في تأكيد جديد على أن الخيانة هي جريمة منبوذة ولا تجد أحدا يتعاطف معها حتى لو كان مستفيدا منها ، كشفت وسائل الإعلام الأمريكية في 23 يونيو / حزيران أن إدارة أوباما تدرس حاليا إبعاد مصعب حسن يوسف الذي ارتد عن دينه الإسلامي واعتنق المسيحية عام 2007 وسرعان ما سافر إلى الولايات المتحدة حيث اعترف من هناك بأنه كان جاسوساً لإسرائيل طوال عقد من الزمن .
وكانت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية أعلنت في وقت سابق أنها تنوي إبعاد مصعب نجل القيادي في حركة حماس الشيخ حسن يوسف ، رافضة طلبه باللجوء السياسي ، وسرعان ما أعلن عن عقد جلسة استماع في الثلاثين من يونيو في محكمة سان دييجو بكاليفورنيا لبحث إبعاده إلى الضفة الغربية ، وذلك فيما حذر مركز الأديان والديمقراطية الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً له من أن إبعاده قد يؤدي إلى اغتياله بعد أن انفضحت خيانته وتبرأ منه والده .
ورغم أن واشنطن لم تكشف مبررات إبعاد مصعب ، إلا أن الأمر الذي لاجدال فيه أن من يتحالف مع الشيطان ويسقط في الوحل لا يمكن أن يحظى بأي احترام من العدو قبل الصديق ، هذا بجانب أنه بات ورقة محروقة بالنسبة لإسرائيل وأمريكا بعد أن خرج على الملأ ليتفاخر بخيانته .
وكان مصعب أدلى بتصريحات لصحيفة "الصنداي تليجراف" البريطانية في 28 فبراير / شباط الماضي كشف خلالها عن الأسباب التي دفعته لفضح تاريخه السري من العمل مع الاستخبارات الإسرائيلية ، كما تحدث عن الدور الذي لعبه بإفشال ما أسماه بمخطط لاغتيال وزير خارجية إسرائيل الأسبق ورئيسها الحالي شيمون بيريز.
وفي البداية ، قال مصعب الذي كانت تلقبه الاستخبارات الإسرائيلية بـ "الأمير الأخضر" إن دافعه الأساسي لإماطة اللثام عن ماضيه والتحدث عنه علنا في هذا الوقت هو سعيه لوضع كل من القادة العرب والإسرائيليين أمام مسئولياتهم لإيجاد حلول أفضل لما أسماه شعبه والشرق الأوسط.
وأضاف قائلا : "يجب عليهم (أي القادة الإسرائيليين والفلسطينيين) تحمل المسئولية في كل خطوة يخطونها، سواء أكان ذلك في المفاوضات أم في الحرب ، فالناس على الجانبين بحاجة لكي يعرفوا ما الذي يفعله قادتهم بالفعل" .
ابن حماس
وتابع مصعب ، الذي كان يتعاون مع المخابرات الإسرائيلية منذ أن كان سجينا في إسرائيل عام 1996 ، أنه تحول إلى المسيحية قبل أعوام ويعتزم أن ينشر قريبا كتابا بعنوان "ابن حماس" ، وفي رده على سؤال حول ما ينتظره بعد فضح تعاونه مع إسرائيل ، قال إنه لا يخشى الانتقام مما أقدم عليه ، وتابع "لا يوجد لدي سبب للاختفاء ، فأنا بحاجة إلى العمل بجد الآن من أجل السلام أكثر من أي وقت مضى ، كما أشعر بالحنين للعودة إلى أهلي وأصدقائي وبيتي في الضفة الغربية".
ولم يكتف بالاستفزازات السابقة ، بل إنه تفاخر أيضا بما أنجزه من خدمات للاحتلال الإسرائيلي ، حيث كشف أنه أجهض في عام 2001 مخططا لاغتيال شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي حينذاك عبر تفجير أربع قنابل يدوية الصنع في سيارته.
وأضاف في هذا الصدد أنه كان كلف شخصيا بشراء الهاتف الذي كان سيستخدم من قبل المنفذين لعملية الاغتيال المفترضة وقد قام بعدها بتمرير رقم الهاتف إلى جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت " ، الأمر الذي أدى لاحقا إلى إجهاض المخطط .
وعن علاقته بوالده المناضل حسن يوسف المعتقل لدى إسرائيل حاليا ، قال مصعب : " كان ولا يزال بالنسبة لي البطل ، فأنا معجب به، وآمل أن يتخذ موقفا شجاعا ضد العنف ، فهذا الرجل يستطيع تحقيق السلام لشعبه" .
وفي عبارة تحمل كل معنى الخيانة والوقاحة ، تفاخر مصعب بأنه أنقذ أرواح العديد من القادة الفلسطينيين بمن فيهم والده وذلك من خلال إصراره بتعامله مع الإسرائيليين على أنه لن يوافق على مخططات تل أبيب لاغتيالهم ، وبمعنى آخر فإنه ساعد على اعتقالهم ورفض اغتيالهم ، ويبدو أن هذا الأمر كان من وجهة نظره قمة الوطنية والشهامة !! .
واللافت للانتباه أن صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كانت أول من كشف في 23 فبراير عن خيانة مصعب عندما أشارت إلى أنه كان يزود جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشين بيت" بمعلومات ساهمت في القيام بعدة اعتقالات ووقف هجمات ، مشيرة إلى أن معلوماته ساعدت على اعتقال إبراهيم حميد وهو قائد عسكري لحماس في الضفة الغربية ومروان البرغوثي الذي كان أمين سر حركة فتح وعبد الله البرغوثي وهو قائد عسكري من حماس تحمله إسرائيل مسئولية هجمات بالمتفجرات.
اختراق المقاومة
ورغم أن البعض قد يتساءل عن جدوى تسليط الضوء على مهاترات هذا "الخائن" ، إلا أن تصريحاته السابقة من شأنها أن تجعل حركات المقاومة الفلسطينية تعيد حساباتها لأن هناك اختراقا استخباراتيا لعملها السري وهو في الغالب يأتي من بعض الخونة في الداخل ولعل هذا ما ظهر واضحا في جريمة اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي وما أعقبها من اعتقال فلسطينيين اثنين بتهمة مساعدة القتلة الـ 28 المتورطين بالجريمة .
فقد كشف القيادي في حركة حماس محمد نزال في 19 فبراير الماضي أن الفلسطينيين المتورطين في جريمة اغتيال القيادي في الحركة محمود المبحوح في دبي هما أحمد حسنين وأنور شحيبر وكانا يعملان في دبي في مؤسسة عقارية تابعة لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد دحلان.
وأضاف أنه تم التعرف على هوية الفلسطينيين اللذين شاركا مع المجموعة التي نفذت الاغتيال ويتبعان جهاز الموساد وهما أحمد حسنين وهو عضو سابق في المخابرات الفلسطينية وأنور شحيبر وهو ضابط سابق في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني.
وتابع أن حسنين وشحيبر كانا يعملان ضمن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة وأنهما هربا من هناك بعد سيطرة حماس على القطاع في 2007.
وأضاف أنه تبين لحركة حماس أن الاثنين يعملان موظفين في مؤسسة عقارية تابعة لمحمد دحلان ، قائلا :" كانا جزءا من الخلية التابعة لجهاز الموساد التي نفذت الاغتيال والتقيا قائد الخلية التي أعلن قائد شرطة دبي الكشف عنها".
وعبر نزال عن أسفه لما وصفه بمحاولات محمد دحلان التدخل لدى السلطات في دبي للإفراج عن عميلي الموساد الإسرائيلي وأضاف أن السلطات الرسمية في دبي والإمارات رفضت هذه الوساطات.
وفي المقابل ، قال مصدر أمني في السلطة الفلسطينية إن المشتبه الأول يدعى أحمد حسنين والثاني أنور شحيبر ولفت إلى أن عنصرا ثالثا اعتقل في العاصمة السورية دمشق وهو أحد القيادات العسكرية في حماس ويدعى نهرو مسعود.
وألمح هذا المصدر إلى وجود اختراق أمني في حماس وأن نهرو مسعود كان برفقة المبحوح في دبي قبيل اغتياله ثم غادر إلى دمشق لاحقا ، لكن عضو حماس في دمشق طلال نصار نفى صحة ذلك الادعاء وقال في تصريحات صحفية :" خبر اعتقال مسعود كاذب، وهو موجود بيننا ".
وأيا كانت صحة الاتهامات المتبادلة السابقة بين فتح وحماس ، فإن هناك حقيقة باتت مؤكدة وهي أن هناك اختراقا استخباراتيا إسرائيليا لحركات المقاومة الفلسطينية .
بيان حسن يوسف
ورغم أن الشيخ حسن يوسف حاول في بيان أصدره من داخل سجنه نفي الحقيقة السابقة ، إلا أن اعترافات مصعب تؤكد حجم الخطر المحدق بحركات المقاومة .
وكان الشيخ حسن يوسف أصدر بيانا بواسطة محاميه في 24 فبراير الماضي أكد خلاله أن ابنه لم يكن في يوم من الأيام عضواً فاعلاً في صفوف حركة حماس أو في أي من أجنحة الحركة العسكرية أو السياسية أو الدعوية أو غيرها.
وأضاف أنه منذ عام 1996 وحين كان مصعب يبلغ من العمر 17 عاماً تعرض لعملية ابتزاز وضغوط من المخابرات الإسرائيلية وعندما انكشف أمره منذ ذاك التاريخ تم تحذير أبناء الحركة منه وكان تحت رقابته والحركة ، مشيرا إلى أن علاقته بابنه كانت عائلية فقط.
وجاء في البيان أيضا " ما ذكرته صحيفة هآرتس حول خيانة مصعب جاء للتغطية على جرائم الاحتلال في هذا الوقت ضد شعبنا ومجاهديه وتهويد مقدساته ومحاولة لإشعال الفتنة بين أبناء الشعب الفلسطيني ، الشيخ حسن يوسف كان يعمل في المجال السياسي والإعلامي للحركة وإن عمله كان تحت الشمس ، الأمر الذي قطع عن مصعب معرفة أو الاطلاع على أي شيء في غير هذه الدوائر".
واختتم الشيخ حسن يوسف قائلا : "إنني أربأ بوسائل الإعلام أن تنجر وراء وسائل الإعلام الصهيوني الذي يستهدف الشعب الفلسطيني وقضيته وقادته ".
والخلاصة أن الشيخ حسن يوسف حاول التأكيد على نجاح حماس في كشف خيانة ابنه مصعب منذ البداية ، إلا أن اعترافات الأخير لصحيفة "الصنداي تليجراف" وجريمة اغتيال المبحوح تكشف عكس ذلك وهو ما يتطلب من حركات المقاومة الفلسطينية الحذر واليقظة.