بسم الله الرحمن الرحيم
:: الإعجاز العددي بين الحقيقة والوهم ::
المقدمة
يثور جدل واسع حول ما يسمّى بالإعجاز العددي للقرآن الكريم، وإن كان المعارضون قلّة لم تفرّق بين دراسات جادّة إبداعية، ودراسات ركيكة. بل عمدوا إلى الاحتجاج على البطلان بالدراسات السخيفة، وسلّوا سيوفهم في وجوه الأشباح التي لا واقع لها. وليتهم أنصفوا فعرضوا على الناس وجوه هذا الإعجاز، وقدّموا نقدهم المنهجي الموضوعي.
ما يلفت الانتباه أنّ حجج الرافضين للإعجاز العددي تتماثل وتتكرر، ويدهشك أن لا تجد فرقاً كبيراً بين موقف العالم والمتعالم، مما يجعلك تدرك أنّ رفضهم يجعلهم غير راغبين في دراسة المسألة دراسة جادّة، فكأنهم آمنوا أن لا إعجاز عددياً، وبالتالي لا داعي لإضاعة الوقت فيما لا طائل منه. أمّا الذين كلفوا أنفسهم الكتابة باسم الرافضين، فقد جمعوا أدلة الرافضين وقدّموها للناس على أنها القول الفصل الذي لا يجوز مخالفته. وعندما يشعرون بضعف موقفهم يسترون ضعفهم بعبارات طنانة، وشتائم وأوصاف قد تجدي فقط في ردع الذين يطلبون السّلامة، ويرغبون في أن يصفهم الناس بالتقاة الصالحين، وكأنهم لا يعلمون أنّ الذي ينهل من روح القرآن الكريم لا يقيم وزناً إلا للحقيقة الربّانية.
الكتاب الذي نعالجه في هذه العجالة يصلح أن يكون مثالاً للدلالة على منهج الرافضين غير الجادّين. وهو لطالب ماجستير، أشرف على دراسته من يحمل درجة الدكتوراة، وقرّظه كاتب لا يقل عدد الكتب التي ألفها، أو حققها، عن عشرة كتب، وذلك في حدود علمنا. كل ذلك لا يغني عن الحق شيئا، فضعف حجج المنكرين للإعجاز العددي لايخفى على المختصين، ولا على غير المختصين، لأنّ ضعفهم يتجلى بالدرجة في منهجية التفكير لديهم.
عندما اقترح عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، على أبي بكر أن يجمع القرآن الكريم تردد رضي الله عنه، ثم مضى بعد أن اطمأنّ إلى أنّ المصلحة في جمعه. وعندما أضيف النقط والشكل إلى النص القرآني الكريم لقي ذلك معارضة أيضاً، حتى اطمأن الناس إلى إيجابية تلك الإضافات. وهذا ما حصل عندما أضيف الترقيم إلى الآيات الكريمة، ثم ما لبثت المعارضة أن تلاشت، بل إننا نلاحظ اليوم أنّ هناك من يطبع المصاحف من غير أن يضيف رقم السورة في المصحف، وكأنهم لم يقتنعوا بعد بأنّ ذلك أيسر للناس، ولا يخلّ بقداسة القرآن الكريم، وتنزيهه عن الزيادة أوالنقصان. وهذا الموقف لايخلو من إيجابيّات، لأنّ الحذر مطلوب عند التعامل مع أيّ جديد يتعلق بالقرآن الكريم.
وعليه فإننا ننظر بإيجابية إلى وجود معارضين لما نسميه بالإعجاز العددي، ولكننا نرجو أن تكون هذه المعارضة جادّة، وصادقة، وموضوعيّة. وكم نُسرّ عندما نجد أنّ المعارض يقدّم الدليل المقنع ، لأنّ هذا يساهم في تصويب المسيرة، ويحفظ من الزلل. وكم نشعر بالغيظ عندما نرى أنّ المعارض لا يفهم شيئاً عن الموضوع، ثم هو يناقش ويجادل، ويبلغ غيظك مداه عندما تراه ُيقدّم لك الأدلة التي يخجل منها الأطفال.
هذا عالم كبير مشهور بمنهجيته، وكتبه تملأ الأسواق، سُئل عن قضية العدد تسعة عشر فسارع إلى رفض المسألة، وبدل أن يقدِّم الدليل القوي والمقنع، تجده ينتقي الرد الذي يدهشك في غرابته وإغرابه فيقول:" يقولون إن بسم الله الرحمن الرحيم تسعة عشر حرفاً، وهذا غير صحيح" ألا يعلم هذا الشيخ الجليل أنّ القرّاء سيبادرون إلى عد الحروف، وعندها سوف لن تسعفه الحذلقات، لأنه لا يجوز أن تكتب البسملة إلا على صورتها المدونة في المصحف، والتي هي تسعة عشر حرفاً. والأغرب من هذا أن تجد أكثر من كاتب، وأكثر من عالِم، يستدلون بهذا الدليل المُستفِز. وهذا يدل على أنهم لا يعلمون شيئاً عن الموضوع، ولم ترض لهم كبرياؤهم أن يعترفوا بأنهم لم يدرسوا المسألة.
ليس كل من كتب في وجوه الإعجاز القرآني أحسنَ وأجاد، بل نجد أنّ الكتابات الركيكة والمتكلّفة هي الأكثر شيوعاً. ولا نقصد هنا الكتابات المعاصرة فقط، بل تجد أنّ الكثير مما كُتب في إعجاز القرآن الكريم، منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا، قد غلب عليه التكرار، وعدم العمق في تناول المسألة. والآن نجد أنّ أغلب ما يُكتب في الإعجاز العلمي، على وجه المثال، يتسم بالتكلف والركاكة، فهل يجوز أن يحملنا ذلك على رفض الأبحاث الجادّة والابداعية؟! وما يقال في وجوه الإعجاز المختلفة يقال أيضاً في الإعجاز العددي، فأنت تجد أنّ الأبحاث الركيكة هي الغالبة في كتابات المعاصرين، وهذا أمرمتوقّع في كل علم. وعليه لا يليق برافضي فكرة الإعجاز العددي أن يجعلوا من أنفسهم فرساناً يصولون ويجولون، ويبارزون الفزّاعات الوهميّة، فيهدرون أوقاتهم وهم يناقشون أبحاثاً لا طائل منها، ويوهمون الناس أنّ هذا هو الإعجاز العددي.
إن حُبّ الإسلام، وصدق الرغبة في تنزيه القرآن، يدفعان إلى التدقيق والتحقيق، وإلى الدقّة والموضوعية، والمنهجية السويّة في القبول والرفض. أمّا المسارعة إلى الرفض، من غير علم وإحاطة بالموضوع، فهي من علامات عدم التقوى، قبل أن تكون من علامات الجهل، فكيف بهم وهم يهجمون على الناس بكل تهمة، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون؟!
أخرجنا عام 1990م كتاب :"إعجاز الرقم 19 في القرآن الكريم مقدمات تنتظر النتائج"، وناقشنا فيه بحث المدعو رشاد خليفة، وبيّنا مواضع الخلل في بحثه. وقبل ذلك قمنا بمراسلته، واستخدمنا كافة الوسائل للتحقق من انحرافه قبل أن نلمِّح بذلك. وقدّمنا للناس تفصيلاً بمواضع الخلل والزلل في بحثه. وعلى الرغم من إدراكنا لخروجه عن الإسلام، فإنّ ذلك لم يمنعنا أن نبيّن للناس المواضع التي أصاب فيها، وما لنا ألا نقبل الحق عندما يظهر، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق بها.
نظراً لإدراكنا أهمية الإعجاز العددي، وانعكاساته الإيجابية على الدراسات القرآنية، فقد قمنا بتخصيص بعض الوقت للبحث والكتابة في هذا المجال. وقد منّ الله علينا بجمال هذا العلم وجلاله، ولا يزال القلم عاجزاً عن رسم جوانب هذا الجمال، ولكن المؤشرات تبشّر بخير عظيم. أمّا المعارضات فإلى وقت، ثم تتلاشى بعد أن يطمئن الناس إلى صِدقيّة هذه البحوث.
أربعة من العلماء الفضلاء، يعيشون في الخليج، أرسلوا إلينا بنقدهم لبعض أبحاثنا، وسرّنا هذا التوجه الإيجابي، وقدّرنا لهم صدقهم وحرصهم. وزاد من سرورنا أنّ رابعهم قام بتفنيد حججهم، مدوناً ذلك في هامش الأوراق. وبحكم تخصصنا في هذه المسألة، كان من السهل علينا أن نبين لهم وجه الحقيقة. والأمثلة الإيجابية على مثل هذه المواقف ليست قليلة. في المقابل رأينا صوراً مناقضة، لا يسرك أن تسمعها، نرى أنها من ضرورات الطريق، وكم تجنبنا الرد على من كتب في النقد، لعلمنا بأن ردنا سَيُحرج بعض الفضلاء، لعدم التكافؤ في هذه المسألة، فشتّان بين المقيم وعابر السبيل.إلا أنّ بعض الناصحين رأى أنه لا بد من ذلك، وليتحمّل الأخوة مسئولية تسرعهم وعدم منهجيتهم، ولا يضرهم ما يصيبهم إن كانوا صادقين مع الله.
آخر ما قرأناه في ذلك كتاب بعنوان :" الإعجاز العددي في القرآن بين الحقيقة والوهم" تأليف فاتح حسني محمود، حائز على الماجستير في التفسير وعلوم القرآن الكريم، من الجامعة الأردنية. والكتاب مطبوع عام 2002م. وكان يمكن أن نضرب صفحاً عنه، كما فعلنا مع غيره، عندما كنا نشعر بركاكة الطرح، ولكن عندما يكون الكتاب عبارة عن بحث مقدّم لاستكمال متطلبات مادة إعجاز القرآن الكريم، لطلبة الدراسات العليا في كلية الشريعة، قسم التفسير، وعندما يشرف عليه رئيس قسم حائز على درجة الدكتوراه- فريد السلمان-، وعندما يقرظ الكتاب كاتب اسمه إبراهيم محمد العلي، يصبح الأمر عندها مستحقاً لكتابة مقالة تُحصّن الناس من الانخداع بالألقاب، وقد تدفع البعض إلى التحقق قبل الإقدام على رفض خير عظيم، يبشّر بفتوح لها ما بعدها.
في البداية نقرأ في تقريظ الأخ إبراهيم محمد العلي الآتي:" ... فأتى على بنيان هذه الدراسات من قواعدها، وبين تهافت دعوى وجود الإعجاز العددي ... وقد اتسمت دراسته على وجازتها بالأدب في نقاش أصحاب هذا الرأي" وإليك بعضاً من هذا الأدب الجَمّ إذ يقول بعد التمهيد صفحة 11 :" إنّ فكرة العدد والأعداد في القرآن ليست وليدة معاصرة، بل هي مبكرة جداً قدم رسالة الإسلام بل هي ربيبة يهودية خبيثة، وحسابات يهودية بحتة وما هو حاصل في هذه الأيام هو زخرفة ..." وأمّا الأخ العلي فيستمر في تقريظه فيقول :" ... فسررت بقدرة الباحث العلمية، وبأدبه الجم ..." ولسنا معنيين بأدبه الجمّ، فهذه قضية يبدو أنها باتت نسبية. وما يهمنا هنا هو الجانب العلمي، فقد هالنا أن تصل جامعاتنا إلى هذا المستوى، وهالنا أن يباع العلم في سوق المجاملات، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بكتاب الله العزيز.
لم يتيسّر لنا أن نقرأ أغلب الكتب التي انتقدها الكاتب، وعليه فالذي يعنينا في هذا المقام هو ما ورد من انتقاد لبعض أبحاثنا. ومع ذلك سيجد القارئ أمثلة على خطئه في انتقاد غيرنا، مع علمنا بوجود كثير من الأبحاث العددية التي لا تستحق المناقشة، يتخذها البعض مطيّة لرفض الإعجاز العددي برمته.
الكتاب صغير، ويتألف من 93 صفحة، وهو على وجازته مليء بالأخطاء، ولم يناقش المسألة مناقشة جادّة تليق بهذا الوجه من وجوه الإعجاز القرآني، ويلحظ أنّ الكاتب تابع في ردوده غيره ممن لا يشعرون بجلال المسألة ، وإليك أمثلة من هذا لكتاب الذي أشرف عليه دكتور يشرف على طلبة الماجستير، وقرظه كاتب يكتب في الحديث الصحيح:
1. في الصفحة 32 ينتقد الكاتب فاتح كتاب معجزة القرآن العددية، لصدقي البيك، ويقول إن الكاتب مبهور برشاد خليفة، وإن كتابه ثناء وتعزيز له. الحقيقة هي أن صدقي البيك قام بدراسة بحث رشاد خليفة، وبين مواضع الخطأ، ومواضع الصواب، وكان من القلة التي عملت على التحقق من صدق بحث رشاد خليفة، وكان ذلك قبل أن يظهر انحراف رشاد خليفة، وينكشف كذبه. فلماذا يتعمد الكاتب أن يسيء إلى الرجل، ويجعله مناصراً لرشاد خليفة؟! وليت الكاتب بذل من الجهد في التحقق معشار ما بذله صدقي البيك.
2. يقول الكاتب فاتح معترضاً على صدقي البيك صفحة 32 :" يقول إنّ مجموع حروف صاد في سورة ص ، مريم، والأعراف = 152، وهي 19×8 وهذا خطأ، فعدد الصادات في الأعراف 93 ومريم 23 وفي ص 29 والمجموع 145 وليس 152، فها قد رجعنا يا أستاذ صدقي فوجدنا العدد ليس كما تقول فهل رجعت أنت".
يَعرفُ صدقي البيك أنّ تكرار حرف الصاد في سورة الأعراف هو98، ولكنه لم يحسب على طريقته حرف الصاد في كلمة (بصطة) لأنها تقرأ (بسطة)، ويعلم صدقي البيك أنّ تكرار حرف الصاد في سورة مريم هو 26 وتكراره في سورة ص هو 29. وعليه يكون عدد الصادات، وفق ما بيته صدقي البيك، هو فعلاً 152. ونحن نفهم أن يقول البعض إن تكرار الصاد في الأعراف هو 98، وتكراره في مريم هو 26، فمن أين جاء الأخ فاتح بقوله 93 في الأعراف، و23 في مريم؟! ألا يستطيع أن يستخدم أبسط برامج الكمبيوتر للتحقق من إحصاءاته، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بحرف كالصاد، وليس الألف أو الياء أو الهمزة، حيث يصعب ذلك في برامج الكمبيوتر؟!
3. ثم انظر إليه صفحة 33 كيف يسخر من الأستاذ صدقي، ويقول إنه أحصى تكرار السين فوجده 45 ويعقب فيقول:" أي ضياع للوقت هذا ولمصلحة من نقدم للناس معلومات خاطئة ما هو موقفنا من العالم حين يرى المستوى الفكري لعلماء المسلمين بهذا المستوى" في الحقيقة أخي القارئ أنّ إحصاء الأستاذ صدقي البيك هو الصحيح. ولو كنا نتمتع بأدب الأستاذ فاتح الجمّ لسألناه: " ... لمصلحة من تقدّم أنت للناس معلومات خاطئة..."؟!
4. ثم انظر إليه وهو يفنِّد بعض ما ورد في كتاب اسمه أسرار معجزة القرآن، لعبد الحليم السلقيني، حيث يقول الكاتب فاتح صفحة 42 :" ولو عددت عزيزي القارئ حروف الآية الأخيرة لوجدتها 73 وليس كما قال 72" ويقصد الآية 18 من سورة يوسف: " وجاءوا على قميصه بدم كذب ..." واضح أنه أخطأ في عدّ حروف كلمة (وجاءوا) ولو رجع إلى المصحف لوجدها قد كتبت دون ألف هكذا (وجاءو). واللافت أنه يَحوز على ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، وأشرف عليه من يحمل الدكتوراه، ويشرف على رسائل الماجستير في علوم القرآن، ولم يخطر ببال أحدهما أنّ الرسم العثماني للمصحف هو توقيفي، أي عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحياً، وبالتالي لا بد من الرجوع إلى المصحف في العدّ. وقد تكرر منه هذا الخطأ في أكثر من موضع، مما يدل على أنّ التعصّب قد أذهله عن الانتباه إلى أبسط الحقائق القرآنيّة!!
5. يقول في صفحة 51 : " ... أما أن نجمع عدد آيات السورتين ونقول إنه 222 ليوافق نظرية زوال بني إسرائيل وأنها سنة 2022 ونحسب حسابات عددية ..." وهو بهذا الكلام يُعرّض ببحثنا الذي أخرجناه بعنوان :" زوال إسرائيل 2022م نبوءة أم صدف رقمية" وهو بذلك يَعرض البحث بصورة ساذجة، لا واقع لها؛ فليس هناك في الكتاب العدد 222 وليس هناك جمع لكلمات سورتين بالصورة التي يطرحها، ومن يرجع إلى كتابنا المذكور، وعلى وجه الخصوص الطبعة الثالثة الصادرة هذا العام 2002م، وما تبعه من كتب تعززه، وهي كتاب: (لتعلموا عدد السنين والحساب 309) وكتاب (الميزان 456 بحوث في العدد القرآني) يدرك أنّ الأمر يختلف تماماً عن الصورة التي يحاول البعض أن يطرحها. ونحن نعلم أنهم لا يعلمون حقيقة الأمر، بل هو التقليد للآخرين من غير فكر ولا رَويّة.
هذه الأخطاء التي وقع فيها الكاتب فاتح حسني محمود بعض ما لاحظناه سريعاً عند انتقاده لكتب لم نقرأ منها سوى كتاب صدقي البيك، ولا ندري ما يمكن أن يكون عليه رد أصحاب هذه الكتب. وعلى أية حال كان هدفنا هنا أن نقدّم بهذه الملاحظات قبل أن نناقش ما ورد في ردوده على بعض بحوثنا، والتي خصص لها أقل من سبع صفحات صغيرة، على الرغم من أننا كتبنا في الإعجاز العددي، حتى الآن، ستة كتب؛ خمسة منها يمكن له أن يقرأها مطبوعة، أو منشورة في الصفحة الالكترونية لمركز نون لدراسات القرآنية. وإليك بعض مؤاخذاته، وانتقاداته، التي أقرّه عليها المشرف المختص:
1. حساب الجُمّل: هو إعطاء كل حرف من حروف (أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ) قيمة عددية، بحيث يمكن أن نعبّر عن عدد معين بكلمة أو جملة؛ فبدل أن نقول: (صَفَر) نقول: 370 على اعتبارأنّ قيمة الصاد 90 وقيمة الفاء 80 وقيمة الراء 200 ... وهكذا. وهو حساب مغرق في القدم، ولا يُعرف له بداية. واللافت أنه استخدم في اللغات السامية المختلفة، ومنها العربية، والعبرية ... وأكثر ما استخدم هذا الحساب في التأريخ. وعندما نزل القرآن الكريم كان العرب يستخدمون هذا الحساب؛ فهو إذن جزء من اللغة العربية، واستمر العرب باستخدامه بعد الإسلام. وبعد هذا التعريف بحساب الجُمّل، إليك بعض اعتراضات الكاتب فاتح على هذا الحساب:
أ. يقول صفحة 56 :" وقد استخدم هذا الحساب المشبوه الأصل ..." تصور عبقرية هذا الكاتب، وعبقرية من نقل عنهم، حيث يقولون إن الحساب مشبوه، هل يحتاج هذا إلى تعليق؟!
ب. يقول صفحة 57 : " هل يجوز لك يا أستاذ بسّام أن تطلق حكماً شرعياً خطيراً وخطير جداً بالاستناد على روايات تاريخية ظنية فردية متأخرة ..." أما الحكم الشرعي الخطير جداً فهو أنني قلت إنه لم يرد في الشرع ما يثبت، ولا ما ينفي حساب الجُمّل، وبالتالي فهو من المباحات. هذا هو الحكم الشرعي الخطير جداً، والذي يعاتبني الكاتب عليه، ويقره المشرف الدكتور، ويقرظه الكاتب الذي يكتب في علم الحديث. والأعجب من هذا أنه اعتبر أنّ الأمثلة التي طرحناها للتدليل على استخدام العرب لحساب الجُمّل في التأريخ هي الدليل الذي أخذنا منه هذا الحكم بالإباحة؛ انظر قوله صفحة 57 :" ... فهل التاريخ مصدر من مصادر التشريع وأنت خريج الشريعة يا أستاذ بسّام، وتقول إنّه لا غبار عليه من الوجهة الشرعية ..."!! نعم هذه هي طريقة الفهم والمعالجة، وهي ليست من خصوصيات هذا الكاتب، بل هو يقلّد بعض التقاة، الذين ابتليت الأمة بمنهجيتهم في التفكير والبحث. والمؤسف أن تسوّق هذه المنهجية الفظة عن طريق بعض الشكليات، والمظاهر، والألقاب.
ج. يكرر الكاتب القول إنّ هذا الحساب من عمل اليهود، وهذا لم يثبت إطلاقاً، لأن استخدام هذا الحساب قد عرف في اللغات السامية، بما فيها العبريّة، وعندما نعرف مثلاً متى بدأ العرب يطلقون على الجبل كلمة (جبل)، يمكن عندها أن نعرف متى بدأوا باستخدام حساب الجُمّل.
د. استخدم هذا الحساب في السّحر، والشّعوذة، والكهانة، والتنجيم. ولو تنطّح الكاتب لرفض وإدانة هذا الاستخدام لكان الأمر مفهوماً. ونذكّر هنا بأنّ الألفاظ القرآنية أيضاً قد استخدمت من قِبل السحرة، والمشعوذين، والمنجمين، فهل علينا أن نرفض القرآن من أجل ذلك الاستخدام المنحرف، أم ماذا ؟!
هـ. الذي يهمنا هنا أن يعلم القارئ الكريم أنّ دليلنا على وجود الجُمّل في القرآن الكريم يتمثل في استقراء القرآن؛ فإذا استطعنا أن نحشد الأمثلة الكثيرة على وجوده، فإنّ ذلك يكفينا. وإذا لم يُعتبر ذلك حُجّة، فيكفينا أن يطلع الناس على عجائب قرآنية، ولا ضرر في ذلك؛ فعندما نقول مثلاً إنّ جُمّل كلمة (أبيض) يساوي مجموع أرقام الآيات القرآنية التي وردت فيها كلمة (أبيض)، فإنّ ذلك يثير الانتباه، ويدعو إلى الاعتبار. فأين الحرمة في ذلك، وهل يُقبل إيمانياً أن نقول إنّ ذلك جاءعلى وجه الصدفة ؟! إن كان ذلك يصح في عقيدة الكاتب والمشرف، فإنه لا يصح في عقيدتنا؛ لأننا نقول إنّ كلّ ما نجده في القرآن الكريم هو مرادٌ لله سبحانه وتعالى.
و. يورد الكاتب صفحة 51 اسم كتاب (البيان في عدّ آي القرآن) لأبي عمرو الداني، ثم يدوِّن في الهامش سنة الطبعة، واسم المحقق للكتاب. وليتهُ رجع إلى آخر فصلين في الكتاب، ليجد أنّ أبا عمرو الداني قد خصصهما لحساب الجُمّل!! فليقل لنا لماذا عندما يكتب شيخ القراء في عصره حول عدّ آي القرآن الكريم يختم بالحديث عن حساب الجُمّل؟!
2. بعد أن يناقش الكاتب فكرة حساب الجُمّل بطريقته العجيبة، وبإشراف من يحوز على الدكتوراه، يبدأ بمناقشة بعض الأمثلة التي أوردناها في كتاب لنا:
أ. قلنا في كتابنا (إرهاصات الإعجاز العددي) " عُرِّف المسجد الحرام في القرآن الكريم بأنّه " للذي ببكة مباركاً " ، وجُمّل هذه العبارة هو 1063. وعُرّف المسجد الأقصى بأنّه: " الذي باركنا حوله ". وجُمَّل هذه العبارة أيضاً 1063... "
يقوم الكاتب في صفحة 58 و 59 بحساب عبارة " للذي ببكة مباركاً " فيجدها 1458 وليس 1063 ولم يخطر بباله أنّ الفرق الكبير يقتضي التدقيق والمراجعة، لأن الخطأ يمكن أن يكون في رقم أو رقمين، ولكنّه لم يكلف نفسه عناء البحث والتدقيق. أمّا السر وراء خطئه هذه فهو أنه حسب التاء المربوطة في كلمة (ببكة) بقيمة 400، أي أنّه اعتبرها (ببكت) في حين أنّها ترسم في القرآن الكريم (هاءً). والهاء في حساب الجُمّل قيمتها (5) وعليه يكون مجموع الجُمّل هو 1063. وهذا ما نجري عليه في كل البحوث، من غير استثناء. والغريب أنه يحمل الماجستير في التفسير وعلوم القرآن، ويشرف عليه من يحمل الدكتوراه، ولم يخطر ببال أيّ منهم أن كلمة (بكة) ترسم بالهاء. وإن أصرّ على اعتبارها تاءً فلماذا لم يقل ذلك للقارئ، حتى يكون موضوعياً في حكمه، أم أنها الأمانة العلمية تحول دون ذلك؟! ثم ليقل لنا، هو ومشرفه، لماذا رسمت كلمة (بينة) في القرآن الكريم أيضاً (بينت) وكذلك (امرأة) و (امرأت) وكذلك (نعمة) و(نعمت) ألا يوجد حكمة لهذا الاختلاف في الرسم ؟! وإليك أخي القارئ هذه الأسطر من كتاب متخصص في علوم القرآن الكريم واسمه :( المدخل لدراسة القرآن الكريم) لمحمد أبو شهبة، وهذا مجرد انتقاء عشوائي، يقول صفحة 305: ( وكتبت هاء التأنيث على خلاف الأصل تاء في مواضع من القرآن، وذلك مثل (رحمت) في البقرة وآل عمران وغيرهما، و(نعمت) في البقرة وآل عمران والمائدة وغيرهما، و (سنت) في الأنفال ... إلى غير ذلك) لاحظ قوله (هاء التأنيث).
ثم يقوم الكاتب بحساب جملة " الذي باركنا حوله " فيجدها 1064 وليس 1063. وقد خلص إلى هذه النتيجة على الرغم من أنّه يزعم أنّه قرأ الكتاب قبل أن ينقده، وهناك فكرة تتكرر كثيراً في الكتاب، بل تتكرر أيضاً بعد أسطر قليلة من المثال الذي خطّأهُ، وهي أننا نلتزم رسم المصحف الذي يسمى بالرسم العثماني، والذي هو في رأي جماهير العلماء توقيفي، أي بأمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، وحياً. فلو رجع إلى رسم المصحف، لوجد أنّ كلمة (باركنا) تكتب دون الف، هكذا (بركنا). وعليه يكون الجُمّل 1063. فأين الخطأ ؟! ثم انظر إلى أدبه وهو يقول معقباً: " غريب هل هذا مقصود أم سهو ... فإن تعريض القرآن لهذه الأخطاء الشنيعة هو انحراف عن غاية وهدف القرآن ..." فمن هو الذي يرتكب الأخطاء الشنيعة يا أستاذ فاتح ؟! إننا ندرك أنّه أخطأ ولم يقصد الافتراء، ولكنّ خطيئته في سوء ظنّه بالمسلمين.
ب. في صفحة 60 يؤاخذنا لأننا لفتنا انتباه القارئ إلى أنّ جُمّل " المسجد الأقصا " وفق رسم المصحف هو 361 أي 19× 19. وأن جُمّل " بنو اسرءيل " وفق رسم المصحف هو أيضاً 361. ويخشى أن يؤدي ذلك إلى أن يقول اليهود إنّ المسجد الأقصى لهم ! يقول هذا على الرغم من أن كلامنا يُختم بالعبارة الآتية : " وقد وجدنا أكثر من دلالة لهذا التساوي، أشرنا إليها في بحث آخر، والمقام هنا لا يحتمل التفصيل.."، ثم نقول له في الهامش انظر إن شئت كتابنا (زوال إسرائيل 2022م نبوءة أم ُصدف رقمية).
ج. يقول صفحة60 : " ويقول إنّ جُمّل كلمة (نمل) هو 120 وهو نفس عدد آيات السورة، ونقول له لم هذا الانعدام في المنهجية فلم لم تحسب الألف واللام (النمل).... فهل من المنطق يا أستاذ بسّام خاصة وأنك حسبت حروف الحديد بعد قليل (6) أحرف ".
نقول: لم نقل إن عدد آيات سورة النمل هو 120 بل هو 93 آية. ثم إنّه لو قرأ المسائل التي ينتقدها لوجد أننا نحسب كلمة (الحديد) وكلمة (حديد)، كما سنرى بعد قليل، فلماذا يسأل والجواب تحت عينيه، وليس بعد صفحات؟!
أمّا ما قلناه حول سورة النمل، فخلاصته أنّ سورة النمل تُستهلّ بـ (طس) وقد لفت انتباهنا أنّ حرف الطاء يتكرر في السورة 27 مرّة، وهذا هو ترتيب سورة النمل في المصحف. وأنّ تكرار حرف السين في سورة النمل هو 93 وهذا هو عدد آيات السورة. وأن المجموع هو:( 27+ 93) = 120 وهذا هو جُمّل كلمة (نمل) فما هو الإشكال في طرح هذه الملاحظات؟! نعم وجدناها تساوي جُمّل (نمل) ولم نجدها تساوي جُمّل (النمل) فماذا نصنع، هل نكتم ذلك أم علينا أن نبحث عن السر وراء هذه الملاحظات العددية، في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي هو كلام العليم الخبير؟!
د. يقول في صفحة 60 : " ... فحتى يعطي توافقاً بين ترتيب سورة الحديد وهو 57 في المصحف قال إنّ جُمّل الحديد 57 ولم يقل جُمّل حديد " العجيب أنّه في بداية حديثنا عن مسألة الحديد قلنا إنّ جُمّل (الحديد) هو 57 وهذا يوافق الوزن الذري للنظير الوسط. وقلنا إنّ جُمّل (حديد) هو 26 وهذا يوافق العدد الذري للحديد، ثم يقول لنا لماذا قلتم (الحديد) ولم تقولوا (حديد)... عجيب!!
ويقول صفحة 60 : " وقال إنّ الوزن الذري للحديد هو 57 وهذا خطأ ..." ثم يكتب في الهامش فيقول: " الوزن الذري للحديد ثابت وهو (55.8) ثم زاد الاكتشاف حتى وصل 5 نظائر ..." لو كان قد تدبر كلامنا وهو يقرأ لينتقد لأعفى نفسه من الوقوع في الخطأ المضحك، فما أظنه أتقن علوم القرآن التي تخصص فيها حتى ينصرف إلى الكيمياء.
نقول: إذا كان الوزن الذري هو مجموع (بروتونات + نيوترونات)، ومعلوم أنه لا يوجد ربع أو نصف بروتون أو نيوترون، فكيف يكون الوزن الذري 55.8 ؟ معلوم أن العدد الذري للحديد هو (26) وهذا لا يختلف، أمّا الوزن الذري؛ فعنصر الحديد عدده الذري (26) وأوزانه الذريّة هي: (59،58،57،56،55). ولا يوجد عنصر حديد عدده الذري 26 ووزنه 55.8 وإنما هذا لإعطاء فكرة عن نسبة انتشار هذه النظائر في الطبيعة. والعجيب أننا بيّننا ذلك في كتابنا. ثم أين الخلل من الناحية الشرعيّة عندما نلفت انتباه الناس إلى مثل هذه الملاحظات الجميلة؟! ونحبّ هنا أن نذكّر بأنّنا لم نقف في الكتاب عند هذا الحد، بل أثبتنا بالاستقراء أنّ النظير 57 مقصود دون غيره. وهذا يعني أنه يجب أن يُقدّم هذا النظير على غيره عند دراسة الحديد في القرآن الكريم. وكان يجب على الكاتب فاتح، بعد أن قرأ التفصيلات، أن يسأل نفسه: لماذا النظير 57 بدل أن يسألنا لماذا اخترنا النظير57؟! فنحن لم نختره، بل دلّت كل الملاحظات الاستقرائية على خصوصيته. فلماذا سكت الكاتب عن إيراد الملاحظات البديعة وتساءَل بما يوهم القارئ أن الأمر متكلف. هنيئاً للمشرف بهذا الطالب، الذي كان مقتنعاً بالإعجاز العددي كما يلمح، ثم انقلب لأن المشرف من الرافضين لهذا الإعجاز، ولا أظن أنه يعلم ما يرفض، إذ إنّ هذا هو واقع معظم الرافضين، بل لم نجد لذلك استثناءاً واحداً. وإننا نتمنى أن نجد ناقداً جادّاً يُصوِّب المسيرة، ويهدي السبيل، فإنّنا نخشى أن نكون وحدنا، فنقول في القرآن بغير علم.
هـ. انظر إليه صفحة 62 وهو يستشهد بقول القاضي أبو بكر بن العربي في رفض حساب الجُمّل: " ومن الباطل علم الحروف المقطّعة في أوائل السور، وقد تحصل لي فيها عشرون قولاً وأزيد ولا أعرف أحداً يحكم عليها بعلم ولا يصل منها إلى فهم، والذي أقوله إنه لولا أن العرب كانوا يعرفون أن لها مدلولاً متداولاً عنهم ..." واضح أنّ ابن العربي يتكلم هنا عن الحروف النورانية، والتي تسمى الفواتح، وما قيل في معناها. وكاتبنا يستدل بهذا على رفض حساب الجُمّل، وكان الأجدر به أن يرجع إلى سياق كلام ابن العربي، بدل أن يأخذ عن السّيوطي. ونحن مع ابن العربي في مذهبه هذا، لأنّ ما قيل في تفسير فواتح السور لا يستند إلى دليل معتبر شرعاً. أمّا حساب الجُمَّل فإننا ننكر على كل من استخدمه في السحر والشعوذة والكهانة والتنجيم، كما وننكر على كل من قال في القرآن بغير دليل معتبر؛ فالقول بأنّ جُمَّل حروف الفواتح يشير إلى عمر أمّة الإسلام لا يستند إلى دليل، ولا نحتاج في رفضه إلى أقوال العلماء. في المقابل لم ينكر العلماء على من استخدم حساب الجُمَّل في التأريخ. أما مسلكنا نحن فهو مسلك جديد، لم يعرف من قبل، وليس فيه قول لأحد، ويقوم على استقراء الألفاظ القرآنية، ثم عرض النتيجة على القارئ ليرى فيها رأيه، فهي بحوث أقرب إلى الوصف منها إلى إلى القول في القرآن.
و. يقول صفحة 62 :" ... فمثلاً حسب جُمّل (السنين والحساب) في سورة الإسراء فوجده 309 ففسرها ولتعلموا عدد 309 ... فلماذا حسب ( السنين والحساب) ولماذا لم يبدأ بالعد من عند (عدد السنين والحساب) ".
نقول: بعد الانتهاء من التعقيب على وعد الآخرة في فواتح سورة الإسراء، تأتي الآية 12 في السورة : " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب، وكل شيء فصلناه تفصيلاً"
واللافت هنا الأمور الآتية:
1. الكلام عن عدد السنين والحساب بعد الكلام عن وعد الآخرة وزوال الإفساد الإسرائيلي من الأرض المباركة.
2. لدينا ملاحظات رياضية كثيرة تشير إلى أنّ كل كلمة في سورة الإسراء قابلت سنة. واللافت أنّ كلمة (والحساب) في الآية هي الكلمة (19).
3. في حساب الجُمّل لا بد من كلمة مفتاحية تدلك على العبارة التي يجب أن تحسبها لتصل إلى معرفة التاريخ المدّخر في العبارة، فمثلاً عندما يقول الشاعر:
فقلتُ لمن يقولُ الشِّعرَ أقصر لقد أرّختُ: مات الشعرُ بعده
يكون الحساب بعد كلمة (أرخت) أي نحسب عبارة (مات الشعر بعده) وقد يستخدم الشاعر كلمات أخرى مثل: (عدده، حسابه، تاريخه ...) وعليه فقد قمنا بحساب (السنين والحساب) التي جاءت بعد كلمة (عدد) فكان جُمّلها (309) فكأنه يقول (ولتعلموا عدد 309) ونحن لا يمكن أن نبني على هذه الملاحظة، ولكن يمكن لهذه الملاحظة أن تكون المفتاح الذي يفتح أمامنا بعض أسرار العدد القرآني، وهكذا كان؛ فقد لفت انتباهنا أنّ العدد 309 هو مدّة لبث أصحاب الكهف، وسورة الكهف تأتي بعد سورة الإسراء في ترتيب المصحف، مما يعني وجود التناسب بين السورتين. وعندما درسنا قصة أصحاب الكهف عددياّ، وجدنا علاقات عددية مدهشة لها ارتباط بالنتائج العددية في سورة الإسراء، فرأينا أن نعرض ذلك على القارئ، فكان كتاب: ( ولتعلموا عدد السنين والحساب 309) فليرجع إليه من شاء في صفحة مركز نون الالكترونية. وبهذا يتضح أننا لا نبني على حساب الجُمَّل، وإنّما نبني على ملاحظات تتعلق باللفظة القرآنيّة.
ز. تبدأ قصة الكهف في سورة الكهف بقوله تعالى: ( أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرقيم ..." وفي الآية 25 يقول سبحانه وتعالى: ( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) عندما يسمع الإنسان قوله تعالى : ( ولبثوا في كهفهم) ينتظر أن يجد الجواب فوراً بعد كلمة كهفهم، وفعلاً يأتي الجواب البياني: ( ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا) وإذا قمنا بعدّ الكلمات من بداية القصة فسنجد أنّ كلمة (ثلاث) هي الكلمة 309. وهنا يتساءل الكاتب فاتح لماذا كلمة (ثلاث) ؟ وكأنه لا يدرك أنها الكلمة التي تأتي مباشرة بعد كلمة (كهفهم)، إذ من المفترض أن يكون الجواب فورياً بعد كلمة (كهفهم)، كما هو في الجواب البياني. وإذا كان الجواب البياني مؤلفاً من خمس كلمات مترابطة لتعطي العدد 309، فإن ترتيب كلمة (ثلاث) يكفي ليعطي العدد (309). فلماذا نحسب كلمة غيرها. وهي التي تعطينا الجواب الفوري؟! وعليه فإنّ كلّ كلمة في قصة أصحاب الكهف قابلت سنة. ولا بد لذلك من فائدة، لأنّ القرآن هو كلام الخبير العليم، وبالتالي لا مجال للقول بالصدفة شرعاً. ثم إنّ التّواترات العدديّة تمنع من القول بالصُّدفة عقلاً.
ح. يقول الكاتب في صفحة 61 : " ... لكني وجدت أنه في الآية 48 قد عدّ (أوَلم) كلمة واحدة حتى يتوافق عده في حين أنّه يعتبر (لم) كلمة واحدة في مواضيع أخرى و (أو) كلمة أخرى، وفي الآية 76 عد (ما إنّ) كلمتان ولو اختل العدد معه لعدها كلمة واحدة كما حصل في الآية 48 " انظر كيف يُحسن الأستاذ فاتح الظنَّ بنا، ويتوقّع أننا لا نتّبع قاعدة، بل نتقلب كيف نشاء، لنحصل على النتائج. والأولى به أن يسألنا عن القواعد التي نلتزمها دائماً في كل بحوثنا من غير استثناء. ألا يكفي أن تكون هناك قاعدة مطّردة؟! والعجيب هنا أنّه لم يفرّق، لا هو ولا مرشده، بين كلمة (أوْ) و (أوَ) فيوجد كلمة تكتب منفصلة (أوْ)، ولا توجد كلمة تكتب (أوَ) بل تلحق دائماً بما بعدها مثل:( أوَلا، أوَلم، أوَليس، أوَكلما) فلو كان يحسن الطباعة فهل كان يكتب (أوَ) ثم يجعل فراغاً ويكتب (لا) في مثل كلمة (أوَلا) ؟! والمعنى في قولنا (فعل أَوْ لم يفعل) يختلف عن قولنا (أوَلم يفعل ؟) ويبدو أنّه لم يدرك أنّ الهمزة هنا هي همزة استفهام. وقد يحسن هنا أن نبين أنّنا نتعامل عند إحصاء الحروف والكلمات مع الرسم العثماني؛ أي أنّ الإعجاز هنا هو إعجاز الكتاب. ولو كنا نتعامل بالمعنى لقلنا إنّ (ماذا) أكثر من كلمة فهي (ما) ثم (ذا). ولنسأل الكاتب فاتح: هل يجوزعند قراءة القرآن أن نقف على (أوَ) في كلمة (أوَلم) مع العلم أنه بإمكاننا أن نقف على (أوْ) في قوله تعالى (لبثنا يوماً أوْ بعض يوم). وخلاصة الأمر أنّ (أوْ) كلمة مستقلّة، في حين أنّ (أَوَ) همزة استفهام مع واو العطف. ولا يستقلان، بل يتصلان رسماً بما بعدهما.
فليت مرشده أرشده، لأراحنا من هذا. وهو كما رأينا لم يكتف بوضع يدنا على الخطأ المزعوم لينصحنا، بل بادر إلى اتهامنا، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
ط. وأختم الكلام حول انتقاداته لنا، والتي هي أقل من سبع صفحات، بعرض كلامه في الصفحة 61، ثم نعرض كلامنا في المسألة، ليرى القارئ نموذجاً يُمثّل منهجه في عرض وانتقاد أفكار الآخرين. يقول الكاتب فاتح مقتبساً عنّا:
(ويقول صفحة 59 "إنّ في سورة القصص قد تكرر حرف الطا 19 مرة وعددنا مرات ذكر موسى وهارون في السورة فوجدنا أن اسم موسى تكرر 18 وهارون مرة وعليه يكون تكرار موسى وهارون 19 مرة، وتجدر الملاحظة هنا أن من بين كل الأنبياء لا نجد مثل هذا التلازم بين موسى وهارون بل لقد أرسلا معاً ") ثم يعقب قائلاً:
(لكن لو فرضنا أن تكرار حرف الطا هو 18 مرة وليس 19 ماذا تراه يقول، أنا أظن أنه سيقول إن تكرار حرف الطا هو بمقدار تكرار اسم موسى وينسخ كلامه السابق على اتحاد رسالة موسى وهارون.
وبنفس الصفحة يعتبر موسى م و س ي فيحسب حسابات الجُمّل لهذه الأحرف مع حساب الجُمّل لكلمة هارون ليخرج بنتيجة أن العدد 377 وهو نفس عدد كلمات الآيات التي ورد فيها ذكر موسى أو هارون.) انتهى
يبدو أنّه لا يعلم أنّ الألف المقصورة هي صورة ياء (ى). ويبدو أنّه لم يلاحظ أنّ الياء في آخر الكلمة هي غير منقوطة في رسم المصحف، لذلك أنكر علينا أن نحسب الألف المرسومة ياءً بقيمة عشرة.
بالرجوع إلى كتابنا (إرهاصات الإعجاز العددي)، الذي اقتبس منه الكاتب فاتح، يلاحظ القارئ عدم أمانته في الاقتباس؛ فلا هو اقتبس النص بحرفيته، ولا قام بوضع نقاط تبين مواضع الحذف من النص، ثم هو قام بالتقديم والتأخير في الكلمات دون مراعاة للنص الأصلي، ونسب الكلام إلينا، ووضع علامات تنصيص!! وإليك أخي القارئ النص الأصلي بكامله، كمثال على عدم دقته في طرح المسائل، وعدم مراعاته للأمانة العلمية:
]هناك (29) سورة في القرآن الكريم تفتتح بأحرف نورانية، منها أربع سور تبدأ بحرف الطاء وهي: ( طه: طه، طسم: الشعراء، طس: النمل، طسم: القصص). وقد جاء في كتاب (التعبير القرآني ) للدكتور فاضل السامرّائي ، في فصل فواصل الآي :
" … كل سورة تبدأ بالطاء ترد فيها قصة موسى في أوائلها مفصلة قبل سائر القصص مثل ( طه، وطس، وطسم في القصص، وطسم في الشعراء) وليس في المواطن الأخرى مما يبدأ بالحروف المقطعة مثل ذلك. فالقاسم المشترك فيما يبدأ بالحروف (ط) قصة موسى مفصلة في أوائل السورة …".
لفت انتباهنا عند البحث، أن حرف الطاء يتكرر في سورة القصص 19 مرّة، فلمّا قرأنا كلام الدكتور السامرّائي وقوله إن السور التي تبدأ بحرف الطاء ترد فيها قصة موسى عليه السلام مفصلة، سارعنا إلى إحصاء تكرار موسى وهارون في سورة القصص، فوجدنا أن اسم موسى تكرر 18 مرّة، وورد اسم هارون مرة واحدة. وعليه يكون تكرار موسى وهارون 19مرة. وتجدر الملاحظة هنا أنه من بين كل الأنبياء، لا نجد مثل التلازم القائم بين موسى وهارون، بل لقد أرسلا معا. كما ويجدر ملاحظة أن سورة القصص لم يرد فيها من أسماء الأنبياء إلا موسى وهارون عليهما السلام.
جمّل كلمة موسى هو116، وجمّل كلمة هرون، وفق رسم المصحف، هو 261. وعليه يكون مجموع جمّل موسى و هرون هو 377. إذا عرف هذا، فإليك الملاحظات الأربع الآتية :
أ- مجموع كلمات الآيات التي ورد فيها اسم موسى أو هارون في سورة القصص هو 377 وهو، كما قلنا، مجموع جمّل الاسمين معا.
ب- إذا فتحتَ كتاب ( المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ) لمحمد فؤاد عبد الباقي، تجد أنّ كلمة هارون قد تكررت في القرآن الكريم 20 مرة، فإذا جمعت الأرقام العشرين للسور التي وردت فيها كلمة هارون فستجد أن المجموع هو 377.
ج- السور التي تبدأ ب(ط) تتكرر فيها كلمة هارون سبع مرات في الآيات الآتية: (92،90،70،30) من سورة طه، والآيات ( 13، 48) من سورة طسم الشعراء، والآية (34) من سورة طسم القصص. وعليه يكون المجموع : (30+70+90+92+13+48+34)= 377.
د- تكرر اسم (موسى ) عليه السلام في السّور التي تبدأ ب(ط) 46 مرّة، وإذا ضربنا جمّل موسى بعدد تكراره يكون الناتج: (116×46) = 5336. وإذا ضربنا جمّل هرون بعدد تكراره في السور التي تبدأ ب(ط) يكون الناتج: (261×7) = 1827.
وعليه يكون المجموع : (5336+1827) = 7163 والمفاجأة هنا أنّ هذا العدد هو (19× 377).
لا نظن أنّ الأمر يقتصر على هذه الملاحظات الأربع، فنحن بحاجة إلى جمع الملاحظات المختلفة، لعلنا نصل إلى قانون في مثل هذه المسألة وغيرها [ انتهى.
وعليه نجد أن اعتراضاته على بحوثنا لم يسلم له منها اعتراض واحد، بل لم يكن قادراً على تجنب الخطأ في واحد من ردوده التي لم تتجاوز السبع صفحات. فكيف به لو لم يكن له مرشد ومقرّظ؟!
يزعم الكاتب في صفحة 77 أنّ القرآن الكريم لم يخص العدد 19 بأهمية، والقرآن الكريم مليء بالأعداد. وهذا غير صحيح؛ فبإمكانك أن ترجع إلى الآية 31 من سورة المدّثر لتعلم أنّ هناك خصوصية للعدد 19 دون باقي الأعداد، ويمكن مراجعة كتابنا (إرهاصات الإعجاز العددي) للتحقق من ذلك. ومن لم يجد الكتاب مطبوعاً فيمكن أن يجده في صفحة مركز نون للدراسات القرآنية وهي :www.islamnoon.com.
جاء في الصفحة 78 من كتاب فاتح حسني : " وبالمناسبة فإنّ من قام الإعجاز العددي قد أغفل القراءات القرآنية فهذا الأمر يقوض نظرياتهم أكثرفإن من القراءات ما يتغير منها الأحرف ومثاله القراءة المشهورة فتثبتوا، أيضاً فإن الخلاف في عد آي السور قديم بين الكوفيين والبصريين و ... فعلى أي حساب نحسب؟! فبحساب الحروف وبحساب الجُمّل أيضاً تتداخل كل حساباتهم وتنهار نظرياتهم ...".
ولنا هنا على هذا النص الملاحظات الآتية:
أ. معلوم أننا لا نقبل من القراءات إلا ما كان متواتراً عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وكان موافقاً لرسم المصاحف العثمانيّة. فظهور إعجاز لإحدى القراءات لا يمنع وجود إعجاز للقراءات الأخرى، فكيف اعتبر أنّ تعدد القراءات يقوّض الإعجاز العددي؟!
ب. هذا الكلام تردد على ألسنة أكثر المعارضين، وكأنهم يفرحون بتعدد القراءات، حتى لا يمكن اثبات الإعجاز. وما علموا أنّ تعدد القراءات يزيد في إعجاز القرآن الكريم، بل إنّ هناك مَنْ كتب في إعجاز القراءات القرآنيّة.
ج. عندما نقرأ " وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم " بفتح اللام، ندرك أنّ الأمر يتعلق بغسل الرجلين في الوضوء. وعندما نقرأ " وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم " ندرك أنّ المقصود هو المسح على الرجلين في الوضوء. ومعلوم أنّ هناك غسل، وهناك مسح على الخف والجورب. فإذا وجدنا أنّ تعدد القراءات يؤدي إلى تعدد المعاني من غير تناقض، فما الذي يمنع أن تتعدد وجوه الإعجاز العددي بتعدد القراءات؟!
د. تعدد القراءات لم يؤثر في الرسم القرآني، إلا في كلمات معدودة، بيّنتها كتب علوم القرآن الكريم. وقد لاحظنا أنّ ذلك لا يمس جوهر الموضوع.
هـ. لقد توصّلنا بعد دراسة مستفيضة لاسباب اختلاف العد في آي القرآن الكريم، إلى أن ذلك يرجع إلى تعليم الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعليه تكون الأقوال في عدّ الآيات تختلف كاختلاف القراءات، ومن هنا لا يبعد أن يعطي اختلاف العدّ في الآيات وجوهاً جديدة في الإعجاز.
و. ليس بالضرورة أن تعطي القراءة المتواترة ما تعطيه الأخرى، وإلا فما الحكمة من تعدد القراءات؟! ثم ألا يكفي أن نجزم أنّه قرآن كريم، حتى نبني على وجه من الوجوه ؟! وهل قام المعارضون بدراسة هذه القراءات ليثبتوا أنّ الإعجاز ينهار بتعدد القراءات، أم أنهم يطلقونها كلمات لا معنى لها. ولماذا لم يعطونا أمثلة تدلل على مزاعمهم.
ز. هناك سور أجمع العلماء على عدد آياتها تفصيلاً، وأخرى لم يختلفوا في عددها إجمالاً، وبقي الأمر يتعلق بسور محددة، وبالتالي يسهل دراسة ذلك لإدراك أنّه لا يؤثر في مسألة الإعجاز بشكل عام، وإذا افترضنا أنّه أثّر في مثال أو أكثر، فإنّه لا يؤثر في مجمل الإعجاز. ونعود إلى القول بأنّ الأمر يؤدي إلى إعجاز أشد، لتعدد الحيثيات التي ننظر منها، ليثبت في النهاية أنّ كل القراءات، وكل عدٍّ ثابتٍ للآيات هو توقيفي، عن الرسول، صلى الله عليه وسلّم ، أي بأمره وحياً.
ح. لقد بدأت تتجلى لنا وجوه إعجازية كثيرة، لا علاقة لها باختلاف القراءات؛ كترتيب السور، وعدد الكلمات، وترتيب الكلمات في السور، وترتيب الكلمات في القرآن الكريم، وإليك هذا المثال:
لم تذكر كلمة (النحل) في القرآن الكريم إلا مرّة واحدة، وذلك في الآية (68) من سورة النحل، وعدد كلمات الآية هو (13) كلمة. فإذا ضربنا رقم الآية بعدد كلماتها يكون الناتج: (68×13) = 884 وتكون المفاجأة أنّ هذا هو ترتيب كلمة النحل في السورة. وحتى لا يظن غير المؤمن أنّ هذا صدفة، قمنا بحشد الملاحظات المختلفة لاثبات أنّ العدد 884 يتكرر بشكل يستبعد احتمال الصدفة في عقل غير المؤمن. أمّا المؤمن فهو يدرك أنْ لا صدفة في كلام العليم الخبير، وبالتالي يبحث عن السّر في مثل هذا التوافق العددي، وهذا يؤدي إلى سلسلة اكتشافات، هي جائزة المؤمن الذي يعتقد بأن القرآن الكريم لا تنقضي عجائبه.
يقول الكاتب صفحة 83 معترضاً على اختلاف مناهج العادّين: " وهذا الكاتب نفسه عدّ (الإنسان) ستة أحرف بدون همزة وعد (الأكرم) في نفس الصفحة 6 أحرف فعد الهمزة " يبدوا أنّه لم يدرك أن كلمة (الإنسان) تكتب في المصحف هكذا (الإنسن) وعليه فإنها فعلاً ستة أحرف.
يقول الكاتب في صفحة 85 : " بسّام جرّار يعد حروف سورة نوح فتكون معه 953 حرفاً ويقول إنّ مدة لبث نوح هي 953 سنة بالضبط ... في حين يعدها المهندس عدنان الرفاعي 950 حرفاً".
ولنا هنا الملاحظات الآتية:
1. تكتب كلمة آخرة في المصحف هكذا: (ءاخرة) وهذه خمسة أحرف، فإذا أضيف إليها (ال) التعريف تصبح سبعة أحرف هكذا: (الءاخرة) وهذا أساس الخلاف في عدّ أحرف سورة نوح.
2. شيء طبيعي أن تختلف مناهج العادّين، وهذا حصل قديماً وحديثاً، والمهم هنا أن تكون هناك قاعدة مطّردة، لها سند صحيح من عقل أو نقل.
3. تساهم النتائج في إثبات القاعدة، لأن القضية استقرائية، والنتائج التي تحصلت لدينا، وفق قواعدنا المثبتة بالاستقراء، تعزّ على الحصر، مما يجعلها دليلاً لا يسهل نقضه. وفي الوقت الذي يأتي فيه غيرنا بنتائج مماثلة، وفق قواعد أخرى، يكون ذلك أشدّ إعجازاً.
4. يشترط عند اعتماد القاعدة، وعند التدليل عليها، أن يكون الدليل مقنعاً، يقبله العقل ويرضى به. وإليك هذا المثال التوضيحي:
عندما تكون (ما) نافية تحصى كلمة ويحصى ما بعدها كلمة أخرى مثل : (ما لم، ما ليس، ما لكم، وما تدري...) ففي هذه الأمثلة تكون (ما) كلمة، وما بعدها كلمة أخرى. وهذا واضح وغير ملتبس. أمّا عندما تكون (ما) استفهامية، فإن الأمر عندها قد يلتبس. والأصل أنْ تحسب (ما) كلمة، وما بعدها كلمة أخرى، ولكن استقراء اللفظة القرآنية يحملنا على اعتبار (ما) الاستفهامية وما بعدها كلمة واحدة، مثل: (مالك؟، مالكم؟، مالي؟...) والذي يدفعنا إلى القول بهذا ما ورد في القرآن الكريم، حيث تكتب عبارة مثل: ( ما لهذا الرسول؟) تُكتب في المصحف هكذا:( مال هذا الرسول؟) وتكررَ ذلك في رسم المصحف. وعليه تكون (مال) كلمة، أي (ما) الاستفهامية وما بعدها. وتأتي النتائج العدديّة فتدلل على ذلك. ومن هنا لا مانع من اختلاف الضوابط، لأنّ النتائج كفيلة بحسم الخلاف.
الخاتمة
ستكون هناك محاولات كثيرة غير جادّة وغير مقنعة. وسيكون هناك تكلّف وتمحُّل. وسيبقى هناك إشكالات. وسيبقى هناك معارضون. كل ذلك لا يصرفنا عن الاستمرار في هذا الطريق المبارك، والمقدّمات تبشر بحصاد وفير.
إنّ ضعف وركاكة أدلة المعترضين تزيدنا قناعة بسلامة وصحة المسلك. وكم نتمنى أن يحظى الإعجاز العددي بتقييم العلماء الجادّين، الذين يمتلكون الفهم والمنهجية السّوية، والرغبة في الوصول إلى الحقيقة، والصدق في النصيحة. ونحن في مركز نون على استعداد لمحاورة كل المخلصين، من أجل الوصول إلى الحقيقة، ومن أجل إيمان يستند إلى الحقيقة.