جمال العقل.
الناظر إلى واقع الفتاة يجد أنها محصورة في جميع الأعين على أنها الفتاة الجميلة الرشيقة، ذات الملبس الأنيق، والعطر الفواح، والشعر الملون العجيب... إلخ.
أي أن الجميع ينظر إليها كجسد فقط، فإذا ما تكلمت أو عبرت عن رأيها وجدنا العجب العجاب، جسد بلا روح، جسد بلا عقل، والإنسان جسد وعقل، يقول الشاعر:
لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
والمرء بأصغريه؛ قلبه ولسانه كما يُقال، أي بعقله وتفكيره ومنطقه.
ومن هذا المنطلق نقول:
إن العقل الراجح والعلم والذكاء لدى الفتاة هي من صفات الجمال فيها.
أليست من تفشل في دراستها قبيحة وإن كانت جميلة الشكل؟
ألا يصف الناس صاحب التفكير الخاطئ أو التافه بأنه أحمق، والحمق هو القبح، والقبح عكس الجمال.
إن التفكير السليم ووضع الأمور في نصابها من الجمال، وهو من الرزق الذي يسوقه الله إلى العبد، وهي الحكمة التي تجعل الإنسان يضع الأمور في نصابها الحقيقي، وقد امتن الله على أصحاب العقول وأولي الألباب، ووصف أصحاب الفهم الصحيح بأنهم أصحاب العقول والنهى، فقد قال الله تعالى: ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)).
شبهة يجب ردها
قد يفهم البعض من حديث رسولنا الكريم: ((ناقصات عقل ودين))، أن المرأة ناقصة في العقل والإدراك والتفكير والعلم عن الجنس الآخر "الرجل"، وهذا ليس صحيحًا.
إن هذا الخطاب موجه للنساء المسلمات، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي الشهادة والصلاة والصوم.
فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية أسلمت فهل تصير ناقصة عقل بدخولها الإسلام؟؟!!
"فما نقصان العقل والدين إذن"؟
سؤال وجهته واحدة من النساء للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فكان جوابه:
أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل واحد.
وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين.
وقد جعل الله ذلك فيما يخص المرأة لحكمة بالغة لأنه خالقها وهو أعلم بها.
أما في غير ذلك من أحكام الشرع فهي والرجل سواء، فهي مكلفة كالرجل في العمل ومتساوية معه في الأجر، فالله تعالى يقول: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) [النحل: 97].
وكذلك قوله تعالى: ((إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)) [الأحزاب:34].
فهي مثل الرجال في الأعمال الصالحة وفي الأجور والجزاء في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)).
فهو يشمل الرجل والمرأة على السواء.
العناية بصحة عقل الفتاة
على الوالدين الاعتناء بصحة عقل الفتاة حتى تتمتع بتفكير سليم وذاكرة قوية، وذهن صافٍ، وعقل ناضج، وذلك بتجنيبها المفاسد المنتشرة في المجتمع لما لها من تأثير على العقل والذاكرة والجسم الإنساني بشكل عام، ومن هذه المفاسد التي تؤثر على العقل والذاكرة وتخمل الذهن:
تناول الخمور والمخدرات بشتى أنواعها، التدخين، الإثارات الجنسية كمشاهدة الأفلام الخليعة والصور الفاضحة، فإنها تعطل وظيفة العقل، وتسبب شرود الذهن، وتقضي على ملكة الاستذكار والتركيز الذهني، فضلًا عن الإلهاء وإضاعة الوقت.
ومما يساعد على نمو عقل الفتاة:
1ـ التغذية السليمة.
2ـ تجنب القلق والصراع النفسي والتشتت الذهني والمشكلات العائلية والنفسية الأخرى، حيث إن هذه الأمور من العوائق الشديدة أمام فاعلية الذكاء ونشاطه وتركيزه، كما أنها من الأسباب التي تعوق نمو عقل الفتاة نموًا سليمًا، بالإضافة إلى هذا فإنها ترهق العقل، وتبدد حيويته ونشاطه.
جمال العقل عند هؤلاء
السيدة خديجة بنت خويلد:
من قرأ السيرة ونسي من أحداثها ما نسي، فإنه لن ينسى قصة نزول الوحي الأول على الرسول صلى الله عليه وسلم، فوجد لدى السيدة خديجة ما يذهب روعه ويسكن نفسه، كلماتها المشهورة ترن في قلبي صداها: ((والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)).
تذكره فضائله وتفتح له أبواب الأمل بالخير وتبشره، ثم تكون أول من يؤمن به على الإطلاق.
قال ابن إسحاق: (فخفف الله بها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان لا يسمع شيئًا يكرهه إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته وتخفف عنه وتصدقه وتهون عليه أمر الناس).
وقد أمر جبريل الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.
لقد كانت امرأة حازمة عاقلة، لم تكن تظن أنها ستكون خير نساء الأرض، أحبها الرسول حبًا عظيمًا بالرغم من كبر سنها، "أليست هذه المرأة جميلة بالرغم من كبر سنها"؟ بلى إنها جميلة بعقلها.
امرأة تحدت الجبروت:
مدح الله امرأة فرعون، فكان ذكرها في القرآن إلى قيام الساعة حيث قال تعالى: ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)).
ما أعقل هذه المرأة! حيث إنها طلبت جوار الرب الكريم، فقدمت الجار قبل الدار، وخرجت من طاعة المجرم الطاغية فرعون، ورفضت العيش في قصره وزخارفه، وطلبت دارًا أبقى وأحسن وأجمل في جوار رب العالمين، أليست هذه امرأة جميلة بعقلها؟؟! فكانت لها إرادة واختيار وأحسنت الاختيار.
أسماء بنت يزيد الأنصارية:
ذهبت وافدة النساء إلى الرسول تطلب مشاركة النساء مع الرجال في الأجر، حتى قال الرسول لأصحابه: ((هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه؟))، فقالوا: يا رسول الله ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا.
أليست هذه امرأة جميلة عاقلة تفكر فيما يصلح به أمر دينها ودنياها؟؟!
السيدة عائشة:
إن العلم يزيد من جمال عقل الفتاة ويضفي على شخصيتها تألقًا ونموًا، ومن النساء من نبغ في العلم نبوغًا لم يسبق له مثيل كالسيدة عائشة أم المؤمنين؛ فقد كانت المرجع الأول في الحديث والسنة المطهرة، والفقيهة الأولى في الإسلام، وهي في ريعان الشباب لم يتعد عمرها التاسعة عشرة.
قال هشام عن عروة بن الزبير: (ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من عائشة).
درة سعيد بن المسيب:
وهذه ابنة سعيد بن المسيب كانت من أجمل الناس، وأحفظهم لكتاب الله، وأعلمهم بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما تزوجت "عبد الله بن وداعة" تلميذ أبيها، نهض في الصباح يريد الخروج فقالت له زوجته: إلى أين؟
قال: إلى مجلس أبيك "سعيد بن المسيب" أتعلم العلم، فقالت له: اجلس أعلمك علم سعيد، فمكث شهرًا لا يحضر حلقة العلم مستعينًا بعلم هذه الصبية الحسناء.
أليست هذه فتاة جميلة عاقلة!!