الحمد لله
أولاً :
فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ قبل قراءة الفاتحة في الصلاة . رواه أبو داود (775) وصححه الألباني .
ثانياً :
اختلف العلماء في حكم الاستعاذة قبل قراءة الفاتحة في الصلاة فذهب بعضهم إلى الوجوب ، وذهب إليه عطاء والثوري والأوزاعي وداود ، نقله ابن حزم في "المحلى" (3/247-248) واختاره ، وهو رواية عن أحمد اختارها ابن بطة كما في "الإنصاف" (2/119) ، واختار هذا القول من المتأخرين الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا .
وذهب آخرون إلى الاستحباب فقط وليس الوجوب ، وهو قول جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد في المعتمد من مذهبه .
انظر : "تبيين الحقائق" (1/107) ،"المجموع" (3/280-282) ، "المغني" (1/283) ، "الفتاوى الكبرى" لابن تيمية (5/332) .
واستدل القائلون بالوجوب بقوله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) النحل/98 ، قالوا : وفي الآية أمر بالاستعاذة ، والقاعدة أن الأمر يفيد الوجوب ما لم تأت قرينة – يعني دليل – آخر يدل على أن المقصود بالأمر الاستحباب .
قال ابن حزم في "المحلى" (2/279) :
" وأما قول أبي حنيفة والشافعي أن التعوذ ليس فرضا فخطأ ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) ، ومن الخطأ أن يأمر الله تعالى بأمر ثم يقولَ قائل بغير برهان من قرآن ولا سنة : هذا الأمر ليس فرضا ، لا سِيَّما أمره تعالى بالدعاء في أن يعيذنا من كيد الشيطان ، فهذا أمر مُتَيَقَّنٌ أنه فرض ؛ لأن اجتناب الشيطان والفرار منه وطلب النجاة منه لا يختلف اثنان في أنه فرض ، ثم وضع الله تعالى ذلك علينا عند قراءة القرآن " انتهى .
وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأنه قد جاءت بعض القرائن فصرفت الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب ، وهذه القرائن هي :
1- حديث المسيء صلاته : فقد عَلَّمَه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فقال له : ( إِذَا قُمتَ إِلَى الصَّلاةِ فَكَبِّر ثُمَّ اقرَأ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ ثُمَّ اركَع ..إلخ ) رواه البخاري ومسلم (397) ولم يذكر له الاستعاذة .
قال الإمام الشافعي في "الأم" (1/208) :
" وإن تركه ناسيا أو جاهلا أو عامدا لم يكن عليه إعادة ولا سجود سهو ، وأكره له تركه عامدا ، وأحب إذا تركه في أول ركعة أن يقوله في غيرها ، وإنما منعني أن آمره أن يعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ رجلا ما يكفيه في الصلاة فقال : ( كَبِّر ثُمَّ اقْرَأ ) قال : ولم يُروَ عنه أنه أمره بتعوذ ولا افتتاح ، فدل على أن افتتاح رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيارٌ ، وأن التعوذ مما لا يُفسِدُ الصلاةَ إن تركه " انتهى .
2- وجاء في "الموسوعة الفقهية" (4/6) :
" واحتجّ الجمهور بأنّ الأمر للنّدب ، وصرفه عن الوجوب إجماع السّلف على سنّيّته " انتهى .
وقد اختار القول بأنه سنة مستحبة وليست واجبة علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخ ابن عثيمين .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/383) :
ما حكم من نسي الاستعاذة من الشيطان الرجيم وتذكر بعد انقضاء الصلاة ، أو ذكر أنه لم يقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو بالصلاة ؟
فأجابت :
" الاستعاذة سنة ، فلا يضر تركها في الصلاة عمدًا أو نسيانا " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين : هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط ؟
فأجاب :
" الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة .
واختلف العلماء - رحمهم الله - هل يستعيذ في كل ركعة ، أم في الركعة الأولى فقط ، بناء على القراءة في الصلاة : هل هي قراءة واحدة ، أم لكل ركعة قراءة منفردة ؟
والذي يظهر لي : أن قراءة الصلاة واحدة ، فتكون الاستعاذة في أول ركعة ، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة ، كما لو انفتح عليه باب الوساوس ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً ، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (13/110) .
وسبق اختيار هذا القول في جواب السؤال رقم (65847)
والله أعلم .