بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً
القول في تأويل قوله تعالى : { بلى من كسب سيئة } وقوله : { بلى من كسب سيئة } تكذيب من الله القائلين من اليهود : { لن تمسنا النار إلا أياما معدودة } وإخبار منه لهم أنه يعذب من أشرك وكفر به وبرسله وأحاطت به ذنوبه فمخلده في النار ; فإن الجنة لا يسكنها إلا أهل الإيمان به وبرسوله , وأهل الطاعة له , والقائمون بحدوده . كما : 1170 - حدثنا محمد بن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني محمد بن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتى يحيط كفره بما له من حسنة , { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . قال : وأما { بلى } فإنها إقرار في كل كلام في أوله جحد , كما " نعم " إقرار في الاستفهام الذي لا جحد فيه , وأصلها " بل " التي هي رجوع عن الجحد المحض في قولك : ما قام عمرو بل زيد ; فزيد فيها الياء ليصلح عليها الوقوف , إذ كانت " بل " لا يصلح عليها الوقوف , إذ كانت عطفا ورجوعا عن الجحد , ولتكون - أعني بلى - رجوعا عن الجحد فقط , وإقرارا بالفعل الذي بعد الجحد ; فدلت الياء منها على معنى الإقرار والإنعام , ودل لفظ " بلى " عن الرجوع عن الجحد . قال : وأما السيئة التي ذكر الله في هذا المكان فإنها الشرك بالله . كما : 1171 - حدثنا محمد بن بشار , قال : ثنا يحيى بن سعيد , عن سفيان , قال : حدثني عاصم , عن أبي وائل { بلى من كسب سيئة } قال : الشرك بالله . 1172 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , عن عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { بلى من كسب سيئة } شركا . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو حذيفة , قال : ثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد , مثله . 1173 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد بن زريع , قال : ثنا سعيد , عن قتادة قوله : { بلى من كسب سيئة } قال : أما السيئة فالشرك . * - حدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة , مثله . 1174 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { بلى من كسب سيئة } أما السيئة فهي الذنوب التي وعد عليها النار . 1175 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قلت لعطاء : { بلى من كسب سيئة } قال : الشرك . قال ابن جريج , قال : قال مجاهد : { سيئة } شركا . 1176 - حدثت عن عمار بن الحسن , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { بلى من كسب سيئة } يعني الشرك . وإنما قلنا : إن السيئة التي ذكر الله جل ثناؤه أن من كسبها وأحاطت به خطيئته فهو من أهل النار المخلدين فيها في هذا الموضع , إنما عنى الله بها بعض السيئات دون بعض , وإن كان ظاهرها في التلاوة عاما , لأن الله قضى على أهلها بالخلود في النار , والخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أهل الإيمان لا يخلدون فيها , وأن الخلود في النار لأهل الكفر بالله دون أهل الإيمان به ; فإن الله جل ثناؤه قد قرن بقوله : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } قوله : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الخلود في النار من أهل السيئات , غير الذي لهم الخلود في الجنة من أهل الإيمان . فإن ظن ظان أن الذين لهم الخلود في الجنة من الذين آمنوا هم الذين عملوا الصالحات دون الذين عملوا السيئات , فإن في إخبار الله أنه مكفر باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه سيئاتنا , ومدخلنا المدخل الكريم , ما ينبئ عن صحة ما قلنا في تأويل قوله : { بلى من كسب سيئة } بأن ذلك على خاص من السيئات دون عامها . فإن قال لنا قائل : فإن الله جل ثناؤه إنما ضمن لنا تكفير سيئاتنا باجتنابنا كبائر ما ننهى عنه , فما الدلالة على أن الكبائر غير داخلة في قوله : { بلى من كسب سيئة } ؟ قيل : لما صح من أن الصغائر غير داخلة فيه , وأن المعنى بالآية خاص دون عام , ثبت وصح أن القضاء والحكم بها غير جائز لأحد على أحد إلا على من وقفه الله عليه بدلالة من خبر قاطع عذر من بلغه . وقد ثبت وصح أن الله تعالى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به , بشهادة جميع الأمة , فوجب بذلك القضاء على أن أهل الشرك والكفر ممن عناه الله بالآية . فأما أهل الكبائر فإن الأخبار القاطعة عذر من بلغته قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنيين بها , فمن أنكر ذلك ممن دافع حجة الأخبار المستفيضة والأنباء المتظاهرة فاللازم له ترك قطع الشهادة على أهل الكبائر بالخلود في النار بهذه الآية ونظائرها التي جاءت بعمومهم في الوعيد , إذ كان تأويل القرآن غير مدرك إلا ببيان من جعل الله إليه بيان القرآن , وكانت الآية تأتي عاما في صنف ظاهرها , وهي خاص في ذلك الصنف باطنها . ويسأل مدافعو الخبر بأن أهل الكبائر من أهل الاستثناء سؤالنا منكر رجم الزاني المحصن , وزوال فرض الصلاة عن الحائض في حال الحيض , فإن السؤال عليهم نظير السؤال على هؤلاء سواء .
وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ
القول في تأويل قوله تعالى : { وأحاطت به خطيئته } . يعني بقوله جل ثناؤه : { وأحاطت به خطيئته } اجتمعت عليه فمات عليها قبل الإنابة والتوبة منها . وأصل الإحاطة بالشيء : الإحداق به بمنزلة الحائط الذي تحاط به الدار فتحدق به , ومنه قول الله جل ثناؤه : { نارا أحاط بهم سرادقها } . 18 29 فتأويل الآية إذا : من أشرك بالله واقترف ذنوبا جمة فمات عليها قبل الإنابة والتوبة , فأولئك أصحاب النار هم فيها مخلدون أبدا . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك , قال المتأولون . ذكر من قال ذلك : 1177 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا ابن يمان , عن سفيان , عن الأعمش , عن أبي روق , عن الضحاك : { وأحاطت به خطيئته } قال : مات بذنبه . 1178 - حدثنا أبو كريب , قال : ثنا جرير بن نوح , قال : ثنا الأعمش , عن أبي رزين , عن الربيع بن خثيم : { وأحاطت به خطيئته } قال : مات عليها . 1179 - حدثنا ابن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : أخبرني ابن إسحاق , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس : { وأحاطت به خطيئته } قال : يحيط كفره بما له من حسنة . 1180 - حدثني محمد بن عمرو , قال : ثنا أبو عاصم , قال : حدثني عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد : { وأحاطت به خطيئته } قال : ما أوجب الله فيه النار . 1181 - حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { وأحاطت به خطيئته } قال : أما الخطيئة فالكبيرة الموجبة . * - حدثنا الحسن , قال , أخبرنا عبد الرزاق , عن قتاده : { وأحاطت به خطيئته } قال : الخطيئة : الكبائر . 1182 - حدثني المثنى , قال : ثنا إسحاق , قال : ثنا وكيع ويحيى بن آدم , عن سلام بن مسكين , قال : سأل رجل الحسن عن قوله { وأحاطت به خطيئته } فقال : ما ندري ما الخطيئة يا بني ! اتل القرآن , فكل آية وعد الله عليها النار فهي الخطيئة . * - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن منصور , عن مجاهد في قوله : { بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته } قال : كل ذنب محيط فهو ما وعد الله عليه النار . 1183 - حدثنا أحمد بن إسحاق , قال : ثنا أبو أحمد الزبيري , قال : ثنا سفيان , عن الأعمش , عن أبي رزين : { وأحاطت به خطيئته } قال : مات بخطيئته . * - حدثني المثنى , قال : ثنا أبو نعيم , قال : ثنا الأعمش , قال : ثنا مسعود أبو رزين , عن الربيع بن خثيم في قوله : { وأحاطت به خطيئته } قال : هو الذي يموت على خطيئته , قبل أن يتوب . 1184 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : قال وكيع : سمعت الأعمش يقول في قوله : { وأحاطت به خطيئته } مات بذنوبه . 1185 - حدثنا عن عمار , قال : ثنا ابن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { وأحاطت به خطيئته } الكبيرة الموجبة . 1186 - حدثني موسى , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { أحاطت به خطيئته } فمات ولم يتب . 1187 - حدثنا القاسم , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حسان , عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : { وأحاطت به خطيئته } قال : الشرك , ثم تلا : { ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار } . 27 90
فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
القول في تأويل قوله تعالى : { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } . يعني بقوله جل ثناؤه : { فأولئك } الذين كسبوا السيئات وأحاطت بهم خطيئاتهم أصحاب النار هم فيها خالدون . ويعني بقوله جل ثناؤه : { أصحاب النار } أهل النار ; وإنما جعلهم لها أصحابا لإيثارهم في حياتهم الدنيا ما يوردهموها , ويوردهم سعيرها على الأعمال التي توردهم الجنة , فجعلهم جل ذكره بإيثارهم أسبابها على أسباب الجنة لها أصحابا , كصاحب الرجل الذي يصاحبه مؤثرا صحبته على صحبة غيره حتى يعرف به . { هم فيها } يعني في النار خالدون , ويعني بقوله { خالدون } مقيمون . كما : 1188 - حدثني محمد بن حميد , قال : ثنا سلمة , قال : حدثني محمد بن أبي محمد , عن سعيد بن جبير أو عكرمة , عن ابن عباس : { هم فيها خالدون } أي خالدون أبدا . 1189 - حدثني موسى بن هارون , قال : ثنا عمرو , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { هم فيها خالدون } لا يخرجون منها أبدا .