بتـــــاريخ : 11/7/2009 12:59:47 AM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1200 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 220

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

    يعني بقول عز ذكره : { كذلك يبين الله لكم الآيات } هكذا يبين أي ما بينت لكم أعلامي وحججي , وهي آياته في هذه السورة , وعرفتكم فيها ما فيه خلاصكم من عقابي , وبينت لكم حدودي وفرائضي , ونبهتكم فيها على الأدلة على وحدانيتي , ثم على حجج رسولي إليكم , فأرشدتكم إلى ظهور الهدى , فكذلك أبين لكم في سائر كتابي الذي أنزلته على نبيي محمد صلى الله عليه وسلم آياتي وحججي , وأوضحها لكم لتتفكروا في وعدي ووعيدي وثوابي وعقابي , فتختاروا طاعتي التي تنالون بها ثوابي في الدار الآخرة , والفوز بنعيم الأبد على القليل من اللذات , واليسير من الشهوات , بركوب معصيتي في الدنيا الفانية التي من ركبها , كان معاده إلي , ومصيره إلى ما لا قبل له به من عقابي وعذابي . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 3338 - حدثنا علي بن داود , قال ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية بن صالح , عن علي , عن ابن عباس { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } قال : يعني في زوال الدنيا وفنائها , وإقبال الآخرة وبقائها . 3339 - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } يقول : لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا . 3340 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج , عن ابن جريج قال : قوله : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } قال : أما الدنيا فتعلمون أنها دار بلاء ثم فناء , والآخرة دار جزاء ثم بقاء , فتتفكرون , فتعملون للباقية منهما . قال : وسمعت أبا عاصم يذكر نحو هذا أيضا . 3341 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } وإنه من تفكر فيهما عرف فضل إحداهما على الأخرى وعرف أن الدنيا دار بلاء ثم دار فناء , وأن الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء , فكونوا ممن يصرم حاجة الدنيا لحاجة الآخرة .

    وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير , وإن تخالطوهم فإخوانكم } اختلف أهل التأويل فيما نزلت هذه الآية : فقال بعضهم نزلت في الذين عزلوا أموال اليتامى حين نزل قوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 . ذكر من قال ذلك ] 3342 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن آدم , عن إسرائيل , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : لما نزلت { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 عزلوا أموال اليتامى , فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فنزلت : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } { ولو شاء الله لأعنتكم } فخالطوهم . 3343 - حدثنا سفيان بن وكيع , قال : ثنا جرير , عن عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : لما نزلت { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 و { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } 4 10 انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه , فجعل يفضل الشيء من طعامه , فيحبس له حتى يأكله أو يفسد . فاشتد ذلك عليهم , فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله عز وجل : { يسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم . 3344 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا حكام , عن عمرو , عن عطاء , عن سعيد , قال : لما نزلت : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 قال : كنا نصنع لليتيم طعاما فيفضل منه الشيء , فيتركونه حتى يفسد , فأنزل الله : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } . 3345 - حدثنا يحيى بن داود الواسطي , قال : ثنا أبو أسامة , عن ابن أبي ليلى , عن الحكم , قال : سئل عبد الرحمن بن أبي ليلى عن مال اليتيم , فقال : لما نزلت : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 اجتنبت مخالطتهم , واتقوا كل شيء حتى اتقوا الماء , فلما نزلت { وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال : فخالطوهم . 3346 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ويسألونك عن اليتامى } الآية كلها , قال : كان الله أنزل قبل ذلك في سورة بني إسرائيل : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 17 34 فكبرت عليهم , فكانوا لا يخالطونهم في مأكل ولا في غيره . فاشتد ذلك عليهم , فأنزل الله الرخصة , فقال : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , قال : لما نزلت : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 اعتزل الناس اليتامى فلم يخالطوهم في مأكل ولا مشرب ولا مال , قال : فشق ذلك على الناس , فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله عز وجل : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } . 3347 - حدثت عن عمار قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم . . . } الآية , قال : فذكر لنا والله أعلم أنه أنزل في بني إسرائيل : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده } 6 152 فكبرت عليهم , فكانوا لا يخالطونهم في طعام ولا شراب ولا غير ذلك . فاشتد ذلك عليهم , فأنزل الله الرخصة فقال : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } يقول : مخالطتهم في ركوب الدابة , وشرب اللبن , وخدمة الخادم . يقول للولي الذي يلي أمرهم : فلا بأس عليه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن , أو يخدمه الخادم . وقال آخرون في ذلك بما : 3348 - حدثني عمرو بن علي قال : ثنا عمران بن عيينة , قال : ثنا عطاء بن السائب , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس في قوله : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم } 4 10 الآية , قال : كان يكون في حجر الرجل اليتيم , فيعزل طعامه وشرابه وآنيته , فشق ذلك على المسلمين , فأنزل الله : { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } فأحل خلطهم . 3349 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا عمران بن عيينة , قال : ثنا عطاء عن الشعبي , قال : لما نزلت هذه الآية : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } 4 10 قال : فاجتنب الناس الأيتام , فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه وماله من ماله , وشرابه من شرابه , قال : فاشتد ذلك على الناس , فنزلت : { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } , قال الشعبي : فمن خالط يتيما فليتوسع عليه , ومن خالطه ليأكل من ماله فلا يفعل . * - حدثني علي بن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي , عن ابن عباس قوله : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } وذلك أن الله لما أنزل : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } 4 10 كره المسلمون أن يضموا اليتامى , وتحرجوا أن يخالطوهم في شيء , فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : { قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } . 3350 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثني حجاج , عن ابن جريج , قال , سألت عطاء بن أبي رباح عن قوله : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال : لما نزلت سورة النساء عزل الناس طعامهم , فلم يخالطوهم . قال : ثم جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا يشق علينا أن نعزل طعام اليتامى وهم يأكلون معنا ! فنزلت { وإن تخالطوهم فإخوانكم } . قال ابن جريج وقال مجاهد : عزلوا طعامهم عن طعامهم , وألبانهم عن ألبانهم , وأدمهم عن أدمهم , فشق ذلك عليهم , فنزلت : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال : مخالطة اليتيم في المراعي والأدم , قال ابن جريج : وقال ابن عباس : الألبان وخدمة الخادم وركوب الدابة , قال ابن جريج : وفي المساكن , قال : والمساكن يومئذ عزيزة . * - حدثنا محمد بن سنان , قال : ثنا الحسين بن الحسن الأشقر , قال : أخبرنا أبو كدينة , عن عطاء , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : لما نزلت : { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } 6 152 و : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } 4 10 قال : اجتنب الناس مال اليتيم وطعامه , حتى كان يفسد إن كان لحما أو غيره , فشق ذلك على الناس , فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأنزل الله : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } 3351 - حدثنا محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن قيس بن سعد - أو عيسى , عن قيس بن سعد , شك أبو عاصم - عن مجاهد : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال : مخالطة اليتيم في الرعي والأدم . وقال آخرون : بل كان اتقاء مال اليتيم واجتنابه من أخلاق العرب , فاستفتوا في ذلك لمشقته عليهم , فأفتوا بما بينه الله في كتابه . ذكر من قال ذلك : 3352 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } قال : كانت العرب يشددون في اليتيم حتى لا يأكلوا معه في قصعة واحدة , ولا يركبوا له بعيرا , ولا يستخدموا له خادما , فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه عنه , فقال : { قل إصلاح لهم خير } يصلح له ماله وأمره له خير , وإن يخالطه فيأكل معه ويطعمه , ويركب راحلته ويحمله , ويستخدم خادمه ويخدمه , فهو أجود . { والله يعلم المفسد من المصلح } . 3353 - حدثني محمد بن سعد , قال : ثني أبي , قال : ثنى عمي , قال : ثني أبي , عن أبيه , عن ابن عباس قوله : { ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير } إلى : { إن الله عزيز حكيم } وإن الناس كانوا إذا كان في حجر أحدهم اليتيم جعل طعامه على ناحية ولبنه على ناحية , مخافة الوزر . وإنه أصاب المؤمنين الجهد , فلم يعن عندهم ما يجعلون خدما لليتامى , فقال الله : { قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم } إلى آخر الآية . 3354 - حدثت عن الحسن بن الفرج , قال : سمعت أبا معاذ , قال : أخبرنا عبيد بن سليمان , قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { ويسألونك عن الناس } كانوا في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم , فلا يمسون من أموالهم شيئا , ولا يركبون لهم دابة , ولا يطعمون لهم طعاما . فأصابهم في الإسلام جهد شديد , حتى احتاجوا إلى أموال اليتامى , فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن شأن اليتامى , وعن مخالطتهم , فأنزل الله : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } يعني بالمخالطة : ركوب الدابة , وخدمة الخادم , وشرب اللبن . فتأويل الآية إذا : ويسألك يا محمد أصحابك عن مال اليتامى , وخلطهم أموالهم به في النفقة والمطاعمة والمشاربة والمساكنة والخدمة , فقل لهم : تفضلكم عليهم بإصلاحكم أموالهم من غير مرزئة شيء من أموالهم , وغير أخذ عوض من أموالهم على إصلاحكم ذلك لهم , خير لكم عند الله , وأعظم لكم أجرا , لما لكم في ذلك من الأجر والثواب , وخير لهم في أموالهم في عاجل دنياهم , لما في ذلك من توفر أموالهم عليهم . وإن تخالطوهم فتشاركوهم بأموالكم أموالهم في نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم , فتضمنوا من أموالهم عوضا من قيامكم بأمورهم وأسبابهم وإصلاح أموالهم , فهم إخوانكم , والإخوان يعين بعضهم بعضا , ويكنف بعضهم بعضا ; فذو المال يعين ذا الفاقة , وذو القوة في الجسم يعين ذا الضعف . يقول تعالى ذكره : فأنتم أيها المؤمنون وأيتامكم كذلك إن خالطتموهم بأموالكم , فخلطتم طعامكم بطعامهم , وشرابكم بشرابهم وسائر أموالكم بأموالهم , فأصبتم من أموالهم فضل مرفق بما كان منكم من قيامكم بأموالهم وولائهم , ومعاناة أسبابهم على النظر منكم لهم نظر الأخ الشفيق لأخيه العامل فيما بينه وبينه بما أوجب الله عليه وألزمه , فذلك لكم حلال , لأنكم إخوان بعضكم لبعض . كما : 3355 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال : قد يخالط الرجل أخاه . 3356 - حدثني أحمد بن حازم , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن أبي مسكين , عن إبراهيم , قال : إني لأكره أن يكون مال اليتيم كالعرة . 3357 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن هشام الدستوائي , عن حماد , عن إبراهيم , عن عائشة , قالت : إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي عرة حتى أخلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابي . فإن قال لنا قائل : وكيف قال { فإخوانكم } فرفع الإخوان , وقال في موضع آخر : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } 2 239 . قيل : لافتراق معنييهما , وذلك أن أيتام المؤمنين إخوان المؤمنين , خالطهم المؤمنون بأموالهم أو لم يخالطوهم . فمعنى الكلام : وإن تخالطوهم فهم إخوانكم . والإخوان مرفوعون بالمعنى المتروك ذكره وهو هم لدلالة الكلام عليه , وأنه لم يرد بالإخوان الخبر عنهم أنهم كانوا إخوانا من أجل مخالطة ولاتهم إياهم . ولو كان ذلك المراد لكانت القراءة نصبا , وكان معناه حينئذ وإن تخالطوهم فخالطوا إخوانكم , ولكنه قرئ رفعا لما وصفت من أنهم إخوان للمؤمنين الذين يلونهم خالطوهم أو لم يخالطوهم . وأما قوله : { فرجالا أو ركبانا } 2 239 فنصب لأنهما حالان للفعل غير دائبين , ولا يصلح معهما هو , وذلك أنك لو أظهرت هو معهما لاستحال الكلام . ألا ترى أنه لو قال قائل : إن خفت من عدوك أن تصلي قائما , فهو راجل أو راكب لبطل المعنى المراد بالكلام ؟ وذلك أن تأويل الكلام : فإن خفتم أن تصلوا قياما من عدوكم , فصلوا رجالا أو ركبانا ; ولذلك نصبه إجراء على ما قبله من الكلام كما تقول في نحوه من الكلام : إن لبست ثيابا فالبياض , فتنصبه لأنك تريد إن لبست ثيابا فالبس البياض , ولست تريد الخبر عن أن جميع ما يلبس من الثياب فهو البياض , ولو أردت الخبر عن ذلك لقلت : إن لبست ثيابا فالبياض رفعا , إذ كان مخرج الكلام على وجه الخبر منك عن اللابس أن كل ما يلبس من الثياب فبياض , لأنك تريد حينئذ : إن لبست ثيابا فهي بياض . فإن قال : فهل يجوز النصب في قوله : { فإخوانكم } ؟ قيل : جائز في العربية , قاما في القراءة فإنما منعناه لإجماع القراء على رفعه . وأما في العربية فإنما أجزناه لأنه يحسن معه تكرير ما يحمل في الذي قبله من الفعل فيهما : وإن تخالطوهم فإخوانكم تخالطون ; فيكون ذلك جائزا في كلام العرب .

    وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { والله يعلم المفسد من المصلح } / يعني تعالى ذكره بذلك : إن ربكم وإن أذن لكم في مخالطتكم اليتامى على ما أذن لكم به , فاتقوا الله في أنفسكم أن تخالطوهم وأنتم تريدون أكل أموالهم بالباطل , وتجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلى إفساد أموالهم , وأكلها بغير حقها , فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التي لا قبل لكم بها , فإنه يعلم من خالط منكم يتيمه , فشاركه في مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته في حال مخالطته إياه ما الذي يقصد بمخالطته إياه إفساد ماله , وأكله بالباطل , أم إصلاحه وتثميره , لأنه لا يخفى عليه منه شيء , ويعلم أيكم المريد إصلاح ماله , من المريد إفساده . كما : 3358 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله تعالى ذكره : { والله يعلم المفسد من المصلح } قال : الله يعلم حين تخلط مالك بماله أتريد أن تصلح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق . 3359 - حدثني أبو السائب , قال : ثنا أشعث , عن الشعبي : { والله يعلم المفسد من المصلح } قال الشعبي : فمن خالط يتيما فليتوسع عليه , ومن خالطه ليأكل ماله فلا يفعل .

    وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ولو شاء الله لأعنتكم } يعني تعالى ذكره بذلك : ولو شاء الله لحرم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم , فجهدكم ذلك وشق عليكم , ولم تقدروا على القيام باللازم لكم من حق الله تعالى , والواجب عليكم في ذلك من فرضه , ولكنه رخص لكم فيه , وسهله عليكم , رحمة بكم ورأفة . واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : { لأعنتكم } فقال بعضهم بما : 3360 - حدثني به محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن قيس بن سعد , أو عيسى , عن قيس بن سعد , عن مجاهد - شك أبو عاصم - في قول الله تعالى ذكره : { ولو شاء الله لأعنتكم } لحرم عليكم المرعى والأدم . قال أبو جعفر : يعني بذلك مجاهد , رعي مواشي والي اليتيم مع مواشي اليتيم والأكل من إدامه , لأنه كان يتأول في قوله : { وإن تخالطوهم فإخوانكم } أنه خلطة الولي اليتيم بالرعي والأدم . 3361 - حدثني علي بن داود , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثني معاوية , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { ولو شاء الله لأعنتكم } يقول : ولو شاء الله لأخرجكم , فضيق عليكم , ولكنه وسع ويسر , فقال : { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } 4 6 . 3362 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال , ثنا سعيد , عن قتادة : { ولو شاء الله لأعنتكم } يقول : لجهدكم , فلم تقوموا بحق ولم تؤدوا فريضة . 3363 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع نحوه , إلا أنه قال : فلم تعملوا بحق . 3364 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ولو شاء الله لأعنتكم } لشدد عليكم . 3365 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله : { ولو شاء الله لأعنتكم } قال : لشق عليكم في الأمر , ذلك العنت . 3366 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس قوله : { ولو شاء الله لأعنتكم } قال : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه , وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها , فإنها اليتامى موبقا . وهذه الأقوال التي ذكرناها عمن ذكرت عنه , وإن اختلفت ألفاظ قائليها فيها , فإنها متقاربات المعاني ; لأن من حرم عليه شيء فقد ضيق عليه في ذلك الشيء , ومن ضيق عليه في شيء , فقد أحرج فيه , ومن أحرج في شيء أو ضيق عليه فيه فقد جهد , وكل ذلك عائد إلى المعنى الذي وصفت من أن معناه الشدة والمشقة , ولذلك قيل : عنت فلان : إذا شق عليه وجهده فهو يعنت عنتا , كما قال تعالى ذكره : { عزيز عليه ما عنتم } 9 128 يعني ما شق عليكم وآذاكم وجهدكم , ومنه قوله تعالى ذكره : { ذلك لمن خشي العنت منكم } 4 25 فهذا إذا عنت العانت , فإن صيره غيره كذلك قيل : أعنته فلان في كذا : إذا جهده وألزمه أمرا جهده القيام به يعنته إعناتا , فكذلك قوله : { لأعنتكم } معناه : لأوجب لكم العنت بتحريمه عليكم ما يجهدكم ويحرجكم مما لا تطيقون القيام باجتنابه وأداء الواجب له عليكم فيه . وقال آخرون : معنى ذلك : لأوبققم وأهلككم . ذكر من قال ذلك : 3367 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا طلق بن غنام , عن زائدة , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس قال : قرأ علينا : { ولو شاء الله لأعنتكم } قال ابن عباس : ولو شاء الله لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يحيى بن آدم , عن فضيل وجرير , عن منصور , وحدثنا ابن حميد , قال : ثنا جرير , عن منصور , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس : { ولو شاء الله لأعنتكم } قال : لجعل ما أصبتم موبقا .

    إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ

    القول في تأويل قوله تعالى : { إن الله عزيز حكيم } يعني تعالى ذكره بذلك : إن الله عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة , لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه , فقصرتم في القيام به , ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله هو , لكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك , وهو حكيم في ذلك لو فعله بكم , وفي غيره من أحكامه وتدبيره لا يدخل أفعاله خلل ولا نقص ولا وهي ولا عيب , لأنه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور , فيدخل تدبيره مذمة عاقبة , كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور , لسوء اختيارهم فيها ابتداء .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()