سؤال: ما حكم شعر الغزل ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الشعر في أصله مباح ، فهو كلام موزون ، والأصل في الكلام الإباحة والجواز ، ولكن تجري فيه الأحكام الفقهية الخمسة بحسب موضوعه ومقصوده والغاية منه . ولذلك قال الإمام الشافعي كلمته المشهورة : " الشعر كلام ، حسنه كحسن الكلام ، وقبيحه كقبيح الكلام " انتهى .
"الأم" (6/224) ، ورويت هذه الكلمة مرفوعة مرسلة ، ورويت عن بعض السلف أيضا.
ثانيا :
لا حرج في شعر الغزل بالضوابط الآتية :
1- ألا يكون تشبيبا بامرأة معينة ، ينتهك فيها الشاعر حرمة من حرمات المسلمين ، ويعتدي على عرض مصون من أعراضهم ، فإذا كان تغزلا معروفا بامرأة معينة كان من كبائر الذنوب ، فقد قال الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/58 .
2- ألا يكون من الغزل الفاحش الذي يشتمل على وصف جسد المرأة بما يثير شهوة السامع والقارئ ، أو يصف فيه الشاعر شيئا من علاقته الآثمة مع تلك المرأة ، فهذا كله من فاحش الكلام الذي جاء الإسلام لصيانة ألسنة الناس وأسماعهم عنه ، حفظا للمجتمعات من انتشار الرذيلة والافتخار بها كما هي عادة أهل الجاهلية القديمة والمعاصرة .
3- ألا يرافقه الغناء والمعازف على الطريقة المعروفة اليوم مما يعتاده أهل المعاصي والشهوات .
4- وإذا كان الشاعر يتغزل بمن يحل له التغزل بها كالزوجة : فلا حرج إذا كان الشعر محصورا بينه وبينها ولا يطلع عليه أحد ، فإذا أراد نشره فلا يجوز أن ينشر منه ما يصف فيه جمال زوجته ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها ، فمن باب أولى عدم جواز نعت الرجل زوجته للسامعين .
فإذا عرفت هذه الضوابط تبين أن الكثير مما ينتشر اليوم من أشعار الغزل الفاحش ، كأشعار نزار قباني وغيره ، هو من قبيح الكلام الذي لا ينشر في المجتمعات إلا لغة الشهوة والرذيلة ، وأنه من الشعر الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا ) رواه البخاري (6154) ومسلم (2257) .
قال ابن القيم رحمه الله : " غالب التغزل والتشبيب إنما هو في الصور المحرمة ، ومن أندر النادر تغزل الشاعر وتشبيبه فى امرأته وأمَته وأُمُّ ولده ، مع أن هذا واقع ، لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود " انتهى.
"مدارج السالكين" (1/486) .
ثالثا :
ننقل هنا بعض نصوص الفقهاء الدالة على التفصيل السابق :
قال ابن قدامة رحمه الله : " التشبيب بامرأة بعينها والإفراط في وصفها ذكر أصحابنا أنه محرم ، وهذا إن أريد به أنه محرم على قائله فهو صحيح ، وأما على راويه فلا يصح ، فإن المغازي تروى فيها قصائد الكفار الذين هاجوا بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ينكر ذلك أحد ، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في الشعر الذي تقاولت به الشعراء في يوم بدر وأحد وغيرهما ، إلا قصيدة أمية بن أبي الصلت الحائية ، وكذلك يروى شعر قيس بن الحطيم في التشبيب بعمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة ، وأم النعمان بن بشير ، وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم قصيدة كعب بن زهير ، وفيها التشبيب بسعاد ، ولم يزل الناس يروون أمثال هذا ولا ينكر ، وروينا أن النعمان بن بشير دخل مجلسا فيه رجل يغنيهم بقصيدة قيس بن الحطيم ، فلما دخل النعمان سكتوه من قبل أن فيها ذكر أمه ، فقال النعمان : دعوه ، فإنه لم يقل بأسا ، إنما قال :
وعمرة من سروات النسا ءِ تنفح بالمسك أردانها
وكان عمران بن طلحة في مجلس ، فغناهم رجل بشعر فيه ذكر أمه ، فسكتوه من أجله ، فقال : دعوه ، فإن قائل هذا الشعر كان زوجها " انتهى .
"المغني" (12/44) .
وقال الخطيب الشربيني رحمه الله – في ذكر صور من الشعر المحرم المستثنى من الجواز الأصلي - : " ( أو ) إلا أن ( يُعَرِّض ) وفي " المحرر " وغيره : يُشَبِّب ( بامرأة معينة ) غير زوجته وأمته ، وهو ذكر صفاتها من طول وقصر وصدغ وغيرها ، فيحرم ، وترد به الشهادة ، لما فيه من الإيذاء .
واحترز بالمعينة عن التشبيب بمبهمة ، فلا ترد شهادته بذلك ، كذا نص عليه ، ذكره البيهقي في سننه ، ثم استشهد بحديث كعب بن زهير وإنشاده قصيدته بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأن التشبيب صنعته ، وغرض الشاعر تحسين الكلام ، لا تخصيص المذكور .
أما حليلته من زوجته أو أمته فلا يحرم التشبيب بها ، كما نص عليه في " الأم " ، خلافا لما بحثه الرافعي ، وهو قضية إطلاق المصنف ، ونقل في " البحر " عدم رد الشهادة عن الجمهور ، ويشترط أن لا يكثر من ذلك ، وإلا ردت شهادته ، قاله الجرجاني .
ولو شبب بزوجته أو أمته مما حقه الإخفاء ردت شهادته لسقوط مروءته ، وكذا لو وصف زوجته أو أمته بأعضائها الباطنة ، كما جرى عليه ابن المقري تبعا لأصله ، وإن نوزع في ذلك " انتهى .
"مغني المحتاج" (4/431)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (12/14) : " يحرم التشبيب بامرأة معينة محرمة على المشبب أو بغلام أمرد ، ولا يعرف خلاف بين الفقهاء في حرمة ذكر المثير على الفحش من الصفات الحسية والمعنوية لامرأة أجنبية محرمة عليه ، ويستوي في ذلك ذكر الصفات الظاهرة والباطنة ، لما في ذلك من الإيذاء لها ولذويها ، وهتك الستر والتشهير بمسلمة .
أما التشبب بزوجته أو جاريته فهو جائز ، ما لم يصف أعضاءها الباطنة ، أو يذكر ما من حقه الإخفاء ، فإنه يسقط مروءته ، ويكون حراما أو مكروها ، على خلاف في ذلك .
وكذا يجوز التشبيب بامرأة غير معينة ، ما لم يقل فحشا أو ينصب قرينة تدل على التعيين ؛ لأن الغرض من ذلك هو تحسين الكلام وترقيقه لا تحقيق المذكور ، فإن نصب قرينة تدل على التعيين فهو في حكم التعيين .
وليس ذكر اسم امرأة مجهولة كليلى وسعاد تعيينا ، لحديث : كعب بن زهير : وإنشاده قصيدته المشهورة " بانت سعاد . . بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم " انتهى .
وانظر جواب السؤال رقم : (101720) .
والله أعلم .