بتـــــاريخ : 11/1/2009 9:27:35 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1508 0


    تفسير بن كثير - سورة البقرة - الآية 31

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : quran.al-islam.com

    كلمات مفتاحية  :

    وَعَلَّمَ آدَمَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { وعلم آدم } قال أبو جعفر : 534 - حدثنا محمد بن حميد , قال : حدثنا يعقوب القمي , عن جعفر بن أبي المغيرة , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال : بعث رب العزة ملك الموت , فأخذ من أديم الأرض من عذبها ومالحها , فخلق منه آدم . ومن ثم سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض . 535 - وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري , قال : حدثنا عمرو بن ثابت , عن أبيه , عن جده , عن علي قال : إن آدم خلق من أديم الأرض فيه الطيب والصالح والرديء , فكل ذلك أنت راء في ولده الصالح والرديء . 536 - وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : حدثنا أبو أحمد , قال : حدثنا مسعر , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير , قال : خلق آدم من أديم الأرض فسمي آدم وحدثنا ابن المثنى , قال : حدثنا أبو داود , قال : حدثنا شعبة , عن أبي حصين , عن سعيد بن جبير قال : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض . 537 وحدثني موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره , عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : إن ملك الموت لما بعث ليأخذ من الأرض تربة آدم , أخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد , وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ; فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ولذلك سمي آدم , لأنه أخذ من أديم الأرض . وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم , وذلك ما : 538 - حدثني به يعقوب بن إبراهيم , قال : حدثنا ابن علية , عن عوف , وحدثنا محمد بن بشار وعمر بن شبة , قالا : حدثنا يحيى بن سعيد , قال : حدثنا عوف , وحدثنا ابن بشار , قال : حدثنا ابن أبي عدي ومحمد بن جعفر وعبد الوهاب الثقفي قالوا : حدثنا عوف , وحدثني محمد بن عمارة الأسدي , قال : حدثنا إسماعيل بن أبان , قال : حدثنا عنبسة , عن عوف الأعرابي , عن قسامة بن زهير , عن أبي موسى الأشعري , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض , فجاء بنو آدم على قدر الأرض جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب " فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله بمعنى أنه خلق من أديم الأرض , يجب أن يكون أصل آدم فعلا سمي به أبو البشر , كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد , وأسعد من الإسعاد , فلذلك لم يجر , ويكون تأويله حينئذ : آدم الملك الأرض , يعني به بلغ أدمتها , وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين , كما أن جلدة كل ذي جلدة له . أدمة , ومن ذلك سمي الإدام إداما , لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه , ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه .

    الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا

    القول في تأويل قوله تعالى : { الأسماء كلها } قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدم ثم عرضها على الملائكة . فقال ابن عباس ما : 539 - حدثنا به أبو كريب , قال : حدثنا عثمان بن سعيد , قال حدثنا بشر بن عمارة , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس , قال : علم الله آدم الأسماء كلها , وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس : إنسان ودابة , وأرض , وسهل , وبحر , وجبل , وحمار , وأشباه ذلك من الأمم وغيرها . 540 - وحدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثني عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد , وحدثني المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم كل شيء . وحدثنا ابن وكيع , قال : حدثنا أبي , عن سفيان , عن خصيف , عن مجاهد : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم كل شيء . 541 - وحدثنا علي بن الحسن , قال : حدثنا مسلم الحرمي , عن محمد بن مصعب , عن قيس بن الربيع , عن خصيف , عن مجاهد , قال : علمه اسم الغراب والحمامة , واسم كل شيء . 542 - وحدثنا ابن وكيع , قال : حدثنا أبي , عن شريك , عن سالم الأفطس , عن سعيد بن جبير , قال : علمه اسم كل شيء , حتى البعير والبقرة والشاة . 543 - وحدثنا ابن وكيع , قال : حدثنا أبي عن شريك , عن عاصم بن كليب , عن سعيد بن معبد عن ابن عباس , قال : علمه اسم القصعة والفسوة والفسية . وحدثنا أحمد بن إسحاق , قال : حدثنا أبو أحمد , قال : حدثنا شريك , عن عاصم بن كليب , عن الحسن بن سعد , عن ابن عباس : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : حتى الفسوة والفسية . حدثنا علي بن الحسن , قال : حدثنا مسلم , قال : حدثنا محمد بن مصعب , عن قيس عن عاصم بن كليب , عن سعيد بن معبد , عن ابن عباس في قول الله : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : علمه اسم كل شيء حتى الهنة والهنية والفسوة والضرطة . وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثنا علي بن مسهر , عن عاصم بن كليب , قال : قال ابن عباس : علمه القصعة من القصيعة , والفسوة من الفسية . 544 - وحدثنا بشر بن معاذ , قال : حدثنا يزيد بن زريع , عن سعيد , عن قتادة قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } حتى بلغ : { إنك أنت العليم الحكيم } قال : يا آدم أنبئهم بأسمائهم ! فأنبأ كل صنف من الخلق باسمه وألجأه إلى جنسه . 545 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : حدثنا عبد الرزاق , قال : حدثنا معمر , عن قتادة في قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } : علمه اسم كل شيء : هذا جبل , وهذا بحر , وهذا كذا وهذا كذا , لكل شيء , ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } 546 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن جرير بن حازم ومبارك , عن الحسن , وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا : علمه اسم كل شيء : هذه الخيل , وهذه البغال , والإبل , والجن , والوحش , وجعل يسمي كل شيء باسمه . 547 - وحدثت عن عمار , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه , عن الربيع , قال : اسم كل شيء . وقال آخرون : علم آدم الأسماء كلها أسماء الملائكة . ذكر من قال ذلك : 548 - حدثت عن عمار , قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر , عن أبيه , عن الربيع قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : أسماء الملائكة . وقال آخرون : إنما علمه أسماء ذريته كلها . ذكر من قال ذلك : 549 - حدثني يونس بن عبد الأعلى , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد في قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } قال : أسماء ذريته أجمعين . وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دل على صحته ظاهر التلاوة قول من قال في قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } إنها أسماء ذريته وأسماء الملائكة , دون أسماء سائر أجناس الخلق . وذلك أن الله جل ثناؤه قال : { ثم عرضهم على الملائكة } يعني بذلك أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم , ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة ; وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق , سوى من وصفنا , فإنها تكني عنها بالهاء والألف , أو بالهاء والنون , فقالت : عرضهن , أو عرضها . وكذلك تفعل إذا كنت عن أصناف من الخلق , كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم , وفيها أسماء بني آدم والملائكة , فإنها تكني عنها بما وصفنا من الهاء والنون , أو الهاء والألف . وربما كنت عنها إذ كان كذلك بالهاء والميم , كما قال جل ثناؤه : { والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع } 24 45 فكنى عنها بالهاء والميم , وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره . وذلك وإن كان جائزا فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمم إذا اختلطت بالهاء والألف , أو الهاء والنون . فلذلك قلت : أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علمها آدم أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة . وإن كان ما قال ابن عباس جائزا على مثال ما جاء في كتاب الله من قوله : { والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه } 24 45 الآية . وقد ذكر أنها في حرف ابن مسعود : " ثم عرضهن " , وأنها في حرف أبي : " ثم عرضها " . ولعل ابن عباس تأول ما تأول من قوله : علمه اسم كل شيء حتى الفسوة والفسية على قراءة أبي , فإنه فيما بلغنا كان يقرأ قراءة أبي . وتأويل ابن عباس على ما حكي عن أبي من قراءته غير مستنكر , بل هو صحيح مستفيض في كلام العرب على نحو ما تقدم وصفي ذلك .

    ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { ثم عرضهم على الملائكة } قال أبو جعفر : قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هو أولى بالآية على قراءتنا ورسم مصحفنا , وأن قوله : { ثم عرضهم } بالدلالة على بني آدم والملائكة أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها , وإن كان غير فاسد أن يكون دالا على جميع أصناف الأمم للعلل التي وصفنا . ويعني جل ثناؤه بقوله : { ثم عرضهم } ثم عرض أهل الأسماء على الملائكة . وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله : { ثم عرضهم على الملائكة } نحو اختلافهم في قوله : { وعلم آدم الأسماء كلها } وسأذكر قول من انتهى إلينا عنه فيه قول . 550 - حدثنا محمد بن العلاء , قال : حدثنا عثمان بن سعيد قال : حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك , عن ابن عباس : { ثم عرضهم على الملائكة } ثم عرض هذه الأسماء ; يعني أسماء جميع الأشياء التي علمها آدم من أصناف جميع الخلق . 551 - وحدثني موسى , قال : حدثنا عمرو , قال : حدثنا أسباط , عن السدي في خبر ذكره , عن أبي مالك , وعن أبى صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { ثم عرضهم } ثم عرض الخلق على الملائكة . 552 - وحدثني يونس , قال : أخبرنا ابن وهب , قال : قال ابن زيد : أسماء ذريته كلها أخذهم من ظهره . قال , ثم عرضهم على الملائكة . 553 - وحدثنا الحسن بن يحيى , قال : أخبرنا عبد الرزاق , قال : أخبرنا معمر عن قتادة : { ثم عرضهم } قال : علمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة . 554 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن ابن جريج , عن مجاهد : { ثم عرضهم } عرض أصحاب الأسماء على الملائكة 555 - وحدثنا علي بن الحسن , قال : حدثنا مسلم , قال : حدثنا محمد بن مصعب , عن قيس , عن خصيف عن مجاهد : { ثم عرضهم على الملائكة } يعني عرض الأسماء الحمامة والغراب 556 - وحدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثني حجاج , عن جرير بن حازم , ومبارك عن الحسن , وأبي بكر عن الحسن , وقتادة قالا : علمه اسم كل شيء هذه الخيل وهذه البغال وما أشبه ذلك , وجعل يسمي كل شيء باسمه , وعرضت عليه أمة .

    فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ

    القول في تأويل قوله تعالى : { فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء } قال أبو جعفر : وتأويل قوله : { أنبئوني } أخبروني , كما : 557 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عثمان , قال : حدثنا بشر , عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس : { أنبئوني } يقول : أخبروني بأسماء هؤلاء . ومنه قول نابغة بني ذبيان : وأنبأه المنبئ أن حيا حلول من حرام أو جذام يعني بقوله أنبأه : أخبره وأعلمه . القول في تأويل قوله تعالى : { بأسماء هؤلاء } قال أبو جعفر : 558 - حدثني محمد بن عمرو , قال : حدثنا أبو عاصم , قال : حدثنا عيسى ; وحدثنا المثنى , قال : حدثنا أبو حذيفة , قال : حدثنا شبل , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله : { بأسماء هؤلاء } قال : بأسماء هذه التي حدثت بها آدم . حدثنا القاسم , قال : حدثنا الحسين , قال : حدثنا حجاج , عن ابن جريج عن مجاهد : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } يقول : بأسماء هؤلاء التي حدثت بها آدم .

    إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

    القول في تأويل قوله تعالى : { إن كنتم صادقين } قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في ذلك . 559 - فحدثنا أبو كريب , قال : حدثنا عثمان بن سعيد , قال : حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق , عن الضحاك , عن ابن عباس : { إن كنتم صادقين } إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة . 560 - وحدثنا موسى بن هارون , قال : حدثنا عمرو بن حماد , قال : حدثنا أسباط عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك , وعن أبي صالح , عن ابن عباس , وعن مرة , عن ابن مسعود , وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : { إن كنتم صادقين } أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء . 561 - وحدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين , قال : حدثنا حجاج , عن جرير بن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } أني لم أخلق خلقا إلا كنتم أعلم منه , فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين . قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية تأويل ابن عباس ومن قال بقوله . ومعنى ذلك فقال : أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون : { أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } من غيرنا , أم منا ؟ فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ; إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته , وأفسدوا فيها , وسفكوا الدماء , وإن جعلتكم فيها أطلعتموني , واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس . فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم , وعلمه غيركم بتعليمي إياه , فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد , وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالمين , فلا تسألوني ما ليس لكم به علم , فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي . وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته الذين قالوا له : { أتجعل فيها من يفسد فيها } من جهة عتابه جل ذكره إياهم , نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه , إذ قال : { رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين } 11 45 لا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين . فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض يسبحوه ويقدسوه فيها , إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة , يفسدون فيها , ويسفكون الدماء , فقال لهم جل ذكره : { إني أعلم ما لا تعلمون } يعني بذلك أني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها - وهو إبليس - منكرا بذلك تعالى ذكره قولهم . ثم عرفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك , بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عيانا , فكيف بما لم يروه ولم يخبروا عنه بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ , وقيله لهم : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني , وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته , وأفسدوا وسفكوا الدماء . فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم , وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا : { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } فسارعوا الرجعة من الهفوة , وبادروا الإنابة من الزلة , كما قال نوح حين عوتب في مسألته , فقيل له : لا تسألن ما ليس لك به علم : { رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين } 11 47 وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له , سريعة إلى الحق إنابته , قريبة إليه أوبته . وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } لم يكن ذلك لأن الملائكة ادعوا شيئا , إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب وعلمه بذلك وفضله , فقال : أنبئوني إن كنتم صادقين ; كما يقول الرجل للرجل : أنبئني بهذا إن كنت تعلم , وهو يعلم أنه لا يعلم ; يريد أنه جاهل . وهذا قول إذا تدبره متدبر علم أن بعضه مفسد بعضا , وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة إذ عرض عليهم أهل الأسماء : { أنبئوني بأسماء هؤلاء } وهو يعلم أنهم لا يعلمون , ولا هم ادعوا علم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول . وزعم أن قوله : { إن كنتم صادقين } نظير قول الرجل للرجل : أنبئني بهذا إن كنت تعلم , وهو يعلم أنه لا يعلم ; يريد أنه جاهل . ولا شك أن معنى قوله : { إذ كنتم صادقين } إنما هو إن كنتم صادقين , إما في قولكم , وإما في فعلكم ; لأن الصدق في كلام العرب إنما هو صدق في الخبر لا في العلم ; وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بمعنى علم . فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية : { أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } وهو يعلم أنهم غير صادقين يريد بذلك أنهم كاذبون . وذلك هو عين ما أنكره , لأنه زعم أن الملائكة لم تدع شيئا فكيف جاز أن يقال لهم : إن كنتم صادقين فأنبئوني بأسماء هؤلاء ؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير . وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله : { إذ كنتم صادقين } بمعنى : إذ كنتم صادقين . ولو كانت " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها , لأن " إذ " إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببا له , وذلك كقول القائل : أقوم إذ قمت , فمعناه : أقوم من أجل أنك قمت , والأمر بمعنى الاستقبال . فمعنى الكلام لو كانت إن بمعنى إذ : أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون . فإذا وضعت " إن " مكان ذلك , قيل : " أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين " مفتوحة الألف , وفي إجماع جميع قراء أهل الإسلام على كسر الألف من " إن " دليل واضح على خطأ تأويل من تأول " إن " بمعنى " إذ " في هذا الموضع .

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()