اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
القول في تأويل قوله تعالى : { الله لا إله إلا هو } . قد دللنا فيما مضى على تأويل قوله : " الله " . وأما تأويل قوله : { لا إله إلا هو } فإن معناه : النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية . يقول : " الله " الذي له عبادة الخلق " الحي القيوم " , لا إله سواه , لا معبود سواه , يعني : ولا تعبدوا شيئا سوى الحي القيوم الذي لا يأخذه سنة ولا نوم , والذي صفته ما وصف في هذه الآية . وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به أقوال المختلفين في البينات من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض , وأتلفوا فيه , فاقتتلوا فيه كفرا به من بعض , وإيمانا به من بعض . فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به ووفقنا للإقرار
الْحَيُّ
وأما قوله : { الحي } فإنه يعني : الذي له الحياة الدائمة , والبقاء الذي لا أول له يحد , ولا آخر له يؤمد , إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلحياته أول محدود وآخر ممدود , ينقطع بانقطاع أمدها وينقضي بانقضاء غايتها . وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4496 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { الحي } حي لا يموت . * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . وقد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك , فقال بعضهم : إنما سمى الله نفسه حيا لصرفه الأمور مصارفها وتقديره الأشياء مقاديرها , فهو حي بالتدبير لا بحياة . وقال آخرون : بل هو حي بحياة هي له صفة . وقال آخرون : بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به , فقلناه تسليما لأمره .
الْقَيُّومُ
وأما قوله : { القيوم } فإنه " الفيعول " من القيام , وأصله " القيووم " : سبق عين الفعل وهي واو ياء ساكنة , فأدغمتا فصارتا ياء مشددة ; وكذلك تفعل العرب في كل واو كانت للفعل عينا سبقتها ياء ساكنة . ومعنى قوله : { القيوم } : القائم برزق ما خلق وحفظه , كما قال أمية :
لم يخلق السماء والنجوم
والشمس منها قمر يقوم
قدر المهين القيوم
والحشر والجنة والجحيم
إلا لأمر شأنه عظيم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4497 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { القيوم } قال : القائم على كل شيء . 4498 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , عن ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { القيوم } قيم كل شيء , يكلؤه ويرزقه ويحفظه . 4499 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال ثنا أسباط , عن السدي : { القيوم } وهو القائم . 4500 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { الحي القيوم } قال : القائم الدائم .
لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ
القول في تأويله قوله تعالى : { لا تأخذه سنة ولا نوم } يعني تعالى ذكره بقوله { لا تأخذه سنة } لا يأخذه نعاس فينعس , ولا نوم فيستثقل نوما . والوسن : خثورة النوم , ومنه قول عدي بن الرقاع :
وسنان أقصده النعاس فرنقت
في عينه سنة وليس بنائم
ومن الدليل على ما قلنا من أنها خثورة النوم في عين الإنسان , قول الأعشى ميمون بن قيس :
تعاطي الضجيع إذا أقبلت
بعيد النعاس وقبل الوسن
وقال آخر :
باكرتها الأغراب في سنة النو
م فتجري خلال شوك السيال
يعني عند هبوبها من النوم ووسن النوم في عينها , يقال منه : وسن فلان فهو وسن وسنا وسنة وهو سنون , إذا كان كذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4501 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قوله تعالى : { لا تأخذه سنة } قال : السنة : النعاس , والنوم : هو النوم . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { لا تأخذه سنة } السنة : النعاس . 4502 - حدثنا الحسن بن يحيي , قال : أخبرنا عبد الرازق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة والحسن في قوله : { لا تأخذه سنة } قالا : نعسة . 4503 - حدثني المثنى , قال ثنا عمرو بن عون , قال : أخبرنا هشيم , عن جويبر , عن الضحاك في قوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } قال : السنة : الوسنة , وهو دون النوم , والنوم : الاستثقال , * - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك : { لا تأخذه سنة ولا نوم } السنة : النعاس , والنوم : الاستثقال , * - حدثني يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قال : أخبرنا جويبر , عن الضحاك , مثله سواء . 4504 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { لا تأخذه سنة ولا نوم } أما سنة : فهو ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان . 4505 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { لا تأخذه سنة ولا نوم } قال : السنة : الوسنان بين النائم واليقظان . 4506 - حدثني عباس بن أبي طالب , قال : ثنا منجاب بن الحرث , قال : ثنا علي بن مسهر , عن إسماعيل عن يحيى بن رافع : { لا تأخذه سنة } قال : النعاس . 4507 - حدثني يونس , قال أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } قال : الوسنان : الذي يقوم من النوم لا يعقل , حتى ربما أخذ السيف على أهله . وإنما عنى تعالى ذكره بقوله : { لا تأخذه سنة ولا نوم } لا تحله الآفات , ولا تناله العاهات . وذلك أن السنة والنوم معنيان يغمران فهم ذي الفهم , ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه . فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : الله لا إله إلا هو الحي الذي لا يموت , القيوم على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة والتدبير والتصريف من حال إلى حال , لا تأخذه سنة ولا نوم , لا يغيره ما يغير غيره , ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال وتصريف الليالي والأيام , بل هو الدائم على حال , والقيوم على جميع الأنام , لو نام كان مغلوبا مقهورا , لأن النوم غالب النائم قاهره , ولو وسن لكانت السموات والأرض وما فيهما دكا , لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته , والنوم شاغل المدبر عن التدبير , والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه . كما : 4508 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , قال : وأخبر في الحكم بن أبان , عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله : { لا يأخذه سنة ولا نوم } أن موسى سأل الملائكة : هل ينام الله ؟ فأوحى الله إلى الملائكة , وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام . ففعلوا , ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه , ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما . قال : فجعل ينعس وهما في يديه , في كل يد واحدة . قال : فجعل ينعس وينتبه , وينعس وينتبه , حتى نعس نعسة , فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما . قال معمر : إنما هو مثل ضربه الله , يقول : فكذلك السموات والأرض في يديه . 4509 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل , قال : ثنا هشام بن يوسف , عن أمية بن شبل , عن الحكم بن أبان , عن عكرمة , عن أبي هريرة , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم على المنبر , قال : " وقع في نفس موسى هل ينام الله تعالى ذكره ؟ فأرسل الله إليه ملكا فأرقه ثلاثا , ثم أعطاه قارورتين , في كل يد قارورة , أمره أن يحتفظ بهما " قال : " فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان , ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى , ثم نام نومة فاصطفقت يداه وانكسرت القارورتان " . قال : ضرب الله مثلا له , أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض .
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ
القول في تأويل قوله تعالى : { له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } يعني تعالى ذكره بقوله : { له ما في السموات وما في الأرض } أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد , وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود . وإنما يعنى بذلك أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه , لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه , وليس له خدمة غيره إلا بأمره . يقول : فجميع ما في السموات والأرض ملكي وخلقي , فلا ينبغي أن يعبد أحد من + لقى غيري وأنا مالكه , لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه , ولا يطيع سوى مولاه . وأما قوله : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } يعني بذلك : من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم إلا أن يليه , ويأذن له بالشفاعة لهم . وإنما قال ذلك تعالى ذكره لأن المشركين قالوا : ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى , فقال الله تعالى ذكره لهم : لي ما في السموات وما في الأرض مع السموات والأرض ملكا , فلا ينبغي العبادة لغيري , فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى , فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا , ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له , من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي .
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
القول في تأويل قوله تعالى : { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } يعني تعالى ذكره بذلك أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علما , لا يخفى عليه شيء منه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4510 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم : { يعلم ما بين أيديهم } الدنيا { وما خلفهم } الآخرة . 4511 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { يعلم ما بين أيديهم } ما مضى من الدنيا { وما خلفهم } من الآخرة . 4512 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , قال : قال ابن جريج قوله : { يعلم ما بين أيديهم } ما مضى أمامهم من الدنيا { وما خلفهم } ما يكون بعدهم من الدنيا والآخرة . 4513 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { يعلم ما بين أيديهم } قال : ما بين أيديهم فالدنيا { وما خلفهم } فالآخرة .
وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ
وأما قوله : { ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء } فإنه يعني تعالى ذكره أنه العالم الذي لا يخفى عليه شيء محيط بذلك كله محص له دون سائر من دونه , وأنه لا يعلم أحد سواه شيئا إلا بما شاء هو أن يعلمه فأراد فعلمه . وإنما يعني بذلك أن العبادة لا تنبغي لمن كان بالأشياء جاهلا فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنم , يقول : أخلصوا العبادة لمن هو محيط بالأشياء كلها يعلمها , لا يخفى عليه صغيرها وكبيرها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4514 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ولا يحيطون بشيء من علمه } يقول : لا يعلمون بشيء من علمه إلا بما شاء هو أن يعلمهم .
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
القول في تأويل قوله تعالى : { وسع كرسيه السموات والأرض } اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السموات والأرض , فقال بعضهم : هو علم الله تعالى ذكره . ذكر من قال ذلك : 4515 - حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة , قالا : ثنا ابن إدريس , عن مطرف , عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس : { وسع كرسيه } قال : كرسيه : علمه . 4516 - حدثني يعقوب بن إبراهيم , قال : ثنا هشيم , قال : أخبرنا مطرف , عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , مثله , وزاد فيه : ألا ترى إلى قوله : { ولا يئوده حفظهما } ؟ وقال آخرون : الكرسي : موضع القدمين . ذكر من قال ذلك : 4517 - حدثني علي بن مسلم الطوسي , قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث , قال : ثني أبي , قال : ثني محمد بن جحادة , عن سلمة بن كهيل , عن عمارة بن عمير , عن أبي موسى , قال : الكرسي : موضع القدمين , وله أطيط كأطيط الرحل . 4518 - حدثني موسى بن هاوون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { وسع كرسيه السموات والأرض } فإن السموات والأرض في جوف الكرسي , والكرسي بين يدي العرش , وهو موضع قدميه . 4519 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك قوله : { وسع كرسيه السموات والأرض } قال : كرسيه الذي يوضع تحت العرش , الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم , 4520 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , عن سفيان , عن عمار الدهني , عن مسلم البطين , قال : الكرسي : موضع القدمين . 4521 - حدثني عن عمار , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { وسع كرسيه السموات والأرض } قال : لما نزلت : { وسع كرسيه السموات والأرض } قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض , فكيف العرش فأنزل الله تعالى : { وما قدروا الله حق قدره } إلى قوله : { سبحانه وتعالى عما يشركون } . 39 67 4522 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وسع كرسيه السموات والأرض } قال ابن زيد : فحدثني أبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس " . قال : وقال أبو ذر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض " . وقال آخرون : الكرسي : هو العرش نفسه . ذكر من قال ذلك : 4523 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا أبو زهير , عن جويبر , عن الضحاك , قال : كان الحسن يقول : الكرسي : هو العرش . قال أبو جعفر : ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب , غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو ما : 4524 - حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني , قال : ثنا عبيد الله بن موسى , قال : أخبرنا إسرائيل , عن أبى إسحاق , عن عبد الله بن خليفة , قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت : ادع الله أن يدلني الجنة ! فعظم الرب تعالى ذكره , ثم قال : " إن كرسيه وسع السموات والأرض , وأنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع " ثم قال بأصابعه فجمعها : " وإن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله " * - حدثني عبد الله بن أبى زياد , قال : ثنا يحيى بن أبي بكر , عن إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن عبد الله بن خليفة , عن عمر , عن النبي صلى الله عليه وسلم , بنحوه . * - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن عبد الله بن خليفة , قال : جاءت امرأة , فذكر نحوه . وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه أنه قال : هو علمه , وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره : { ولا يئوده حفظهما } على أن ذلك كذلك , فأخبر أنه لا يئوده حفظ ما علم , وأحاط به مما في السموات والأرض , وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم : { ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما } 40 7 فأخبر تعالى ذكره أن علمه وسع كل شيء , فكذلك قوله : { وسع كرسيه السموات والأرض } . وأصل الكرسي : العلم , ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة , ومنه قول الراجز في صفة قانص :
حتى إذا ما احتازها تكرسا
يعني علم . ومنه يقال للعلماء : الكراسي , لأنهم المعتمد عليهم , كما يقال : أوتاد الأرض , يعني بذلك أنهم العلماء الذي تصلح بهم الأرض ; ومنه قول الشاعر :
يحف بهم بيض الوجوه وعصبة
كراسي بالأحداث حين تنوب
يعني بذلك علماء بحوادث الأمور ونوازلها . والعرب تسمي أصل كل شيء الكرس , يقال منه : فلان كريم الكرس : أي كريم الأصل , قال العجاج :
قد علم القدوس مولى القدس
أن أبا العباس أولى نفس
بمعدن الملك الكريم الكرس
يعني بذلك : الكريم الأصل , ويروى :
في معدن العز الكريم الكرس
وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا
القول في تأويل قوله تعالى : { ولا يئوده حفظهما } يعني تعالى ذكره بقوله : { ولا يئوده حفظهما } ولا يشق عليه ولا يعقله , يقال منه : قد آدني هذا الأمر فهو يئودني أودا وإيادا , ويقال : ما آدك فهو لي آئد , يعني بذلك : ما أثقلك فهو لي مثقل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 4525 - حدثنا المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { ولا يئوده حفظهما } يقول : لا يثقل عليه . * - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثني عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يثقل عليه حفظهما . 4526 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ولا يئوده حفظهما } لا يعقل عليه لا يجهده حفظهما . 4527 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن الحسن وقتادة في قوله : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يعقل عليه شيء . * - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع , قال : ثنا يوسف بن خالد السمتي , قال : ثنا نافع بن مالك , عن عكرمة , عن ابن عباس في قوله : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يثقل عليه حفظهما . 4528 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن أبي زائدة , وحدثنا يحيى بن أبي طالب , قال : أخبرنا يزيد , قالا جميعا : أخبرنا جويبر عن الضحاك : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يعقل عليه . * - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا يحيى بن واضح , عن عبيد , عن الضحاك , مثله . 4529 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : سمعته - يعني خلادا - يقول : سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يكثر عليه . 4530 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى بن ميمون , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يكرثه . 4531 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يثقل عليه . 4532 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { ولا يئوده حفظهما } يقول : لا يثقل عليه حفظهما . 4533 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ولا يئوده حفظهما } قال : لا يعز عليه حفظهما . قال أبو جعفر : والهاء والميم والألف في قوله : { حفظهما } من ذكر السموات والأرض ; فتأويل الكلام : وسع كرسيه السموات والأرض , ولا يثقل عليه حفظ السموات والأرض .
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ
وأما تأويل قوله : { وهو العلي } فإنه يعني : والله العلي . والفعيل : الفعيل من قولك علا يعلو علوا : إذا ارتفع , فهو عال وعلي , والعلي : ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته . وكذلك قوله : { العظيم } ذو العظمة , الذي كل شيء دونه , فلا شيء أعظم منه . كما : 4534 - حدثني المثنى , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : العظيم الذي قد كمل في عظمته . واختلف أهل البحث في معنى قوله : { وهو العلي } فقال بعضهم : يعني بذلك ; وهو العلي عن النظير والأشباه . وأنكروا أن يكون معنى ذلك : وهو العلي المكان , وقالوا : غير جائز أن يخلو منه مكان , ولا معنى لوصفه بعلو المكان ; لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان . وقال آخرون : معنى ذلك : وهو العلي على خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه , لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه وخلقه دونه , كما وصف به نفسه أنه على العرش , فهو عال بذلك عليهم . وكذلك اختلفوا في معنى قوله : { العظيم } فقال بعضهم : معنى العظيم في هذا الموضع : المعظم صرف المفعل إلى فعيل , كما قيل للخمر المعتقة : خمر عتيق , كما قال الشاعر :
وكأن الخمر العتيق من الإس
فنط ممزوجة بماء زلال
وإنما هي معتقة . قالوا : فقوله " العظيم " معناه : المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه . قالوا : وإنما يحتمل قول القائل : هو عظيم أحد معنيين : أحدهما : ما وصفنا من أنه معظم ; والآخر : أنه عظيم في المساحة والوزن . قالوا : وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك : أنه عظيم في المساحة والوزن صحة القول بما قلنا . وقال آخرون : بل تأويل قوله : { العظيم } هو أن له عظمة هي له صفة . وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية , ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات , وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد , لأن ذلك تشبيه له بخلقه , وليس كذلك . وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها , وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه معظم , لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق , وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق , لأنه لا معظم له في هذه الأحوال . وقال آخرون : بل قوله : إنه العظيم وصف منه نفسه بالعظم . وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته .