أ. روحي عبدات .
تعتبر ظاهرة الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة، تزلزل أركان الأسرة كاملة وتنعكس بشكل مباشر على الأطفال، حيث لها آثاراً نفسية واجتماعية بعيدة المدى، وحين يكون طلاق الزوجين وهما في مرحلة خريف العمر فالأمر لا يقل أهمية من حيث تأثيراته على بقية أفراد الأسر، فبعد قضاء سنوات طويلة بين الزوجين وإنجاب الأطفال، وتربيتهم، قد يفاجأ الأبناء بانفصال آبائهم، الأمر الذي يشكل صدمة حقيقية لهم، مما يفتح الباب أمامهم لإثارة تساؤلات الدهشة والاستغراب، وطرح تساؤلات عديدة..
ولا يخلو الأمر من عدم ثقة الأبناء نحو ذويهم، فعلى الرغم من الحياة الزوجية التي كانت بادية لهم من خلال تعاملات آبائهم وتعبيرهم لبعضهم عن المحبة والتعاون، إلا أن كل ذلك قد يتم اعتباره فيما بعد من الأبناء، بأنه أمر مبطن يخفي تحت طياته العديد من الخلافات والصراعات، إن لم يكن الحقد بدل المحبة. فقرار الطلاق لا يتم اتخاذه إلا إذا كان هناك حدث كبير بالفعل يبرره.
إن ما حدث لهذين الزوجين بعد عشرة طويلة، وذكريات يشترك فيها الأبناء، قد ينعكس على عملية اختيار الأبناء لشريك الحياة، وبالتالي يدخل عامل التردد عند الزواج، واختيار المواصفات التي تناسب كل شخص، حتى يضمن عدم تكرار تجربة فاشلة كما حصل مع والديه، ويزداد الأمر تعقيداً عندما يعرف الأبناء أن زواج ذويهم كان عن حب وقناعة بين الطرفين، فيثار التساؤل الأكبر، أين ذهب كل هذا الحب؟ إن كان بالفعل حباً؟ وإن لم يكن هذا هو الحب الذي تعلمناه من والدينا فما هو الحب إذن؟ وهل من ظروف أقوى من كل هذه المحبة وكل السنوات التي مرت، وهل من جمر كان مشتعلاً تحت رماد خريف العمر دون أن ندري؟.
ويذهب الأبناء المقبلون على الزواج في تفحص هذه القيم التي كانوا يعتقدون بها، والتشكيك بها وبالطرف الآخر، وتدخل الوساوس إلى الحياة الأسرية، وقد يصل الأمر إلى التشكيك بين الزوجين الشابين وفي مشاعر الحب التي يكنها كل طرف نحو الآخر.
إن رباطاً مقدساً يحترمه الأبناء ويحتذون به، لا بد أن ينعكس على طريقة تفكيرهم وعلى معتقداتهم حين يرون هذا الرباط المتين ينفك عقاله أمامهم بكل بساطة، وقد تكون مبررات انحلاله لا تستدعي ذلك، وخاصة عندما تكون أنانية إحدى الوالدين، وتفكيره المنفرد بمصالحه الشخصية هي التي استدعت الطلاق، الأمر الذي يشعر الأبناء بأن جزءاً هاماً ومتيناً في بنائهم القيمي والنفسي قد تزعزع، كون هذين الوالدين هما من بنى فيهم شخصيتهم وتربيتهم والكثير من القيم الحياتية التي قد تذهب بذهاب الوالدين عن الرباط الأسري.
|