أراقب ما يحدث فى حزب الوفد بحالة من التفاؤل قدر الخوف والحذر.. بعد أيام ستنتهى مباراة – معركة – المنافسة على رئاسة الحزب.. أتابع تصريحات «محمود أباظة» فأجدها شديدة الرصانة والذكاء.. فى المقابل أجد أن ما يقوله «السيد البدوى» يحمل حنكة سياسية مع دبلوماسية مدببة! ليس هذا مهما.. المهم أن ينتهى هذا السباق فى سياق أحداث وتفاصيل المباراة – المعركة – التى أتمنى أن تنتهى على نحو ما نراه فى ملاعب كرة القدم الراقية.
إذا انتهت المعركة بفوز أحد الطرفين، وإعلان المهزوم قبوله النتيجة.. هنا سيكون حزب الوفد قد ضرب مثلا رائعا تنتظره مصر لأنه سيغير مجرى نهر السياسة بأكملها.. فحزب الوفد عريق بتاريخه.. حاضره لا يعكس هذه العراقة.. تطلعات قياداته تشير إلى أنهم قرروا استلهام حالة الماضى مع تطلع جاد لمستقبله، أملا فى أن يستعيدوا ثقة الأمة المصرية فيهم وفى مستقبل العمل السياسى.. هذه المباراة يمكن أن تكون نموذجا ينقلنا من واقع شديد الركود، إلى حالة حركة تدعو إلى التفاؤل.. وإن انقلب الأمر إلى معركة، فستتكرر الانتكاسة ويتأكد عند الرأى العام أن كل الأحزاب المصرية – بلا استثناء – لا أمل فيها ولا رجاء منها.
فى ساحة لعبة كرة القدم، نقرأ تصريحات المدربين قبل المباريات.. تعكس الكلمات عند أولئك ذكاء ودقة شديدين.. ولا مانع من الشطط والانفعال مع التهديد والوعيد المطلوبين قبل المباريات.. بعد أن تنتهى المباراة تجد أن الأذكياء والأقوياء من المدربين يعلنون تحملهم المسؤولية فى حالة الهزيمة، ويؤكدون تواضعهم إذا حققوا الفوز.. هكذا حال الساسة فى العالم المتقدم.
هل يمكن أن نتطلع إلى يوم يعترف فيه حزب بأنه لا يقدر على مواجهة منافسه؟.. خذ مثلا من أى حزب مصرى أو جماعة محظورة، ستجده لا يملك الترشح فى أكثر من بضع دوائر يمكن حصرها على أصابع اليد أو اليدين.. أو حتى بإضافة أصابع القدمين.. لكن حزباً كالحزب الوطنى المتهم بكل ما قد أوافق على بعضه أو معظمه، يتسابق الآلاف على أن يكونوا مرشحيه.. خصومه يرون فى هذا سباقا بين انتهازيين وباحثين عن مصالحهم.. دون أن يدرى الذين يرددون هذا الكلام أنهم يبتعدون عن الأغلبية بإصرارهم على مخاصمة الواقع والحقيقة.. فإذا كانت الأغلبية تتقاتل على أن تكون بين مرشحى الحزب الوطنى، فهذا معناه أننا أمة لا يمكن وصفها بغير الاتهام الذى يوجهه البعض للحزب الوطنى.
قد تكون الجماعة المحظورة أو حزب الوفد أو التجمع أو الناصرى وغيرها، هى الأفضل والأكثر وعيا وصاحبة الرؤى الصائبة.. لكن كل هذا لا يتجاوز حدود بضع مئات من أصحاب الصوت العالى، يمارسون الكذب بادعائهم أن فشلهم يرجع إلى قوة أو سطوة أو تسلط حزب الأغلبية فقط.. ففى عالم كرة القدم، الفريق الذى يملك «دكة احتياطى» أكثر قوة وتميزا من الفريق المرشح لنزول الملعب هو الأكثر قدرة على الفوز..
أما الفريق الذى يعتمد على نجم أو اثنين فقط.. فقد يفوز مرة لكنه لا يستطيع حصد البطولة.. هنا يبرز تفسير حالة أحزاب المعارضة فى مصر.. كل حزب يمكنك اختصاره فى ثلاث أو أربع أو حتى عشر من القيادات.. أما حزب الأغلبية فهو فى الواجهة، لا يقدر على الكلام باسمه أكثر من العدد نفسه.. لكن الفارق كبير.. أحزاب المعارضة لا تشغلها القاعدة، بينما حزب الأغلبية مشغول حتى النخاع بالقاعدة فى أرجاء الوطن.. الحالة فى عالم كرة القدم مختلفة.. ستجد أن كل ناد يسعى للبطولة يهمه تنمية قاعدته.. وتعميق شعبيته..
لذلك تجد أن الذين يقولون إن فريق النادى الأهلى لا يختلف عن الحزب الوطنى – من الساسة – يخسرون «الجلد والسقط».. فالتشبيه والمقارنة يدفعانهم للخسارة الفادحة.. فالنادى الأهلى أدمن الانتصار وتعميق حالة الحب والانتماء.. أما الحزب الوطنى فهو مدمن الانتصار دون اكتراث إن كانت جماهيره تحبه أو تحترمه من عدمه.. وأحزاب المعارضة تكتفى بالرغبة فى الفوز دون استعداد لذلك ودون إعداد جيد له.. لكن يبقى واضحا أمام الجميع أن الرهان من البداية حتى النهاية يكمن فى احترام عقول الناس ورغباتهم.. فى النادى الأهلى تجد ذلك واضحا..
فى الحزب الوطنى صورة مزيفة لحالة النادى الأهلى.. فى أحزاب المعارضة مسخ مشوه للحالتين.. وعند حزب الوفد القول الفصل لتعلم رجال السياسة ما يحدث فى ملاعب كرة القدم.. فإذا نجحت تجربة حزب الوفد واحترم الخاسر من استطاع تحقيق الانتصار.. سيهتز حزب الأغلبية وينتبه ويفيق بشكل حقيقى.. فحالة «مولد سيدى محمد البرادعى» لا تؤثر على الإطلاق فى حزب الأغلبية.. قل إنها مثل مزاعم الذين يحاولون منافسة النادى الأهلى بفريق أدمن الهزيمة وتعود عليها بقدر ما تعود على تبريرها.