليهودي، ولكن لا تجوز شهادة اليهودي علي النصراني، لأنهما ملتان مختلفتان .
2- أن يكون الشاهد عدلا: وهو الملتزم بأوامر الله ونواهيه، والمشهود له بالتقوي، أما شهادة الفاسق ومن اشتهر بالكذب أو بفساد الأخلاق، فلا تقبل شهادته قال تعالي:{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين}[الحجرات: 6].
3- أن يكون الشاهد بالغًا عاقلا: فلا تقبل شهادة الصبي ولا المجنون. وقال بعض الفقهاء بجواز شهادة الصبي علي صبي مثله في الجراح.
4-أن يكون الشاهد قادرًا علي الكلام: فالأخرس لا تقبل شهادته، وقيل: تقبل إن كتبها، وقيل: تقبل بالإشارة مادامت الإشارة تحل محل الكلام.
5- أن يكون الشاهد قادرًا علي الحفظ وضبط ما يحفظ: أما من عرف بسوء الحفظ، وكثرة السهو، فلا تقبل شهادته، فإن استشهد فزاد أو أنقص في شهادته دون تعمد منه، فالخطأ علي من استشهده ولا تعد شهادته زورًا.
شهادة الأعمى:
شهادة الأعمى جائزة، ولكن لا تكون شهادته إلا في النكاح والطلاق والبيع والإجارة والوقف والإقرار ونحو ذلك، إذا كان الأعمي قد عرف الصوت الذي سمعه؛ وتأكد منه، وعرف صاحبه.
شهادة العبد والأمة:
شهادة العبد والأمة لسيدهما ولغيره مقبولة. لأنه لم يرد نص بمنعهما من الشهادة.
عدد الشهود:
نصاب الشهادة أربعة شهود في حد الزني، قال تعالي:{واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم}[النساء: 15].
وفي باقي الحدود يكتفي بشاهدين علي أن يكونا رجلين تتوفر فيهما شروط الشاهد، وأما في الأموال كالبيع والقروض والديون كلها والإجارة والرهن والإقرار والغصب فتكون الشهادة بشاهدين رجلين، أو برجل وامرأتين. قال تعالي:{واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخر}[البقرة: 282].
أما شهادة المرأة في الحدود والقصاص فغير جائزة عند عامة الفقهاء، وأما شهادتها في النكاح والطلاق فقد أجازها البعض، ولم يجزها البعض الآخر.
وفي غير ما سبق تجوز شهادة شاهد واحد، ويكون ذلك في العبادات والأذان والصلاة والصوم، مادام يشهد لهذا الرجل بالصدق. فقد جاء أعرابي إلي النبي ( فقال: إني رأيت الهلال. قال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمدًا رسول الله؟" قال: نعم. فقال:"يا بلال، أذن في الناس أن يصوموا غدًا".[الترمذي].
ورأي بعض الفقهاء قبول شهادة الرجل الواحد في كل شيء ماعدا الحدود.
ورأي بعض الفقهاء أن الرضاع كغيره لابد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين، وأن شهادة المرضعة لا تكفي. وقال آخرون: تقبل شهادة المرضعة مع ثلاثة نسوة بشرط ألا تطلب أجرة أو تعرض بذلك .
واختلف الفقهاء كذلك في الشهادة علي الاستهلال وهو صراخ الطفل عند الولادة. فأجاز بعضهم شهادة القابلة وحدها (التي تستقبل الطفل أثناء الولادة)، وقال آخرون: لابد من شهادة امرأتين. واشترط آخرون أربعة من النسوة. وقال آخرون: يثبت الاستهلال بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين وقال آخرون: مالا يطلع الرجال عليه غالبًا مثل الاستهلال تقبل من شهادة امرأة عدل، وإذا رجع الشهود في شهادتهم فسخ حكم القاضي وما ترتب عليه مردود.
اليمين: وهو أن يقسم المدعي عليه بالله أو باسم من أسمائه بعدم صحة الدعوي فيقول: أقسم بالله العظيم أن فلانًا ليس له عندي دين. إن كان هناك إنسان يدعي دينًا له عليه وليس معه دليل يثبت ذلك الدين، قال ( : "البينة علي المدعي واليمين علي المدعي عليه" [أبو داود، النسائي، وابن ماجة].
أو أن يقسم المدعي نفسه بالله في حالة وجود شاهد واحد معه. فيقول: (أقسم بالله العظيم أن لي عند فلان دينًا وهو كذا. فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول ( قضي في الحق بشاهدينْ فإن جاء بشاهدين أخذ حقه، وإن جاء بشاهد واحد حلف مع شاهده" [الدارقطني].
واليمين أو الحلف لا يكون إلا في قضايا الأموال، فعن ابن عباس أن رسول الله ( قضي بيمين وشاهد. [أحمد ومسلم]. وفي رواية لأحمد: وإنما كان ذلك في الأموال.
إذا امتنع المدعي عليه في الأموال من ا لقسم أو اليمين:
إذا امتنع المدعي عليه من القسم أو اليمين في قضاء الأموال، كان امتناعه مثل إقراره بصحة الدعوي عند بعض الفقهاء.
البينة الخطَّية: كأن يكتب المدين للدائن إيصالا يشهد فيه أنه قد أخذ من الدائن مبلغًا وقدره كذا، وأن عليه أن يسدده له في تاريخ كذا، ثم يوقع المدين ويوقع شاهدان (رجلان أو رجل وامرأتان)، فيقدم الدائن إلي القضاء هذا الوصل في حالة رفض الدائن دفع الدين، فهذه بينة. وكذلك الشيك ووصل الأمانة وعقود البيع، كعقد بيع أرض أو منزل أو غير ذلك.
إذا لم توجد بـينة:
هذه هي أنواع البينة، فإن لم يتوفر أحد هذه الأنواع الأربعة سقطت دعوي المدعي إلا إذا كانت هناك قرينة تؤكد الدعوي، علي أن تكون هذه القرينة قد بلغت حد اليقين، كأن يُرَي إنسان حاملا سكينًا ويده ملوثة بالدماء خارجًا من بيت ما، وإذا بالبيت رجل مقتول فيدل ذلك علي أنه القاتل.
دفاع المدعى عليه عن نفسه:
وللمدعى عليه أو المتهم الحق في الدفاع عن نفسه، فيقوم بنقض بينة المدعي، ليثبت براءته، كأن يطعن في عدالة الشهود.
تنازع المدعي والمدعى عليه ومع كل منهما دليل:
وإن تنازع اثنان علي شيء ما، ورفع أحدهم دعوي للقضاء، وأتي كل منهما بدليل يعارض دليل الآخر، بحيث لم يستطع ترجيح دليل أحدهما علي الآخر، قسم الشيء المتنازع عليه بينهما، فعن أبي موسي (أن رجلين ادعيا بعيرًا علي عهد رسول الله ( فبعث كل واحد منهما بشاهدين، فقسمه النبي ( بينهما نصفين" [أبو داود].
تنازع المدعي والمدعي عليه وليس معهما دليل:
إذا تنازع الرجلان (المدعي) و(المدعى عليه) علي شيء وليس لأي منهما دليل أو بينة علي أحقية أخذه لهذا الشيء قسم بينهما كذلك. فقد روي عن أبي موسي (أن رجلين ادعيا بعيرًا أو دابة ليست لواحد منهما بينة، فجعله النبي ( بينهما.[أبو داود، النسائي، وابن ماجة]. أي قسمه النبي ( بينهما.
إذا كان المتنازع عليه شيئاً في يد أحدهما:
إذا كان الشيء المتنازع عليه في يد أحدهما أوعنده، كان علي الآخر (المدعي) أن يأتي ببينة، فإن لم يأت ببينة أقسم المدعي عليه أن الشيء ملكه، فيحكم له به. فعن جابر (أن رجلين اختصما في ناقة، فقال كل واحد منهما: نتجت (ولدت) عندي، وأقام بينة، فقضي بها رسول الله( لمن هي في يده" [البيهقي].
توكيل المحامي:
وللمدعي أو المدعي عليه الحق في أن يوكل وكيلا أو محاميا ليقوم بإثبات الحق، وبتقديم البينة، وفي تقاضي الحق. فقد بعث رسول الله ( عليّا إلي اليمن ليقبض ما لذوي القربي من خمس الخمس.. ". وقال تعالي:{كونوا قوامين بالقسط شهداء لله}[النساء: 135].
فيجوز طلب الحق لصاحبه إذا عجز صاحبه عن طلبه، أو لم يقدر عليه من القيام بالقسط.
ولكن لا يجوز التوكيل في الإقرار والاعتراف أو الإنكار، بل لابد أن يكون ذلك من المدعي أو المدعي عليه، لا من وكيلهما أو محاميهما.
الحقوق محفوظة لكل مسلم