|
أطول كسوف للشمس
لقد حدث أطول كسوف في القرن الحادي والعشرين مؤخراً ومر فوق الصين والهند وهنا لابد من وقفة إيمانية مع هذا الحدث....
|
بدأ كسوف كامل للشمس رحلته منذ مدة (22/7/2009) عبر جزء ضيق من آسيا حيث راقب ملايين الناس السماء وهي تظلم على الرغم من سحب الصيف الكثيفة. وتقول وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إنه أمكن رؤية أطول كسوف كامل للشمس في القرن الحادي والعشرين على امتداد ممر يبلغ اتساعه نحو 250 كيلومترا حيث قطع مسافة نصف الكرة الأرضية ومر عبر الهند والصين.
وشق آلاف الأشخاص طريقهم عبر الأزقة الضيقة لمدينة فاراناسي القديمة المقدسة عند الهندوس وتجمعوا ليغطسوا في نهر الجانج وهو طقس يعتبر أنه يؤدي إلى الخلاص من دورة الحياة والموت. وأخذ رجال ونساء وأطفال يرددون ترانيم هندوسية وخاضوا في مياه النهر وقد تشابكت أياديهم وصلّوا للشمس مع بزوغها في السماء المعتمة.
تتيح ظاهرة الكسوف للعلماء إلقاء نظرة نادرة على هالة الشمس وهي الغازات المحيطة بها. وقال الدكتور "بات" إن العلماء في الصين يعتزمون التقاط صور ثنائية الأبعاد لهالة الشمس التي تصل حرارتها إلى مليوني درجة مئوية بمعدل صورة واحدة في الثانية تقريباً. وقالت وكالة ناسا إن الكسوف استمر لمدة أقصاها ست دقائق و39 ثانية فوق المحيط الهادي.
في الثقافة الصينية القديمة فإن كسوف الشمس فأل مرتبط بالكوارث الطبيعية أو الوفيات في الأسرة الإمبراطورية. وبذل المسؤولون ووسائل الإعلام الحكومية جهوداً كبيرة لطمأنة الجماهير بأن خدمات المدينة ستجري بصورة طبيعية. ويعتقد الهندوس أن هذا هو الوقت الأمثل لتحسين الحياة الآخرة.
ماذا عن الثقافة الإسلامية؟
تصوروا يا أحبتي كيف أن الناس في الصين يعتقدون بأن ظاهرة الكسوف يمكن أن تضرّ وتنفع، ويمكن أن تعبر عن غضب الآلهة، أو يمكن أن تكون الصلاة للشمس وسيلة للتقرب إلى الآلهة والنجاة من غضبها... كل هذه المعتقدات موجودة حتى يومنا هذا ونحن نعيش عصر التقدم العلمي.
إن هذه المعتقدات كانت موجودة زمن بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد سارع الناس عندما كسفت الشمس في عهد النبي ليقولوا: إن الشمس قد انكسفت لوفاة ابن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تصادف في ذلك اليوم أن توفي إبراهيم ابن النبي مع كسوف للشمس، فربط الناس بين هذين الحدثين.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرّهم على هذا الاعتقاد، بل صحّح لهم أسلوب التفكير وخاطبهم بشكل علمي، وحقيقة لو تأملنا كلام النبي نجده كلاماً علمياً لا يختلف عن كلام العلماء اليوم، بل هو أكثر بلاغة وتعبيراً ودقة.
لنتأمل هذا الحديث الصحيح: (عن عائشة قالت كسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فقام فكبَّر فصف الناس وراءه فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة طويلة ثم كبر فركع ركوعا طويلا ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم قام فقرأ قراءة طويلة هي أدنى من القراءة الأولى ثم كبر فركع ركوعا طويلا هو أدنى من الركوع الأول ثم قال سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ثم قام فخطب الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة" [أخرجه البخاري ومسلم].
لقد شغَل النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالصلاة طيلة فترة الكسوف لماذا وما الفائدة؟ طبعاً ليجنبهم أشعة الشمس فوق البنفسجية الحارقة والتي تؤذي العين وقد تسبب العمى، حيث إن هذه الأشعة تكون أخطر ما يمكن أثناء الكسوف!
لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً الناس بأن يبعدوا الأساطير والخرافات عن عقولهم وألا يعتقدوا أن الكسوف له علاقة بموت أحد أو حياته، بل هناك نظام كوني مقدر من خالق الكون تبارك وتعالى. وهذا هو أرقى أسلوب للخطاب... ونقول لكل من يتصور بأن النبي كان يساهم في تخلف الناس وإغلاق عقولهم:
انظروا إلى هذا الخطاب العلمي: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات) وهنا دعوة لتفتيح العقول ودعوة للتأمل والتدبر والبحث، وانظروا كيف أبعد عن الناس التخلف والجهل بقوله: (لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته)، وانظروا كيف اختار لهم طريقة مناسبة ليبعدهم عن أشعة الشمس أثناء الكسوف وليتجنبوا النظر إليها: (فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة)، فلو قال لهم هناك أشعة فوق بنفسجية لم يفهموا خطابه، ولذلك أمرهم أن يلجأوا إلى الصلاة والدعاء وأن يغتنموا هذه الفرصة في التقرب من الله تعالى، وليبعدوا شبح الجهل والتخلف السائد في ذلك الوقت عن عقولهم.
ونقول: بالله عليكم هل يمكن أن يساهم هذا النبي الرحيم في تخلف الأمة وجهلها، أم أنه يأمر بفتح العقول والتدبر والبحث والدراسة وأن ينظر الناس إلى الكون نظرة علمية.
ــــــــــــ
بقلم عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com