آه لو وجدته، إنه بحق كنز من الكنوز ، ونعمة عظيمة من نعم الله يهبها من يشاء سوف تدخل معه جنتين، جنة الدنيا وجنة الآخرة. هل عرفته؟ إنه الرفيق الصالح الذي لا تربطه بك سوى طاعة الله ، لا يصاحبك من أجل منفعة شخصية محضة، يجتمع معك على ما يرضي الله .هذا هو الصديق بحق الذي تعيش معه في جنة الدنيا وهى طاعة الله، وتدخل معه إن شاء الله جنة الآخرة. ألم تقرأ كلام الرحمن إذ يوصي بالتزام أهل الخير (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه)" جليسك الصالح: يأمرك بالخير, وينهاك عن الشر, ويُسمِعك العلم النافع, والقول الصادق, والحكمة البليغة, ويبصِّرك آلاء الله, ويعرِّفك عيوب نفسك, ويشغلك عما لا يعنيك.
وإن كان قادراً: سَدَّ خَلَّتك, وقضى حاجتك, ثم لا تحتاج بعد الله إلى سواه, إن ذكَّرته بالله طمع في ثوابه, وإن خوَّفته من عذاب الله ترك الإساءة, يُجْهِد نفسه في تعليمك وإصلاحك إذا غفلتَ عن ذكر الله, وإذا أهملت بشَّرك وأنذرك, يعتني بك حاضراً وغائباً.
وإن كان مثلك أو دونك فهو: يسُدُّ خَلَّتك, ويغفِرُ زَلَّتك, ويُقيل عثرتك, ويستر عورتك, وإذا اتجهت إلى الخير حثك عليه, وكان لك عوناً عليه, وإذا عملت سوء أو توجهت إلى سوء حال بينك وبين ما تريد, وقال: أعرض عن هذا, واستغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين. وصالح إخوانك: لا يمل قُرْبَك, ولا ينساك على البعد, تُسَر بحديثه إذا حضر, إنه يشهد بك مجالس العلم, وحِلَق الذكر, وبيوت العبادة, ويزين لك الطاعة, ويقبح لك المعصية, ولا يزال ينفعك حتى يكون كبائع المسك وأنت المشتري. ولِصَلاحِه: لا يبيع عليك إلا طيباً, ولا يغشك, ولا يعطيك إلا جيداً, وإن أبيت الشراء فلا تمر بشارعٍ إلا وجدت منه ريح الطيب الذي يملأ المعاطس والأنوف؛ أولئك القوم لا يشقى بهم جليسهم تنزل عليهم الرحمة, فيشاركهم فيها, ويهم بالسوء فلا يقوله ولا يستطيع فعله, إذا لم يكن مخافةً من الله فحياءً من عباد الله الصالحين."
ما أروع رابطة المحبة في ذات الجليل جل وعلا، والتي قامت على طاعته، قال عليه الصلاة والسلام: "قال الله تعالى: المتحابون في جلالي على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة" ( وقال- صلى الله عليه وسلم-: "إن لله عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله تعالى, فقال الصحابة: من هم يا رسول الله؟ قال النبي: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم, ولا أموال يتعاطونها, فوالله إن وجوههم لنورٌ وإنهم لعلى منابر من نور, لا يخافون إذا خاف الناس, ولا يفزعون إذا فزع الناس".
تعرفهم بسيماهم
أخي وحبيبي حتى لا تتكرر المأساة وتسئ اختيار الصديق فإني أجلي لك أهم مواصفات الصديق الصالح الذي يرضاه الله لك، ذكرها أهل العلم :
أولا: أن يكون مؤمناً غير فاسق، فلا تصاحب من يجهر بمعصية، فالصديق المطلوب منك مصاحبته لابد وأن يكون محافظاً على الفرائض، مجتنباً للكبائر غير مجاهر بمعصية ولو كانت صغيرة.عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول(لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)
ثانياً: أن يكون من ذوي العقول الراجحة، التي تدرك مواطن النفع والضر غير سفيه, فلا خير في صحبة الأحمق، فلا خير في صحبة الأحمق لأنه يورد نفسه وغيره موارد الهلاك من حيث لا يدري، فالحماقة مرض عضال كما قيل:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
ثالثا: أن يكون حسن الخلق، طيب السمت، فلا تصحب من كان يغلب عليه الكذب أو الجبن أو البخل أو الغضب، فإن طبعك يسرق منهم من حيث لا تدري روى سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه قوله: عليك بإخوان الصدق تعش في أكنافهم؛ فإنهم زينة في الرخاء, وعدة في البلاء, وضع أمر أخيك على أحسنه, حتى يجيئك ما يغلبك منه, واعتزل عدوك, واحذر صديقك إلا الأمين من القوم, ولا أمين إلا من خشي الله, فلا تصحب الفاجر, فتتعلم من فجوره, ولا تطلعه على سرك, واستشر في أمرك الذين يخشون الله تعالى.
رابعاً: ألا يكون حريصاً على الدنيا , فإنه يورث ذلك الحرص من يصاحب ، وأن يكون همه الآخرة، ولا يفهم من ذلك أن يكون من أصحاب المفاهيم المغلوطة الذين يرون الزهد في الدنيا هو تعطيل أمور المعاش من كسب وإعمار للأرض، أو يراه يتمثل في لبس المرقع من الثياب إلى غير ذلك من مظاهر الزهد المزعوم.إنما نعنى ذلك الصالح المقيم على شرع الله ، يسعى وينجح ولا تلهه الدنيا عن الدار الآخرة.
خامساً: أن يكون غير مبتدع ، أي تكون كل أفعاله موافقة لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يلقي عليك بشبهة يتشربها قلبك.قال ابن القيم في مخالطة المبتدع"ومخالطته منزلة السم فإن اتفق لآكله ترياق، وإلا فأحسن الله إليه العزاء ، وما أكثر هذا الضرب في الناس –لا كثرهم الله-وهم أهل البدع والضلالة الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبغونها عوجاً، فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة ، والمعروف منكراً، والمنكر معروفاً"
أتدري أين سكناه؟
سوف تجده هناك في هذا المكان لديه، يعشقه، قد تعلق قلبه به ، ما ألفت قدماه طريقا كذلك الطريق الذي يسلكه إليه.سوف تجده في أشرف بقاع الأرض ، ستجده في المسجد.هناك روضته، فيه نعيمه، وأنسه، على محياه أمارات الصلاح ووسام السنة، يحافظ على الصلاة في وقتها مبكراً إليها، هاشاً باشاً في وجوه المسلمين، يوقر الكبير ويرحم الطفل الصغير، يصافح هذا ويسأل عن أحوال ذاك، يساعد هذا ويعينه، ويحل لذلك مشاكله, هداية الناس همه.
لن تعاني في التعرف عليك هو الذي سوف يأتيك ويصافحك ويتعرف عليك فذاك هو المنشود.
همسة أخيرة
أخي وحبيبي: بعد هذه الرحلة الطويلة، والتي كنت أنا فيها حاديك، ولم يتكلم في طريقها سواي، وكنت أنت خير منصت. ها قد نفد مدادي، وانقضت كلماتي ، وفرغ ما في جعبتي، وأرجو أن أكون قد وفيت حق أخي وحبيبي، أما الآن فقد حان وقتك، وجاء دورك، لتقول كلمتك التي ننتظر، والتي ستكون واقعاً عملياً يعكس قناعاتك بما وعيته من الحق الصراح، هيا ألق بالكلمة وانزع بها عنك عباءة الخطر، توجه بها إلى قرين كاد أن يرديك، قل له بكل جوارحك وذرات كيانك وقلبك وعقلك: "هذا فراق بيني وبينك".