الجواب :
الحمد لله
حرص الإسلام على الأطفال وحسن تربيتهم ، وخاصة في فترة الحضانة ، ويتأكد هذا عند انفصال الزوجين ، فلا بد من مراعاة مصلحة الطفل ، وهذا أمر تدعو إليه الفطرة الإنسانية السليمة ، فضلا عن الشريعة الإسلامية السمحة ، التي تدعو إلى كل خير ، وتنهى عن كل شر .
والأصل : أنه إذا حصل الطلاق فالأم أولى بحضانة أولادها الصغار من الأب ، فإن تزوجت سقط حقها في الحضانة .
قال ابن المنذر رحمه الله :
" أجمعوا أن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أن الأم أحق به ما لم تنكح ، وأجمعوا على أن لا حق للأم في الولد إذا تزوجت " انتهى .
"الإجماع" (ص24) .
ودليل هذا من السنة : ما رواه أبو داود (2276) أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي . فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) . وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (1968) .
قال ابن القيم رحمه الله :
" والولاية على الطفل نوعان : نوع يقدم فيه الأب على الأم ومن في جهتها وهي ولاية المال والنكاح ، ونوع تقدم فيه الأم على الأب وهي ولاية الحضانة والرضاع ، وقدم كل من الأبوين فيما جعل له من ذلك لتمام مصلحة الولد وتوقف مصلحته على من يلي ذلك من أبويه وتحصل به كفايته .
ولما كان النساء أعرف بالتربية وأقدر عليها وأصبر وأرأف وأفرغ لها لذلك قدمت الأم فيها على الأب .
ولما كان الرجال أقوم بتحصيل مصلحة الولد والاحتياط له في البضع [الزواج] قدم الأب فيها على الأم . فتقديم الأم في الحضانة من محاسن الشريعة والاحتياط للأطفال والنظر لهم ، وتقديم الأب في ولاية المال والتزويج كذلك " انتهى .
"زاد المعاد" (5/392) .
ولكن إذا من له الحق في الحضانة -الأم أو الأب- مضيعا للولد سقط حقه في الحضانة ، وانتقلت الحضانة إلى من يقوم بمصالح الطف ويحفظه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وأحمد وأصحابه إنما يقدمون الأب إذا لم يكن عليها في ذلك ضرر ، فلو قدر أنه عاجز عن حفظها وصيانتها ، أو مهمل لحفظها وصيانتها فإنه يقدم الأم في هذه الحالة .
فكل من قدمناه من الأبوين إنما نقدمه إذا حصل به مصلحتها أو اندفعت به مفسدتها ، فأما مع وجود فساد أمرها مع أحدهما فالآخر أولى بها بلا ريب " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (34/131) .
وقال رحمه الله :
" وإذا قدر أن الأب تزوج ضرة ، وهى تترك عند ضرة أمها لا تعمل مصلحتها بل تؤذيها أو تقصر في مصلحتها وأمها تعمل مصلحتها ولا تؤذيها فالحضانة هنا للأم .
ومما ينبغي أن يعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقا ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا ، والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا ، بل مع العدوان والتفريط لا يقدم من يكون كذلك على البَرّ العادل المحسن القائم بالواجب " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (34/132) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"أحق الناس بحضانة الطفل أمه إذا افترق الزوجان ، وإذا بلغ الغلام سبع سنين خير بين أبويه فكان عند من اختار منهما ، وإذا بلغت البنت سبعا فأبوها أحق بها ؛ لأنها تحتاج إلى الحفظ والصيانة ، والأم تحتاج إلى من يصونها ، ولا يقر المحضون ذكرا كان أو أنثى بيد من لا يصونه ولا يصلحه هذا هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله" انتهى مختصراً .
"فتاوى اللجنة" (21/194-195).
وقال الشيخ صالح الفوزان :
"الأنثى إذا بلغت سبع سنين ؛ فإنها تكون عند أبيها إلى أن يتسلمها زوجها ؛ لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره ، ولا تمنع الأم من زيارتها مع عدم المحذور ، فإن كان الأب عاجزا عن حفظ البنت أو لا يبالي بها لشغله أو قلة دينه ، والأم تصلح لحفظها ؛ فإنها تكون عند أمها" انتهى .
"من موقع الشيخ الفوزان" .
فالمقصود من الحضانة هو مصلحة الطفل ، فإذا كانت الأم لا تقوم بذلك انتقل الحق إلى الأب ، وإذا كان الأب لا يقوم بذلك انتقل الحق إلى الأم ...... وهكذا .
ولكن ينبغي على الوالدين أن يتعاونا فيما بينهما لمصلحة الولد ، حتى لا يكون نزاعهما سبباً لانحراف الولد أو ضياعه .
وانظري جواب السؤال رقم (20705) .
وعند التنازع لابد من رفع الأمر إلى الحاكم ليفصل بينهما ، أو يتفق الوالدان على تحكيم رجل ذي عقل ودين ، فيحكم بينهما حسب ما يرى من مصلحة الطفل .
والله أعلم