وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
القول في تأويل قوله تعالى : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات } يعني جل ثناؤه بقوله : { ولقد أنزلنا إليك آيات } أي أنزلنا إليك يا محمد علامات واضحات دالات على نبوتك . وتلك الآيات هي ما حواه كتاب الله الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم من خفايا علوم اليهود ومكنون سرائر أخبارهم وأخبار أوائلهم من بني إسرائيل , والنبأ عما تضمنته كتبهم التي لم يكن يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم , وما حرفه أوائلهم وأواخرهم وبذلوه من أحكامهم , التي كانت في التوراة , فأطلعها الله في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم . فكان في ذلك من أمره الآيات البينات لمن أنصف نفسه ولم يدعه إلى إهلاكها الحسد والبغي , إذ كان في فطرة كل ذي فطرة صحيحة تصديق من أتى بمثل الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات التي وصفت من غير تعلم تعلمه من بشر ولا أخذ شيء منه عن آدمي . وبنحو الذي قلنا في ذلك روي الخبر عن ابن عباس . 1358 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا عثمان بن سعيد , قال : ثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات } يقول : فأنت تتلوه عليهم وتخبرهم به غدوة وعشية وبين ذلك , وأنت عندهم أمي لم تقرأ كتابا , وأنت تخبرهم بما في أيديهم على وجهه . يقول الله : ففي ذلك لهم عبرة وبيان وعليهم حجة لو كانوا يعلمون . 1359 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : ثنا ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , عن عكرمة مولى ابن عباس , وعن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , قال : قال ابن صوريا الفطيوني لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ما جئتنا بشيء نعرفه , وما أنزل الله عليك من آية بينة فنتبعك بها ! فأنزل الله عز وجل : { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون } . * - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا يونس بن بكير , قال : ثنا محمد بن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت , قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس قال : قال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكر مثله .
وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { وما يكفر بها إلا الفاسقون } . يعني بقوله جل ثناؤه : { وما يكفر بها إلا الفاسقون } وما يجحد بها . وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى الكفر الجحود بما أغنى عن إعادته هاهنا . وكذلك بينا معنى الفسق وأنه الخروج عن الشيء إلى غيره . فتأويل الآية : ولقد أنزلنا إليك فيما أوحينا إليك من الكتاب علامات واضحات تبين لعلماء بني إسرائيل وأحبارهم الجاحدين نبوتك والمكذبين رسالتك أنك لي رسول إليهم ونبي مبعوث , وما يجحد تلك الآيات الدالات على صدقك ونبوتك التي أنزلتها إليك في كتابي فيكذب بها منهم , إلا الخارج منهم من دينه , التارك منهم فرائضي عليه في الكتاب الذي تدين بتصديقه . فأما المتمسك منهم بدينه والمتبع منهم حكم كتابه , فإنه بالذي أنزلت إليك من آياتي مصدق . وهم الذين كانوا آمنوا بالله وصدقوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل .