وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ
القول في تأويل قوله تعالى . { وللمطلقات متاع بالمعروف } يعني تعالى ذكره بذلك : ولمن طلق من النساء على مطلقها من الأزواج متاع , يعني بذلك . ما تستمتع به من ثياب وكسوة ونفقة أو خادم وغير ذلك مما يستمتع به . وقد بينا فيما مضى قبل معنى ذلك , واختلاف أهل العلم فيه والصواب من القول من ذلك عندنا بما فيه الكفاية من إعادته . وقد اختلف أهل العلم في المعنية بهذه الآية من المطلقات , فقال بعضهم : عنى بها الثياب اللواتي قد جومعن . قالوا : وإنما قلنا ذلك لأن غير المدخول بهن في المتعة قد بينها الله تعالى ذكره في الآيات قبلها , فعلمنا بذلك أن في هذه الآية بيان أمر المدخول بهن في ذلك . ذكر من قال ذلك : 4356 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى بن ميمون , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء في قوله : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } قال : المرأة الثيب يمتعها زوجها إذا جامعها بالمعروف . 4357 - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله , وزاد فيه : ذكره شبل , عن ابن أبي نجيح , عن عطاء . وقال آخرون : بل في هذه الآية دلالة على أن لكل مطلقة متعة . وإنما أنزلها الله تعالى ذكره على نبيه صلى الله عليه وسلم لما فيها من زيادة المعنى الذي فيها على ما سواها من آي المتعة , إذ كان ما سواها من آي المتعة إنما فيه بيان حكم غير الممسوسة إذا طلقت , وفي هذه بيان حكم جميع المطلقات في المتعة . ذكر من قال ذلك : 4358 - حدثنا ابن بشار , قال : ثنا عبد الوهاب , قال : ثنا أيوب , عن سعيد بن جبير في هذه الآية : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } قال : لكل مطلقة متاع بالمعروف حقا على المتقين . 4359 - حدثنا المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا يونس عن الزهري في الأمة يطلقها زوجها وهي حبلى , قال : تعتد في بيتها , وقال : لم أسمع في متعة المملوكة شيئا أذكره , وقد قال الله تعالى ذكره : { متاع بالمعروف حقا على المتقين } ولها المتعة حتى تضع . 4360 - حدثني المثنى , قال : ثنا حبان بن موسى , قال : أخبرنا ابن المبارك , قال : أخبرنا ابن جريج , عن عطاء , قال : قلت له : أللأمة من الحر متعة ؟ قال : لا . قلت : فالحرة عند العبد ؟ قال : لا . وقال عمرو بن دينار : نعم , { وللمطلقات متاع بالمعروف على المتقين } وقال آخرون : إنما نزلت هذه الآية , لأن الله تعالى ذكره لما أنزل قوله : { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين } 2 236 قال رجل من المسلمين : فإنا لا نفعل إن لم نرد أن نحسن . فأنزل الله : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } فوجب ذلك عليهم . ذكر من قال ذلك : 4361 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين } فقال رجل : فإن أحسنت فعلت , وإن لم أرد ذلك لم أفعل . فأنزل الله : { وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين } والصواب من القول في ذلك ما قاله سعيد بن جبير , من أن الله تعالى ذكره . أنزلها دليلا لعباده على أن لكل مطلقة متعة ; لأن الله تعالى ذكره ذكر في سائر آي القرآن التي فيها ذكر متعة النساء خصوصا من النساء , فبين في الآية التي قال فيها : { لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة } 2 236 وفي قوله : { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } 33 49 ما لهن من المتعة إذا طلقن قبل المسيس , وبقوله : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن } 33 28 حكم المدخول بهن . وبقي حكم الصبايا إذا طلقن بعد الابتناء بهن , وحكم الكوافر والإماء . فعم الله تعالى ذكره بقوله : { وللمطلقات متاع بالمعروف } ذكر جميعهن , وأخبر بأن لهن المتاع , كما أبان المطلقات الموصوفات بصفاتهن في سائر آي القرآن , ولذلك كرر ذكر جميعهن في هذه الآية .
حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ
وأما قوله : { حقا على المتقين } فإنا قد بينا معنى قوله " حقا " , ووجه نصبه , والاختلاف من أهل العربية في قوله : { حقا على المحسنين } ففي ذلك مستغنى عن إعادته في هذا الموضع . فأما المتقون , فهم الذين اتقوا الله في أمره ونهيه وحدوده , فقاموا بها على ما كلفهم القيام به خشية منهم له , ووجلا منهم من عقابه . وقد تقدم بيان تأويل ذلك نصا بالرواية .