بتـــــاريخ : 10/12/2009 7:40:04 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 807 0


    الوحدة السادسة نظام الأمة الأساسي وشرط الإيمان وحد الإسلام

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : www.khayma.com

    كلمات مفتاحية  :

    مقدمة الوحدة

    إنشاء القرآن للأمة المسلمة هذا الدرس يتناول موضوعا خطيرا الموضوع الأساسي في حياة الأمة المسلمة إنه يتناول بيان شرط الإيمان وحده ; متمثلا في النظام الأساسي لهذه الأمة ومن الموضوع في ذاته ومن طريقه ارتباطه وامتزاجه بالنظام الأساسي للأمة يستمد خطورته وخطره إن القرآن وهو ينشىء هذه الأمة وينشئها وهو يخرجها إلى الوجود إخراجا كما قال الله تعالى في التعبير القرآني الدقيق كنتم خير أمة أخرجت للناس إن القرآن وهو ينشىء هذه الأمة من حيث لم تكن ; وينشئها لتصبح أمة فريدة في تاريخ البشر خير أمة أخرجت للناس ويجب أن نؤكد هذه الحقيقة ونوضحها قبل المضي في الحديث حقيقة إنشاء القرآن لهذه الأمة وتنشئتها معا فقد كانت على التحقيق إنشاء وتنشئة كانت ميلادا جديدا للأمة ; بل ميلادا جديدا للإنسان في صورة جديدة ولم تكن مرحلة في طريق النشأة ; ولا خطوة في سبيل التطور ولا حتى وثبة من وثبات النهضة إنما كانت على وجه التحديد نشأة وميلادًا للأمة العربية وللإنسان كله وحين ننظر إلى الشعر الجاهلي والنتف الأخرى من المأثورات الجاهلية وهو ديوان العرب الذي تضمن أعلى وأخلد ما كان للعرب من نظرة للحياة والوجود والكون والإنسان والخلق والسلوك ; كما تضمن معالم حياتهم ومكنون مشاعرهم ومجموع تصوراتهم ; ولباب ثقافتهم وحضارتهم ; وكينونتهم كلها بالاختصار حين ننظر إلى مجموعة الثقافات والتصورات والقيم التي يتضمنها هذا الديوان ; في ظل القرآن ; وما تضمنه من نظرة للوجود والحياة وللكون والإنسان ; ومن قيم في الحياة الإنسانية ; ومن نظام للمجتمع ; ومن تصور لغاية الوجود الإنساني ومن تنظيم واقعي يقوم على أساس هذا التصور ثم ننظر إلى واقع العرب قبل الإسلام وبعده في ظل تلك التصورات الجاهلية التي تتمثل في ديوانها ثم في ظل هذه التصورات القرآنية التي تمثل المنهج الرباني حين ننظر إلى الديوان المأثور والحياة الواقعية في ظل القرآن وواقع الحياة الإسلامية يتبين لنا على وجه التأكيد والتحديد أنها كانت نشأة ولم تكن خطوة ولا مرحلة ولا وثبة كانت إخراجًا من صنع الله ; كتعبير القرآن الدقيق وكانت أعجب نشأة ; وأغرب إخراج فيهي المرة الأولى والأخيرة فيما نعلم التي تنبثق فيها أمة من بين دفتي كتاب و تخرج فيها حياة من خلال الكلمات ولكن لا عجب فهذه الكلمات كلمات الله ومن أراد المجادلة والمماحلة فليقل لنا أين كانت هذه الأمة قبل أن يخرجهًا الله بكلماته ; وقيل أن ينشئها الله بقرآنه إننا نعرف أنها كانت في الجزيرة العربية ولكن أين كانت في الوجود الإنساني أين كانت في سجل الحضارة البشرية أين كانت في التاريخ العالمي أين كانت تجلس على المائدة العالمية الإنسانية وماذا كانت تقدم على هذه المائدة فيعرف باسمها ويحمل طابعها لقد نشأت هذه الأمة نشأتها بهذا الدين ; ونشئت تنشئتها بهذا المنهج القويم ; وقادت نفسها وقادت البشرية بعد ذلك بكتاب الله الذي في يدها وبمنهجه الذي طبع حياتها لا بشيء آخر وأمامنا التاريخ وقد صدقها الله وعده وهو يقول للعرب لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون فبسبب من هذا الكتاب ذكرت هذه الأمة في الأرض ; وكان لها دورها في التاريخ ; وكان لها وجود إنساني ابتداء وحضارة عالمية ثانيا ذلك بينما يريد جماعة من الحمقى أن يرفضوا نعمة الله هذه على الأمة العربية ; ويجحدوا فضل الله في أن جعل كلمته الأخيرة لأهل الأرض قاطبة في العرب وبلسانهم ومن ثم جعل لهم وجودا وذكرا وتاريخا وحضارة يريدون أن يخلعوا هذا الرداء الذي ألبسهم الله إياه ; وأن يمزقوا هذه الراية التي قادتهم إلى الذكر والمجد بل إلى الوجود يوم أخرج الله منهم الأمة المسلمة نقول إن القرآن حين كان ينشى ء هذه الأمة و ينشئها ويخطط ويثبت ملامح الإسلام الجديدة في الجماعة المسلمة التي التقطها من سفح الجاهلية ويطمس ويمحو ملامح الجاهلية في حياتها ونفوسها ورواسبها وينظم مجتمعها أو يقيمه ابتداء على أساس الميلاد الجديد وحين كان يخوض بالجماعة المسلمة المعركة ; في مواجهة الجاهلية الراسبة في نفوسها وأوضاعها من مخلفات البيئة التي التقطها المنهج الرباني منها ; وفي مواجهة الجاهلية الرابضة فيها ومن حولها ممثلة في يهود المدينة ومنافقيها ومشركي مكة وما حولها والمعركتان موصولتان في الزمان والمكان حين كان القرآن يصنع ذلك كله كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح ببيان شرط الإيمان وحد الإسلام ; ويربط بهذا التصور في هذه النقطة بالذات نظامها الأساسي الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها ; ويفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس لتبين للناس وتقودهم إلى الله نظامها الرباني وهذا الدرس يتولى بيان هذا النظام الأساسي قائما ومنبثقا من التصور الإسلامي لشرط الإيمان وحد الإسلام إنه يتولى تحديد الجهة التي تتلقى منها الأمة المسلمة منهج حياتها ; والطريقة التي تتلقى بها ; والمنهج الذي تفهم به ما تتلقى وترد إليه ما يجد من مشكلات وأقضية لم يرد فيها نص وتختلف الأفهام فيها ; والسلطة التي تطيعها وعلة طاعتها ومصدر سلطانها ويقول إن هذا هو شرط الإيمان وحده الإسلام وعندئذ يلتقي النظام الأساسي لهذه الأمة ; بالعقيدة التي تؤمن بها في وحدة لا تتجزأ ; ولا تفترق عناصرها وهذا هو الموضوع الخطير الذي يجلوه هذا الدرس جلاء دقيقا كاملا وهذه هي القضية التي تبدو بعد مطالعة هذا الدرس بديهية يعجب الإنسان كيف يجادل مسلم فيها إنه يقول للأمة المسلمة إن الرسل أرسلت لتطاع بإذن الله لا لمجرد الإبلاغ والإقناع وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ويقول لها إن الناس لا يؤمنون ابتداء إلا أن يتحاكموا إلى منهج الله ; ممثلا في حياة الرسول ص في أحكام الرسول وباقيا بعده في مصدريه القرآن والسنة بالبداهة ; ولا يكفي أن يتحاكموا إليه ليحسبوا مؤمنين بل لا بد من أن يتلقوا حكمه مسلمين راضين فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا فهذا هو شرط الإيمان وحد الإسلام ويقول لها إن الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت أي إلى غير شريعة الله لا يقبل منهم زعمهم أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول وما أنزل من قبله فهو زعم كاذب يكذبه أنهم يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل اليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا ويقول لها إن علامة النفاق أن يصدوا عن التحاكم إلى ما أنزل الله والتحاكم إلى رسول الله وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا ويقول لها إن منهجها الإيماني ونظامها الأساسي أن تطيع الله عز وجل في هذا القرآن وأن تطيع رسول الله ص في سنته وأولي الأمر من المؤمنين الداخلين في شرط الإيمان وحد الإسلام معكم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ويقول لها إن المرجع فيما تختلف فيه وجهات النظر في المسائل الطارئة المتجددة والأقضية التي لم ترد فها أحكام نصية إن المرجع هو الله ورسوله أي شريعة الله وسنة رسوله فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول وبهذا يبقى المنهج الرباني مهيمنا على ما يطرأ على الحياة من مشكلات وأقضية كذلك أبد الدهر في حياة الأمة المسلمة وتمثل هذه القاعدة نظامها الأساسي الذي لا تكون مؤمنة إلا به ولا تكون مسلمة إلا بتحقيقه إذ هو يجعل الطاعة بشروطها تلك ورد المسائل التي تجد وتختلف فيها وجهات النظر إلى الله ورسوله شرط الإيمان وحد الإسلام شرطا واضحا ونصا صريحا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ولا ننس ما سبق بيانه عند قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء من أن اليهود وصموا بالشرك بالله لأنهم كانوا يتخذون أحبارهم أربابا من دون الله لا لأنهم عبدوهم ولكن لأنهم قبلوا منهم التحليل والتحريم ; ومنحوهم حق الحاكمية والتشريع ابتداء من عند أنفسهم فجعلوا بذلك مشركين الشرك الذي يغفر الله كل ما عداه حتى الكبائر < وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر > فرد الأمر كله إلى إفراد الله سبحانه بالألوهية ومن ثم إفراده بالحاكمية فهي أخص خصائص الألوهية وداخل هذا النطاق يبقى المسلم مسلما ويبقى المؤمن مؤمنا ويطمع أن يغفر له ذنوبه ومنها كبائره أما خارج هذا النطاق فهو الشرك الذي لا يغفره الله أبدا إذ هو شرط الإيمان وحد الإسلام إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر هذا هو الموضوع الخطير الذي يتناوله هذا الدرس بالإضافة إلى بيان وظيفة الأمة المسلمة في الأرض من إقرار مبادى ء العدل والخلق على أساس منهج الله القويم السليم إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرًا وقد ألممنا به إجمالا فنأخذ في مواجهة النصوص تفصيلا

    فهرس الوحدة
    الدرس الأول واجب الأمة رد الأمانة والحكم بالعدل

    إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ; وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرًا هذه هي تكاليف الجماعة المسلمة ; وهذا هو خلقها أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل على منهج الله وتعليمه والأمانات تبدأ من الأمانة الكبرى الأمانة التي ناط الله بها فطرة الإنسان ; والتي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان أمانة الهداية والمعرفة والإيمان بالله عن قصد وإرادة وجهد واتجاه فهذه أمانة الفطرة الإنسانية خاصة فكل ما عدا الإنسان ألهمه ربه الإيمان به والاهتداء إليه ومعرفته وعبادته وطاعته وألزمه طاعة ناموسه بغير جهد منه ولا قصد ولا إرادة ولا اتجاه والإنسان وحده هو الذي وكل إلى فطرته وإلى عقله وإلى معرفته وإلى إرادته وإلى اتجاهه وإلى جهده الذي يبذله للوصول إلى الله بعون من الله والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وهذه أمانة حملها وعليه أن يؤديها أول ما يؤدي من الأمانات ومن هذه الأمانة الكبرى تنبثق سائر الأمانات التي يأمر الله أن تؤدى ومن هذه الأمانات أمانة الشهادة لهذا الدين الشهادة له في النفس أولا بمجاهدة النفس حتى تكون ترجمة له ترجمة حية في شعورها وسلوكها حتى يرى الناس صورة الإيمان في هذه النفس فيقولوا ما أطيب هذا الإيمان وأحسنة وأزكاه ; وهو يصوغ نفوس أصحابه على هذا المثال من الخلق والكمال فتكون هذه شهادة لهذا الدين في النفس يتأثر بها الآخرون والشهادة له بدعوة الناس إليه وبيان فضله ومزيته بعد تمثل هذا الفضل وهذه المزية في نفس الداعية فما يكفي أن يؤدي المؤمن الشهادة للإيمان في ذات نفسه إذا هو لم يدع إليها الناس كذلك وما يكون قد أدى أمانة الدعوة والتبليغ والبيان وهي إحدى الأمانات ثم الشهادة لهذا الدين بمحاولة إقراره في الأرض ; منهجا للجماعة المؤمنة ; ومنهجا للبشرية جميعا المحاولة بكل ما يملك الفرد من وسيلة وبكل ما تملك الجماعة من وسيلة فإقرار هذا المنهج في حياة البشر هو كبرى الأمانات ; بعد الإيمان الذاتي ولا يعفى من هذه الأمانة الأخيرة فرد ولا جماعة ومن ثم ف < الجهاد ماض إلى يوم القيامة > على هذا الأساس أداء لإحدى الأمانات ومن هذه الأمانات الداخلة في ثنايا ما سبق أمانة التعامل مع الناس ; ورد أماناتهم إليهم أمانة المعاملات والودائع المادية وأمانة النصيحة للراعي وللرعية وأمانة القيام على الأطفال الناشئة وأمانة المحافظة على حرمات الجماعة وأموالها وثغراتها وسائر ما يجلوه المنهج الرباني من الواجبات والتكاليف في كل مجالي الحياة على وجه الإجمال فهذه من الأمانات التي يأمر الله أن تؤدي ; ويجملها النص هذا الإجمال فأما الحكم بالعدل بين الناس فالنص يطلقه هكذا عدلا شاملا بين الناس جميعا لا عدلا بين المسلمين بعضهم وبعض فحسب ولا عدلا مع أهل الكتاب دون سائر الناس وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه إنسانًا فهذه الصفة صفة الناس هي التي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني وهذه الصفة يلتقي عليها البشر جميعا مؤمنين وكفارا أصدقاء وأعداء سودا وبيضا عربا وعجما والأمة المسلمة قيمة على الحكم بين الناس بالعدل متى حكمت في أمرهم هذا العدل الذي لم تعرفه البشرية قط في هذه الصورة إلا على يد الإسلام وإلا في حكم المسلمين وإلا في عهد القيادة الإسلامية للبشرية والذي افتقدته من قبل ومن بعد هذه القيادة ; فلم تذق له طعما قط في مثل هذه الصورة الكريمة التي تتاح للناس جميعا لأنهم ناس لا لأية صفة أخرى زائدة عن هذا الأصل الذي يشترك فيه الناس وذلك هو أساس الحكم في الإسلام ; كما أن الأمانة بكل مدلولاتها هي أساس الحياة في المجتمع الإسلامي والتعقيب على الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها ; والحكم بين الناس بالعدل ; هو التذكير بأنه من وعظ الله سبحانه وتوجيهه ونعم ما يعظ الله به ويوجه إن الله نعما يعظكم به ونقف لحظة أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه فالأصل في تركيب الجملة إنه نعم ما يعظكم الله به ولكن التعبير يقدم لفظ الجلالة فيجعله اسم إن ويجعل نعم ما نعمًا ومتعلقاتها في مكان خبر إن بعد حذف الخبر ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله سبحانه وهذا الذي يعظهم به ثم إنها لم تكن عظة إنما كانت أمرًا ولكن التعبير يسميه عظة لأن العظة أبلغ إلى القلب وإسرع إلى الوجدان وأقرب إلى التنفيذ المنبعث عن التطوع والرغبة الحياء ثم يجيء التعقيب الأخير في الآية ; يعلق الأمر بالله ومراقبته وخشيته ورجائه إن الله كان سميعا بصيرًا والتناسق بين المأمور به من التكاليف ; وهو أداء الأمانات والحكم بالعدل بين الناس ; وبين كون الله سبحانه سميعا بصيرًا مناسبة واضحة ولطيفة معا فالله يسمع ويبصر قضايا العدل وقضايا الأمانة والعدل كذلك في حاجة إلى الاستماع البصير وإلى حسن التقدير وإلى مراعاة الملابسات والظواهر وإلى التعمق فيما وراء الملابسات والظواهر وأخيرا فإن الأمر بهما يصدر عن السميع البصير بكل الأمور

    فهرس الوحدة

    الدرس الثاني الميزان طاعة الله ورسوله ورد الأمر إلى الله ورسوله

    وبعد فالأمانة والعدل ما مقياسهما ما منهج تصورهما وتحديدهما وتنفيذهما في كل مجال في الحياة وفي كل نشاط للحياة أنترك مدلول الأمانة والعدل ; ووسائل تطبيقها وتحقيقهما إلى عرف الناس واصطلاحهم وإلى ما تحكم به عقولهم أو أهواؤهم إن للعقل البشري وزنه وقيمته بوصفه أداة من أدوات المعرفة والهداية في الإنسان هذا حق ولكن هذا العقل البشري هو عقل الأفراد والجماعات في بيئة من البيئات متأثرا بشتى المؤثرات ليس هناك ما يسمى العقل البشري كمدلول مطلق إنما هناك عقلي وعقلك وعقل فلان وعلان وعقول هذه المجموعة من البشر في مكان ما وفي زمان ما وهذه كلها واقعة تحت مؤثرات شتى ; تميل بها من هنا وتميل بها من هناك ولا بد من ميزان ثابت ترجع إليه هذه العقول الكثيرة ; فتعرف عنده مدى الخطأ والصواب في أحكامها وتصوراتها ومدى الشطط والغلو أو التقصير والقصور في هذه الأحكام والتصورات وقيمة العقل البشري هنا هو أنه الأداة المهيأة للإنسان ليعرف بها وزن أحكامه في هذا الميزان الميزان الثابت الذي لا يميل مع الهوى ولا يتأثر بشتى المؤثرات ولا عبرة بما يضعه البشر أنفسهم من موازين فقد يكون الخلل في هذه الموازين ذاتها فتختل جميع القيم ما لم يرجع الناس إلى ذلك الميزان الثابت القويم والله يضع هذا الميزان للبشر للأمانة والعدل ولسائر القيم وسائر الأحكام وسائر أوجه النشاط في كل حقل من حقول الحياة يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله ; وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا وفي هذا النص القصير يبين الله سبحانه شرط الإيمان وحد الإسلام في الوقت الذي يبين فيه قاعدة النظام الأساسي في الجماعة المسلمة ; وقاعدة الحكم ومصدر السلطان وكلها تبدأ وتنتهي عند التلقي من الله وحده ; والرجوع إليه فيما لم ينص عليه نصا من جزيئات الحياة التي تعرض في حياة الناس على مدى الأجيال ; مما تختلف فيه العقول والآراء والأفهام ليكون هنالك الميزان الثابت الذي ترجع إليه العقول والآراء والأفهام إن الحاكمية لله وحده في حياة البشر ما جل منها وما دق وما كبر منها وما صغر والله قد سن شريعة أودعها قرآنه وأرسل بها رسولا يبينها للناس ولا ينطق عن الهوى فسنته ص من ثم شريعة من شريعة الله والله واجب الطاعة ومن خصائص ألوهيته أن يسن الشريعة فشريعته واجبة التنفيذ وعلى الذين آمنوا أن يطيعوا الله ابتداء وأن يطيعوا الرسول بما له من هذه الصفة صفة الرسالة من الله فطاعته إذن من طاعة الله الذي أرسله بهذه الشريعة وببيانها للناس في سنته وسنته وقضاؤه على هذا جزء من الشريعة واجب النفاذ والإيمان يتعلق وجودا وعدما بهذه الطاعة وهذا التنفيذ بنص القرآن إن كنم تؤمنون بالله واليوم الآخر فأما أولو الأمر ; فالنص يعين من هم وأولي الأمر منكم أي من المؤمنين الذين يتحقق فيهم شرط الإيمان وحد الإسلام المبين في الآية من طاعة الله وطاعة الرسول ; وإفراد الله سبحانه بالحاكمية وحق التشريع للناس ابتداء ; والتلقي منه وحده فيما نص عليه والرجوع إليه أيضا فيما تختلف فيه العقول والأفهام والآراء مما لم يرد فيه نص ; لتطبيق المبادى ء العامة في النصوص عليه والنص يجعل طاعة الله أصلا ; وطاعة رسوله أصلا كذلك بما أنه مرسل منه ويجعل طاعة أولي الأمر منكم تبعا لطاعة الله وطاعة رسوله فلا يكرر لفظ الطاعة عند ذكرهم كما كررها عند ذكر الرسول ص ليقرر أن طاعتهم مستمدة من طاعة الله وطاعة رسوله بعد أن قرر أنهم منكم بقيد الإيمان وشرطه وطاعة أولي الأمر منكم بعد هذه التقريرات كلها في حدود المعروف المشروع من الله والذي لم يرد نص بحرمته ; ولا يكون من المحرم عندما يرد إلى مبادى ء شريعته عند الاختلاف فيه والسنة تقرر حدود هذه الطاعة على وجه الجزم واليقين في الصحيحين من حديث الأعمش < إنما الطاعة في المعروف > وفيهما من حديث يحيى القطان < السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب أو كره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة > وأخرج مسلم من حديث أم الحصين < ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا > بهذا يجعل الإسلام كل فرد أمينا على شريعة الله وسنة رسوله أمينا على إيمانه وهو ودينه أمينا على نفسه وعقله أمينا على مصيره في الدنيا والآخرة ولا يجعله بهيمة في القطيع ; تزجر من هنا أو من هنا فتسمع وتطيع فالمنهج واضح وحدود الطاعة واضحة والشريعة التي تطاع والسنة التي تتبع واحدة لا تتعدد ولا تتفرق ولا يتوه فيها الفرد بين الظنون ذلك فيما ورد فيه نص صريح فأما الذي لم يرد فيه نص وأما الذي يعرض من المشكلات والأقضية على مدى الزمان وتطور الحاجات واختلاف البيئات ولا يكون فيه نص قاطع أو لا يكون فيه نص على الإطلاق مما تختلف في تقديره العقول والآراء والأفهام فإنه لم يترك كذلك تيها ولم يترك بلا ميزان ولم يترك بلا منهج للتشريع فيه والتفريع ووضع هذا النص القصير منهج الاجتهاد كله وحدده بحدوده ; وأقام الأصل الذي يحكم منهج الاجتهاد أيضا فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ردوه إلى النصوص التي تنطبق عليه ضمنا فإن لم توجد النصوص التي تنطبق على هذا النحو فردوه إلى المبادى ء الكلية العامة في منهج الله وشريعته وهذه ليست عائمة ولا فوضى ولا هي من المجهلات التي تتيه فيها العقول كما يحاول بعض المخادعين أن يقول وهناك في هذا الدين مبادى ء أساسية واضحة كل الوضوح تغطي كل جوانب الحياة الأساسية وتضع لها سياجا خرقه لا يخفى على الضمير المسلم المضبوط بميزان هذا الدين إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر تلك الطاعة لله والطاعة للرسول ولأولي الأمر المؤمنين القائمين على شريعة الله وسنة الرسول ورد ما يتنازع فيه إلى الله والرسول هذه وتلك شرط الإيمان بالله واليوم الآخر كما أنها مقتضى الإيمان بالله واليوم الآخر فلا يوجد الإيمان ابتداء وهذا الشرط مفقود ولا يوجد الإيمان ثم يتخلف عنه أثره الأكيد وبعد أن يضع النص المسألة في هذا الوضع الشرطي يقدمها مرة أخرى في صورة العظة والترغيب والتحبيب ; على نحو ما صنع في الأمر بالأمانة والعدل ثم التحبيب فيها والترغيب ذلك خير وأحسن تأويلا ذلك خير لكم وأحسن مآلا خير في الدنيا وخير في الآخرة وأحسن مآلا في الدنيا وأحسن مآلا في الآخرة كذلك فليست المسألة أن اتباع هذا المنهج يؤدي إلى رضاء الله وثواب الآخرة وهو أمر هائل عظيم ولكنه كذلك يحقق خير الدنيا وحسن مآل الفرد والجماعة في هذه الحياة القريبة أن هذا المنهج معناه أن يستمتع الإنسان بمزايا منهج يضعه له الله الله الصانع الحكيم العليم البصير الخبير منهج بريء من جهل الإنسان وهوى الإنسان وضعف الإنسان وشهوة الإنسان منهج لا محاباة فيه لفرد ولا لطبقة ولا لشعب ولا لجنس ولا لجيل من البشر على جيل لأن الله رب الجميع ولا تخالجه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا شهوة المحاباة لفرد أو طبقة أو شعب أو جنس أو جيل ومنهج من مزاياه أن صانعه هو صانع هذا الإنسان الذي يعلم حقيقة فطرته والحاجات الحقيقية لهذه الفطرة كما يعلم منحنيات نفسه ودروبها ; ووسائل خطابها وإصلاحها فلا يخبط سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا في تيه التجارب بحثا عن منهج يوافق ولا يكلف البشر ثمن هذه التجارب القاسية حين يخبطون هم في التيه بلا دليل وحسبهم أن يجربوا في ميدان الإبداع المادي ما يشاءون فهو مجال فسيح جد فسيح للعقل البشري وحسبهم كذلك أن يحاول هذا العقل تطبيق ذلك المنهج ; ويدرك مواضع القياس والاجتهاد فيما تتنازع فيه العقول ومنهج من مزاياه أن صانعه هو صانع هذا الكون الذي يعيش فيه الإنسان فهو يضمن للإنسان منهجا تتلاءم قواعده مع نواميس الكون ; فلا يروح يعارك هذه النواميس بل يروح يتعرف إليها ويصادقها وينتفع بها والمنهج يهديه في هذا كله ويحميه ومنهج من مزاياه أنه في الوقت الذي يهدي فيه الإنسان ويحيميه يكرمه ويحترمه ويجعل لعقله مكانا للعمل في المنهج مكان الاجتهاد في فهم النصوص الواردة ثم الاجتهاد في رد ما لم يرد فيه نص إلى النصوص أو إلى المبادى ء العامة للدين ذلك إلى المجال الأصيل الذي يحكمه العقل البشري ويعلن فيه سيادته الكاملة ميدان البحث العلمي في الكون ; والإبداع المادي فيه ذلك خير وأحسن تأويلًا وصدق الله العظيم

    فهرس الوحدة

    الدرس الثالث التحاكم إلى الطاغوت

    وحين ينتهي السياق من تقرير هذه القاعدة الكلية في شرط الإيمان وحد الإسلام وفي النظام الأساسي للأمة المسلمة وفي منهج تشريعها وأصوله يلتفت إلى الذين ينحرفون عن هذه القاعدة ; ثم يزعمون بعد ذلك أنهم مؤمنون وهم ينقضون شرط الإيمان وحد الإسلام إذ يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به يلتفت إليهم ليعجب من أمرهم ويستنكر وليحذرهم وأمثالهم من إرادة الشيطان بهم الضلال ويصف حالهم حين يدعون إلى ما أنزل الله وإلى الرسول فيصدون ويعتبر هذا الصدود نفاقا كما اعتبر إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت خروجا من الإيمان بل وعدم دخول فيه ابتداء كما يصف معاذيرهم الواهية الكاذبة في اتباع هذه الخطة المستنكرة حين تجر عليهم الوبال والنكال ومع هذا كله فهو يوجه رسول الله ص إلى النصح لهم وموعظتهم ويختم المقطع كله ببيان ما أراده الله سبحانه من إرسال الرسل وهو أن يطاعوا ثم بنص صريح جازم في شرط الإيمان وحد الإسلام مرة أخرى ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ; ويسلموا تسليمًا إن هذا التصوير لهذه المجموعة التي تصفها النصوص يوحي بأن هذا كان في أوائل العهد بالهجرة يوم كان للنفاق صولة ; وكان لليهود الذين يتبادلون التعاون مع المنافقين قوة وهؤلاء الذين يريدون أن يتحاكموا إلى غير شريعة الله إلى الطاغوت قد يكونون جماعة من المنافقين كما صرح بوصفهم في الآية الثانية من هذه المجموعة وقد يكونون جماعة من اليهود الذين كانوا يدعون حين تجد لهم أقضية مع بعضهم البعض أو أهل المدينة إلى التحاكم إلى كتاب الله فيها التوراة أحيانا وإلى حكم الرسول أحيانا كما وقع في بعض الأقضية فيرفضون ويتحاكمون إلى العرف الجاهلي الذي كان سائدا ولكننا نرجح الفرض الأول لقوله فيهم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك واليهود لم يكونوا يسلمون أو يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى الرسول إنما كان المنافقون هم الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليه وما أنزل من قبله كما هو مقتضى العقيدة الإسلامية من الإيمان بالرسل كلهم وهذا لم يكن يقع إلا في السنوات الأولى للهجرة قبل أن تخضد شوكة اليهود في بني قريظة وفي خيبر وقبل أن يتضاءل شأن المنافقين بانتهاء شأن اليهود في المدينة على أية حال نحن نجد في هذه المجموعة من الآيات تحديدا كاملا دقيقا حاسما لشرط الإيمان وحد الإسلام ونجد شهادة من الله بعدم إيمان الذين يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به كما نجد قسما من الله سبحانه بذاته العلية أنهم لا يدخلون في الإيمان ; ولا يحسبون مؤمنين حتى يحكموا الرسول ص في أقضيتهم ثم يطيعوا حكمه وينفذوا قضاءه طاعة الرضى وتنفيذ الارتياح القلبي ; الذي هو التسليم لا عجزا واضطرارا ولكن طمأنينة وارتضاء ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا ألم تر إلى هذا العجب العاجب قوم يزعمون الإيمان ثم يهدمون هذا الزعم في آن قوم يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ثم لا يتحاكمون إلى ما أنزل إليك وما أنزل من قبلك إنما يريدون أن يتحاكموا إلى شيء آخر وإلى منهج آخر وإلى حكم آخر يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت الذي لا يستمد مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ولا ضابط له ولا ميزان مما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ومن ثم فهو طاغوت طاغوت بادعائه خاصية من خواص الألوهية وطاغوت بأنه لا يقف عند ميزان مضبوط أيضا وهم لا يفعلون هذا عن جهل ولا عن ظن إنما هم يعلمون يقينا ويعرفون تماما أن هذا الطاغوت محرم التحاكم إليه وقد أمروا أن يكفروا به فليس في الأمر جهالة ولا ظن بل هو العمد والقصد ومن ثم لا يستقيم ذلك الزعم زعم أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك إنما هو الشيطان الذي يريد بهم الضلال الذي لا يرجى منه مآب ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدًا فهذه هي العلة الكامنة وراء إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت وهذا هو الدافع الذي يدفعهم إلى الخروج من حد الإيمان وشرطه بإرادتهم التحاكم إلى الطاغوت هذا هو الدافع يكشفه لهم لعلهم يتنبهون فيرجعوا ويكشفه للجماعة المسلمة لتعرف من يحرك هؤلاء ويقف وراءهم كذلك ويمضي السياق في وصف حالهم إذا ما دعوا إلى ما أنزل الله إلى الرسول وما أنزل من قبله ذلك الذي يزعمون أنهم آمنوا به وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا يا سبحان الله إن النفاق يأبى إلا أن يكشف نفسه ويأبى إلا أن يناقض بديهيات المنطق الفطري وإلا ما كان نفاقا إن المقتضى الفطري البديهي للإيمان أن يتحاكم الإنسان إلى ما آمن به وإلى من آمن به فإذا زعم أنه آمن بالله وما أنزل وبالرسول وما أنزل إليه ثم دعي إلى هذا الذي آمن به ليتحاكم إلى أمره وشرعه ومنهجه ; كانت التلبيه الكاملة هي البديهية الفطرية فأما حين يصد ويأبى فهو يخالف البديهية الفطرية ويكشف عن النفاق وينبى ء عن كذب الزعم الذي زعمه من الإيمان وإلى هذه البديهية الفطرية يحاكم الله سبحانه أولئك الذين يزعمون الإيمان بالله ورسوله ثم لا يتحاكمون إلى منهج الله ورسوله بل يصدون عن ذلك المنهج حين يدعون إليه صدودا ثم يعرض مظهرا من مظاهر النفاق في سلوكهم ; حين يقعون في ورطة أو كارثة بسبب عدم تلبيتهم للدعوة إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ; أو بسبب ميلهم إلى التحاكم إلى الطاغوت ومعاذيرهم عند ذلك وهي معاذير النفاق فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا وهذه المصيبة قد تصيبهم بسبب انكشاف أمرهم في وسط الجماعة المسلمة يومذاك حيث يصبحون معرضين للنبذ والمقاطعة والازدراء في الوسط المسلم فما يطيق المجتمع المسلم أن يرى من بينه ناسا يزعمون أنهم آمنوا بالله وما أنزل وبالرسول وما أنزل إليه ; ثم يميلون إلى التحاكم لغير شريعة الله ; أو يصدون حين يدعون إلى التحاكم إليها إنما يقبل مثل هذا في مجتمع لا إسلام له ولا إيمان وكل ما له من الإيمان زعم كزعم هؤلاء ; وكل ما له من الإسلام دعوى وأسماء أو قد تصيبهم المصيبة من ظلم يقع بهم ; نتيجة التحاكم إلى غير نظام الله العادل ; ويعودون بالخيبة والندامة من الاحتكام إلى الطاغوت ; في قضية من قضاياهم أو قد تصيبهم المصيبة ابتلاء من الله لهم لعلهم يتفكرون ويهتدون وأياما ما كان سبب المصيبة ; فالنص القرآني يسأل مستنكرا فكيف يكون الحال حينئذ كيف يعودون إلى الرسول ص يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا إنها حال مخزية حين يعودون شاعرين بما فعلوا غير قادرين على مواجهة الرسول ص بحقيقة دوافعهم وفي الوقت ذاته يحلفون كاذبين أنهم ما أرادوا بالتحاكم إلى الطاغوت وقد يكون هنا هو عرف الجاهلية إلا رغبة في الإحسان والتوفيق وهي دائما دعوى كل من يحيدون عن الاحتكام إلى منهج الله وشريعته أنهم يريدون اتقاء الإشكالات والمتاعب والمصاعب التي تنشأ من الاحتكام إلى شريعة الله ويريدون التوفيق بين العناصر المختلفة والاتجاهات المختلفة والعقائد المختلفة إنها حجة الذين يزعمون الإيمان وهم غير مؤمنين وحجة المنافقين الملتوين هي هي دائما وفي كل حين والله سبحانه يكشف عنهم هذا الرداء المستعار ويخبر رسوله ص أنه يعلم حقيقة ما تنطوي عليه جوانحهم ومع هذا يوجهه إلى أخذهم بالرفق والنصح لهم بالكف عن هذا الالتواء أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا أولئك الذين يخفون حقيقة نواياهم وبواعثهم ; ويحتجون بهذه الحجج ويعتذرون بهذه المعاذير والله يعلم خبايا الضمائر ومكنونات الصدور ولكن السياسة التي كانت متبعة في ذلك الوقت مع المنافقين كانت هي الإغضاء عنهم وأخذهم بالرفق واطراد الموعظة والتعليم والتعبير العجيب وقل لهم في أنفسهم قولا بليغًا تعبير مصور كأنما القول يودع مباشرة في الأنفس ويستقر مباشرة في القلوب وهو يرغبهم في العودة والتوبة والاستقامة والاطمئنان إلى كنف الله وكنف رسوله بعد كل ما بدا منهم من الميل إلى الإحتكام إلى الطاغوت ; ومن الصدود عن الرسول ص حين يدعون إلى التحاكم إلى الله والرسول فالتوبة بابها مفتوح والعودة إلى الله لم يفت اوانها بعد ; واستغفارهم الله من الذنب واستغفار الرسول لهم فيه القبول ولكنه قبل هذا كله يقرر القاعدة الأساسية وهي أن الله قد أرسل رسله ليطاعوا بإذنه لا ليخالف عن أمرهم ولا ليكونوا مجرد وعاظ ومجرد مرشدين وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيمًا وهذه حقيقة لها وزنها إن الرسول ليس مجرد واعظ يلقي كلمته ويمضي لتذهب في الهواء بلا سلطان كما يقول المخادعون عن طبيعة الدين وطبيعة الرسل ; أو كما يفهم الذين لا يفهمون مدلول الدين إن الدين منهج حياة منهج حياة واقعية بتشكيلاتها وتنظيماتها وأوضاعها وقيمها وأخلاقها وآدابها وعباداتها وشعائرها كذلك وهذا كله يقضي أن يكون للرسالة سلطان سلطان يحقق المنهج وتخضع له النفوس خضوع طاعة وتنفيذ والله أرسل رسله ليطاعوا بإذنه وفي حدود شرعه في تحقيق منهج الدين منهج الله الذي أراده لتصريف هذه الحياة وما من رسول إلا أرسله الله ليطاع بإذن الله فتكون طاعته طاعة لله ولم يرسل الرسل لمجرد التأثر الوجداني والشعائر التعبدية فهذا وهم في فهم الدين ; لا يستقيم مع حكمة الله من إرسال الرسل وهي إقامة منهج معين للحياة في واقع الحياة وإلا فما أهون دنيا كل وظيفة الرسول فيها أن يقف واعظا لا يعنيه إلا أن يقول كلمته ويمضي يستهتر بها المستهترون ويبتذلها المبتذلون ومن هنا كان تاريخ الإسلام كما كان كان دعوة وبلاغا ونظام وحكما وخلافة بعد ذلك عن رسول الله ص تقوم بقوة الشريعة والنظام على تنفيذ الشريعة والنظام لتحقيق الطاعة الدائمة للرسول وتحقيق إرادة الله من إرسال الرسول وليست هنالك صورة أخرى يقال لها الإسلام أو يقال لها الدين إلا أن تكون طاعة للرسول محققة في وضع وفي تنظيم ثم تختلف أشكال هذا الوضع ما تختلف ; ويبقى أصلها الثابت وحقيقتها التي لا توجد بغيرها استسلام لمنهج الله وتحقيق لمنهج رسول الله وتحاكم إلى شريعة الله وطاعة للرسول فيما بلغ عن الله وإفراد لله سبحانه بالألوهية شهادة أن لا إله إلا الله ومن ثم إفراده بالحاكمية التي تجعل التشريع ابتداء حقا لله لا يشاركه فيه سواه وعدم احتكام إلى الطاغوت في كثير ولا قليل والرجوع إلى الله والرسول فيما لم يرد فيه نص من القضايا المستجدة والأحوال الطارئه ; حين تختلف فيه العقول وأمام الذين ظلموا أنفسهم بميلهم عن هذا المنهج الفرصة التي دعا الله المنافقين إليها على عهد رسول الله ص ورغبهم فيها ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيمًا والله تواب في كل وقت على من يتوب والله رحيم في كل وقت على من يؤوب وهو سبحانه يصف نفسه بصفته ويعد العائدين إليه المستغفرين من الذنب قبول التوبة وإفاضة الرحمة والذين يتناولهم هذا النص ابتداء كان لديهم فرصة استغفار الرسول ص وقد انقضت فرصتها وبقي باب الله مفتوحا لا يغلق ووعده قائما لا ينقض فمن أراد فليقدم ومن عزم فليتقدم وأخيرا يجيء ذلك الإيقاع الحاسم الجازم إذ يقسم الله سبحانه بذاته العلية أنه لا يؤمن مؤمن حتى يحكم رسول الله ص في أمره كله ثم يمضي راضيا بحكمه مسلما بقضائه ليس في صدره حرج منه ولا في نفسه تلجلج في قبوله فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليمًا ومرة أخرى نجدنا أمام شرط الإيمان وحد الإسلام يقرره الله سبحانه بنفسه ويقسم عليه بذاته فلا يبقى بعد ذلك قول لقائل في تحديد شرط الإيمان وحد الإسلام ولا تأويل لمؤول اللهم إلا مماحكة لا تستحق الاحترام وهي أن هذا القول مرهون بزمان وموقوف على طائفة من الناس وهذا قول من لا يدرك من الإسلام شيئا ; ولا يفقه من التعبير القرآني قليلا ولا كثيرا فهذه حقيقة كلية من حقائق الإسلام ; جاءت في صورة قسم مؤكد ; مطلقة من كل قيد وليس هناك مجال للوهم أو الإيهام بأن تحكيم رسول الله ص هو تحكيم شخصه إنما هو تحكيم شريعته ومنهجه وإلا لم يبق لشريعة الله وسنة رسوله مكان بعد وفاته ص وذلك قول أشد المرتدين ارتدادا على عهد أبى بكر رضي الله عنه وهو الذي قاتلهم عليه قتال المرتدين بل قاتلهم على ما هو دونه بكثير وهو مجرد عدم الطاعة لله ورسوله في حكم الزكاة ; وعدم قبول حكم رسول الله فيها بعد الوفاة وإذا كان يكفي لإثبات الإسلام أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله فانه لا يكفي في الإيمان هذا ما لم يصحبه الرضى النفسي والقبول القلبي وإسلام القلب والجنان في اطمئنان هذا هو الإسلام وهذا هو الإيمان فلتنظر نفس أين هي من الإسلام ; وأين هي من الإيمان قبل ادعاء الإسلام وادعاء الإيمان

    فهرس الوحدة

    الدرس الرابع يسر التكاليف الشرعية وثواب الملتزم بها

    وبعد أن يقرر أن لا إيمان قبل تحكيم رسول الله ص وقبل الرضى والتسليم بقضائه يعود ليقول إن هذا المنهج الذي يدعون إليه ; وهذه الشريعة التي يقال لهم تحاكموا إليها لا لسواها وهذا القضاء الذي يتحتم عليهم قبوله والرضاء به إنه منهج ميسر وشريعة سمحة وقضاء رحيم إنه لا يكلفهم شيئا فوق طاقتهم ; ولا يكلفهم عنتا يشق عليهم ; ولا يكلفهم التضحية بعزيز عليهم فالله يعلم ضعف الإنسان ; ويرحم هذا الضعف والله يعلم أنهم لو كلفوا تكاليف شاقة ما أداها إلا قليل منهم وهو لا يريد لهم العنت ولا يريد لهم أن يقعوا في المعصية ومن ثم لم يكتب عليهم ما يشق وما يدعو الكثيرين منهم للتقصير والمعصية ولو أنهم استجابوا للتكاليف اليسيرة التي كتبها الله عليهم ; واستمعوا للموعظة التي يعظهم الله بها ; لنالوا خيرا عظيما في الدنيا والآخرة ; ولأعانهم الله بالهدى كما يعين كل من يجاهد للهدى بالعزم والقصد والعمل والإرادة في حدود الطاقة ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ; وإذن لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ; ولهديناهم صراطا مستقيمًا إن هذا المنهج ميسر لينهض به كل ذي فطرة سوية إنه لا يحتاج للعزائم الخارقة الفائقة التي لا توجد عادة إلا في القلة من البشر وهذا الدين لم يجيء لهذه القلة القليلة إنه جاء للناس جميعا والناس معادن وألوان وطبقات من ناحية القدرة على النهوض بالتكاليف وهذا الدين ييسر لهم جميعا أن يؤدوا الطاعات المطلوبة فيه وأن يكفوا عن المعاصي التي نهى عنها وقتل النفس والخروج من الديار مثلان للتكاليف الشاقة التي لو كتبت عليهم ما فعلها إلا قليل منهم وهي لم تكتب لأنه ليس المراد من التكاليف أن يعجز عنها عامة الناس ; وأن ينكل عنها عامة الناس بل المراد أن يؤديها الجميع وأن يقدر عليها الجميع وأن يشمل موكب الإيمان كل النفوس السوية العادية ; وأن ينتظم المجتمع المسلم طبقات النفوس وطبقات الهمم وطبقات الاستعدادات ; وأن ينميها جميعا ويرقيها في أثناء سير الموكب الحافل الشامل العريض قال ابن جريج حدثنا المثنى إسحاق أبو الأزهر عن إسماعيل عن أبى إسحاق السبيعي قال لما نزلت ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم الآية قال رجل لو أمرنا لفعلنا والحمد لله الذي عافانا فبلغ ذلك النبي ص فقال < إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي > وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن مصعب بن ثابت عن عمه عامر بن عبدالله بن الزبير قال لما نزلت ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم قال رسول الله ص < لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم > وفي رواية له بإسناده عن شريح بن عبيد قال لما تلا رسول الله ص هذه الآية ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم الآية أشار رسول الله ص بيده إلى عبدالله ابن رواحة فقال < لو أن الله كتب هذا لكان هذا من أولئك القليل > وكان رسول الله ص يعرف رجاله معرفة وثيقة عميقة دقيقة ; ويعرف من خصائص كل منهم ما لا يعرفه كل منهم عن نفسه وفي السيرة من هذا الكثير من الشواهد على خبرة الرسول ص بكل واحد من رجاله ; وخبرته كذلك بالرجال والقبائل التي كانت تحاربه خبرة القائد البصير بكل ما حوله ومن حوله في دقة عجيبة لم تدرس بعد الدراسة الواجبة وليس هذا موضوعنا ولكن موضوعنا أن رسول الله ص كان يعرف أن في أمته من ينهض بالتكاليف الشاقة لو كتبت عليهم ولكنه كان يعرف كذلك أن الدين لم يجيء لهذه القلة الممتازة في البشرية كلها وكان الله سبحانه يعلم طبيعة هذا الإنسان الذي خلقه ; وحدود طاقته ; فلم يكتب على الناس في الدين الذي جاء للبشر أجمعين إلا ما هو ميسر للجميع ; حين تصح العزيمة وتعتدل الفطرة وينوي العبد الطاعة ولا يستهتر ولا يستهين وتقرير هذه الحقيقة ذو أهمية خاصة ; في مواجهة الدعوات الهدامة ; التي تدعو الإنسان إلى الانحلال والحيوانية والتلبط في الوحل كالدود بحجة أن هذا هو واقع الإنسان وطبيعته وفطرته وحدود طاقته وأن الدين دعوة مثالية لم تجيء لتحقق في واقع الأرض ; وإذا نهض بتكاليفها فرد فإن مائة لا يطيقون هذه دعوى كاذبة أولا ; وخادعة ثانيا ; وجاهلة ثالثا لأنها لا تفهم الإنسان ولا تعلم منه ما يعلمه خالقه الذي فرض عليه تكاليف الدين ; وهو يعلم سبحانه أنها داخلة في مقدور الإنسان العادي لأن الدين لم يجيء للقلائل الممتازين وإن هي إلا العزيمة عزيمة الفرد العادي وإخلاص النية والبدء في الطريق وعندئذ يكون ما يعد الله به العاملين ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ولهديناهم صراطا مستقيمًا فمجرد البدء يتبعه العون من الله ويتبعه التثبيت على المضي في الطريق ويتبعه الأجر العظيم وتتبعه الهداية إلى الطريق المستقيم وصدق الله العظيم فما يخدع الله سبحانه وتعالى عباده ; ولا يعدهم وعدا لا يفي لهم به ; ولا يحدثهم إلا حديث الصدق ومن أصدق من الله حديثًا في الوقت ذاته ليس اليسر في هذا المنهج هو الترخص ليس هو تجميع الرخص كلها في هذا الدين وجعلها منهج الحياة فهذا الدين عزائم ورخص والعزائم هي الأصل والرخص للملابسات الطارئة وبعض المخلصين حسني النية الذين يريدون دعوة الناس إلى هذا الدين يعمدون إلى الرخص فيجمعونها ويقدمونها للناس على أنها هي هذا الدين ويقولون لهم انظروا كم هو ميسر هذا الدين وبعض الذين يتملقون شهوات السلطان أو شهوات الجماهير يبحثون عن منافذ لهذه الشهوات من خلال الأحكام والنصوص ; ويجعلون هذه المنافذ هي الدين وهذا الدين ليس هذا وليس ذاك إنما هو بجملته برخصه وعزائمة ميسر للناس يقدر عليه الفرد العادي حين يعزم ويبلغ فيه تمام كماله الذاتي في حدود بشريته كما يبلغ تمام كماله الذاتي في الحديقة الواحدة العنب والخوخ والكمثرى والتوت والتين والقثاء ولا تكون كلها ذات طعم واحد ولا يقال عن أحدها إنه غير ناضج حين يبلغ نضجه الذاتي إذا كان طعمه أقل مرتبة من النوع الآخر في حديقة هذا الدين ينبت البقل والقثاء ; وينبت الزيتون والرمان وينبت التفاح والبرقوق وينبت العنب والتين وينضج كله ; مختلفة طعومه ورتبه ولكنه كله ينضج ويبلغ كماله المقدر له إنها زرعة الله في حقل الله برعاية الله وتيسير الله

    فهرس الوحدة

    الدرس الخامس الصالحون مع الصالحين في الجنة

    وفي نهاية هذه الجولة ونهاية هذا الدرس يعود السياق إلى الترغيب ; واستجاشة القلوب ; والتلويح للأرواح بالمتاع الحبيب متاع الصحبة في الآخرة للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليمًا إنها اللمسة التي تستجيش مشاعر كل قلب فيه ذرة من خير ; وفيه بذرة من صلاح وفيه أثارة من التطلع إلى مقام كريم في صحبة كريمة في جوار الله الكريم وهذه الصحبة لهذا الرهط العلوي إنما هي من فضل الله فما يبلغ إنسان بعمله وحده وطاعته وحدها أن ينالها إنما هو الفضل الواسع الغامر الفائض العميم ويحسن هنا أن نعيش لحظات مع صحابة رسول الله ص وهم يتشوقون إلى صحبته في الآخرة ; وفيهم من يبلغ به الوجد ألا يمسك نفسه عند تصور فراقه وهو ص بين ظهرانيهم فتنزل هذه الآية فتندي هذا الوجد ; وتبل هذه اللهفة الوجد النبيل واللهفة الشفيفة قال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب السقمي عن جعفر بن أبى المغيرة عن سعيد بن جبير قال جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله ص وهو محزون فقال له النبى ص < يا فلان ما لي أراك محزونا > فقال يا نبي الله شيء فكرت فيه فقال < ما هو > قال نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك وغدا ترفع مع النبيين فلا نصل إليك فلم يرد عليه النبي ص شيئًا فأتاه جبريل بهذه الآية ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين الآية فبعث النبي ص فبشره وقد رواه أبو بكر بن مردويه مرفوعا بإسناده عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء رجل إلى النبي ص فقال يا رسول الله إنك أحب إلي من نفسي وأحب إلى من أهلي وأحب إلي من ولدي وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك فلم يرد عليه النبي ص حتى نزلت ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا وفي صحيح مسلم من حديث عقل بن زياد عن الأوزاعي عن يحيى بن كثير عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال كنت أبيت عند رسول الله ص فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي < سل > فقلت يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة فقال < أو غير ذلك > قلت هو ذاك قال < فأعني على نفسك بكثرة السجود > وفي صحيح البخاري من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله ص سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال < المرء مع من أحب > قال أنس فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث لقد كان الأمر يشغل قلوبهم وأرواحهم أمر الصحبة في الآخرة وقد ذاقوا طعم الصحبة في الدنيا وإنه لأمر يشغل كل قلب ذاق محبة هذا الرسول الكريم وفي الحديث الأخير أمل وطمأنينة ونور


    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()