رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
القول في تأويل قوله تعالى : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } / وهذه دعوة إبراهيم وإسماعيل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة , وهي الدعوة التي كان نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى " . 1708 - حدثنا بذلك ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن محمد بن إسحاق , عن ثور بن يزيد , عن خالد بن معدان الكلاعي : أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ! قال ; " نعم , أنا دعوة أبي إبراهيم , وبشرى عيسى صلى الله عليه وسلم " . 1709 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي , قال : ثنا أبو اليمان , قال : ثنا أبو كريب , عن أبي مريم , عن سعيد بن سويد , عن العرباض بن سارية السلمي , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إني عند الله في أم الكتاب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته , وسوف أنبئكم بتأويل ذلك : أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى قومه ورؤيا أمي " . * حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : ثنا ابن وهب , قال : أخبرني معاوية , وحدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني , قال : حدثني أبي , قال : ثنا الليث بن سعد , عن معاوية بن صالح , قالا جميعا , عن سعيد بن سويد , عن عبد الله بن هلال السلمي , عن عرباض بن سارية السلمي , عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . * حدثني المثنى , قال : ثنا أبو صالح , قال : ثنا معاوية , عن سعيد بن سويد , عن عبد الأعلى بن هلال السلمي , عن عرباض بن سارية أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ; فذكر نحوه . وبالذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1710 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } ففعل الله ذلك , فبعث فيهم رسولا من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه , يخرجهم من الظلمات إلى النور , ويهديهم إلى صراط العزيز الحميد . 1711 - حدثنا موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } هو محمد صلى الله عليه وسلم . 1712 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه عن الربيع : { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم } هو محمد صلى الله عليه وسلم , فقيل له : قد استجيب ذلك , وهو في آخر الزمان . ويعني تعالى ذكره بقوله : { يتلوا عليهم آياتك } يقرأ عليهم كتابك الذي توحيه إليه .
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
القول في تأويل قوله تعالى : { ويعلمهم الكتاب والحكمة } . ويعني بالكتاب القرآن . وقد بينت فيما مضى لم سمي القرآن كتابا وما تأويله . وهو قول جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : 1713 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { ويعلمهم الكتاب } القرآن . ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحكمة التي ذكرها الله في هذا الموضع , فقال بعضهم : هي السنة . ذكر من قال ذلك : 1714 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة , والحكمة : أي السنة . وقال بعضهم : الحكمة هي المعرفة بالدين والفقه فيه . ذكر من قال ذلك : 1715 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قلت لمالك : ما الحكمة ؟ قال : المعرفة بالدين , والفقه في الدين , والاتباع له . 1716 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { والحكمة } قال : الحكمة : الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى الله عليه وسلم يعلمهم إياها . قال : والحكمة : العقل في الدين ; وقرأ : { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } . 2 269 وقال لعيسى : { ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } . 3 48 قال : وقرأ ابن زيد : { واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها } . 7 175 قال : لم ينتفع بالآيات حيث لم تكن معها حكمة . قال : والحكمة شيء يجعله الله في القلب ينور له به . والصواب من القول عندنا في الحكمة , أنها العلم بأحكام الله التي لا يدرك علمها إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم والمعرفة بها , وما دل عليه ذلك من نظائره . وهو عندي مأخوذ من " الحكم " الذي بمعنى الفصل بين الحق والباطل بمنزلة " الجلسة والقعدة " من " الجلوس والقعود " , يقال منه : إن فلانا لحكيم بين الحكمة , يعني به أنه لبين الإصابة في القول والفعل . وإذ كان ذلك كذلك , فتأويل , الآية : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك , ويعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم , وفصل قضائك , وأحكامك التي تعلمه إياها .
وَيُزَكِّيهِمْ
القول في تأويل قوله تعالى : { ويزكيهم } . قد دللنا فيما مضى قبل على أن معنى التزكية : التطهير , وأن معنى الزكاة : النماء والزيادة . فمعنى قوله : { ويزكيهم } في هذا الموضع : ويطهرهم من الشرك بالله وعبادة الأوثان وينميهم ويكثرهم بطاعة الله . كما : 1717 - حدثني المثنى بن إبراهيم , قال : ثنا عبد الله بن صالح , قال : حدثني معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : { يتلوا عليهم آياتك ويزكيهم } قال : يعني بالزكاة , طاعة الله والإخلاص . 1718 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : ثنا حجاج , قال : قال ابن جريج : قوله : { ويزكيهم } قال : يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه .
إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
القول في تأويل قوله تعالى : { إنك أنت العزيز الحكيم } . يعني تعالى ذكره بذلك : إنك يا رب أنت العزيز القوي الذي لا يعجزه شيء أراده , فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك . والحكيم : الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل , فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا , ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك .