ما من إنسان إلا وقصر في حياته وأخطأ سواء كان هذا الخطأ كبيرا أو صغيرا , وهذه من صفات ابن آدم التي جبله الله عليها ولذلك ورحمة بنا وردت آيات وأحاديث كثيرة تشجع على التوبة والإنابة والاستغفار " إن الحسنات يذهبن السيئات "
وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها "
وطلب الإسلام من المسلمين قبول التائب وقبول توبته وعدم التذكير في كل لحظة بالخطأ الذي ارتكبه وتوعد لأولئك الذين يحكمون على الناس بعدم قبول التوبة وذلك في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " حدث أن رجلا قال والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك أو كما قال "
وعصر الصحابة الذي هو خير القرون وجد فيه من وقع بالخطأ ورجع وأناب وتاب وقبل الناس توبته ولم يقفوا عند أخطاء من أخطأ فلم يذكر التاريخ أن الصحابة عيروا كعب ابن مالك لتخلفه بعد توبة الله عليه
وكذلك لم يذكر أن أحدا من الصحابة عير حاطب ابن أبي بلتعة على فعله على الرغم من شناعته بعد التوبة والإنابة و غير ذلك
ويوم تكلم أحد الصحابة وهو خالد رضي الله عنه عن المرأة الغامدية بعد رجمها نهاه النبي بقوله : " يا خالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت "
وبما أن الأسرة هي جزء من المجتمع المسلم فإن ما ينطبق عليه ينطبق عليها تماما
إن كثيرا من الناس يتملكهم الرغبة الشديدة والقوية في تذكير الناس بماضيهم السيئ أو المزعج فكلما جلسوا مجلسا واجتمعوا في مكان يبدؤون بتذكير الناس بهذا الماضي وهذا يحدث للإنسان وهو كبير يريد أن يتوب من فعل اقترفه في سالف حياته لكن الناس لا يريدون أن يتوبوا عليه أو يقبلوه فكلما أراد أن يؤسس لحياة جديدة خرج له بعض الأشخاص ويذكرونه بما عاهد الله على ألا يعود إليه .
والحقيقة أن الإنسان يكون أكثر تعريا في التصرفات أمام أسرته وفي بيته ,فأغلب الآباء يعرفون أولادهم كيف ارتقوا وتربوا وكيف انتقل ذلك الولد من فكرة سالبة إلى أخرى موجبة أو من خطيئة إلى حسنة وكثير من الأزواج يعلمون هنات زوجاتهم وهنا ويا للأسف الشديد يكون الإطلاع على مثل هذه الأمور مدعاة للسخرية والتذكير بها في بعض المجالس
فمثلا كثير من الآباء يجلسون مع ضيوف ويجلس معهم الأولاد فيبدأ الأب بتذكير ما فعله أولاده من هنات ( والأولاد جالسون يسمعون ) أو بالأفكار التي كانوا يدينون بها ويضحك الأب ويضحك الضيوف..دون الاهتمام بأن الأولاد قد كبروا وتغيروا الأمر الذي يجعل الأثر السلبي كبير على نفوس الأولاد
وذات الشئ يتكرر مع الأزواج لزوجاتهم .
ليس هناك أشد تخريبا للعلاقة الأسرية من التذكير بالماضي السيء والمزعج في كل لحظة مما يجعل الحياة جحيما لا يطاق
إن استدعاء الماضي للتقليل من شأن الآخرين وغض الطرف عن أفعالهم الحسنة إنما يدل على إنسان مريض نفسيا يريد أن يبني شموخه وشهوته على أنقاض الآخرين والحط من قدرهم
ولعل هذا الفعل السئ بتذكير الناس بماضيهم المزعج له آثاره السيئة الجلية منها :
1-الكراهية حيث يكره الابن أن يجلس مع أبيه وكذلك الزوجة تكره الجلوس مع زوجها .
2-الإصرار على المعصية : حيث سيكون ترك الفعل أو عدمه سيان وهذا ما يحصل لكثير من الشبان الذين يتعلمون بعض العادات السيئة ويريدون أن يتوبوا فتجد التشهير بهم سببا للإصرار على فعلهم .
3-الوصول إلى درجة الوقاحة : حيث يبقى الرجل يذكر ولده بفعل معين ويذكر ويذكر دون حكمة حتى يخلع الولد ما كان عليه من احترام ويصل إلى درجة الوقاحة فيقول هذا أمر يخصني وحدي ولا دخل لأحد به
إن التذكير بالماضي المزعج و السيء خطير جدا إذ يحطم الروابط الأسرية , ويبدلها بروابط أخرى أقلها روابط الكراهية والشماته .
وإن الحل الأمثل لهذا الماضي هو نسيانه ووضعه في مكان آمن من الذاكرة لا يمكن الوصول إليه بحال من الأحوال والنظر إلى المستقبل والعمل على تحسينه