صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً
القول في تأويل قوله تعالى : { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } يعني تعالى ذكره بالصبغة : صبغة الإسلام , وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام , وأنه صبغة لهم في النصرانية , فقال الله تعالى ذكره إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به : { كونوا هودا أو نصارى تهتدوا } قل لهم يا محمد : أيها اليهود والنصارى , بل اتبعوا ملة إبراهيم صبغة الله التي هي أحسن الصبغ , فإنها هي الحنيفية المسلمة , ودعوا الشرك بالله والضلال عن محجة هداه . ونصب " الصبغة " من قرأها نصبا على الرد على " الملة " , وكذلك رفع " الصبغة " من رفع الملة على ردها عليها . وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه , وذلك على الابتداء , بمعنى : هي صبغة الله . وقد يجوز نصبها على غير وجه الرد على " الملة " , ولكن على قوله : { قولوا آمنا بالله } إلى قوله : { ونحن له مسلمون } صبغة الله , بمعنى : آمنا هذا الإيمان , فيكون الإيمان حينئذ هو صبغة الله . وبمثل الذي قلنا في تأويل الصبغة قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1746 - حدثنا بشر قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } إن اليهود تصبغ أبناءها يهود , والنصارى تصبغ أبناءها نصارى , وإن صبغة الله الإسلام , فلا صبغة أحسن من الإسلام ولا أطهر , وهو دين الله بعث به نوحا والأنبياء بعده . 1747 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال عطاء : { صبغة الله } صبغت اليهود أبناءهم خالفوا الفطرة . واختلفوا أهل التأويل في تأويل قوله { صبغة الله } فقال بعضهم : دين الله . ذكر من قال ذلك : 1748 - حدثني الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة : { صبغة الله } قال : دين الله . 1749 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا وكيع , عن أبي جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله : { صبغة الله } قال : دين الله . { ومن أحسن من الله صبغة } ومن أحسن من الله دينا . * حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع , مثله . 1750 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن رجل , عن مجاهد , مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا سفيان , عن مجاهد , مثله . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1751 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد , قال : ثنا فضيل بن مرزوق , عن عطية قوله : { صبغة الله } قال : دين الله . 1752 - حدثنا موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } يقول : دين الله , ومن أحسن من الله دينا . 1753 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس : { صبغة الله } قال : دين الله . 1754 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قول الله : { صبغة الله } قال : دين الله . * حدثني ابن البرقي , قال : ثنا عمرو بن أبي سلمة , قال : سألت ابن زيد عن قول الله : { صبغة الله } فذكر مثله . وقال آخرون : { صبغة الله } فطرة الله . ذكر من قال ذلك : 1755 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : ثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { صبغة الله } قال : فطرة الله التي فطر الناس عليها . * حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا محمد بن حرب , قال : ثنا ابن لهيعة , عن جعفر بن ربيعة , عن مجاهد : { ومن أحسن من الله صبغة } قال : الصبغة : الفطرة . * حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج عن ابن جريج , عن مجاهد , قال : { صبغة الله } الإسلام , فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج : قال لي عبد الله بن كثير { صبغة الله } قال : دين الله ومن أحسن من الله دينا . قال : هي فطرة الله . ومن قال هذا القول , فوجه الصبغة إلى الفطرة , فمعناه : بل نتبع فطرة الله وملته التي خلق عليها خلقه , وذلك الدين القيم . من قول الله تعالى ذكره : { فاطر السموات والأرض } 6 14 معنى خالق السموات والأرض .
وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { ونحن له عابدون } . وقوله تعالى ذكره : { ونحن له عابدون } أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه : { كونوا هودا أو نصارى } فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا , صبغة الله , ونحن له عابدون . يعني ملة الخاضعين لله المستكينين له في اتباعنا ملة إبراهيم ودينونتنا له بذلك , غير مستكبرين في اتباع أمره والإقرار برسالته رسله , كما استكبرت اليهود والنصارى , فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارا وبغيا وحسدا .