بتـــــاريخ : 10/3/2009 10:06:20 PM
الفــــــــئة
  • اســــــــلاميات
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 597 0


    حرمة المسلم وأنتهاك الأعراض

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : محمد حسان | المصدر : www.mohamedhassan.org

    كلمات مفتاحية  :
    حرمة المسلم انتهاك الأعراض

    حرمة المسلم وأنتهاك الأعراض

     
            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبيا عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبة وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
    أما بعد ... فحياكم الله جميعاً أيها الأخوة الفضلاء، وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذى جمعنا فى هذا البيت المبارك الطيب على طاعته أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار كرامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه. إن المجتمع المسلم الذى شاد القرآن الكريم صرحه الشامخ وأرسى لبناته وقواعده نبينا المصطفى كان مجتمعا فريداً فى كل شئ فهو مجتمع له أدب فريد مع الله جل وعلا، يقوم على أساس العبودية لله جل وعلا امتثالا عمليا لقوله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } (162 ، 163) سورة الأنعام  وهو مجتمع له أدب فريد مع رسول الله يقوم على أساس الإيمان الصادق والاتباع الصحيح والمحبة الكاملة لرسول الله امتثالاً عملياً من أفراد هذا المجتمع الكريم لقول {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء وهو مجتمع به أدب فريد مع نفسه مجتمع تصان فيه الحرمات، مجتمع لا تتبع فيه العورات، مجتمع لا تنتهك فيه الأعراض، أحاطه القرآن الكريم بسياج من الفضائل الكريمة والمشاعر النبيلة، لا فضل فى هذا المجتمع لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود، بل لا فضل لأحدهم إلا بالتقوى والعمل الصالح كما قال جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (13) سورة الحجرات وهو مجتمع له أدب فريد مع الغير، والحق ما شهدت به الأعداء فها هو (غوستاف لوبون) يقول منصفاً للحق قبل أن يكون منصفاً للإسلام والمسلمين يقول: لم تعرف الأمم فاتحين راحمين متسامحين كالمسلمين، ولم تعرف الأمم دينا سمحاً كدينهم .. لم تعرف الأمم فاتحين راحمين متسامحين كالمسلمين، ولم تعرف الأمم دينا سمحاً كدينهم.. وأما ما يروح له الغرب الآن من أن الإسلام هو دين التطرف والإرهاب، وأن المسلمين قد أكرهوا غير المسلمين على الدخول فى الإسلام بقوة السيف فهذا هراء وافتراء يغنى بطلانه عن إبطاله، ويغنى فساده عن إفساده، ويغنى كسادة عن إكساده، ولم تعد تنطلى هذه الحيل إلا على السذج والرعاع، وأن ما جرى طوال سنوات القرن الماضى وما يجرى إلى يومنا هذا على أرض كوسوفاً بعد البوسنة لمن أعظم الأدلة على تعصبهم البغيض الأعمى ضد الإسلام والمسلمين ولو راجعوا التاريخ بعين الإنصاف لعرفوا جيداً أن الإسلام هو دين التسامح والعدل والرحمة، هذه بعض سمات المجتمع المسلم الذى شاد القرآن الكريم صرحة الشامخ وأرسى لبناته وقواعده العظيمة نبينا المصطفى .
    وظل هذا المجتمع الكريم أيها الفضلاء يرفل فى ثوب الإيمان والأمان والعزة والكرامة حتى ابتعد رويداً رويداً عن أصل عزه ومعين كرامته، انحرف بعيداً بعيداً عن كتاب اله وعن هدى المصطفى وراح ليلهث وراء الشرق الملحد تارة ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، وحكم القانون الوضعى الأعمى يوم أن ابتعد عن منهج الرب العلى ومن هنا بل ومن هنا فقط ضاعت حقوق كثيرة وانتهكت أعراض وحرمات بصورة فظيعة وخطيرة مع أن النبى قد رأسى قواعد المجتمع المسلم، وشدد على حرماته تشديداً عظيماً ففى الصحيحين من حديث ابن عباس وأبى بكر رضى الله عنهما أن النبى خطب الناس يوم النحر فى منى وقال:.. أتدرون أى يوم هذا؟ .. فرد الصحابة رضوان الله عليهم .. فى أدب جم: الله ورسوله أعلم .. وهل يشك أحدكم فى أن الصحابة لا يعلمون أنهم فى يوم النحر لكنه الأدب مع المصطفى يقول لهم المصطفى: أى يوم هذا؟ .. قالوا : الله ورسوله أعلم قال الحبيب: أليس يوم النحر؟ .. قالوا : بلى فقال المصطفى : أى شهر هذا؟ .. فقال الصحابة: الله ورسوله أعلم فقال المصطفى : أليس ذا الحجة؟ .. قالوا: بلى فسألهم المصطفى : أى بلد هذا؟ .. قالوا: الله ورسوله أعلم فقال المصطفى : أليس البلد الحرام؟ .. قالوا: بلى قال المصطفى: إن دماءكم وأولادكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا فى شهركم هذا فى بلدكم هذا.. ثم قال : ألا هل بلغت اللهم أشهد .. وأعادها مراراً بأبى هو وأمى ثم التفت إلى الصحابة وقال: فليبلغ الشاهد الغائب .. ثم قال : لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض..([1])
     
    أيها الأحبة إن موضوع الدماء موضوع جليل، وموضوع الأعراض وحرمة الأموال، وقد أجملت هذا الموضوع إجمالا فى خطبة عيد الأضحى بإستاد المنصورة، وأود اليوم تلبية لرغبة أحبابى أن أفصل هذا الموضوع تفصيلاً لجلاله وخطره فى الدنيا والآخرة.
    أحبتى فى الله .. إن الله تعالى قد كرم الإنسان تكريماً عظيماً، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، وأنزل له الكتب وأرسل له الرسل ووضع له شريعة محكمة تضمن له الحقوق والسعادة فى الدنيا والآخرة، وإن أول وأكبر وأعظم حق ضمنته الشريعة الإسلامية للإنسان فى الأرض هو حق الحياة، فإن الله وحده هو خالق الحياة وهو واهب الحياة، ولا ينبغى لأحد البتة أن يسلب هذه الحياة إلا واهبها وخالقها وإلا بأمر الله جل وعلا فى نطاق الحدود الذى شرعها، ولا يسلب الروح إلا واهب الحياة وهو وحده الذى يعلم من خلق وهو العليم الخبير، فسفك الدماء جريمة بشعة تأتى مباشرة بعد جريمة الشرك بالله، وانا أتحدى أن تفتح صفحة من الجرائد فى أى جريدة من جرائدنا اليومية إلا وسينقلب إليك بصرك خاسئاً وهو حسير، وسينخلع قلبك أمام جرائم القتل التى انتشرت فى مجتمعات المسلمين بل وفى الأرض كلها إما بدافع السرقة وإما بدافع الثأر البغيض الأعمى وإما بدافع انتهاك الأعراض أو الاغتصاب ولا حول ولا قوة إلا بالله، انتشرت جريمة سفك الدماء بصورة بشعة، وأصبحت حرمة الدماء حثيرة فى حسن كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
    تدبروا كلام الله فى كتابه الكريم: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء وفى صحيح البخارى  أن النبى  قال: .. لا يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً([2]) .. وكان ابن عمر رضى الله عنهما يقول: إن من ورطات الأمور التى التى لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله([3])  وفى الصحيح الذى رواه أحمد وأبو داود والنسائى والحاكم من حديث معاوية أن النبى قال: " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً أو قتل مؤمناً متعمداً" ([4]). وفى الحديث الصحيح الذى رواه النسائى من حديث بريدة أن النبى    قال: "قتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا"([5])­­ .. تعرفوا
     
    على حرمة الدماء بل من أعجب الأحاديث الصحيحة التى قرأتها فى هذا الباب ما رواه النسائى والبخارى فى التاريخ الكبير وصحح الحديث الألبانى فى صحيح الجامع من حديث عمرو بن الحمق الخزاعى أن الحبيب النبى قال: "من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا..".
    حرمة الدماء عظيمة عند رب الأرض والسماء فمن أجل ذلك جعل الدماء هى أول شئ يقضى فيها الله بين العباد يوم القيامة كما فى الصحيحين عن أبى هريرة أن النبى قال: أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة فى الدماء"([6])  إذا ما وضعت الموازين وتطايرت الصحف وغرق الناس فى عرقهم على قدر أعمالهم
     
    بجهنم لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ينادى على القاتل السفاح المجرم الذى سفك الدماء بغير حل، فيخلع النداء قلبه فترتعد فرائصه وتضطرب جوارحه وهو يمشى بين الخلائق ليقف بين يدى الملك الحق جل جلاله ، وينادى على كل قتيل قتله هذا المجرم السفاح فيتعلق كل قتيل بالقاتل وأعناقهم تسيل دماً ويتعلقون به وهو يصرخ ويستغيث بين يدى الملك الحق ويقول: يا رب سل هذا فيم قتلنى؟ فماذا سيكون جوابك أيها القاتل؟ ماذا سيكون جوابك يا من سفكت الدم بغير حل؟ ماذا سيكون قولك بين يدى الله؟
    تذكر وقوفك يوم العرض عريانا
    والنار تلهب من غيظ ومن حنق
    اقرأ كتابك يا عبد على مهل
    فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت
    نادى الجليل خذوه يا ملائكتى
    العاصون غداً فى النار يلتهبوا
    مثل لنفسك أيها المغرور
    إذا كورت شمس النهار
    وإذا الجبال تقلعت بأصولها
    وإذا الصحائف نشرت وتطايرت
    وإذا الجليل طوى السما بيمينه
    وإذا الوليد بأمه متعلق
    هذا بلا ذنب يخاف جناية
    وإذا الجحيم تسعرت نيرانها
    وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت

     
    مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
    على العصاة ورب العرش غضبانا فهل
    ترى فيه حرفا غير ما كانا
    وأقررت إقرار من عرف الأشياء
    عرفانا وامضوا بعبد عصى للنار
    عطشانا والموحدون بدار الخلد سكاناً
    يوم القيامة والسماء تمور
    وأدنيت حتى على رأس العباد تسير
    فرأيتها مثل السحاب تسير
    وتهتكت للعالمين سطور
    طى السجل كتابه المنشور
    يخشى القصاص وقلبه مذعور
    كيف المصر على الذنوب دهور
    ولها على أهل الذنوب زفير
    لفتى على طول البلاء صبور

        
        ينادى على القاتل فإن أول شئ يقضى الله فيه بين العباد فى الدماء ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قول النبى  : .. إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة([7]) فالصلاة هى حق الله تعالى وأما الدماء
     
    فهى حق العباد فأول حق للعباد يقضى الله فيه هى الدماء، ولقد قص على أستاذ فاضل ومستشار لا أزكيه على الله، قص على قصة ذكرتها فى خطبة عيد الأضحى تخلع القلب، خلاصتها أن ذئباً بشرياً نزعت الرحمة من قلبه وانتكست فطرته رأى طفلة صغيرة مسكينة لا يزيد عمرها عن خمس سنوات رآها تلعب ببراءة بجوار بيتها المجاور للمقابر فى قرية من القرى، فأحتال هذا الذئب الذى لم يرعى بقصاص عادل ولا بمراقبة الله جل وعلا الذى يمهل ولا يهمل، فاحتال على هذه الطفلة الصغيرة البريئة المسكينة واستدرجها إلى المقابر حتى أدخلها المقابر ثم أعتدى على عرضها ولم يرحم استغائتها، وهى الطفلة البرئية المسكينة بنت الخمس سنوات بل ولم يراعى حرمة الموتى الذين أحاطوا به من كل جانب، ولم يراع حرمة المقابر، انظروا إلى مرض القلوب وانتكاس الفطر والعياذ بالله، لم يراقب الله الحى الذى لا يموت ولم يراع حرمة المقابر ولا حرمة الأموات، بل انتهك عرض الطفلة المسكينة البرئية بين المقابر، وفكر بعد ذلك فى الفضيحة فحاول هذا المجرم الخبيث أن يخنقها فلم يفلح فجاء بثوبها الداخلى فدس ثوبها فى فمها حتى فارقت الحياة، وفكر هذا المجرم الخبيث فى فضيحته ففتح قبراً من القبور المعدة للموتى ووضع الطفلة المسكينة البرئية بثيابها فى هذه المقبرة ولكن الملك يمهل ولا يهمل، قدر الله عز وجل أن يموت رجل من هذه القرية فى اليوم التالى مباشرة ويشاء الله سبحانه وتعالى أن يحمل المتوفى إلى المقابر وأن يفتح نفس القبر الذى دفنت فيه الطفلة البريئة، فقد حاول الأهل أن يبحثوا عنها فلم يجدوها، فمن الذى يفكر فى هذه الجريمة البشعة، واستطاع رجال الأمن بعد ذلك فى أن يقبضوا على هذا الذئب البشرى الخبيث المجرم، وحكمت عليه محكمة النقض كما قص على المستشار حكمت على هذا الذئب البشرى بالإعدام لكن من منا سمع حكم الإعدام؟ لذا فأنا أطالب المسؤولين الآن كما يذيع التلفاز فى نشرته الإذاعية أو التلفازية الأخبار، أخبار الممثلين والممثلات والساقطين والساقطات واللاعبين واللاعبات والمطربين والمطربات الأحياء منهم والأموات، أن يذيعوا على الأقل على الأقل خبر الحكم بالإعدام على ذئب بشرى خبيث ليرتدع من تسول له نفسه على الأقل فى انتهاك الأعراض والحرمات، ثم إننى على يقين مطلق جاز فى أن الحل الناجع الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة هو القصاص تطبيق شريعة رب الناس {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة
            والله لن يرتدع المجرم القاتل إلا إذا علم أن شريعة الله تطبق، وأن من شريعة الله أن يقتل القاتل وأن يقام الحد على الزانى، هذا هو الحل الأوحد فى القضاء على هذه الجريمة البشعة، أقسم بالله على منبر رسول الله أن جريمة القتل لم تكن بدافع السرقة أو بدافع فعل الأغتصاب إلا يوم أن حكم القانون الوضعى الأعمى ونحى شرع الرب العلى الأعلى الذى قال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك .
    ثالثاً: حرمة المال: من حق المسلم فى المجتمع الإسلامى أن يأمن على ماله وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء حرمة المال إخواتى الكرام .. المال مال الله، فهو واهبه ورازقه قال تعالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (33) سورة النــور فالمال مال الله {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } قال سبحانه : { وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ } (7) سورة الحديد وقال سبحانة: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (180) سورة آل عمران ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرماً منه وتفضلاًًً من ناحية وابتلاء واختباراً لهم من ناحية أخرى، أركز فى هذه الكلمة مرة أخرى وأعيدها أيها الفضلاء وأقول .. ثم أضاف الله عز وجل المال للعباد تكرما منه وتفضلاً من ناحية وابتلاء واختبارا لهم من ناحية أخرى فقال سبحانة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (9) سورة المنافقون قال جل وعلا: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (28) سورة الأنفال وقال جل وعلا: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (35) سورة الأنبياء .
     
    لذا فإن المؤمن العاقل هو الذى يعلم الغاية من المال، ويعلم أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة ولا ينسى أبداً حبيبه المصطفى كما فى صحيح مسلم ممن حديث عبد الله بن الشخير، "مالك يا بن آدم تقول مالى مالى، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت" ([8]) .. وفى لفظ
     
    فأبقيت، ولذا يقول الحبيب المحبوب كما فى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد من حديث أبى كبشة الأنمارى يقول المصطفى :.. ثلاث أقسم عليهم وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال عبد من صدقة ولا ظلم عبدا مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزا ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر أحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقى فيه ربه .. أى فى ماله وعلمه فهو يتقى فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا .. فهذا بأفضل المنازل أى عند الله جل وعلا، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالا فهو صادق النية فهو يقول لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان .. أى من أهل البر والخير لبنيت المساجد ولأنفقت على الفقراء والمساكين ولفعلت كذا وكذا.. يقول النبى: فهو صادق النية يقول لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان ([9]) أى من أهل البر والخير، اسمع ماذا وقال المصطفى : فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما هذا هو العبد الثالث يقول المصطفى : فهو يخبط فى ماله .. يعنى ينفق المال على غير حق وهدى لا يتقى فيه ربه ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله أى فى ماله حقا، فهذا بأخبث المنازل أى عند الله جل وعلا وعبد وهذا هو العبد الرابع.... وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول لو أن لى مالا لعملت فيه بعمل فلان .. أى من الفسق والمجون والمعاصى لسافرت من بانكوك إلى مدريد، إلى هنا وهناك، للهو والفسق والزندقة .. لو أن لى مالاً لعملت بعمل فلان يقول المصطفى فهو بنيته فوزرهما سواء..
    فالمؤمن العاقل إخواتى هو الذى يعلم الغاية من المال، يعمل أن المال ظل زائل وعارية مسترجعة من أجل ذلك انتبه ، فهو يحرص كل الحرص على أن يجمع المال من الحلال وأن يؤدى فى المال حق الكبير المتعال، من حق هذا المسلم حينئذ أن يأمن على ماله ولو قل، من حقه أن يأمن على بيته، من حقه أن يأمن على أولاده، من حقه أن يأمن على تجارته، من حقه أن يأمن على ماله فى المجتمع ولو قل هذا المال، لا يجوز لأحد البته أن يأخذ هذا المال منه بغش أو بسرقة أو بنصب أو بغصب أو بظلم أو باحتيال قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) سورة النساء وقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (38) سورة المائدة وسيظل حد القطع هو الرادع الأوحد والأمثل والأقوى للقضاء على اللصوص الكبار والصغار الذين يسرقون أقوات وأموال الأمم والشعوب والأفراد على السواءن سيظل حد القطع ليد السارق هو الرادع والأقوى للقضاء على اللصوص الكبار والصغار، ومن يزعم بأنه أرحم بالناس من خالق الناس فى قليه عمى وفى عقله ضلال، وعلى الذين يدندنون على أن حد القطع ليد السارق لا يتواءم ولا يتفق مع مدنية القرن العشرين ولا مع إنسانية البشر عليهم أن يراجعوا بعدل وإنصاف نتائج القطع ونتائج السجن والحبس، ليعلموا علم اليقين أن حد القطع لم يطبق فى صدر الإسلام إلا على أحاد الناس وصدق ربى إذ يقول: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك
    رابعاً حرمة العرض: ثم من حق الفرد المسلم على المجتمع أن يأمن على عرضه، وهذا هو عنصرنا الرابع من عناصر اللقاء، العرض هو موضع المدح والذم فى الإنسان، ومنه قول حسان بن ثابت ، وهو يذيب عن عرض الحبيب
    المصطفى :
    وإن أبى ووالده وعرضى              لعرض محمد منكم وقاء
    فالعرض هو موضع المدح والذم فى الإنسان كما قال ابن منظور فى لسان العرب ممن جسد أو نفس أو حسب أو شرف ولا شك أن أبشع صورة من صور انتهاك العرض هى الزنا، فالزنا أبشع وأشنع جريمة ترتكب على ظهر الأرض بعد الشرك بالله وقتل النفس، المرأة إن زنت والعياذ بالله أدخلت العار على زوجها وأهلها ووضعت رؤوس أسرتها فى الوحل والطين والتراب، فإن كانت المرأة متزوجة ووقعت فى جريمة الزنا وخافت من الفضيحة والعار، قتلت ولدها من الزنا، وقعت فى كبيرتين ألا وهما القتل والزنا، فإن أبقت على ولدها من الزنا وأدخلت هذا الولد بين أولادها، أدخلت عليهم أجنبياً ليس منهم فورثهم ولا حق له فى ذلك، وخلا بهم ولا حق له فى ذلك، وانتسب هذا الولد إلى زوجها ولا حق له فى ذلك، أما إذا زنا الرجل فاختلطت الأنساب واشتعلت الأحقاد وهدم المجتمع المسلم من قواعده، من أجل ذلك شدد الإسلام يا أخوة تشديداً عظيماً على جريمة الزنا فقال تعالى: {الزَّانِيَةُ}.. وإلحظ ملحظاً قرآنيا بليغا لتقديمه لفظ الزانية، فإنه لا يتمكن زان من الزنا إلا بمقدمات حقيقية من زانية مجرمة فقدم القرآن الزانية {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي } (2) سورة النــور ولذا قدم القرآن فى السرقة الرجل فقال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ } (38) سورة المائدة لأن دافع السرقة عند الرجل أقوى ، أما فى الزنا قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (2 ، 3) سورة النــور أنظروا إلى هذا التشريع، الأمر لا يحتاج إلى فذلكة أو حذلقة.. كيف يؤتى بالزانى على رؤوس الأشهاد ليقام عليه حد الجلد أو حد الرجم هذا لا يتفق مع إنسانية الإنسان، هذا لا يتفق مع مدنية القرن العشرين !!! لا تمت إلى عقل سليم بصلة ولو ابتلى الإنسان بهذا البلاء .. وأسأل الله أن ينجينى وإياكم منه، لو زنى بابنته أو امرأته أو بأخته لتمنى ورب الكعبة ألا يقام الحد بالجلد أو بالرجم، بل لتمنى أن يمزق الزانى بأنيابه قطعة قطعة، إن الأخذ على يد الزانى حياة للمجتمع كله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة ، رجل ذكر بالله. فلم يتذكر، نصح فلم ينتصح قيل: إياك والعرض لا تتعدى ولا تنتهك الحرمات فلم يرتدع فراح يرتع فى هذا المستنفع الآثن العفن، لابد من الأخذ على يديه، لو أن عضوا من أعضاء الجسد قد أصيبت بمرض السرطان فإن من الحكمة أن يقطع هذا العضو الذى ابتلى بمرض السرطان، وإلا فسيسرى المرض فى الجسد كله، فلابد من بتر هذا العضو الخبيث فى المجتمع لنضمن الحياة الطبية الهادئة للمجتمع بأسره، فالله تبارك وتعالى أمر بالجلد للزانى البكر الذى لم يتزوج أن يجلد مائة جلدة مع الزانية أمام طائفة من الناس ليرى كل الناس هذا العقاب، فيفكر كل من تسول له نفسه بدل المرة ألف مرة فى التعدى على الأعراض وانتهاك الحرمات، أما المحصن أى المتزوج الذى يترك هذا الحلال الطيب وينطلق ليرتع فى هذا المستنفع الآثن العفن فحده فى دين الله الرجم، فإن رجم وتاب إلى الله تبارك وتعالى فإن الله عز وجل قد طهره بالتوبة وبإقامة الحد طهره، ومن عدل الله، تبارك وتعالى ألا يحاسب العبد على ذنب طهر منه فى الدنيا بإقامة الحد لا يحاسبه الله على هذا الذنب يوم القيامة، عدل الله ورحمته فقد يزل الإنسان لكن لابد حينئذ أن يجدد التوبة والأوية، وأن يقام عليه حد الله تبارك وتعالى فحد الزانى المحصن هو الرجم حتى الموت تلك حدود الله ، هذا شرع الله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة لا يحيا المجتمع حياة آمنة هادئة إلا بهذان إلا بتطبيق شرعه المحكم وقال النبى كما فى الصحيحين .. لا يزنى الزانى وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن .. وقال النبى كما فى صحيح البخارى من حديث سمرة الطويل أن جبريل وميكائيل جاءاً إلى النبى فقالا له: ... انطلق فانطلق الحبيب معهما فمروا على تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع تشتعل فيه النيران فنظر النبى فى هذا التنور فرأى فيه رجالاً ونساء عراة يصيحون من شدة لهب التنور (أى من شدة الحر) فإذا ارتفعت النار ارتفعوا فإذا انخفضت انخفضوا فى هذا التنور فقال النبى : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال جبريل: هؤلاء الزناة والزوانى هذا عذابهم إلى يوم القيامة..([10])
     
    من زل فليتب، وقد يسألنى الآن مسلم أنا أعيش فى بلد لا تطبق فيه الحدود فماذا أصنع؟ وقد وقعت فى هذه الجريمة البشعة ولا أذوق طعم النوم ولا طعم السعادة ولا طعم الراحة، كم من اتصالات وكم من أسئلة مكتوبة تعرض علينا فى كل أسبوع أقول له: أخى الحبيب.. أخى الكريم.. اعلم بأن الله عز وجل سيفرح بتوبتك إن تبت إليه وهو الغنى عنك فأنت لست ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، ووالله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا، والله لو تخلى عنا برحمته طرفة عين لهلكنا، فيا من ضعفت وزللت فى هذه الكبيرة عد إلى الله واسمع نداء الله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (53) سورة الزمر عد إلى الله وأعلم بأن الله سيفرح بتوبتك، إن ستر الله عليك فاستر على نفسك وجدد التوبة والأوية، فإن الأصل فى الكبائر هو التوبة وليس إقامة الحد، إلا إذا وصل أمرك إلى ولى الأمر المسلم، فاستر على نفسك وجدد التوبة فإن قبل الله منك التوبة ، تولى الله تبارك وتعالى تخليص ذنبك، وتولى الله تبارك وتعالى تفريج كربك {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (88 ، 89) سورة الشعراء .
    الأصل فى الكبائر هو التوبة كلكم يحفظ قصة ماعز والغامدية، لقد جاء ماعز الذى ارتكب جريمة الزنا وهو محصن جاء إلى الحبيب المصطفى إلى الرحمة المهداة والنعمة المسداة ليقول: يا رسول الله. طهرنى ، فماذا قال له المصطفى؟ قال: .. ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه .. جاء إلى النبى   يطلب منه أن يقيم الحد عليه، والنبى يقول له: .. ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه .. جاء إلى النبى يطلب منه أن يقيم الحد عليه، والنبى يقول له: .. ويحك أرجع استغفر الله وتب إليه .. فرجع ماعز ولكن ما يطيق النوم وعاد إلى النبى فى اليوم التالى: يا رسول الله طهرنى لقد أصبت حداً فقال له النبى : .. ويحك إرجع استغفر الله وتب إليه .. وعاد ماعز ولكن لم يطق النوم وهؤلاء يا إخوة رباهم المصطفى على مراقبة الحى، لم يترب هؤلاء على مراقبة القانون الأعمى الذى إن رأى ساعة لا يرى فى غيرها، لكن رباهم النبى على مراقبة العلى الأعلى، فإن لم تأت به الشرطة يأتى يحركة إيمانه، يحركه خوفه من ربه، وتحركه مراقبة الله تبارك وتعالى فيأتى على قدميه مختاراً غير مكره غير مضطر.
    يأتى للنبى: طهرنى يا رسول الله فقال له النبى فقال له النبى للمرة الثالثة: "ويحك ارجع استغفر الله وتب إليه، فقال له ماعز: لقد اصبت حداً يا رسول الله زنيت يا رسول الله طهرنى. فأمر النبى رجلا من أصحابه أن يقوم بأن يشم رائحة فمه قال النبى لأصحابة: " أبه جنون؟ أهو عاقل؟ " قالوا: نعم يا رسول الله فأمر رجل أن يستنكهه أى أن يشم- رائحة – فمه هل شرب خمراً فلعبت الخمر برأسه، فقام أحد الصحابة فشم رائحة فمه فلم يجد بها أثرا للخمر أو فلم يجد بفمه أثراً للخمر فقال: لا يا رسول الله فحينئذ أمر رسول الله  أن يقام الحد على ماعز.([11])
     
    ومن أعجب ما قرأت من الروايات ما ذكره الشوكانى فى نيل الأوطار صححه كثير من أهل العلم، أن الصحابة عادوا إلى النبى فأخبروه وأنهم لما هموا برجم ماعز جرى فقال النبى:" هلا تركتموه؟ هلا تركتموه؟" فالإسلام ليس متعطشاً للدماء ولا لإقامة الحدود، وعلى العلمانيين الذين لا يحترمون أنفسهم ممن يختزلون قضية الشريعة كلها فى الحدود، عليهم أن يحترموا أنفسهم وأن يعلموا يقينا أن الإسلام العظيم لا يختزل فى قضية الحدود، وعليهم أن يعلموا الحدود حين تطبق لها ضوابط ولها شروط الأمر ليس متروكا هكذا فدين الله عز وجل ورب الكعبة هو طريق السعادة فى الدنيا والآخرة، لأن الله عز وجل هو خالق الإنسان، وهو وحده الذى يعلم ما يسعده وما يصلحه وما يفسده، وأكرر للمرة الثالثة قول الله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (14) سورة الملك فأبشع صورة من صور انتهاك العرض هى الزنا أسأل الله عز وجل أن يطهر مجتمعنا ومجتمعات المسلمين من هذه الجرائم والكبائر الكبيرة البشعة، وأن يرد المجتمعات المسلمة إليه رداً جميلاً إنهولى ذلك والقادر عليه.. وأترك ما تبقى من جزئية العرض إلى ما بعد جلسة الاستراحة أقول هذا وأستغفر الله لى ولكم.
    الخطبة الثانية:
    الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
    أما بعد..
    فيا أيها الأحبة الكرام .. لاشك أيضاً أن من صور انتهاك الأعراض القذف فالكلمة تذبح عرضاً وتجرح كرامة فكما ينتهك العرض بالزنا ينتهك العرض بكلمة قذف بشعة ، لذا فقد جعل الإسلام العظيم القذف كبيرة من الكبائر تستحق الحد قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (4) سورة النــور فالكلمة خطيرة، يستهين الآن كثير من المسلمين والمسلمات بالكلمة، فيجلس رجل بين إخوانه فيقذف فلانا بكلمة فينتهك عرضه، ينتهك شرفه، يسئ إلى سمعته أو تجلس فلانة بين المسلمات فتنتهك عرض مسلمة من المسلمات بكلمة، هذا قول فالكلمة تجرح بل وتهدم بيوتاً آمنة مطمئنة ولله در من قال: إن ترك الألسنة تلقى التهم قذافاً دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء فى أى وقت شاء. ثم يمضى آمنا مطمئناً، فتصبح الجماعة وتمسى وإذا أعراضها مجرحة وسمعتها مكلوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام ، وهذه حالة من الشك والقلق والريبة لا تطاق بحال من الأحوال، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (18) سورة ق وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (38) سورة المدثر وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7 ، 8) سورة الزلزلة.
    وقال المصطفى كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة: .. إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا فيرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا فيهوى بها فى جهنم.([12])
    وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم وعن أبى موسى الأشعرى أن النبى سئل أى المسلمين أفضل قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده"([13]) .. فقدم النبى اللسان على اليد، من سلم
     
    المسلمون من لسانه ويده، وفى صحيح سنن النسائى: "إنه ما يوم يمر علينا يصبح الإنسان فيه إلا والأعضاء كلها تكفر اللسان أى تذل له وتخضع أى تقول له الأعضاء أتق الله فينا فإنما نحن بك فإن استقمت استقمنا وإن إعوججت اعوججنا".([14])
     
    وفى الحديث الذى رواه الطبرانى وأرجو أن تتدبروا هذا الحديث رواه الطبرانى بسند صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة بمجموع طرقه من حديث البراء بن عازب أن النبى قال: .. الربا اثنان وسبعون بابا أدناه مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطاله الرجل فى عرض أخيه . ([15]) . وفى الحديث الصحيح الذى رواه أحمد من حديث ابن عمر ان النبى قال: .. من قال فى مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله رذغة الخبال
     
    ([16]) هل تعلمون شئياً عن ردغة الخبال، ردغة الخبال أيها الأحبة هى عصارة أهل النار .. الله .. الله فى
     
    العرض والشرف، فكر ألف مرة قبل أن تنطق مرة، فإن الكلمة خطيرة، بكلمة تدخل دين الله وبكلمة تخرج من دين الله، وبكلمة تنال رضا الله وبكلمة تنال سخط الله، كلمة تستحل فرج امرأة، وبكلمة يحرم عليك فرجها، إن الكلمة فى الإسلام خطيرة فلا ينبغى أن تجلس فى المجالس هنا وهناك فى الوظائف ليقذف كل من شاء فى أى وقت شاء، فستسأل عن كل كلمة نطق بها لسانك فى هذه الدنيا فى يوم ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
     
    يا هاتكا حرم الرجال وتابعا
    من يزن فى قوم بألفى درهم
    إن الزنا دين إذا استقرضته

     
    طرق الفساد فأنت غير مكرم
    فى قومه يزنى بربع الدرهم
    كان الوفا من أهل بيتك

     
    الزنا أبشع صور انتهاك العرض والقذف فالكلمة صورة خطيرة وكبيرة بشعة من صور انتهاك العرض.
    أيها الأحبة .. ورب الكعبة ما أحوج الأمة إلى هذا الشرع المحكم المطهر، إلى أن ترجع من جديد إلى طريق السعادة والنجاة فى الدنيا والآخرة، إلى كتاب ربها وإلى سنة الحبيب نبيها .. فإن الإسلام دين السلم، دين التسامح، إن الإسلام دين الفضائل، إن الإسلام دين الشمائل، إن الإسلام دين الله الذى يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، البشرية الآن كلها تحترق لا يمكن أبدا أن تفتح تلفازاً أو إذاعة من الإذاعات إلا وستفاجأ بجرائم القتل البشعة وجرائم وإنتهاك العرض المخرج هو العودة من جديد إلى الله ورسوله قال الله جل وعلا:  {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (123 ، 124) سورة طـه
    نسأل الله أن يرد إليه الأمة ردا جميلاً، اللهم استر عوراتنا، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أستر أعراضنا وأستر نساءنا، اللهم استر بناتنا، اللهم لا تمكن من نسائنا ولا بناتنا ذئبا بشريا من ذئاب البشر الجائعة يارب العالمين.
     


    (1) رواه البخارى فى العلم (67 ، 105) وفى الحج (1739 ، 1741) وفى المغازى (4406) وفى الفتن (7078) وفى التوحيد (7447) ومسلم فى القسامة (1679).
    (1) رواه البخارى فى الديات (6862) وأحمد (2/94).
    (2) رواه البخارى فى الديات (6863).
    (3) رواه أبو داود فى الفتن والملاحم (4270) والنسائى فى تحريم الدم (7/81) وأحمد (4/99) والحاكم (4/351) وصححه.
    (4) رواه النسائى فى تحريم الدم (7/82 ، 83).
    (1) رواه البخارى فى الرقاق (6533) وفى الديات (6864) ومسلم فى القسامة (1678/28).
    (1)     رواه الترمذى فى أبواب الصلاة (413) وأبو داود فى الصلاة (864) والنسائى فى الصلاة (1/232) وأبن ماجه فى إقامة الصلاة (1425) وأحمد (2/290 ، 425).
    (1) رواه مسلم فى الزهد (2958/3) والترمذى فى الزهد (2342) وفى تفسير القرآن (2352) وقال: حسن صحيح وأحمد (4/24، 26).
    (1) رواه أحمد (4/231).
    (1) رواه البخارى فى الجنائز (1386) وفى التعبير (7047) وأحمد (5/8 ، 14). 
    (1) رواه البخارى فى المحاربين (6815، 6820) ، ومسلم فى الحدود (1619 ، 1694).
    (1) رواه البخارى فى الدقاق (6478) وأحمد (2/334) ورواه مسلم بلفظ قريب فى الزهد والرقائق (2988).
    (2) رواه البخارى فى الإيمان (10 ، 11) وفى الرقاق (6484) ومسلم فى الإيمان (41 ، 42).
    (1) رواه أحمد (3/96) والترمذى فى الزهد (2407).
    (2) عزاء السيوطى فى الجامع الصغير (45096) للطبرانى فى الصغير من البراء بن عازب وقال السيوطى: صحيح.
     
    (3) رواه أحمد (2/70) وأبو داود فى الأقضية (3597).

    كلمات مفتاحية  :
    حرمة المسلم انتهاك الأعراض

    تعليقات الزوار ()