العلاقات الاجتماعية ... رؤية مشتركة
هناك بعض العلاقات الزوجية تكون على درجة جيدة من التوافق والتآلف بالرغم من وجود بعض السمات السلبية في شخصية أحد الزوجين.
فقد يكون أحدهما ضيق الأفق بينما الآخر بعيد النظر وحكيم، أو أحدهما عنيد بينما الآخر لين... وغير ذلك، والمهم أن يكون لكل سمة سلبية في أحد الزوجين ما يقابلها إيجابيًا في الطرف الآخر، والتي من خلالها يستطيع أن يتحمل شريكه في هدوء دون شعور بعبء أو معاناة.
تأثيرات العلاقات الاجتماعية:
من الممكن أن تستمر تلك العلاقات لفترات طويلة دون مشاكل تُذكر، ولكن هذا يحدث إذا كان الطرفان يعيشان بمعزل عن المجتمع المحيط بهما، ولكننا جميعًا محاطون بشبكة من العلاقات الاجتماعية الممتدة والمتشعبة، فيها الأقارب والمعارف والأصدقاء والزملاء.
وكل واحد من هؤلاء له تأثير ما علينا وعلى علاقاتنا بشكل أو بآخر، فنظرة امتعاض من أحدهم أو عدم رضا من آخر عن موقف ما تجعلنا تلقائيًا نراجع أنفسنا ونتساءل عن السبب، وهل من عيب فينا؟
فالبعض يرى أن هذا الزوج متسامح أكثر من اللازم مع زوجته، بينما آخرون يرون أن الفتاة بريئة وساذجة وتحتاج إلى توعية، وبعض آخر لا يرضيهم تقبل الزوجة لوقاحة زوجها، وهكذا يصبح أولئك الزوجات والأزواج مرتعًا خصبًا لإسداء الآراء والنصائح من حولهم.
أهل الزوجين:
إن الزواج ليس ارتباطًا بين الزوجين فحسب، وإنما هو ارتباط بين عائلتين، بل وفي بعض الأحيان تنجم المشاكل الزوجية بسبب التدخل العائلي في شئون الزوجين، أو بسبب سوء الإرشاد العائلي لهما؛ كأن تستشير الزوجة أمها في مشاكلها الزوجية، أو يستشير الزوج والده فيشيران عليهما من خلال تجاربهما الشخصية، والتي قد لا تكون ناجحة فينعكس فشل الأهل في تجاربهم الزوجية على حياة الزوجين الجديدين.
وقد يكون من بين الآباء والأمهات من يكون نصيبهم من الوعي والتعليم قليل فيصبحون عقبة أمام أولادهم يطفئون الأنوار ويقتلون الآمال ويجرعون أولادهم السم على أنه العلاج المناسب لحياتهم الزوجية، أو أنهم يوقدون النار عوضًا عن إطفائها.
التدخل السلبي في حياة الزوجين:
1ـ تدخل الآباء: للآباء دور ضعيف ومتواضع وخاصة في التدخل السلبي في حياة أولادهم الزوجية، ويندر أن يقوم الأب بتسميم أفكار ولده تجاه زوجته أو ابنته تجاه زوجها، ولكن في أغلب الأحوال قد ينقاد الأب خلف زوجته في حملتها الشعواء ضد زوجة الولد أو تسميم أفكار ابنته ضد زوجها.
2ـ تدخل الأمهات: للأمهات دور كبير وأساسي في التأثير على حياة أولادهم؛ لأن كل من أم الزوجة وأم الزوج تملك التأثير الواسع والنصيحة الصادقة.
فأم الزوج: قد يكون لها دور سلبي في حياة ابنها بعد زواجه؛ فالأم تحس أن ابنها الذي كان يعيش في كنفها، ويقضي معها الوقت الطويل، ويبادلها المشاعر والعواطف، أخذته منها زوجته التي سلبتها حقها ونصيبها في ابنها، وسيطرت على اهتمامه ومشاعره وفازت بالنصيب الأكبر، وليس لها من سلاح هنا إلا أن تتدخل في شئون ابنها، وقد توغر صدر ابنها على زوجته بحجة النصيحة.
وهناك من الأمهات من تتسم بالعقل والحكمة والعطاء الفياض لابنها ولزوجته وأولادهما الصغار، ولا تتدخل في حياتهما الزوجية إلا بالشكل الإيجابي اللائق.
وأم الزوجة: فهي قد تتدخل بشكل سلبي في حياة ابنتها؛ انطلاقًا من شعورها أن ابنتها ضعيفة وصغيرة وساذجة وقليلة الحيلة وتحتاج إلى من يقف معها ويساعدها لنيل حقوقها، لأن الابنة ليس لديها خبرة كافية في الحياة، وتكون الأم قلقة على ابنتها المتزوجة، ومتشككة في قدرتها على أن تكون ربة بيت وزوجة وأمًا للأولاد، فقد تعترض الأم على ابنتها بسبب تسامحها الشديد مع زوجها، وتحثها على أن تعود زوجها الاعتماد على نفسه حتى ترتاح عندما يأتيها الصغار.
نصيحة .. ولكنها ضارة:
وغالبًا ما تأتي تلك النصائح بوازع من الحب لأحد الأطراف والخوف عليه، أو لرغبة بعضهم المجردة في تقمص دور الحكيم الواعظ، وأغلب تلك النصائح يصب في معنى واحد هو أن لا تسمح للطرف الآخر أن يتعامل معك بهذا الأسلوب أو ذاك، ويجب أن تجعله يعتاد على كذا وكذا.
ومن غير المتوقع أن تجدي تلك النصائح أو أن تغير من واقع الأمر شيئًا، حتى وإن بدت هي التي ستفرض نوع العلاقة بينهما وتحدد الشكل النهائي لتلك العلاقة مهما حاول أحدهما تغيير تلك الحقيقة، بل إنها قد تؤدي إلى تنغيص الحياة الزوجية ونثر الأشواك في طريقها بغير مبرر.
هذا التدخل الخارجي السلبي يفسد العلاقة بين الزوجية، ويغير أكثر مما يفيد، خاصة إذا كان مفروضًا على الطرفين دون رغبتهما، وليس من الحكمة الاستماع للنصيحة إلا إذا كان هناك بالفعل حاجة إليها، ويجب أن تكون ممن هم على درجة كبيرة من الوعي والحكمة؛ لأن الغالبية العظمى من الناس يرون الأمور من منظورهم الخاص، ويأتي حكمهم على المواقف من خلال خبراتهم الشخصية، بل وأحيانًا مقرونة بعقدهم الخاصة.
الرؤية المشتركة والعلاقات الاجتماعية:
وهنا يأتي دور الرؤية المشتركة بين الزوجين في علاقتهما بالآخرين من الأقارب والأصدقاء، فيتفق الزوجان منذ البداية على شكل العلاقة مع:
الأقارب: وهم أهل الزوج وأهل الزوجة، طبيعة الزيارات، طبيعة العلاقات، حجم التدخل في حياتهما، مواعيد الزيارة، مدة الزيارة، وغير ذلك من الأمور.
الأصدقاء: وهم أصدقاء الزوج وصديقات الزوجة، مواعيد لقائهم، ومكان لقائهم، شكل العلاقة معهم.
وعلى الزوجين الاتفاق عند وقوع خلاف أو مشكلة بينهما إلى من يشتكيان، ومن الذي يتدخل للإصلاح بينهما، فلا ينبغي بث الشكوى لمن لا دخل له، أو لأطراف متعددة حتى وإن كان من باب تفريغ شحنة الغضب أو الإحباط المشتعلة بداخله، لكي لا تصبح خصوصيات الحياة الزوجية مثارًا للمناقشات العامة وإبداء الآراء لكل من هب ودب، فهذه أمور تفسد ولا تفيد وتعمق الخلافات وتزيد المشاكل تعقيدًا ولا تحل من الأمر شيئًا.
الحكمة أساس السعادة:
يجب أن يكون هناك حكمة فيما نقول ولمن نقول، كما لا ينبغي الاستماع لكل ما يُقال أو التأثر بكل ما يُثار من حديث، وهذا الأمر يتطلب ثقة عالية بالنفس وتعقلًا شديدًا واستعدادًا فطريًا لعدم التأثر بالآخرين، ويجب الوعي بتلك الأمور حتى نحصن أنفسنا من التدخل السلبي للآخرين في حياتنا.
وقفة مع الزوجة المسلمة:
عزيزتي الزوجة المسلمة:
من أجلِّ صفات الزوجة المسلمة أن تبر أهل زوجها وتصل الرحم؛ لتدخل على زوجها الفرح والسرور وتتقرب إلى الله بهذه العبادة، انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أبر البر أن يحفظ الرجل أهل ود أبيه)) [رواه مسلم].
واعلمي أيتها الزوجة أن زوجك يحب أهله أكثر من أهلك، كما أنك أيضًا تحبين أهلك أكثر من أهله، وأن الزوج لن يقبل إهانة توجه إلى أمه مهما تبلد فيه إحساس البر تجاهها، فاحذري أن تطعنيه بازدراء أهله أو انتقاصهم أو أذيته فيهم؛ فإن ذلك يدعوه إلى النفرة منك.
إن تفريط الزوجة في احترام أهل زوجها تفريط في احترامه، وإن لم يقابل الزوج ذلك بادئ الأمر بشيء فلن يسلم حبه إياها من الخدش والنقص والتكدير.
إن الرجل الذي يحب أهله ويبر والديه إنسان صالح فاضل جدير بأن تحترمه زوجته وترجو فيه الخير، والزوجة التي تعتقد أنها بإيقاعها بين زوجها وأهله ليتفرغ لها وحدها ويكون لأولاده وحدهم، امرأة ساذجة تدفن رأسها في الرمال غير صالحة ولا تقية، إن عقوق الرجل والديه دمار عليه وعلى زوجته وأولاده؛ لأن العقوق من المعاصي التي تُعجل عقوبتها في الدنيا، فعن أبي بكرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين)) [رواه البخاري].
ومن أرادت الاستزادة في هذا الموضوع فلترجع إلى مقال: (إلى الزوجة المسلمة.. كيف تعاملين أمك الثانية؟).