الجواب:
الحمد لله
تقسيم العقود إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية تقسيم صحيح المضمون ، فالعقد – من هذه الحيثية - إما أن ينعقد بالإيجاب والقبول الشفهيين من غير كتابة ، وهذا هو العقد الشفهي . وإما أن يزيد المتعاقدان العقد توثيقا بكتابته وتدوين بنوده وشروطه ، وهذا هو العقد المكتوب.
وقد تكلم فقهاؤنا رحمهم الله حول توثيق العقود بالكتابة ، وكان أصل استدلالهم على ذلك بما أمر الله سبحانه وتعالى به في كتابه الكريم من كتابة الديون – سواء كانت في عقد قرض محض أو بيع إلى أجل - فقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ ) البقرة/282.
كما استدلوا على ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع العدَّاء بن خالد ، فقد روى الترمذي في باب ما جاء في كتابة الشروط ، حديث رقم : (1216) عن عبد المجيد بن وهب قال : ( قال لِي الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ : أَلَا أُقْرِئُكَ كِتَابًا كَتَبَهُ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى . فَأَخْرَجَ لِي كِتَابًا : هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدِ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً ، لَا دَاءَ ، وَلَا غَائِلَةَ ، وَلَا خِبْثَةَ ، بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ )
قال الترمذي : حسن غريب . وقال الذهبي في " المهذب " (4/2094) : ما أرى بهذا الإسناد بأسا . وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (12/367) : إسناده حسن وله طرق . وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي ".
كما يمكن التوسع في الاستدلال على أصل كتابة العقود في السنة النبوية بما ورد من كتب النبي صلى الله عليه وسلم المعاهدات مع قريش وغيرهم ، وكتب عقود الصلح والأمان ، وكتب أيضا صلى الله عليه وسلم ما أعطى لبعض أمراء الأعراب من القطائع العظيمة ونحو ذلك من كتبه صلى الله عليه وسلم .
يقول الدكتور مصطفى الزرقا رحمه الله :
" النطق باللسان ليس طريقا حتمية لظهور الإرادة العقدية بصورة جازمة في النظر الفقهي ، بل النطق هو الأصل في البيان ، ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة أخرى اختيارية أو اضطرارية مما يمكن أن تعبر عن الإرادة الجازمة تعبيرا كافيا مفيدا .
وعلى هذا أقر الفقهاء أنه يقوم مقام النطق في الإيجاب والقبول إحدى وسائل ثلاث أخرى ، وهي : الكتابة ، وإشارة الأخرس , والتعاطي " انتهى.
" المدخل الفقهي العام " (ص/411)
وقد ذكر الفقهاء لتوثيق العقود منافع وفوائد من أوجه كثيرة ، منها :
1- صيانة الأموال ، وقد أمرنا بصيانتها ونهينا عن إضاعتها .
2- قطع المنازعة ، فإن الوثيقة تصير حكما بين المتعاملين ، ويرجعان إليها عند المنازعة ، فتكون سببا لتسكين الفتنة ، ولا يجحد أحدهما حق صاحبه مخافة أن تخرج الوثيقة وتشهد الشهود عليه بذلك ، فينفضح أمره بين الناس .
3- التحرز عن العقود الفاسدة ؛ لأن المتعاملين ربما لا يهتديان إلى الأسباب المفسدة للعقد ، ليتحرزا عنها ، فيحملهما الكاتب على ذلك إذا رجعا إليه ليكتب .
4- رفع الارتياب ، فقد يشتبه على المتعاملين إذا تطاول الزمان مقدار البدل ومقدار الأجل ، فإذا رجعا إلى الوثيقة لا يبقى لواحد منهما ريبة .
انظر: " الموسوعة الفقهية " (14/135)
والحاصل : أن توثيق العقود بالكتابة ركن من أركان نظرية العقود في الشريعة الإسلامية ، اقتضى ذلك من الفقهاء المعاصرين والمختصين بالقانون تقسيم العقود من هذه الحيثية إلى عقود مكتوبة وعقود شفهية ، وهو تقسيم صحيح المضمون من هذا الاعتبار : الكتابة من عدمه ، وإن كانت الكتابة وصفا لا يتعلق بالعقد ذاته ، وإنما بإحدى عوارض العقد ، ولكن التقسيم بالعارض الأساسي أو الثانوي تقسيم صحيح .
وللتوسع يمكن مراجعة كتاب : " المدخل الفقهي العام " (ص/631) فقد ذكر تصنيف العقود بأنواعها المختلفة ، وإن كان لم يذكر هذا التقسيم : عقود مكتوبة ، وعقود شفهية ، كما يمكن مراجعة بحث في مجلة الجامعة الإسلامية ، العدد/110، بعنوان: كتابة العدل ولاية التوثيق في المملكة العربية السعودية، للدكتور عبد الله الحجيلي .
كما يمكن في موقعنا مراجعة الجواب رقم : (364)
والله أعلم .