بتـــــاريخ : 6/22/2010 6:18:40 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1695 0


    هل إيران دولة قوية؟

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. وحيد عبدالمجيد | المصدر : www.ahram.org.eg

    كلمات مفتاحية  :
    سؤال ايران دولة قوية


    من أين يأتي الرئيس أحمدي نجاد بكل هذا اليقين الذي يحفل به خطابه السياسي إلي حد انه يلقي قرار مجلس الأمن‏1929‏ في سلة المهملات فور إصداره وربما قبل ان يطلع علي تفاصيله؟

    فهل ايران قوية الي هذا الحد مادام مسئولوها لايفوتون شهرا دون الاعلان عن انتاج سلاح جديد‏,‏ او القيام باختباره تحت اضواء باهرة‏,‏ او اجراء مناورة عسكرية‏,‏ او علي الاقل اصدار تصريحات قوية تقشعر لها الابدان وبيانات عنيفة يشيب لها الولدان والقاء خطب مدوية يخر امامها الانس والجان؟
    وبالرغم من ان الانطباع الذي يتولد عن كل ذلك هو ان ايران اصبحت قوة عسكرية هائلة‏,‏ فثمة جدل في الاوساط الاستراتيجية في الشرق الاوسط والعالم حول حدود هذه القوة حتي علي المستوي الكمي وليس فقط النوعي‏.‏ فهناك تقديرات تفيد ان بعض الاسلحة التي اعلنت ايران عنها في السنوات الاربع الاخيرة هي نماذج انتج منها عدد قليل‏,‏ وانها لاتستطيع انتاجها بكميات كبيرة بسبب العقوبات التي قد يزداد اثرها بعد القرار‏.1929‏ وهذا فضلا‏.‏ بطبيعة الحال‏,‏ عن مدي فاعلية هذه الاسلحة‏.‏
    غير انه بمنأي عن هذا الجدل حول القوة العسكرية الايرانية نوعا وكما‏,‏ وبافتراض انها كبيرة الحجم وشديدة الفاعلية‏,‏ فالسؤال المحوري الذي يثيره سلوك ايران هو‏:‏ هل تكفي مراكمة تلال من الاسلحة لكي تكون الدولة قوية‏,‏ وهل ايران بهذا المعني دولة قوية فعلا وهي التي اظهرت انتخاباتها الرئاسية الاخيرة ضعف نظامها السياسي والاجتماعي وعجزه عن وضع حد للاختلالات المترتبة علي انقسام عميق في المجتمع ؟
    الاجابة تبدأ بملاحظة انه‏,‏ في عرضنا هذا‏,‏ لايكفي ان تمتلك الدولة سلاحا متزايدا فتكون دولة قوية‏.‏ فليس السلاح الا احد عناصر قوة الدولة التي اصبحت جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية اكثر اهمية‏.‏
    وكم من دول انهارت وهي مدججة بأحدث الاسلحة‏.‏ وفي حالة الاتحاد السوفيتي السابق عبرة وعظة‏.‏ فقد انهارت الدولة‏(‏الامبراطورية‏)‏ السوفيتية في الوقت الذي كان لديها من الاسلحة النووية مايكفي لتدمير العالم عدة مرات‏,‏ وليس هذا الا مثالا واحدا علي ان القوة العسكرية لاتنفع اذا ازدادت الامراض السياسية والمجتمعية والثقافية‏.‏
    بيد ان الاحباط المتراكم بفعل الفشل في تحرير فلسطين‏,‏ وفي حماية شعبها من الاعتداءات الاسرائيلية‏,‏ يجعل شعوبنا هي الاكثر ولعا في عالم اليوم بالخطاب السياسي الذي يمجد القوة العسكرية‏.‏
    ولكن الحقيقة هي ان اسرائيل تفوقت علينا لاسباب سياسية ومجتمعية واقتصادية‏,‏ فضلا عن المساندة الدولية‏,‏ وان لهذا التفوق اساسا معرفيا خلق فجوة هائلة كانت وراء اختلال ميزان القوي لمصلحتها‏.‏
    وهذا هو مايفعله‏,‏ او يتجاهله‏,‏ القادة الايرانيون حين يظنون ان قدرتهم علي عسكرة برنامجهم النووي‏,‏ وعلي تطوير الصواريخ الباليستية وبعض الاسلحة التقليدية‏,‏ وامساكهم بأوراق في داخل العالم العربي‏,‏ يغني عن بناء مقومات القوة الداخلية التي يبدو بعض الاصلاحيين اكثر وعيا بأهميتها الفائقة‏.‏
    فلا يمكن بناء مقومات القوة الشاملة لأية دولة اذا كان نظامها السياسي قائما علي الاستبعاد الذي يحرمها من طاقات كثير من ابنائها القادرين علي الاسهام في هذا البناء وكلما توسع نطاق الاستبعاد‏,‏ ازدادت آثاره السلبية علي امكانات بناء مقومات القوة الشاملة‏.‏
    وقد اظهرت الانتخابات الرئاسية الاخيرة ان هذا الاستبعاد بلغ ذروة غير مسبوقة‏.‏
    كان نظام الجمهورية الاسلامية قادرا‏,‏ قبل هذه الازمة‏,‏ علي استيعاب بعض التباينات الداخلية من خلال صيغة تعددية مقيدة ومحكومة بشدة من اعلي ومقصورة علي انصاره الملتزمين بمبادئه الاساسية‏,‏ وفي مقدمتها ولاية الفقيه وهي صيغةالديمقراطية الدينية اوحاكمية الشعب الدينية ورغم ان هذه الصيغة استبعدت بعض انصار النظام‏,‏ وليس فقط المختلفين مع مرتكزاته‏,‏ فقد مكنته من استيعاب طاقات مختلف أجنحته وتوظيفها لمصلحته وفي خدمة الدولة‏.‏
    كما أتاحت له هذه الصيغة ان يرسم لنفسه صورة ديمقراطية في الخارج من خلال التنافس الذي حدث في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية‏.‏
    لكن النظام الايراني لم يتمكن من الاستمرار في هذه الصيغة التي لم تكن كافية‏,‏ اصلا‏,‏ للاستفادة من طاقات المجتمع كلها‏.‏
    والارجح‏,‏ علي هذا النحو‏,‏ ان تضعف قدرة ايران علي تحقيق ماتصبو اليه من قوة وان يصبح الوضع السياسي الداخلي مصدر وهن متزايد‏,‏ في الوقت الذي سيصعب تغطية الاخفاق الاقتصادي الناجم عن سوء الاداء وازدياد العقوبات‏.‏
    وليست التجربة السوفيتية‏,‏ وما آلت اليه‏,‏ هي وحدها التي يتجاهلها المفتونون بالقوة العسكرية في ايران‏.‏ فهم يغفلون ايضا التجربة الصينية الملهمة في هذا المجال‏,‏ فلم تنهض الصين وتبهر العالم وتصبح قوة كبري يحسب لها الف حساب الا بعد ان وطوت صفحة نظام ماوتسي تونج الذي اختزل القوة في السلاح الذي تمتلكه الدولة والعقيدة الثورية التي تتمسك بها‏.‏
    فقد أدركت القيادة الصينية ان الدولة المدججة بالسلاح لاتكون قوية بالضرورة‏,‏ وان امتلاك السلاح النووي منذ مطلع ستينات القرن العشرين لايغني عن بناء نظام اقتصادي ناجح والانفتاح علي العالم بدون خوف‏.‏
    لذلك لايتحدث احد الآن في الصين او خارجها عن قدراتها النووية الكبيرة‏,‏ فالحديث كله منصب علي قدراتها الاقتصادية وانتاجها الذي غزا العالم وحقق لها المكانة الرفيعة التي تنعم بها الآن‏,‏ وفتح الافق امامها رحبا لان تأخذ مكانها تدريجيا بين القوي الاكبر في العالم اليوم‏.‏
    وحين يشعر الصينيون الآن بالفخر القومي فلأنهم يقرأون عبارةصنع في الصين في كل مكان يذهبون اليه‏,‏ وليس لامتلاكهم سلاحا نوويا وقدرة عسكرية هائلة‏.‏
    تعاملت الصين الجديدة مع العالم كما لو ان لا سلاح لديها ولاقدرة نووية تمتلكها‏,‏ مدركة ان القوة العسكرية لم تعصمها من الوصول الي حافة الكارثة حتي صارت مهددة بانهيار شامل عشية رحيل ماوتسي تونج‏.‏
    وبدلا من ان تخيف الصين جيرانها بقوتها العسكرية وقدرتها النووية‏,‏ اصبحت تغزو العالم كله صباح مساء بمنتجاتها اللانهائية التي تعبر عن قصة نجاح اقتصادي هي اكبر واهم مقومات قوتها الشاملة الان‏.‏
    وأصبح في امكان الصينيين ان يصنعوا مجد أمتهم العظيمة بالعمل المنتج والاقتصاد المتقدم والانتاج الغزير وليس بالقوة العسكرية والقنبلة النووية‏.‏ وهذه هي القوة الحقيقية التي لاتعرفها ايران المفتون قادتها بقوة من نوع آخر لم تعصم دولة عظمي من الانهيار ولاتعتمد علي مثلها الدو ل الكبري الصاعدة بثبات واقتدار الي قمة النظام العالمي‏.‏

    كلمات مفتاحية  :
    سؤال ايران دولة قوية

    تعليقات الزوار ()