للجملة الفعلية ثلاثة أركان فعل وفاعل ومفعول. وحياتك كلها جمل فعلية . ترى أي أركانها أنت؟ المنطق يقتضي أنك لست فعلاً، وطموحنا فيك يأبى لك أن تكون مفعولاً، فلم يبق إلا أن تكون ركن الجملة الفعال. فإلى متى تظل في موقع الدفاع عن حمى التزامك وتتعامل بردود الأفعال . لماذا لا تمتلك زمام المبادرة وتمضي بإيجابية تخلق واقعا طيبا في أسرتك.
إن لهذه الأسرة عليك حقاً عظيماً، إنهم أولى الناس وأحقهم بجهودك الدعوية (وأنذر عشيرتك الأقربين ) وإنك لن تسدي معروفاً لأحد أحق به من أولي الرحم. فدعوتهم والله من أعظم وجوه البر والصلة. تخيل معي وأطلق لخيالك العنان ودعه يتجول في ربوع هذه المشاهد الرائعة : تعيش وأسرتك سعداء في ظلال الطاعة والالتزام، ما من مخالفات، وما من مرئيات أو سمعيات تؤذي الأبصار وتخرق الأذان، بيت قوامه الكتاب والسنة إليهما يتحاكمون، وبهما يعتصمون لقاءت إيمانية تتجول في رياضها القلوب وتنعم بعبيرها ونضرتها الأبدان، إذا ما قصرت نصحوك، وإذا ما اجتهدت شجعوك. الوالد يذكرك بموعد درس العلم والأم بمسحة حانية على جبينك توقظك لصلاة الفجر. تجلس وأخوك تتدارسان القرآن، وأختك ذات الحجاب تسترشد بآرائك لدعوة زميلاتها. قالب من الإيمان ساخن.
والآن أفق من الحلم الجميل، واصغ إلى صريف القلم . ودعنا نمضي سوياً ليتحول الحلم حقيقة، ونلبس الواقع ذلك الثوب الرائع.
أعلم وفقني الله وإياك أنه ينبغي أن تكون حركتك داخل إطارين عام وخاص، فأما الإطار العام فتوجه فيه جهدك نحو عقد روابط أسرية إيمانية، بمعني أن تجمع الأسرة على الألفة والمحبة والصلة العميقة، وصبغ هذه العلاقات صبغة إيمانية. فإليك بعض التوجيهات في هذا الشأن وإن كنت قد أشرت إلى بعض منها في ثنايا الكلام السابق إلا أن في استحضارها إمساك بمجامع الموضوع.
أولاً : حجر الأساس
لكل بناء أساس يتحكم في هيئة وقوة أو ضعف ذلك البناء وما اهتمام القرآن بسلامة ومتانة الأسس عنا ببعيد ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) ( أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أ من أسس بنيانه على شفا جرف هار ) وكذلك هذا البناء الذي تنشده في أسرتك أساسه المحبة العميقة لك والثقة القوية بك . كم أريد لك أن تكون زهرة البيت وجوهرة الأهل. أريد لك أن تكون نوراً يجتذب تلك الفراشات الحبيبة، أن تهفو قلوبهم إليك، أن تنهال عليك منهم الدعوات بالخير، وتسكب عليك منهم عبارات الثناء والتقدير، فخذ مني بعضاً من النصائح عسى أن يتحقق هدفنا.
1- ابذل صدقة:
قال النبي صلى الله عليه وسلم ( تبسمك في وجه أخيك صدقة ) وهذا من حرص النبي على إيجاد كل ما من شأنه أن يؤلف القلوب. فالبسمة تفتح القلوب، وقسمات الوجه الباسم تنطبع في الأذهان. فكن دائماً مبتسماً لهم هاشاً باشاً مع أولئك الأحبة ولا ألفينك تعيش بوجه مبتسم مع أخوتك وأصدقائك وبآخر عابس مع أهلك. فو الله إنهم لأحق الناس بالبسمة.
2- عليك بالآسرة:
إنها كلمة رقيقة تعبر بها عن محبتك لهم. لأن القلوب تضعف أمام تلك الكلمات . وقد تخرج من أفواهنا يومياً لإخواننا وأصدقائنا وتبخل بها نفس الواحد منا عن أقرب الناس وأولاهم بها، فأخبرهم دائماً أنهم أحب الناس إليك و اجهر أمامهم بالدعوات الحارة أن يجمعك الله بهم على كل خير في الدنيا وفي جنات عدن في الآخرة.
3- هدية أحمد صلى الله عليه وسلم:
أهداها لباغي غراس المحبة في قلوب المؤمنين إنه الحث على الهدية. والتي هي مضمونة النتائج حيث أنها من وحي السماء قال نبينا صلى الله عليه وسلم ( تهادوا تحابوا ). وانظر إلى أثر هدية النبي صلى الله عليه وسلم على صفوان بن أمية إذ يقول : " أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إلي فمازال يعطيني حتى أنه لأحب الناس إلي " فاجتهد في أن تهدي كل واحد منهم هدية مناسبة من صنف ما يحب كلما استطعت إلى ذلك سبيلاً. تقدمها بوجه بشوش.
4- اخدم تكن مكينا:
فلكي تكون مكيناً ذا مكانه رفيعة عند أهلك لا بد وأن تكون لهم أولاً خادماً مطيعاً، ولا أستنكف أن أطلق لفظة ( خادم ) فلا ضير في أن يكون المرء خادماً لأهله، ولقد كان قدوتنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله. إنها رفعة وعلو أن يخدم المرء أهله، فلماذا لا تقوم بتلميع حذاء والدك، وغسل الأواني والأطباق عن والدتك، وكي ملابس أخيك، وإعانة أختك على استذكار دروسها. كن سباقاً إلى طاعة والديك ومساعدة أخوتك . كم تتوق نفسي لأن أراك مثاراً للحديث عن البر والتفاني في خدمة الأهل، أراك مضرب الأمثال وفخراً لأهلك يفتخرون ببرك إياهم أمام الآخرين.
5- سهمك سهمك:
لا بد وأن يكون لك سهم ونصيب في حل مشكلاتهم إن مجرد اهتمامك بمشكلاتهم يعمق الصلة بينك وبينهم, ويمد جسور الثقة بينكم ولا بد طبعاً أن يسبق ذلك إحسان الدخول إلى حيز المشكلة حتى لا يكون وجودك به مرفوضاً. فإذا أضفنا إلى ذلك شيئاً من الحكمة والكياسة وحسن التفكير في اقتراح الحلول، وأضفنا من بعد ذلك مساهمة عملية في حل المشكلة تكون بذلك قد حصلت على تأشيرة دخول القلوب.
6- وشاورهم:
ومما أنصح به أخي الحبيب أن تستشير أهلك وتشركهم في أمرك. وقد تتساءل ما علاقة الشورى بالمحبة وتقويه الروابط؟. أجيبك أيها الحبيب قائلا : أنه مع ما للشورى من فوائد عظيمة من البركة والسداد في الرأي ونحو ذلك مما حدا بالشاعر إلى أن يقول.
رأي الجماعة لا تشقي البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها
برغم ما فيها من فوائد جمة إلا أن هناك فائدة عظيمة تمس جانب التأليف وزرع المحبة. يجلي لنا ذلك قتادة رحمه الله إذ يقول في ظلال قول الحق ( وشاورهم في الأمر) يقول : " أمره بمشاورتهم تألفاً لهم وتطييباً لأنفسهم"
"إن استشارتك للآخرين تجعلهم يشعرون بتقديرك لهم واحترامك لآرائهم ومن طبيعة البشر أنهم يقدرون من يقدرهم ويثمنون من يثمنهم وهذا هو الطريق لكسب قلوبهم ومحبتهم".
7- احذر الازدواجية:
ثمة أمر هناك ينبغي لك أن تتفطن إليه، وهو أن جسور الثقة بينك وبينهم قد تتصدع برؤيتهم التناقض بين قولك وفعلك. بل ينبغي أن تكون أول من يتمثل ما تدعو إليه وأول من ينتهي عما تنهى عنه فاحذر أن تهدم ثقتهم فيك.
ثانيا : تعال نؤمن ساعة
أطلقها غير واحد من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يتناصحون بقصد مراقي الإيمان إلى حيث تلك اللقاءات التي تلتمسها الملائكة.
وبعد أن وضعنا حجر الأساس وضربت المحبة والألفة جذورها في القلوب . قم فانهض واستثمر هذه المنحة الربانية واعقد لهم تلك اللقاءات الإيمانية التي تغذي أرواحهم وتهيؤها للدوران في أفلاك الطاعة، وتضفي على بيتكم جوا روحانياً عالياً صافياً. ولكن كيف تكون البداية؟
- حدثهم أولاً وكرر على أسماعهم فضل القرآن وتلاوته في المنزل على شيوع الطمأنينة والسعادة فيه، ويفضل أن ترشدهم وتوجههم إلى الاستماع لشريط أو ( CD) يحتوي على خطبة أو درس عن فضل تلاوة القرآن والاجتماع عليه.
-إن كان هناك من إخوانك وأصدقائك ومن تعرف قد مارس هذه التجربة في بيته فحدث أهلك عنها لتحفزهم لخوض هذه التجربة، فربما لو علموا بها ابتدروك هم وطلبوا ذلك بأنفسهم خصوصاً لو أتت التجربة – تجربة صديقك – ثمارها.
- أعرض عليهم المشروع في صورةِ أُمْنيةٍ تجهر بها أمامهم من رغبتك في أن يكون لكم لقاء أسبوعي تجتمعون فيه وتنعمون بجو الأسرة الداخلي وتتلون فيه كتاب الله تلتمسون فيه البركة.
- إذا ما تم الاتفاق على المبدأ فاختر موعداً مناسباً لأحوالهم وأوقاتهم واقترحه عليهم، واقطع عن نفسك الشواغل والصوارف وقت هذا اللقاء.
- أحسن التحضير لهذا اللقاء وجهز فيه شيئاً من الحلوى والمشروبات لتشعرهم بأهمية اللقاء، ووفر عدداً من المصاحف بعدد الموجودين.
- قدم الوالد يقرأ أولاً ثم الأم ثم الأخوة بالتناوب وكن آخر من يقرأ، ولا تركز على إصلاح أخطائهم في القراءة في البداية حتى لا يستثقلوها فيملوا اللقاء.
- إذا ما استمر اللقاء فترة مناسبة تؤكد تعلقهم به فأدخل فيه فقرة أخرى عبارة عن مسابقة بسيطة لاسيما في القرآن، ولا تخلو من بعض الألغاز والأسئلة الفكاهية.
- وإذا ما استمر اللقاء وتأكدت استمراريته أكثر فأدخل فيه فقرة ثالثة عبارة عن كلمة أو موعظة تتنوع ما بين رقائق وقصص قرآني أو نبوي وسيرة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، والشخصيات الإسلامية المشهورة والأخطاء العقائدية المنتشرة.
- ينبغي أن تشركهم في تقديم هذه الفقرات كأن تطلب من أحدهم إعداد المسابقة، ومن الآخر الافتتاح بقراءة القرآن، وإذا ما كان عند أحدهم القدرة على تحضير كلمة وإلقائها فقدمه أو تناوب معه.
* هذا اللقاء ولا شك سوف تجني ثماره إن شاء الله تعالى ويكون خطوة هامة على طريق التزامهم بدين الله تعالى. فالاهتمام بتعلية الجانب الإيماني لا شك أنه في الوقت ذاته يهدم ويفكك حصار المخالفات الشرعية.
ثالثاً : إلتِماسُ التَمَاس:
ثالث ما أنصح به أخي الحبيب أن تربط أسرتك بإحدى الأسر الملتزمة التي تعرفها، فإنه مما لا شك فيه أن الإنسان يتأثر بمن يخالط ويتخلق بأخلاقه ويمكنك أن تنسق مع تلك الأسرة أمر التعارف وكيف يكون، والزيارات وما يلزم أسرتك من الموضوعات التي يمكن طرحها أثناء الكلام . وأنا على يقين إن شاء الله من أن هذه الخطوة سوف تؤتي ثمارها خصوصاً إذا كانت هذه الأسرة التي تستعين بها تتمثل معاني الالتزام بحق وتتفهم كذلك الموقف جيداً