وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ
القول في تأويل قوله تعالى : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } يعني جل ثناؤه بقوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } ولما جاء اليهود من بني إسرائيل الذين وصف جل ثناؤه صفتهم , { كتاب من عند الله } يعني بالكتاب : القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم , { مصدق لما معهم } يعني مصدق للذي معهم من الكتب التي أنزلها الله من قبل القرآن . كما : 1252 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } وهو القرآن الذي أنزل على محمد مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل . 1253 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع في قوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } وهو القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم مصدق لما معهم من التوراة والإنجيل .
وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
القول في تأويل قوله تعالى : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } . يعني بقوله جل ثناؤه : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } أي وكان هؤلاء اليهود - الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان , كفروا به - يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم - ومعنى الاستفتاح : الاستنصار - يستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه ; أي من قبل أن يبعث . كما : 1254 - حدثني ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , عن عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري , عن أشياخ منهم قالوا : فينا والله وفيهم - يعني في الأنصار وفي اليهود الذين كانوا جيرانهم - نزلت هذه القصة , يعني : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } قالوا : كنا قد علوناهم دهرا في الجاهلية , ونحن أهل الشرك , وهم أهل الكتاب , فكانوا يقولون : إن نبيا الآن مبعثه قد أظل زمانه , يقتلكم قتل عاد وإرم ! فلما بعث الله تعالى ذكره رسوله من قريش واتبعناه كفروا به . يقول الله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } . 1255 - حدثنا ابن حميد , قال : حدثنا سلمة , قال : حدثني ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت , عن سعيد بن جبير أو عكرمة مولى ابن عباس , عن ابن عباس : أن يهود كانوا يستفتحون على الأوس والخزرج برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه . فلما بعثه الله من العرب , كفروا به , وجحدوا ما كانوا يقولون فيه , فقال لهم معاذ بن جبل وبشر بن البراء بن معرور أخو بني سلمة : يا معشر يهود , اتقوا الله وأسلموا ! فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم ونحن أهل شرك , وتخبروننا أنه مبعوث , وتصفونه لنا بصفته . فقال سلام بن مشكم أخو بني النضير : ما جاءنا بشيء نعرفه , وما هو بالذي كنا نذكر لكم ! فأنزل الله جل ثناؤه في ذلك من قوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } . * - حدثنا أبو كريب , قال : حدثنا يونس بن بكير , قال : حدثنا ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى آل زيد بن ثابت , قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس , مثله . 1256 - حدثني محمد بن سعد , قال : حدثني أبي , قال : حدثني عمي , قال : حدثني أبي عن أبيه , عن ابن عباس : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } يقول : يستنصرون بخروج محمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب - يعني بذلك أهل الكتاب - فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ورأوه من غيرهم كفروا به وحسدوه . 1257 - وحدثنا محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن علي الأزدي في قول الله : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } قال : اليهود , كانوا يقولون : اللهم ابعث لنا هذا النبي يحكم بيننا وبين الناس ; { يستفتحون } يستنصرون به على الناس . * - حدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن علي الأزدي - وهو البارقي - في قول الله جل ثناؤه : { وكانوا من قبل يستفتحون } فذكر مثله . 1258 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد , قال : حدثنا سعيد , عن قتادة قوله : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } كانت اليهود تستفتح بمحمد صلى الله عليه وسلم على كفار العرب من قبل , وقالوا : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده في التوراة يعذبهم ويقتلهم ! فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فرأوا أنه بعث من غيرهم كفروا به حسدا للعرب , وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ; { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } . 1259 - حدثني المثنى , قال : حدثنا آدم , قال : حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية , قال : كانت اليهود تستنصر بمحمد صلى الله عليه وسلم على مشركي العرب , يقولون : اللهم ابعث هذا النبي الذي نجده مكتوبا عندنا حتى يعذب المشركين ويقتلهم ! فلما بعث الله محمدا ورأوا أنه من غيرهم كفروا به حسدا للعرب , وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ; فقال الله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } . 1260 - حدثني موسى , قال : حدثنا عمرو , قال : حدثنا أسباط , عن السدي : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } قال : كانت العرب تمر باليهود فيؤذونهم , وكانوا يجدون محمدا صلى الله عليه وسلم في التوراة , ويسألون الله أن يبعثه فيقاتلوا معه العرب ; فلما جاءهم محمد كفروا به حين لم يكن من بني إسرائيل . 1261 - حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج قال : قلت لعطاء قوله : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } قال : كانوا يستفتحون على كفار العرب بخروج النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجون أن يكون منهم . فلما خرج ورأوه ليس منهم كفروا , وقد عرفوا أنه الحق وأنه النبي , قال : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين } . قال : حدثنا ابن جريج , وقال مجاهد : يستفتحون بمحمد صلى الله عليه وسلم تقول إنه يخرج , { فلما جاءهم ما عرفوا } وكان من غيرهم , { كفروا به } . 1262 - حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , قال : قال ابن جريج : وقال ابن عباس : كانوا يستفتحون على كفار العرب . 1263 - حدثني المثنى , قال : حدثني الحماني , قال : حدثني شريك , عن أبي الحجاب , عن مسلم البطين , عن سعيد بن جبير قوله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } قال : هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبي , وكفروا به . 1264 - حدثت عن المنجاب , قال : حدثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس في قوله : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا } قال : كانوا يستظهرون يقولون نحن نعين محمدا عليهم , وليسوا كذلك ; يكذبون . 1265 - حدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : سألت ابن زيد عن قول الله عز وجل : { وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } قال : كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون : أما والله لو قد جاء النبي الذي بشر به موسى وعيسى أحمد لكان لنا عليكم . وكانوا يظنون أنه منهم والعرب حولهم , وكانوا يستفتحون عليهم به ويستنصرون به { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } وحسدوه . وقرأ قول الله جل ثناؤه : { كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق } 2 109 قال : قد تبين لهم أنه رسول , فمن هنالك نفع الله الأوس والخزرج بما كانوا يسمعون منهم أن نبيا خارج . فإن قال لنا قائل : فأين جواب قوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } ؟ قيل : قد اختلف أهل العربية في جوابه , فقال بعضهم : هو مما ترك جوابه استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه وبما قد ذكر من أمثاله في سائر القرآن . وقد تفعل العرب ذلك إذا طال الكلام , فتأتي بأشياء لها أجوبة فتحذف أجوبتها لاستغناء سامعيها بمعرفتهم بمعناها عن ذكر الأجوبة , كما قال جل ثناؤه : { ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا } 13 31 فترك جوابه . والمعنى : " ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن سيرت به الجبال لسيرت بهذا القرآن " استغناء بعلم السامعين بمعناه . قالوا : فكذلك قوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم } . وقال آخرون : جواب قوله : { ولما جاءهم كتاب من عند الله } في " الفاء " التي في قوله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } وجواب الجزاءين في " كفروا به " كقولك : لما قمت فلما جئتنا أحسنت , بمعنى : لما جئتنا إذ قمت أحسنت .
فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ
القول في تأويل قوله تعالى : { فلعنة الله على الكافرين } . قد دللنا فيما مضى على معنى اللعنة وعلى معنى الكفر بما فيه الكفاية . فمعنى الآية : فخزي الله وإبعاده على الجاحدين ما قد عرفوا من الحق عليهم لله ولأنبيائه المنكرين , لما قد ثبت عندهم صحته من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ففي إخبار الله عز وجل عن . اليهود بما أخبر الله عنهم بقوله : { فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به } البيان الواضح أنهم تعمدوا الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد قيام الحجة بنبوته عليهم وقطع الله عذرهم بأنه رسوله إليهم .