برلين: حذر خبراء ألمان من تصعيد الخلاف وإطلاق التصريحات النارية بين دول حوض وادي النيل, مؤكدين أن التعاون هو الطريق الوحيد امام دول الحوض لمواجهة مشكلة المياه في المستقبل لان الخلاف حول مياه النيل يظل مرشحا للتحول الي نزاع.
واستبعدت مؤسسة العلوم والسياسة الالمانية في برلين ـ اهم مؤسسة بحثية تقدم توصياتها للحكومة الالمانية مباشرة ـ ان تتنازل مصر عن موقفها الحالي المتمسك بحصتها في مياه النهر باعتبارها قضية امن قومي.
ونقلت صحيفة "الاهرام" المصرية عن خبير الشئون الافريقية والمصرية في المؤسسة شتيفان رول: إن الخلاف الرئيسي هو بين مصر واثيوبيا حيث تصل لمصر85% من مياه النيل عبر النيل الازرق في الهضبة الاثيوبية, وترغب اديس ابابا منذ عام1990 في الاستفادة من هذه الميزة الجيوستراتيجية اقتصاديا في بناء سدود للتوسع في مشروعات الري وتوليد الطاقة إلا ان الخطر يكمن في ان تصبح اثيوبيا في وضع يسمح لها بالتحكم في كمية المياه التي تصل الي مصر وهو وضع سوف تعمل مصر علي منعه بأي وسيلة.
اما تأثير دول المنبع الاخري فليس حيويا علي مصر حتي اذا توسعت هذه الدول في مشروعات علي نهر النيل الابيض فلن يؤثر ذلك علي كميات المياه لمصر والسوادن بنفس الدرجة كما هو الحال في السدود علي النيل الازرق.
ووفقا لتقييم المؤسسة الالمانية البارزة فإن مبادرة حوض النيل تعتبر قصة نجاح لانها شكلت اطارا مؤسسيا للمفاوضات والتعاون بين دول النيل وفقا لاستراتجية صيد الغزلان في نظرية الالعاب, و هي استراتيجية تقوم علي تعاون جميع اعضاء فريق الصيد بهدف تحقيق اكبر غنيمة للجميع والاشتراك في صيد الغزلان بدلا من اكتفاء كل صياد بصيد ارنب بمفرده,
وفي حالة دول المبادرة يعني ذلك ان تنسيق سياساتها المائية وترشيد المياه واقامة المشروعات المشتركة وحل الخلافات في بدايتها بين دول المنبع والمصب, افضل من انتهاج سياسات فردية.
ومن هنا لابد من انقاذ هذه المبادرة من الانهيار حتي لايبدأ اطرافها في انتهاج استراتيجية أخري فردية تسمي بلعبة الفراخ اي محاولة كل طرف التصعيد الي اقصي درجة علي امل ان يتراجع غريمه وهو مابدأ يحد ث بالفعل اذ تتمسك مصر بموقفها وحصتها رغم رغبتها في التعاون وتتمسك بقية الدول بتنفيذ الاتفاقية رفضا للجمود في الموقف بل وتصدر عنها تصريحات مستفزة كما حدث من اثيوبيا.
وتخلص المؤسسة البحثية الالمانية في تحليلها للازمة الراهنة حول مياه النيل الي ان الامر يتطلب تدخلا سريعا من الجهات المانحة وهي البنك الدولي والاتحاد الاوروبي وبنك التنمية الافريقي ودول اوروبية مثل المانيا وهي الجهات التي مولت مشروعات للمياه في دول الحوض قيمتها اكثر من مليار دولار منذ عام2003 فهذه الجهات المانحة لاترغب في اندلاع نزاع بسبب مياه النيل في هذه المنطقة.
تمرد إثيوبي
وكانت اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا، ثم كينيا، وقعت الاسبوع الماضي جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة مصر والسودان، مما اثار غضب القاهرة التي اعلنت ان الاتفاق غير ملزم لها.
وبعد ساعات من توقيع الاتفاق، أعلنت إثيوبيا عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
وحذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وأكد خبراء مصريون في شئون المياه، أن إثيوبيا كانت ولا زالت، تقود تياراً يرفض التوقيع على أي اتفاق بشأن مياه النيل، لافتين إلى أنها تستند إلى أن نحو 85% تقريباً من مياه النيل تأتي من أراضيها ولذلك فهي ترفض على الدوام التعاون والاتفاق مع مصر تحديداً وتصر على أن تحضر أية اجتماعات أو مشاورات لدول الحوض بصفة مراقب".
"مصر في خطر"
وكان خبراء مصريون في مجال المياه، أكدوا أن الدول التي وقعت علي الاتفاقية الإطارية، هي الأخطر علي حصة مصر من مياه النيل، مرجعبن ذلك إلي أن إثيوبيا تتحكم وحدها فيما يقرب من 85% من حصة مصر من مياه النيل، في حين تتحكم كل من أوغندا وتنزانيا في بحيرة فيكتوريا التي تسهم بما يقرب من 15% من حصة مصر من المياه؛ حيث تصب أغلب الفروع والمجاري في بحيرة فيكتوريا عبر كل من أوغندا وتنزانيا، أما خطورة رواندا فتأتي في أنها ترفع شعار "بيع المياه لمن يدفع أكثر".
وقالوا : "إن بوروندي والكونغو لا تتحكمان في نهر النيل، أما كينيا فهي أقل الدول تحكماً، وأوضحوا أن الضرر من توقيع هذه الاتفاقية سيقع علي مصر بشكل أساسي، مشيراً إلي أن آثاره قد تظهر بعد 50 عاماً، خاصة أن إثيوبيا تتوسع في إقامة السدود والمشروعات المائية بها، وهذ ا الأمر يعد خصماً من حصة مصر السنوية من مياه النيل".
وأشاروا الي أن التوقيع المنفرد لدول المنابع علي الاتفاقية الإطارية سيؤدي إلي تناقص حصة مصر من مياه النيل، مضيفين أنه لا يمكن التنبؤ بنسبة هذا التناقص في الوقت الحالي، لكن نقصان متر مكعب واحد من المياه ليس في صالح مصر.
"هجوم وقح"
كان ميليس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي قد شن هجوما عنيفا ضد مصر بسبب ازمة مياه نهر النيل. وقال إن علي مصر أن توقف "بلطجتها" حسب تصريحاته المستفزة فيما يتعلق بعزم بلاده بناء السدود علي نهر النيل.
وأكد زيناوي في مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية رفضه للتهديدات المصرية فيما يتعلق ببناء السدود علي نهر النيل.
وقال زيناوي: "لقد بدأ عهد جديد في حوض النيل". وأضاف: "?بعض الناس في مصر لديهم أفكار قديمة وبالية تقوم علي افتراض بأن مياه نهر النيل تخص مصر، وأن مصر لديها الحق في تقرير من يحصل علي تلك المياه، وأن الدول المتواجدة في الجنوب وهي دول المنبع غير قادرة علي استخدام مياه نهر النيل لأنها دول غير مستقرة وفقيرة".
وتابع رئيس الوزراء الإثيوبي: "هذه الظروف تغيرت، وأكد ان بلاده تتمتع بالاستقرار رغم انها لا تزال دولة فقيرة، ولكنها قادرة علي تغطية الموارد الضرورية لبناء ما تشاء من البنية الأساسية والسدود علي نهر النيل".
وترك زيناوي الباب مفتوحا أمام الحل الدبلوماسي بقوله إن إنهاء الأزمة يأتي من خلال الجهود الدبلوماسية للتوصل إلي حل يرضي جميع الأطراف.
وكانت إثيوبيا أعلنت في الخامس عشر من الشهر الحالي، عن افتتاح أكبر سد مائي على بحيرة "تانا"، والتي تعتبر أحد أهم موارد نهر النيل، وذلك في سابقة خطيرة تؤشر إلى نية دول منابع النيل في تصعيد مواقفها ضد مصر.
ويقع سد "بليز" فى ولاية أمهرة الواقعة على بعد 500 كيلو من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، و تكلف 500 مليون دولار، وقالت اثيوبيا أنه سيولد المزيد من الطاقة الكهرومائية باستخدام الموارد المائية لبحيرة تانا، لافتة إلى أنها المرة الأولى التى تستغل فيها إثيوبيا نهر النيل، والذى تشاركها فيه ثماني دول أفريقية.
في المقابل، حذر خبراء مصريون في مجال المياه من خطورة إنشاء مثل هذه السدود علي حصة مصر من مياه النيل، واصفين إنشاءها بالسابقة الخطيرة التي ستدفع دول حوض النيل الأخري إلي أن تحذو حذو إثيوبيا وتقوم بإنشاء السدود دون الرجوع إلي مصر.
وأوضحوا أن هناك من سيخرج ويقول إن هذه السدود مخصصة فقط لتوليد الكهرباء، والرد علي هؤلاء هو أنه ليست هناك مشروعات لتوليد الكهرباء وأخري للمشروعات الزراعية، فكل السدود هي لتخزين المياه وبالتالي فإن تخزين المياه سيؤثر بالسلب في حصة مصر من مياه النيل. وأشاروا إلي أن إثيوبيا لديها خطة معلنة تستهدف إنشاء 40 سداً لتوفير ما يقرب من 7 مليارات متر مكعب سنوياً.