وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ
القول في تأويل قوله تعالى : { وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } وتأويل ذلك : واذكروا أيضا إذ قلتم : يا موسى لن نصدقك ولن نقر بما جئتنا به حتى نرى الله جهرة عيانا , برفع الساتر بيننا وبينه , وكشف الغطاء دوننا ودونه حتى ننظر إليه بأبصارنا , كما تجهر الركية , وذلك إذا كان ماؤها قد غطاه الطين , فنفى ما قد غطاه حتى ظهر الماء وصفا , يقال منه : قد جهرت الركية أجهرها جهرا وجهرة ; ولذلك قيل : قد جهر فلان بهذا الأمر مجاهره وجهارا : أذا أظهره لرأي العين وأعلنه , كما قاله الفرزدق بن غالب :
من اللائي يضل الألف منه
مسحا من مخافته جهارا
796 - وكما حدثنا به القاسم بن الحسن , قال : ثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , قال : قال ابن عباس : { حتى نرى الله جهرة } قال : علانية . 797 - وحدثنا عن عمارة بن الحسن قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه عن الربيع : { حتى نرى الله جهرة } يقول : عيانا . 798 - وحدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : { حتى نرى الله جهرة } : حتى يطلع إلينا . 799 - حدثنا بشر بن معاذ , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة : { حتى نرى الله جهرة } : أي عيانا . فذكرهم بذلك جل ذكره اختلاف آبائهم وسوء استقامة أسلافهم لأنبيائهم , مع كثرة معاينتهم من آيات الله جل وعز وعبره ما تثلج بأقلها الصدور , وتطمئن بالتصديق معها النفوس ; وذلك مع تتابع الحجج عليهم , وسبوغ النعم من الله لديهم . وهم مع ذلك مرة يسألون نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله ومرة يعبدون العجل من دون الله , ومرة يقولون لا نصدقك حتى نرى الله جهرة , وأخرى يقولون له إذا دعوا إلى القتال : { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } 5 24 ومرة يقال لهم : { قولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم } 7 161 فيقولون : حنطة في شعيرة , ويدخلون الباب من قبل استاههم , مع غير ذلك من أفعالهم التي آذوا بها نبيهم عليه السلام التي يكثر إحصاؤها . فأعلم ربنا تبارك وتعالى ذكره الذين خاطبهم بهذه الآيات من يهود بني إسرائيل الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لن يعدوا أن يكونوا في تكذيبهم محمدا صلى الله عليه وسلم , وجحودهم نبوته , وتركهم الإقرار به وبما جاء به , مع علمهم به ومعرفتهم بحقيقة أمره كأسلافهم وآبائهم الذين فصل عليهم قصصهم في ارتدادهم عن دينهم مرة بعد أخرى , وتوثبهم على نبيهم موسى صلوات الله وسلامه عليه تارة بعد أخرى , مع عظيم بلاء الله جل وعز عندهم وسبوغ آلائه عليهم .
جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ
القول في تأويل قوله تعالى : { فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون } اختلف أهل التأويل في صفة الصاعقة التي أخذتهم . فقال بعضهم بما : 800 - حدثنا به الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر , عن قتادة في قوله : { فأخذتهم الصاعقة } قال : ماتوا . 801 - وحدثت عن عمار بن الحسن , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع : { فأخذتكم الصاعقة } قال : سمعوا صوتا فصعقوا . يقول : فماتوا . وقال آخرون بما : 802 - حدثني موسى بن هارون الهمداني , قال : ثنا عمرو بن حماد , قال : ثنا أسباط , عن السدي : { فأخذتكم الصاعقة } والصاعقة : نار . وقال آخرون بما : 803 - حدثنا به ابن حميد , قال : ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال : أخذتهم الرجفة وهي الصاعقة فماتوا جميعا . وأصل الصاعقة : كل أمر هائل رآه أو عاينه أو أصابه حتى يصير من هوله وعظيم شأنه إلى هلاك وعطب , وإلى ذهاب عقل وغمور فهم , أو فقد بعض آلات الجسم , صوتا كان ذلك , أو نارا , أو زلزلة , أو رجفا . ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت , قول الله عز وجل : { وخر موسى صعقا } 7 143 يعني مغشيا عليه . ومنه قول جرير بن عطية :
وهل كان الفرزدق غير قرد
أصابته الصواعق فاستدارا
فقد علم أن موسى لم يكن حين غشي عليه وصعق ميتا ; لأن الله جل وعز أخبر عنه أنه لما أفاق قال : { تبت إليك } 7 143 ولا شبه جرير الفرزدق وهو حي بالقرد ميتا , ولكن معنى ذلك ما وصفنا . ويعني بقوله : { وأنتم تنظرون } : وأنتم تنظرون إلى الصاعقة التي أصابتكم , يقول : أخذتكم الصاعقة عيانا جهارا وأنتم تنظرون إليها .