بتـــــاريخ : 10/4/2009 8:42:33 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1156 0


    فضل العلم وخطورة التعالم

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :

    فضل العلم وخطورة التعالم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريط له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ([1])
          
     يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2])
     
            يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ([3])
     
    أما بعد:
            فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
     
    فمرحباً بكم أحبتى فى الله فى هذا اللقاء الطيب المبارك مع فضل العلم وخطورة التعالم, وهو موضوع جدير بالدراسة والعناية والاهتمام جعلنى الله وإياكم من الصادقين. أحبتى فى الله:
     
    ونظراً لطول الموضوع فسوف أركز الحديث مع حضراتكم فى العناصر التالية:
     
    أولاً: فضل العلم من كتاب والسنة.
    ثانياً: العلم المعتبر شرعاً.
    ثالثاً: أنفع الطرق لتحصيل العلم.
    رابعاً: خطورة التعالم ومظاهرة.
     
    خامساً: فما هو العلاج؟!

    أولاً: فضل العلم من الكتاب والسنة:
     
    أحبتى فى الله:
            إن أفضل ما يطلب فى هذه الدنيا هو العلم وكفانا أن نعلم أن الله تبارك وتعالى لم يأمر نبيه   بطلب الأزدياد من شئ إلا من العلم فقال له سبحانة وتعالى: {وقل ربى زدنى علماً}([4])
     
    بل ويشهد الله جل وعلا لنفسه بالوحدانية ثم يثنى فى هذه الشهادة الجليلة الكريمة بملائكته ثم بأهل العلم فيقول سبحانه وتعالى: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ([5])
     
    ويشهد سبحانه وتعالى لأهل العلم بهذه الشهادة الكريمة فيقول تعالى:  وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[6])
     
    ثم يرفع الله قدرهم ومنزلتهم فيقول:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ([7])
     والآيات فى ذلك كثيرة ولله الحمد والمنة. فلا طريق إلى معرفة الله ، وإلى الوصول إلى رضوانه، والفوز
     
    بقربة، ومجاورته فى الآخرة إلا بالعلم النافع الذى بعث الله به رسله وأنزل به كتبه.
    وما دام العلم باقياً فى الأرض فالناس فى هدى، وبقاء العلم ببقاء حملته فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس فى الضلال.
    كما ورد فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبى : "إن الله لا يقبض العلم إنتزاعاً ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالماً، اتخذ الناس رؤوسا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا".([8])
     
    وصدق من قال:
    ما الفجر إلا لأهل العلم إنهم
    وقدر كل أمرئ ما كان يحسنه
    ففز بعلم تعش حياً به

     
    على الهدى لمن استهدى أدلاء
    والجاهلون لأهل العلم أعداء
    ابداً الناس موتى وأهل العلم أحياء

    وورد فى فضل العلم أحاديث كثيرة:
    * ففى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث معاوية رضى الله عنه قال: قال رسول الله :" من يرد الله به خيراً يفقهه فى الدين".([9])
     
    * وفى الحديث الذى رواه أبو داود والترمذى وابن ماجه وابن حبان فى صحيحة والبيهقى عن أبى الدرداء رضى الله عنه قال:
    " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع اجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض حتى الحيتان فى الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافرا"([10])
    * وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم أن النبى  قال لعلى: "فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم".([11])
    * وفى الحديث الذى رواه مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى   قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".([12])
     
    * وعن صفوان بن عسال المرادى رضى الله عنه قال: أتيت النبى وهو فى المسجد متكى على برد له أحمر فقلت له: يا رسول الله إنى جئت أطلب العلم فقال:" مرحباً بطالب العلم، إن طالب العلم تحفه الملائكة بأجنحتها، ثم يركب بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلب" رواه أحمد والطبرانى بإسناد جيد واللفظ له وابن حبان فى صحيحه ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وحسنه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب. ([13])
     
    * وعن أبى أمامة الباهلى قال: ذكر لرسول الله  رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضل العالم على العابد كفضلى على أدناكم"، ثم قال رسول الله:" إن الله وملائكته أهل السموات والأرض حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمى الناس الخير" رواه الترمذى وقال حديث حسن صحيح وصححه شيخنا الألبانى حفظه الله. ([14])
     
    * وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى واقد الليثى رضى الله عنه قال: بينما رسول الله   جالس فى المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل إثنان إلى رسول الله    وذهب واحد، فوقفاً على رسول الله فأما أحدهما: فرأى فرجه فى الحلقة، فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله   قال"ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله عز وجل فأواه الله، وأما الأخر فاستحيى، فاستحيى الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه".([15])
     
    والأحاديث فى هذا الباب كثيرة جداً ولله الحمد والمنة.
    ثانياً: العلم المعتبر شرعاً:
            أعنى الذى مدح الله ورسول أهله على الإطلاق هو كما يقول الإمام الشاطبى: رحمة الله فى المقدمة الثامنة من كتابه القيم الطيب الموافقات. يقول العلم المعتبر شرعاً هو العلم الباعث على العمل الذى لا يخلى صاحبة جارياً مع هواه كيفما كان، بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على فوانينه طوعاً أو كرهاً.
    ثم يقول رحمة الله فى المقدمة السابعة:
    إن كل علم لا يفيد عملاً فليس فى الشرع ما يدل على استحسانه.
    * فروح العلم أيها الأحباب هو العمل وإلا فالعلم عارية وغير منتفع به فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}([16])، وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ}([17]) ، قال قتادة يعنى لذو
     
    عمل بما علمناه. فالعلم لا ينفع بدون العمل.
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ([18])
    أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ([19])
     
    وفى الحديث الذى رواه البخارى ومسلم  من حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه قال سمعتت رسول الله يقول: "يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى فى النار فتنتدلق اقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يافلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول بلى، كنت أمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وأتيه".([20])
     
    لذلك كان النبى يدعو الله ويستعيذ بالله من علم لا ينفع كما صح عنه فى الحديث الذى رواه مسلم والترمذى والنسائى من حديث زيد بن أرقم أن رسول الله كان يقول:"اللهم أنى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعاء لا يسمع".([21])
     
    وكان أبو الدرداء رضى الله عنه يقول: إنما أخاف أن يقال لى يوم القيامة أعلمت أم جهلت؟، فأقول علمت. فى تبقى آية من كتاب الله آمرة، أو زاجرة إلا جائتنى تسألنى فريضتها فتسألنى الآمرة هل ائتمرت، والزاجرة هل ازدجرت ، فأعوذ بالله من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعاء لا يسمع([22])، رواه البيهقى والدارمى وابن عبد البر من عدة طرق عن أبى الدرداء.
     
    وكان على رضى الله عنه يقول:
    يا حملة العلم: اعملوا  به فإن العالم من علم ثم عمل ووافق علمة عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم تخالف سريرتهم علانيتهم ويخالف علمهم عملهم يقعدون حلقاً يباهى بعضهم بعضاً حتى أن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم تلك إلى الله عز وجل. ذكر الإمام الشاطبى فى الموافقات، المقدمة الثامنة هكذا بغير سند.
    وقال مالك بن دينار: إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا.
    وقال ابن السماك رحمه الله.
    كم من مذكر بالله وهو ناس له.
    وكم من مخوف بالله وهو جرىء على الله.
    وكم من مقرب إلى الله وهو بعيد عن الله.
    وكم من داع إلى الله وهو فار من الله.
    وكم من تال لكتاب الله وهو منسلخ عن آيات الله.
     
    فإن لم يعبد العلم صاحبة لله جل وعلا فلا قيمة له، وإن لم يقرب العلم صاحبه لله جلا وعلا فلا وزن له، وإن لم يورث العلم صاحبه الخشية من الله فلا خير فيه، فالعلم المعتبر شرعاً هو العلم الذى يدفع صاحبه للعمل بكل ما يقربه من الله عز وجل مؤتمراً بأمر الله، منهياً بنهى الله، واقفاً عند حدود الله.

    ثالثاً: أنفع الطرق لتحصيل العلم:
            يقول الإمام الشاطبى رحمه الله فى المقدمة الثانية عشرة من كتاب الموافقات.
    من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به.
    وقد قالوا:" إن العلم كان فى صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتحه بأيدى الرجال" يقول الشاطبى وهذا الكلام يقضى بأنه لابد فى تحصيل العلم من الرجال (أى العلماء المتحفقين به) فهم مفاتحه بلا شك.
    ثم يقول رحمة الله: وإذا ثبت أنه لابد من أخذ العلم عن أهله المتحققين به فلذلك طريقان:
    الأول: المشافهة وهى أنفع الطريقين.
    وهى أن يجلس المتعلم بين يدى معلمه صادقاً مخلصاً مقبلاً على العلم وكم لهذه الجلسة بين يدى المعلم من بركات ورحمات.
    فكم من مسألة يقرؤها المتعلم فى كتاب، ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها، فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة وحصل له العلم بها بحضرة معلمه.
    قول الشاطبى:
    وهذا الفهم قد يحصل بأمر عادى من إيضاح موضع إشكال لم يخطر للمتعلم على بال وقد يحصل بأمر غير معتاد بأمر يهبه الله للمتعلم عند مثوله بين يدى المعلم ظاهر الفقر بادى الحاجة إلى ما يلقي إليه ،وهذا من فوائد مجالسه العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم.
    والطريق الثانى: لتحصيل العلم وما زال الكلام لأبى إسحاق الشاطبى رحمة الله هو: مطالعة كتب المصنفين وهو نافع بشرطين:
    الأول: أن يحصل له من فهم مقاصد ذلك العلم المطلوب ومعرفة إصطلاحات أهله ما يتم له به النظر فى الكتب، وذلك يحصل له بالطريق الأول من المشافهة مع العلماء أو هو مما يرجع إليه.
    الثانى: أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم فإنهم أقعد به من غيرهم بخلاف المتأخرين ولقد شهد الرسول لهم بالخيرية فقال : "خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ثم يجئ قدم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته،([23]) . رواه البخارى ومسلم من حديث أبو هريرة رضى الله عنه.
     
    فينبغى لمن أراد أن يحصل العلم الشرعى:
     
    أن يذهب للعلماء ..، وأن يجلس بين أيديهم ..، وأن يصدق النية ..، ويخلص العمل لله جلا وعلا ..، ويتقى الله فى سره وعلنه ..، وقوله ..، وعمله..، وأن يحرص على الطاعات..، وأن يجتهد فى أن يبتعد عن المعاصى والمحرمات..، فإنها ظلمة تطفأ نور العلم.
     
    كما قال مالك للشافعى أنى أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئة بظلمة المعصية.
    وقال الشافعى رحمة الله:
     
    شكوت إلى وكيع سوء حفظى
    وأوصانى بأن العلم نور

     
    فأرشدنى إلى ترك المعاصى
    ونور الله لا يؤتاه عاصى

    نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الصادقين ونكمل بعد جلسه الاستراحة بإذن الله جل وعلا.
    *       *       *
    الخطبة الثانية:
            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    أما بعد..
    أيها الأحباب الكرام: وأخيراً خطورة التعالم ومظاهره.
    حفظنا الله وإياكم منه، ومن الرياء، ورزقنا الله وإياكم الإخلاص، وجعلنا وإياكم من الصادقين.
     
    أحبتى فى الله:
    التعالم مرض خطير .. وداء عظيم .. وهو عتبة الدخول للفاجرة الجائرة ألا وهى" القول على الله بغير علم" نعوذ بالله من الخذلان والمتعالم هو الذى تزيب قبل أن يتحصرم، وأدعى العلم قبل أن يتعلم.
    ومن أجمل ما قاله الغزالى: "لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف" وما يراد بهم هنا إلا المتعالموا الذين ناموا عن العلم وادعوه، وبالغوا قبل أن يبلغوا، وهذا الصنف الذى يدعى العلم ويقول فى دين الله بغير علم، وبغير دليل، تستهوية الشهرة ويجره هذا الداء الخطير إلى كل شر وهلاك وضلال وإضلال، فلا يتورع أن يرد على أى سائل، وفى أى مسألة وأن يتعرض لكل فتوى.
    وقديماً قالوا: إن رجلاً كان يفتى كل سائل دون توقف، فلحظ أقرانه ذلك منه، فأجمعوا أمرهم لامتحانه فاختلقوا كلمة ليس لها أصل ليبينوا للناس كذبه وضلاله. فاختلقوا كلمة "الخنفشار" فذهبوا إليه وسألوه عنها.
    فأجابهم على الفور قائلاً:
    الخنفشار : نبت طيب الرائحة ينبت بأطراف اليمن إذا أكلته الأبل عقد لبنها كما قال شاعرهم اليمانى:
    لقد عقدت محبتكم فؤادى      كما عقد الحليب الخنفشار
    ثم قال وقال داود الأنطاكى فى تذكرته الخنفشار كذا وكذا قال فلان وفلان. ثم يتبجح ويقول والخنفشار قال عنه النبى فاستوقفوه، وقالوا كذبت على هؤلاء، فلا تكذب على رسول لله ، وتحقق لديهم أن ذلك المسكين جراب كذاب عياب، نسأل الله لنا ولكم السلامة.
    وما زال الناس يبتلون بهذا الطراز النكد من الخنفشاريين فى كل زمان ومكان.
    ومن مظاهر هذا التعالم:
     
    أولاً: التعالم: فى الفتيا، والفتوى جمرة تضطرم.
     
    ولكننا نرى بعض المنتسبين إلى العلم، يأنف من رد المستفتى والسائل بلا جواب ويتجرأ على القول على الله بلا علم، بل تراه وسبحان الفتاح العليم يشرع فى الجواب قبل أن ينتهى السائل من السؤال، ويفتى فيما يتوقف فيه شيوخ الإسلام والأئمة الأعلام.
    بل ويفتى فى المسألة التى لو عرضت على عمر بن الخطاب رضى الله عنه لجمع لها أهل بدر.
    فعن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال: أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله يسئل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول. وفى رواية وما منهم من يحدث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه إياه.
    وقال الزهرى عن خالد بن أسلم قال: كنا مع ابن عمر رضى الله عنهما فسأله أعرابى أترث العمة؟ فقال ابن عمر لا أدرى ، قال: أنت لا تدرى قال: نعم، أذهب إلى العلماء فاسألهم، فلما أدبر الرجل قبل ابن عمر يده ثم قال نعم ما قال أبو عبد الرحمن سئل عما لا يدرى، فقال: لا أدرى.
    وإذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب.
    يقول فى حقه الشافعى: إنى شهدت مالكاً وقد سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال فى اثنتين وثلاثين منها لا أدرى.
    وهذا هو الشافعى الذى قال فى حقه الإمام أحمد: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعوا للشافعى رحمة الله تعالى.
    حتى قال له ولده يوماً يا أبتى: أى رجل كان الشافعى حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟
    فقال أحمد: يا بنى إن الشافعى رحمة الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس.
    وقال إسحاق بن راهوية:
    لقينى أحمد بن حنبل بمكة المكرمة شرفها الله.
    فقال أحمد: تعال أريك رجلاً لم تر عيناك مثله! فأرانى الشافعى.
    قال إسحاق: تناظرنا فى الحديث فلم أر أعلم منه، ثم تناظرنا فى الفقه فلم أر أفقه منه، ثم تناظرنا فى القرآن فلم أر أقرأ منه، ثم تناظرنا فى اللغة فوجدته بيت اللغة وما رأت عيناى مثله قط.
    وبالرغم من هذا كله سئل الشافعى عن مسئلة فسكت فقيل له: ألا تجيب يرحمك الله فقال حتى أدرى الفضل فى سكوتى أم جوابى.
     
    ومن أسوأ مظاهر التعالم:
    العجب والكبرياء وسوء أدب الحديث والمجالسة واحتقار الناس وحفظ بعض المسائل ليتنمر بها فى المجالس والعياذ بالله.
    وفى الحديث الذى رواه أو دواد وابن ماجه وابن حبان فى صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى ومسلم وصححه شيخنا الألبانى فى صحيح الترغيب والترهيب من حديث أبى هريرة قال رسول الله:" من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة"([24]) يعنى ريحها
    وفى الحديث الذى رواه الترمذى وقال حديث غريب والحاكم والبيهقى وابن ماجه وصححه الألبانى.
    حديث كعب بن مالك قال سمعت رسول الله يقول:" من طلب العلم ليجارى به العلماء أو ليمارى به السفهاء(*)، ويصرف به وجوه الناس إليه، أدخله الله النار"([25]).
     
    نسأل الله السلامة والعافية.
     
    وأخيراً ما هو العلاج:
            أولاً: إخلاص العمل الله وصدق النية، والإخلاص هو تصفية العمل بخالص النية من جميع شوائب الشرك.
    ثانياً: الاتباع .. ففيه الصواب.
    ثالثاً: طهارة القلب والنفس والجوارح من الذنوب فإن من آثار الذنوب والمعاصى حرمان العلم كما قال العلاقة ابن القيم.
    رابعاً: التواضع وعدم الكبر، والجلوس بين يدى العلماء.
    خامساً: كثرة التضرع إلى الله عز وجل، والانكسار بين يديه، إذ الفضل منه سبحانه: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ([26])
     
    وأخيراً. علق قلبك بالله ولا تعلقه بالمخلوقين، فإنهم وإن اجتمعوا بالثناء عليك لن يقربوك من الله، إن كنت بعيداً عنه، ولو اجتمعوا على ذمك فلن يبعدوك عن الله إن كنت قريباً منه، فاقطع الطمع فى الخلق وعلق قلبك بالخالق سبحانه فمن توكل عليه كفاه، ومن اعتصم به نجاه، ومن فوض إليه الأمر هداه {أليس الله بكاف عبده}.
    اللهم علمنا ما ينفعنا بما علمتنا وزدنا علماً يارب العالمين ...... الدعاء.
    *       *       *
     


    (*) ألقيت هذه الخطبة بمسجد النبى موسى بالسويس.
    (1)     سورة آل عمران: 102.
    (2) سورة النساء: 1
    (3) سورة الأحزاب: 70 ، 71.
    (1) سورة طه: 114.
    (2) سورة آل عمران: 18.
    (3) سورة فاطر: 28.
    (4) سورة المجادلة: 11.
    (1) متفق عليه: {ص.ج.: 1854} واللفظ لمسلم رقم (2673) فى كتاب العلم باب "رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن". 
    (2) متفق عليه: {ص.ج.: 6611}، رواه البخارى (6/152 فى الجهاد، ومسلم برقم (1037).
    (3) حسن: {صحيح الترغيب: 68} رواه أبو داود (3641 ، 3642) فى العلم، والترمذى (2683 ، 2684)، ورواه أحمد وابن ماجه والدارمى وابن حبان فى صحيحه وغيرهم. 
    (1) متفق عليه: رواه البخارى (7/58) فى المغازى باب "مناقب على بن أبى طالب"، ومسلم برقم (2406) فى فضائل الصحابة، وأبو داود رقم (3661) فى العلم.
    (2) صحيح: {ص.ج.: 793}، رواه مسلم رقم (1631) فى الوصية، باب "ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته" ، وأبو داود رقم (2880) فى الوصايا، والترمذى رقم (1376) فى الأحكام، النسائى (6/251).
    (3) حسن: {صحيح الترغيب: 69}.
    (4) صحيح: {صحيح الترغيب: 78}، رواه الترمذى برقم (2686) فى العلم. 
    (1) متفق عليه: رواه البخارى (1/143 ، 144) فى العلم، ومسلم رقم (2176) فى السلام، والموطا (2/960، 961) ، والترمذى (2725) فى الاستئذان.
    (2) سورة فاطر: 28.
    (3) سورة يوسف: 68.
    (1) سورة الصف: 2،3.
    (2) سورة البقرة: 44.
    (3) متفق عليه: رواه البخارى (6/238) فى بدء الخلق باب "صفة النار" وفى الفتنت، ومسلم رقم (2989) فى الزهد.
    (4) صحيح: {ص.ج.: 1295}، رواه أبو داود رقم (1548) فى الصلاة، والنسائى (8/263) فى الاستعاذة. 
    (1) لا يسمع: أى لا يستجاب له.
    (1) متفق عليه: رواه البخارى (5/199 ، 7/6 ، 11/460)، مسلم رقم (2534) فى فضائل الصحابة. 
    (1) صحيح: {صحيح الترغيب: 100}، رواه أبو داود رقم (2664) فى العلم، ورواه ابن ماجه رقم (252) فى المقدمة. 
    (*)يمارى به السفهاء: يجادل به ضعفاء العقول.
    (2) صحيح : {صحيح الترغيب: 101}، رواه الترمذى (2656) فى العلم.
     
    (3) سورة الحجرات: 17. 

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()