|
أساليب المشككين في نقد الإعجاز العلمي
من عظمة القرآن أنه حدثنا عن ملحدين سيكون همهم المجادلة بهدف التشكيك، وليس بهدف الوصول إلى الحقيقة، فقد أخبرنا القرآن بحقيقة هؤلاء وأساليبهم ومصيرهم، وهذا من إعجاز القرآن، لنقرأ ....
|
إنه عصر التكنولوجيا الرقمية، عصر المعلومات وعصر الإلحاد! وكما أن الله تعالى يسَّر في هذا العصر تلاوة القرآن وحفظه والاستماع إليه والاطلاع على علومه وتفاسيره بشكل لم يسبق له مثيلاً من قبل، ظهر بالمقابل أناس ليس لديهم أي عمل سوى انتقاد هذا القرآن والاستهزاء بنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم وتوافرت لهم الوسائل ذاتها لنرى سيلاً من هذه الانتقادات.
ولكن الذي يطمئن قلوبنا كمؤمنين أن الله تعالى حدثنا مسبقاً عن مثل هذه الظاهرة، وأكد لنا أن هذه المحاولات لن تحصد إلا الفشل، وأن نور الإسلام سيبقى مضيئاً إلى يوم القيامة، وأن محبة هذا النبي صلى الله عليه وسلم ستزداد في قلوب المؤمنين، يقول تعالى في سورة التوبة: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 32-33].
ولكي لا نظن بأن الغلبة ستكون لغير المؤمنين فقد أكد الله هذه الحقيقة في سورة الصف، يقول تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف: 8-9].
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه سخر هؤلاء المشككين لخدمة كتابه! وقد يعجب أحدكم من هذا الكلام، إذ كيف يمكن لملحد أو مشكك أن يخدم القرآن وهو لا يشعر؟ وأقول: إن بداية توجهي لهذا العلم (قبل عشرين عاماً) أي علم الإعجاز في القرآن والسنة كان سببها أحد الملحدين، فقد كانت تمتد الحوارات بيننا طويلاً، وكنتُ أجده أضعف ما يكون أمام المعجزات! وهذا ما دفعني للاهتمام بهذا العلم، وقد منَّ الله عليَّ بكشف عدد من معجزات كتابه، أسأل الله أن يجعل فيها العلم النافع للمؤمنين والهداية للمشككين.
ولكن الذي حدث أن عصر الإنترنت وفر وسائل لم تكن متوافرة من قبل، فخُصصت مواقع كاملة للهجوم على نبي الإسلام ولانتقاد معجزات القرآن، ولعل أخطرها المقالات التي تتناول الإعجاز العلمي، لما فيها من وهم قد ينطلي على بعض المؤمنين من ذوي الإيمان الضعيف. ولكن الله موجود وهو يتولى أمرهم، يقول تعالى: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7-8].
وقد حدث بالفعل أننا نجد بعض المسلمين ممن لم يأخذوا الإسلام عن قناعة، ولم يبنوا إيمانهم على أساس علمي متين، فسرعان ما تهدم هذا البناء الهش وانقلبوا من الإيمان إلى الكفر والإلحاد، نسأل الله السلامة. وهؤلاء قد يكونون أخطر على الدين من غيرهم، وسوف نرى جزءاً من أساليبهم في نقد الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.
ولكن قبل ذلك ماذا أخبر القرآن عن أمثال هؤلاء، انظروا كيف يخبرنا الله تعالى عن حقيقة تكبر هؤلاء: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر: 56]. لماذا أمرنا الله بالاستعاذة من الشيطان، لأن هؤلاء الملحدين والمشككين يتحدثون بلسان الشياطين فقد اتخذوهم أولياء من دون الله، ولذلك يجب أن نستعيذ بالله من شرهم.
إن هؤلاء المشككين لم يتركوا شيئاً في كتاب الله ولا في سنة رسوله إلا وانتقدوه، وهم يراوغون ويكذبون ويلفقون التهم والأباطيل، بل يلجأوا أحياناً إلى سرد نظريات علمية خاطئة، وكل عالم لا يتفق معهم يسمونه دجالاً، وكل حقيقة لا تعجبهم ينكرونها على الفور، وبالتالي ليس لديهم أي عمل سوى الانتقاد بهدف التشكيك وليس بهدف الوصول إلى الحقيقة.
ينتقدون الحقيقة العلمية أولاً
أبحاث الإعجاز العلمي قائمة على ثلاثة عناصر، أولاً: الآية القرآنية، ثانياً: الحقيقة العلمية، ثالثاً: الربط بينهما لإظهار أنه لا تناقض بين العلم والقرآن. ولذلك فإن المشكك يسلك طرقاً متنوعة لنقد هذه العناصر الثلاثة، فهو في البداية يحاول التشكيك في الحقيقة العلمية، فيقول إنكم أيها المسلمون تعتمدون على نظريات وحقائق لم يثبتها العلم، أو أن هذه الحقائق غير موجودة أصلاً، ولذلك نريد منكم المرجع العلمي الموثق.
طبعاً لا يوجد بحث علمي لا يقوم على مراجع، إذ أن مصادر المعلومات لدينا لا بد أن تكون من مراجع علمية موثقة، وعلى الرغم من ذلك نأتيهم بالمراجع المطلوبة، فيقولون إن هذا العالم صاحب النظرية غير معروف نريد أصله وفصله! فنأتيهم بالمعلومات المطلوبة، وعندما لا يجدون مهرباً من الاعتراف بالحقيقة العلمية ينتقلون للأسلوب الآخر.
ثم ينتقدون تفسير الآية
بعد أن تفشل محاولتهم الأولى ينتقدون التفسير العلمي للآية وبما أن الآية القرآنية ثابتة وحقيقة مطلقة أمامهم فلا يستطيعوا انتقادها أو التشكيك بها، فيلجأون إلى انتقاد فهمنا للآية ويقولون إنكم تحملون الآية غير ما تحتمله من المعاني، لأن المفسر فلان يقول في تفسيره للآية كذا وكذا بخلاف ما تقولون، إنكم تخرجون عن إطار الفهم البسيط للآية والذي فهمه علماؤكم السابقون!
ونقول لهم هذه حجة واهية، لأننا لو أردنا أن نقتصر على فهم العلماء الأقدمين إذاً ما حاجتنا للإعجاز العلمي أصلاً؟ فنوضح لهم أن فهمنا صحيح، وطبعاً هذا التوضيح يأخذ وقتاً وجهداً، وانظروا كيف يستنفذ المشكك وقت المسلم وجهده وهذا هدفه ليبعده عن كتاب ربه! وقد وصف الله لنا مسبقاً حالة هؤلاء المجادلين بغير علم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام: 25-26].
لذلك ينبغي علينا أن نجادلهم بالتي هي أحسن ولا نخوض في أحاديث قد تقودنا لرؤية هؤلاء الناس يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا نفعل شيئاً: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140]. يتضح لنا من خلال هذه الآية أن الأسلوب الأمثل للمؤمن هو الابتعاد عن أمثال هؤلاء، لأن الذي يسب النبي ويشتم المؤمنين ويتهم رسول الله بالكذب ويستهزئ بالقرآن وينكر وجود الله، فهذا لا يمكن أن يهديه الله لسبب بسيط وهو أنه يحارب الله في الأرض.
وكل هدفه هو تضييع وقت المسلمين والتأثير عليهم وتشكيكهم بدينهم، والإسلام يقدس الوقت فوقت المؤمن له قيمة كبيرة. وأذكر أن أحد المشككين وبعد نقاش طويل وحوار امتد لأشهر وبعد أن يئس من حواري، قال لي: أرى بأن نشاطك الدعوي لم يتأثر على الرغم من كل هذه المناقشة؟ انظروا كيف يهدفون من نقاشهم لتضييع وقتنا! من هنا ندرك أن نقاش هؤلاء غالباً ما يكون عقيماً، وأنصح بالابتعاد عن مثل هذه المناقشات.
يؤكد البيان القرآني أن هؤلاء المجادلين بغير علم سوف يضلهم الله، بسبب إسرافهم واستهزائهم، يقول تعالى: (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر: 34-35].
أما أولئك الذين يجادلون بأسلوب علمي بعيداً عن الاستهزاء وبهدف معرفة الحقيقة فهؤلاء من الممكن أن يهديهم الله فينبغي مناقشتهم وتعريفهم بحقيقة هذا الدين. ومن هنا ندرك الحكمة من قوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ * أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 121-122].
ينتقدون الحقيقة القرآنية
ثم ينتقل المشكك بعد ذلك وبعد أن ييأس من أن التفسير العلمي للآية صحيح، ويحاول التشكيك في الحقيقة القرآنية، فيقول: إن أي أعرابي بسيط يعيش في الصحراء يعرف هذه الحقيقة ويسوقون الأكاذيب والقصص ويدعون أنها موجودة في الكتب والمخطوطات وأكثر من90 % من كلامهم باطل وكذب وافتراء.
فنأتيهم بالدليل على أنه لا يمكن لأحد أن يعرف هذه الحقيقة العلمية في زمن نزول القرآن، وأحياناً نأتيهم بأقوال لعلماء الغرب يؤكدون أن هذه الحقيقة العلمية لم تُكتشف إلا في القرن العشرين، وعلى الرغم من ذلك لا تجدهم يقتنعون بل يشككوا من جديد في معاني كلمات الآية، ويقولون إن هذه الكلمة لا تدل على هذا المعنى.
ويضيعون وقتنا في التفتيش بين المعاجم اللغوية وكتب اللغة، وأخيراً وعندما نثبت لهم بالدليل القاطع أن الحقيقة العلمية صحيحة وأن التفسير العلمي للآية صحيح وأن المعجزة ثابتة لا شك فيها، يقولون إنها مصادفة!!!
وسبحان الله! كل هذا الوقت الذي أضعناه في نقاشهم ليخرجوا بنتيجة واحدة وهي مصادفة، وهذا ليس غريباً على ملحد لأن عقيدتهم أصلاً قائمة على المصادفة، فالكون جاء بالمصادفة، والكائنات الحية جاءت بالمصادفة، والنظام المحكم سواء في الكون أو في الخلق والكائنات الحية أيضاً جاء بالمصادفة، وأتمنى منهم أن يعطوني تعريفاً علمياً لهذه المصادفة العمياء؟
وقد حدث ذات مرة وبعد نقاش طويل ومجادلة امتدت ليالي وأياماً، بيَّنت خلالها للمشكك صدق هذه المعجزات فلم يجد من الاعتراف مهرباً، تخيلوا كل ما فعله قال: إن هذه المعجزات لا تعنيني بشيء وانسحب من النقاش!! وتذكرت قول الحق تبارك وتعالى عندما حدثنا عن حقيقة هؤلاء، وأن هدفهم الأساسي هو إبطال الحق، وأنهم لن يؤمنوا مهما حاولنا، يقول عز وجل: (وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا * وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا) [الكهف: 56-57]. انظروا كيف نبَّأنا الله بنهاية كل ملحد مستكبر يستهزئ بآيات الله، تأملوا هذا التهديد الإلهي: (فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)!! فلماذا نتعب أنفسنا يا إخوتي في نقاش هؤلاء، يكفي أن نعرفهم بحقيقة ديننا ونترك أمر الهداية لله تعالى.
آيات كثيرة تحذرنا من جدال هؤلاء
آيات كثيرة تحدثنا عن حقيقة هؤلاء وعن أهدافهم وهي إضلال الناس، ويحدثنا تبارك وتعالى عن الذين يقتدون بهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج: 8-13].
لقد طمأننا الله تعالى أننا على الطريق المستقيم، وأن الله هو يتولى أمرهم يوم القيامة: (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ * وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [الحج: 67-68].
وينبغي ألا يغرنا هؤلاء بما يملكونه من إمكانيات ولا يغرنا تقلبهم في البلاد، فهذه فتنة يريد الله أن يضلهم بها: (مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ) [غافر: 4]. وانظروا معي إلى سيدنا نوح بعدما جادل قومه 950 عاماً، ماذا قالوا له: (قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) [هود: 32-33].
لقد وصف الله لنا حقيقة هؤلاء المجادلين وأن الذي يحركهم هو الشيطان، فلذلك كلما رأينا ملحداً ينبغي أن نتخيل أن وراءه شيطان! كذلك أخبرنا الله بنهايتهم، يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج: 3-4].
وننبئهم بنهايتهم ونقول لهم أسرعوا فباب التوبة مفتوح، وإلا فهذا هو مصيركم إن شاء الله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ * ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) [غافر: 69-76].
ولذلك نصيحتي لكل مؤمن...
وخلاصة القول يمكنني أن أستشهد بحادثة حدثت معي فقد قال لي أحد الملحدين ذات يوم بعدما ملَّ من نقاشي، هل تريد أن أعطيك نصيحة وأوفر عليك هذا الجهد في إقناعي، إنني أفكر بطريقة مختلفة عنك، ففي اللحظة التي تسوق لي فيها الدليل تلو الدليل فإن كل تفكيري في هذه اللحظة هو كيف أنقد هذا الدليل ولا أفكر للحظة في الدليل نفسه، فموضوع اقتناعي بالإسلام أمر مستبعد كلياً، لذلك لا تُجهد نفسك معي!
ولذلك أرجو من إخوتي الذين يناقشون هؤلاء المشككين أن يحذروا من أساليبهم وأن أهدافهم واضحة، ليس لديهم أي نية للهداية، ولو أنهم أرادوا الهداية لهداهم الله بالفعل، والذي يريد الهداية لا يستهزئ بالأنبياء ولا يسب الله تعالى، ولا يسخر من المؤمنين، وما هم عليه من ضعف اليوم، بل من يريد الهداية يبحث ويفتش بصدق وسيصل إليها إن شاء الله.
وهكذا أنصح أن نقلل من نقاش هؤلاء قدر الإمكان، وأن نلتفت إلى أولئك الحائرين الذين بالفعل يبحثون عن حقيقة الإسلام، فهؤلاء أولى يجهدنا ووقتنا وأفكارنا، وأقول بعبارة أخيرة:
بعد تجربة طويلة مع المشككين أنصح أن نلتزم بالطريق الذي رسمه لنا كتاب الله تعالى، يقول تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [النحل: 125].
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل