إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
القول في تأويل قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } يعني بذلك جل ذكره : أن الذين صدقوا بالله وبرسوله , وبما جاء به . وبقوله : { والذين هاجروا } الذين هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم , ومجاورتهم في ديارهم , فتحولوا عنهم , وعن جوارهم وبلادهم إلى غيرها , هجرة . . . لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه . وأصل المهاجرة المفاعلة , من هجرة الرجل الرجل للشحناء تكون بينهما , ثم تستعمل في كل من هجر شيئا لأمر كرهه منه . وإنما سمي المهاجرون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرين لما وصفنا من هجرتهم دورهم ومنازلهم , كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم , بحيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم إلى الموضع الذي يأمنون ذلك . وأما قوله : { وجاهدوا } فإنه يعني : وقاتلوا وحاربوا وأصل المجاهدة المفاعلة , من قول الرجل : قد جهد فلان فلانا على كذا , إذا كربه وشق عليه يجهده جهدا . فإذا كان الفعل من اثنين كل واحد منهما يكابد من صاحبه شدة ومشقة , قيل : فلان يجاهد فلانا , يعني أن كل واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده ويشق عليه , فهو يجاهده مجاهدة وجهادا وأما سبيل الله : فطريقه ودينه . فمعنى قوله إذا { والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله } والذين تحولوا من سلطان أهل الشرك هجرة لهم , وخوف فتنتهم على أديانهم , وحاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه , وفيما يرضي الله , { أولئك يرجون رحمة الله } أي يطمعون أن يرحمهم الله فيدخلهم جنته بفضل رحمته إياهم { والله غفور } أي ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها , متفضل عليهم بالرحمة . وهذه الآية أيضا ذكر أنها نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه . ذكر من قال ذلك : 3271 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى , قال : ثنا المعتمر بن سليمان , عن أبيه أنه حدثه رجل , عن أبي السوار محدثه , عن جندب بن عبد الله قال : لما كان من أمر عبد الله بن جحش وأصحابه , وأمر ابن الحضرمي ما كان قال بعض المسلمين إن لم يكونوا أصابوا في سفرهم , أظنه قال : وزرا , فليس لهم فيه أجر , فأنزل الله : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } 3272 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : ثني الزهري , ويزيد بن رومان , عن عروة بن الزبير قال : أنزل الله عز وجل القرآن بما أنزل من الأمر , وفرج الله عن المسلمين في أمر عبد الله بن جحش وأصحابه , يعني في قتلهم ابن الحضرمي , فلما تجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه حين نزل القرآن , طعموا في الأجر , فقالوا : يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين ؟ فأنزل الله عز وجل فيهم : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } فوقفهم الله من ذلك على أعظم الرجاء . 3273 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , قال : أثنى الله على أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحسن الثناء , فقال : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم } هؤلاء خيار هذه الأمة , ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون , وأنه من رجا طلب ومن خاف هرب . 3274 - حدثت عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله .